الأسواق الناشئة نجمة الطروحات الأولية في 2017

صناديق الثروة السيادية تهافتت عليها

TT

الأسواق الناشئة نجمة الطروحات الأولية في 2017

شهد العام الماضي إقبالاً كثيفاً من المستثمرين السياديين على شراء حصص كبيرة وبأرقام قياسية في باكورة إصدارات مغرية بأسواق الأسهم، شملت شركة مكسيكية لإنتاج المشروبات وشركة فيتنامية لتشغيل المراكز التجارية وشركات تأمين هندية.
ولا توجد علامة على أن هذا الاتجاه سينحسر، بحسب «رويترز». وأظهرت بيانات نشرها معهد صناديق الثروة السيادية أن عدد الطروحات العامة الأولية التي أقبلت صناديق الثروة السيادية على شراء حصص رئيسية فيها بلغ رقماً قياسياً عند 26 طرحاً في عام 2017، وشمل ذلك تعهدات بنحو 826 مليون دولار، ارتفاعاً من 196.7 مليون في عام 2016.
ومعنى الحصول على حصة رئيسية أن يلتزم المستثمر باستثمارات ضخمة مقدماً قبل الإصدار، وأن يتجنب مخاطر عملية الطرح العام الأولي. وقد يكون من شأن الاهتمام المتزايد من جانب صناديق الثروة السيادية، التي تحوز أصولاً بنحو 6 تريليونات دولار حول العالم، تشجيع مزيد من الشركات في الأسواق الناشئة على الإدراج بعد أداء قوي في عام 2017 شهد هيمنة منطقة آسيا والمحيط الهادي على النشاط العالمي، من حيث عدد الصفقات والعوائد وفقاً لـ«إرنست آند يونغ».
وحددت قاعدة بيانات جمع التمويل (بيتشبوك)، التي تقتفي أيضاً أثر السوق، مشاركة صناديق الثروة السيادية عند مستوى قياسي بلغ 28 طرحاً عاماً أولياً في عام 2017، بقيمة إجمالية بلغت نحو 10.78 مليار دولار.
ومن المنتظر إدراج أرامكو السعودية هذا العام، فيما من المتوقع أن يكون أكبر طرح عام أولي في العالم. وتهتم كثير من الصناديق بهذا الطرح، وتشكل «الصين كونسورتيوم» مع صندوق الثروة السيادي الصيني «سي آي سي» وشركات النفط الحكومية العملاقة من أجل المنافسة في هذا الطرح.
وبينما لن تجد أرامكو السعودية صعوبة في اجتذاب اهتمام، تحرص الشركات الأصغر حجماً في الأسواق الناشئة على اجتذاب صناديق الثروة السيادية من أجل رفع مكانتها وطمأنة المستثمرين الآخرين. كما يُنظر إلى صناديق الثروة السيادية على أنها من المستبعد أن تتخلى عن الأسهم من أجل جني الربح السريع.
وبالنسبة للصناديق، فإن هذه طريقة للحصول على حصة كبيرة من دون دفع مبالغ أكبر من اللازم، حيث أدت المنافسة الشرسة في أسواق الاستثمار المباشر إلى تضخم قيم الصفقات خلال العامين الأخيرين.
وقال ماركوس ماسي، وهو شريك كبير في مجموعة «ذا بوسطن كونسلتينغ»: «في هذه الأيام، بات توزيع الأموال أكثر صعوبة. من ثم، إذا كان باستطاعتك الحصول على حصة تتراوح بين 5 و10 في المائة في شركة ما من دون رفع الأسعار، فهذا أمر مثير لاهتمام المستثمر المؤسسي».
وكان جهاز أبوظبي للاستثمار وصندوق «جي آي سي» السنغافوري والهيئة العامة للاستثمار الكويتية من بين الأكثر نشاطاً في الأسواق الناشئة التي تشهد نمواً سريعاً مثل الهند العام الماضي، حسبما تظهر بيانات «بيتشبوك».
وسجلت الهند عاماً قياسياً من الطروحات العامة الأولية، حيث جرى جمع نحو 11.5 مليار دولار، وكان الفضل في جزء من ذلك لطرح شركات تأمين كبيرة. وكان ذلك جاذباً لصناديق الثروة السيادية التي تتطلع للشراء في القطاعات ذات النمو طويل الأجل، إذ إن نسبة انتشار التغطية التأمينية منخفضة، ولكن القدرة على تحمل التكاليف آخذة في التحسن.
وقال خافير كابابي المدير بمركز أبحاث سوفرين ويلث لاب في مدريد: «من المنطقي بالنسبة للمستثمر طويل الأجل مثل صناديق الثروة السيادية الاستثمار في الطبقات المتوسطة الآخذة في النمو في الأسواق الناشئة، التي تحتاج إلى المستشفيات والتأمين والعقارات والسلع الاستهلاكية... والهند بلد به تعداد ضخم من السكان».
واجتذبت «إس بي آي لايف» للتأمين كلاً من جهاز أبوظبي للاستثمار و«جي آي سي» والهيئة العامة للاستثمار الكويتية كمستثمرين رئيسيين في أول طرح عام أولي بنحو مليار دولار في الهند خلال 7 سنوات. وجاء بعد ذلك طرح آخر لشركة «إتش دي إف سي لايف» واجتذب جهاز أبوظبي للاستثمار وشركة تيماسيك السنغافورية للاستثمار المملوكة للدولة والهيئة العامة للاستثمار الكويتية وآخرين.
ومع تجاوز حجم الطلب على الاكتتاب في الطروحات العامة الأولى للمعروض، يتزايد الإقبال على الدخول كمستثمر رئيسي، حيث يسمح هذا للمستثمرين بضمان حصة كبيرة بسعر مغرٍ قبل التهافت على شراء الأسهم.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.