أسبوع نيويورك لخريف وشتاء 2018... يتبنى قضية التحرش بأسلوب راقٍ

موسم بارد... قضايا ساخنة

من عرض «برابال غورونغ»
من عرض «برابال غورونغ»
TT

أسبوع نيويورك لخريف وشتاء 2018... يتبنى قضية التحرش بأسلوب راقٍ

من عرض «برابال غورونغ»
من عرض «برابال غورونغ»

يوم الأحد المقبل، ستكون كل الأعين مصوبة باتجاه دوقة كمبردج، كايت ميدلتون. السبب التساؤلات التي تدور منذ أسابيع عما إذا كانت ستحضر حفل توزيع جوائز البافتا في فستان أسود أم لا، بعد ما تقرر أن تعتمد النجمات الحاضرات هذا اللون تضامناً مع حملة التحرش الجنسي (#Metoo).
لا يختلف اثنان أن المسألة ستحتاج منها إلى بعض الدبلوماسية. في الوقت نفسه لن يكون من حق أحد أن ينتقدها في حال عدم ارتدائها اللون الأسود في هذه المناسبة. فالتعليمات التي تلقتها عند انضمامها للأسرة البريطانية المالكة أن تفصل نفسها عن كل ما هو سياسي. واللون الأسود هنا لا يتعلق بالأناقة في مناسبة مسائية، بل يحمل رسالة سياسية قوية. الطريف أن هذه التساؤلات تتزامن مع أسبوع نيويورك للأزياء الجاهزة، الذي انطلق يوم الخميس الماضي، ويرتبط بالحملة ارتباطاً وثيقاً. الملاحظ فيه أنه يعاني من ركود نوعي في السنوات الأخيرة ويحاول أن يحرك أجواءه الباردة بتبنيه في كل موسم قضية جديدة. منذ بضع سنوات مثلاً لم يخفِ تضامنه مع باراك أوباما ولا معاداته دونالد ترمب وسياساته التفريقية كلاماً وفعلاً، بجمع التبرعات لحملة هيلاري كلينتون الانتخابية وما شابه من أمور. لم يفرق هذا الأسبوع عن سوابقه. فقد لا تكون القضية سياسية مائة في المائة، لكنها تدور في المحور نفسه، لا سيما أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب اتهم به هو الآخر. فقضية التحرش الجنسي التي هزت هوليوود لا تزال نيرانها مشتعلة تنتشر في مجالات كثيرة أخرى بما فيها الموضة. فمنذ مدة تعالت أصوات عارضات تفضح أفعالاً مشينة لبعض المصورين الفوتوغرافيين العالميين، مثل ماريو تيستينو وبروس ويبر وتيري ريتشاردسون، تتهمهم باستغلال صغر سنهم وعدم خبرتهم أو حاجتهم للعمل في بداية مشوارهم.
ثم لا ننسى أن هارفي وينستين، وهو الفتيلة التي أشعلت حملة «#Metoo» في الموسم الماضي، له علاقة مباشرة بعالم الموضة. فبالإضافة إلى أنه كان يدعم زوجته السابقة جورجينا تشابمان مصممة أزياء وصاحبة ماركة «ماركيزا» بشكل مباشر بفرضه على النجمات ارتداء تصاميمها في المناسبات الكبيرة، فإنه أيضاً أنتج أفلاماً تتناول ما يدور خلف كواليسها، وشارك في برنامج «بروجيكت رانواي» وما شابه من أمور وضعته دائماً في دائرة الضوء. عملية التسييس التي تشهدها الموضة عموماً وأسبوع نيويورك هذا الموسم كانت لها تأثيرات واضحة. فـ«ماركيزا» التي كانت مدرجة على لائحة البرنامج الرسمي انسحبت قبل انطلاق أسبوع بفترة قصيرة، مبررة الأمر بأنها ستقدم تشكيلتها «رقمياً» لأنها ترى الوقت غير مناسب لتقديم عرض تقليدي. وهو ما يمكن اعتباره خطوة صحيحة لأن النفوس لم تهدأ بعد، بدليل تبني كثير من المصممين القضية بشكل شخصي. من هؤلاء نذكر المصممة فرنسية المولد ميريام شاليك التي استعانت بنساء تعرضن للعنف الجنسي «لتسليط الضوء على الظاهرة المستشرية في المجتمعات العالمية منذ قرون»، حسب قولها. وعبرت عن رأيها قائلة: «يعاني كثير من الضحايا من الأمر في صمت، لهذا أريد أن أحول ألمهن ومعاناتهن إلى مصدر قوة». معروف عن المصممة أنها تحاول دائماً دمج الموضة بقضايا اجتماعية، وتسليط الضوء على من يعانون من التهميش. فمرة استعانت بأقزام ومرة أخرى بعميان وهكذا. من جهتها، أعلنت المصممة ريبيكا مينكوف عدم مشاركتها في هذا الموسم لأسباب شخصية محضة. فهي تنتظر مولودها الثالث، لكنها في المقابل قدمت تشكيلة كانت عبارة عن بورتريهات تظهر فيها نساء لعبن دوراً مؤثراً وفعالاً في الحركة النسوية، مثل زوسيا ماميت وغيرها. مصممون آخرون لم يغفلوا أن يسجلوا دعمهم للحملة والمرأة عموماً، مثل ميشيل سميث، مؤسسة ماركة «ميلي» التي تأثرت بما يحدث في العالم من تغييرات فيما يتعلق بالتنوع واحتضان الآخر. بدورها اعترفت ستايسي بينديت، مصممة ماركة «أليس + أوليفيا» أنها استلهمت تشكيلتها لخريف 2018 من الحركة النسوية في الماضي والحاضر. لكن يبقى المصمم برابال غورانغ أكثر من جسد هذه القضية في عرضه، مصرحاً لصحيفة «ذي واشنطن بوست» حتى قبل انطلاق الأسبوع بأنه يعتبر الموضة «منبراً مهماً للتعبير عن رأيي والقضايا التي تهمني... وأرى أنه من الضروري أن نأخذ على عاتقنا مسؤولية استغلال هذا المنبر لكي نعكس رؤيتنا للعالم». بالنتيجة كانت منصته مزيجاً من جنسيات متعددة ومقاسات مختلفة، لأن فكرة أن تكون العارضة في عمر الصبا وشقراء بمقاس 0 تُعتبر بالنسبة له «تقليدية وقديمة بل ومملة أيضاً، لأن الجمال يأتي بصور مختلفة». ليس هذا فحسب، بل أرسل في آخر العرض كل عارضاته وهن يحملن وردة بيضاء تعبيراً عن تضامنه مع حملة «#MeToo»، وفي الوقت ذاته خلق صورة مثالية لـ«إنستغرام»، أما الأزياء فجاءت مفعمة بالدفء نظراً لألوانها المستوحاة من مسقط رأسه في الهيمالا وأقمشتها التي غلب عليها المخمل.
- همسات جانبية
> أخفقت تكهنات كل من كان يتصور أن نجم العارضة المحجبة حليمة سيخفت سريعاً. فالشابة صومالية الأصل التي تصدرت صورها الصحف والمجلات كأول عارضة محجبة تشارك في عروض عالمية في 2016، لا تزال موجودة في الساحة. شاركت في عرض المصمم الألماني فيليب بلاين يوم السبت الماضي، كما حضرت عرض شيري هيل ضيفة مكرمة احتلت الصف الأمامي.
> تقدر صناعة الموضة في نيويورك وحدها بـ900 مليون دولار، حيث تشهد تقاطر نحو 230.000 متابع للموضة، الأمر الذي يحرك الفنادق والمطاعم ووسائل المواصلات.
- من أهم العروض فيكتوريا بيكام
بعد إعلانها أنها ستشارك في أسبوع لندن لأول مرة في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، قدمت فيكتوريا بيكام آخر تشكيلة لها في نيويورك في أجواء احتفالية عائلية محضة، فيما اعتبره البعض أهم عرض من ناحية أنه يضع نقطة النهاية على فصل مهم في مشوارها المهني. فلعشر سنوات ظل اسمها مألوفاً في أسبوع نيويورك، الذي احتضنها في بدايتها.
احتفالاً بالمناسبة، قدمت تشكيلة تضج بالأناقة كما تعرفها، أي من وجهة نظرها الخاصة في عرض حميم استحضر بدايتها الخجولة. على الأقل من حيث عدد الحضور والمكان، فيما احتل المقاعد الأمامية زوجها ديفيد بيكام وأبناؤها إلى جانب آنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية. أما من حيث الأزياء فلم تختلف القصات أو الأفكار التي تدور حول شخصيتها وتعكس أسلوبها الخاص أولاً وأخيراً. فهذه كانت وصفتها منذ البداية ولا تزال، حيث تلعب فيها على فكرة أنها أم وامرأة عاملة في الوقت ذاته. وهذا يتطلب من وجهة نظرها أزياء عملية لا تفتقد إلى الأناقة. والمتابع لمسيرتها أو على صفحتها الخاصة في «إنستغرام» يعرف أنها كانت ولا تزال أحسن سفيرة لماركتها. فيكتوريا تعرف أن 10 سنوات في عمر أي علامة إنجاز مهم، وقد يكون الأمر أهم في حالتها، بالنظر إلى أن صناع الموضة شككوا في موهبتها في البداية واتهموها باستغلال شهرتها مغنية في فريق «سبايس غيرلز» وزوجة لاعب كرة مشهور لكي تحقق النجاح. وربما هذا ما جعلها تهجر لندن، المعروفة بانتقاداتها التي لا ترحم، إلى نيويورك في بدايتها. لم يمر سوى موسمين حتى بدأت هذه الأصوات تخفت لتسكت تماماً بعد 4 مواسم أكدت فيها أنها يمكن أن تضيف لعالم الموضة شيئاً ترغب فيه المرأة.
فأزياؤها غير متاحة للجميع، وبالتالي لا تزال تتضمن عنصر الحلم، كما أنها قارئة جيدة لنبض الشارع وتغيراته. في تشكيلتها الأخيرة مثلاً، غابت التصاميم المحددة على الجسم لتحل محلها تصاميم عصرية واسعة وطويلة، شكلت فيها البنطلونات الواسعة جزءاً كبيراً إلى جانب معاطف من أقمشة لم تستعملها من قبل، مثل الجاكار المستوحي من قماش قديم استعملته في معطف أنيق. كانت هناك أيضاً مجموعة مصنوعة من الحرير بنقشات مبتكرة تبدو من بعيد كأنها من الفرو. نذكر منها نقشات الفهد التي لم تظهر من قبل في أي من تشكيلاتها وبررتها فيكتوريا بأنها من النقشات التي تضعف أمامها المرأة دائماً.
لكن تبقى المشكلة التي تعاني منها أن نجاحاتها مصممة أزياء لا تترجمها دائماً أرقام المبيعات. فقد سجلت في العام الماضي مثلاً خسارة تقدر بـ8.4 مليون جنيه إسترليني، تأمل أن تتجاوزها قريباً بفضل تعاونها المرتقب مع شركة «ريبورك». فهذا التعاون يمكن أن يغير كثيراً من الأمور. كما أن نقلتها إلى لندن ليست اعتباطية، ويمكن أن تفتح لها أبواباً جديدة وأن تلعب دوراً مهماً في الفصل الجديد من مسيرتها.
- كريستيان سيريانو
المصمم كريستيان سيريانو، مصمم آخر يحتفل بمرور 10 سنوات على إطلاقه علامته الخاصة. استغرقت احتفاليته نحو 22 دقيقة، فيما يمكن اعتباره طويلاً مقارنة بباقي العروض، قدم فيها 72 إطلالة مختلفة كانت الفخامة والإبهار القاسم المشترك بينها. سيريانو الذي ولد من رحم برنامج «بروجيكت رانواي» الأميركي رسخ مكانته في عالم الموضة، كما أصبح له صوت مؤثر. في هذه التشكيلة كان واضحاً أنه وظف هذا الصوت ليقول إن التنوع واحتضان الآخر من بين أهم أولوياته. احتضن المرأة الممتلئة منذ بداية مسيرته، وهو ما اعتبره أمراً طبيعياً لا يستحق التهليل حسب قوله: «بما أن أغلب نساء العالم لا يتمتعن بمقاس 0». استوحى سيريانو هذه التشكيلة الموجهة لخريف وشتاء 2018 من الفن البريطاني في القرن 18، وتحديداً من مجموعة معروضة في «ذي كوين غاليري» بلندن.
الألوان والنقشات ترجمها في فساتين تعتمد على تقنية «الدرابيه» من الموسلين والمخمل، وأخرى محددة على الجسم بكشاكش أو تلمع، إضافة إلى «كابات» ضخمة بذيول. ترجمها أيضاً في الياقات والأكتاف.
- وكان للعرب مكان في نيويورك
علامة «نون باي نور» التي تقف وراءها كل من الشيخة نور والشيخة هيا الخليفة، قدمت تشكيلتها في اليوم الأول من الأسبوع. كان واضحاً أنها تحتفل بالألوان الجريئة والقصات الواسعة التي أخذت بعداً عصرياً وجريئاً في تايورات رسمية تلعب على الانسدال أكثر منها على التفصيل على الجسم، الأمر الذي يجعلها مناسبة للمرأة العاملة خلال النهار، كما في مناسبات السهرة والمساء. وحسبما صرحت به المصممتان، فإنهما استلهمتاها من سماء ساطعة بالنجوم في ليلة مقمرة، الأمر الذي يفسر انسيابيتها ونقشاتها المبتكرة، وكذلك ألوانها التي تتباين بين الأسود والأزرق الغامق والذهبي.
- توم فورد
أسهم توم فورد في إعطاء اليوم الأول من الأسبوع جرعة قوية من البريق بمعناه الحرفي. فقد استعمل أقمشة لماعة مثل اللاميه في فساتين وتايورات مفصلة في تحية واضحة لحقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. ما عزز هذا الانطباع حجم الأكتاف وفتحات الصدر التي ذكرتنا أيضاً بعهده في دار «غوتشي». إلى جانب بريق الأقمشة استعمل أيضاً، وبسخاء مماثل، نقشات الفهد في عدة قطع، من جاكيتات «توكسيدو» إلى جوارب النايلون. وبما أننا نتكلم عن توم فورد الذي يعشق الفخامة ولا يبخل عليها بكل المواد والتفاصيل، فإنه استعاض عن الفرو الحقيقي بالفرو الصناعي، وهو ما كان متوقعاً منه بعد إعلانه منذ فترة بأنه أصبح نباتياً. وبينما لم يكن أي شيء في الأزياء يشير إلى تضامنه مع حملة «#MeToo» بالنظر إلى أن القصات تضج بالأنوثة والإغراء حتى تلك التي استلهمها من خزانة الرجل، فإن الإكسسوارات، وتحديداً حقائب اليد، عبرت عن تضامنه من خلال رسائل واضحة كتبها عليها، مما لا شك أن بعضها لا يناسب منطقة الشرق الأوسط لجرأتها.
لكن على الرغم من أن توم فورد أخذنا إلى حقبة الديسكو وتوري بيرش إلى عوالم إثنية مختلفة، وباقي المصممين إلى نقطة البداية عندما كانت الموضة عن الأزياء والأناقة أولاً وأخيراً، ظلت هناك حلقة مفرغة دار حولها كثير منهم من دون أن ينجحوا في ضخها بقوة تُذكر.


مقالات ذات صلة

عزة فهمي... تحمل عشقها للغة الضاد والتاريخ العربي إلى الرياض

لمسات الموضة (عزة فهمي) play-circle 00:24

عزة فهمي... تحمل عشقها للغة الضاد والتاريخ العربي إلى الرياض

من تلميذة في خان الخليلي إلى «معلمة» صاغت عزة فهمي طموحها وتصاميمها بأشعار الحب والأحجار الكريمة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة صرعات الموضة (آيماكستري)

سروال الساق الواحدة يقسم الباريسيين... هل ينجح مثل الجينز المثقوب؟

منذ ظهور تلك البدعة، تضاربت الآراء بين المُشتغلين بالتصميم بين مُعجب ومُستهجن. هل يكون الزيّ في خدمة مظهر المرأة أم يجعل منها مهرّجاً ومسخرة؟

«الشرق الأوسط» (باريس)
لمسات الموضة من عرض المصمم التركي الأصل إيرديم (تصوير: جايسون لويد إيفانس)

هل تنقذ محررة أزياء سابقة صناعة الموضة؟

في ظل التخبط، بين شح الإمكانات ومتطلبات الأسواق العالمية الجديدة وتغير سلوكيات تسوُّق جيل شاب من الزبائن، يأتي تعيين لورا مثيراً ومشوقاً.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أساور من مجموعة «إيسانسييلي بولاري» مزيَّن بتعويذات (أتولييه في إم)

«أتولييه في إم» تحتفل بسنواتها الـ25 بعنوان مستقل

«أتولييه في إم» Atelier VM واحدة من علامات المجوهرات التي تأسست من أجل تلبية جوانب شخصية ونفسية وفنية في الوقت ذاته.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)

برنامج هارودز «ذا هايف» يعود إلى الرياض حاضناً المواهب الشابة

جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
TT

برنامج هارودز «ذا هايف» يعود إلى الرياض حاضناً المواهب الشابة

جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع الحالية، وإدخال أخرى تقرأ نبض الشارع وثقافة جيل صاعد يُعوِلون عليه ويريدون كسب ولائه بربط علاقة مستدامة معه.

وهذا تحديداً ما تقوم به بيوت أزياء عالمية حوَلت متاجرها إلى فضاءات ممتعة يمكن للزبون أن يقضي فيها يوماً كاملاً ما بين التسوق وتناول الطعام أو فقط الراحة وتجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء في جو مريح لا يشوبه أي تساؤل.

جانب من الحوارات في النسخة الأولى أظهرت تشبث الشباب السعودي بإرثه وموروثاته (هارودز)

محلات «هارودز» ذهبت إلى أبعد من ذلك. ففي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2021، أطلقت ما أصبح يُعرف بـ«هارودز هايف». برنامج قائم على حوارات ونقاشات مُلهمة يستهدف احتضان المواهب المحلية الصاعدة ودعمها أينما كانت، وذلك بجمعها مع رواد الترف والمختصين في مجالات إبداعية بشباب صاعد متعطش للمعرفة واختراق العالمية.

كانت التجربة الأولى في شنغهاي، ومنها انتقلت إلى بكين ثم دبي وأخيراً وليس آخراً الرياض.

ففي يناير (كانون الثاني) 2024، وتحت عنوان «الغوص في مفهوم الفخامة»، كانت النسخة الأولى.

الأميرة الجوهرة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود في حوار جانبي مع الحضور (هارودز)

نجحت «هارودز» في إظهار مدى حماس شباب المنطقة لمعرفة المزيد عن مفهوم الفخامة الحصرية وطرق مزجها بثقافتهم وإرثهم. ما كان لافتاً في التجربة السعودية تحديداً تمسك الشباب بالتقاليد والتراث رغم انفتاحهم على العالم.

وهذا ما ترجمته الأميرة الجوهرة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود، سيّدة الأعمال والناشطة في الأعمال الخيرية التي شاركت في النسخة الأولى بقولها: «لم أُرِد يوماً أن أغيّر أي شيء في تقاليدنا، لأنّنا نملك الكثير من الفنون والإبداع. نحن نعتبر تقاليدنا من المسلّمات، لكن العالم توّاق لما هو جديد –وينبذ الرتابة– فقد ملّ من العلامات التجارية نفسها والتصاميم ذاتها».

سارة مايلر مدير تطوير الأعمال الدولية والاتصالات بـ«هارودز» (هارودز)

كان توجه «هارودز هايف» إلى الرياض مسألة بديهية، حسب قول سارة مايلر، مدير تطوير الأعمال الدولية والاتصالات بـ«هارودز» في لقاء خاص، «لقد جاء تماشياً مع رؤية المملكة 2030 والطفرة التي تشهدها حالياً... أردنا من خلال البرنامج التركيز على القدرات الثقافية والإبداعية التي تكتنزها هذه المنطقة لا سيما أن لدينا فيها زبائن مهمين تربطنا بهم علاقة سنين».

محلات «هارودز» مثل غيرها من العلامات الكبيرة، ليست مُغيَبة عن الواقع. هي الأخرى بدأت تلمس التغييرات التي يمر بها العالم وتؤثر على صناعة الترف بشكل مباشر.

من بين الاستراتيجيات التي اتخذها العديد من صناع الموضة والترف، كان التوجه إلى جيل «زي» الذي لم يعد يقبل بأي شيء ويناقش كل شيء. الترف بالنسبة له لم يعد يقتصر على استهلاك أزياء وإكسسوارات موسمية. بل أصبح يميل إلى أسلوب حياة قائم على معايير أخلاقية تراعي مفهوم الاستدامة من بين معايير أخرى. الموضة ترجمت هذه المطالب في منتجات مصنوعة بحرفية عالية، تبقى معه طويلاً، إضافة إلى تجارب ممتعة.

معانقة الاستدامة

متجر «هارودز» مثل غيره من العلامات الكبيرة، أعاد تشكيل تجربة التسوق بأن جعلها أكثر متعة وتنوعاً، كما تعزز الاستدامة والتواصل الثقافي. وهذا تحديداً ما تستهدفه مبادرة «ذا هايف» وفق قول سارة «فهذا النهج ليس منصة للحوارات فحسب، بل يتيح لنا التواصل مع الجمهور بشكل أفضل لكي نتمكن من فهمه ومن ثم تلبية احتياجاته وتوقعاته. كما يسمح لنا ببناء علاقة مستدامة مبنية على الاحترام وفهم احتياجات السوق المحلي. وليس هناك أفضل من الإبداع بكل فنونه قدرة على فتح حوار إنساني وثقافي».

إطلاق النسخة الثانية

قريباً وفي الـ11 من هذا الشهر، ستنطلق في الدرعية بالرياض الدورة الثانية تحت عنوان «إلهام الإبداع من خلال التجربات». عنوان واضح في نيته التركيز على القصص الشخصية والجماعية الملهمة. كل من تابع النقاشات التي شاركت فيها باقة من المؤثرين والمؤثرات في العام الماضي سيُدرك بأن فكرته وُلدت حينها. فالتمسك السعودي بالهوية والإرث لم يضاهه سوى ميل فطري للسرد القصصي.

سمة بوظو أكدت في نسخة 2024 أن فنّ رواية القصص جزء من التركيبة السعودية (هارودز)

أمر أوضحته بسمة بوظو، أحد مؤسّسي الأسبوع السعودي للتصميم والتي شاركت في نسخة 2024 بقولها: «بالنسبة لنا كمبدعين، فإن ولعنا بالفنون والحرف التقليدية ينبع من ولعنا بفنّ رواية القصص، لدرجة أنه يُشكّل محور كل أعمالنا». وتتابع مؤكدة: «حتى توفّر التكنولوجيا الحديثة واكتساحها مجالات كثيرة، يُلهمنا للارتقاء بفنّ رواية القصص».

من هذا المنظور، تعد سارة مايلر أن برنامج هذا العام لن يقل حماسًا وإلهاماً عن سابقه، خصوصاً أن الحلقات النقاشية ستستمد نكهة إنسانية من هذه القصص والتجارب الشخصية، بعناوين متنوعة مثل «إلهام الإبداع» و«الرابط»، و«تنمية المجتمع الإبداعي» و«القصص المهمة» وغيرها.