تأكيد فرنسي على زيادة الإنفاق الدفاعي

رئيس الوزراء الفرنسي
رئيس الوزراء الفرنسي
TT

تأكيد فرنسي على زيادة الإنفاق الدفاعي

رئيس الوزراء الفرنسي
رئيس الوزراء الفرنسي

كشف إدوارد فيليب رئيس مجلس الوزراء الفرنسي أن بلاده ستقوم بزيادة الإنفاق في مجال الدفاع خلال السنوات المقبلة، مشيراً إلى أن ذلك سيسهم في زيادة التقدم على حد تعبيره، وقال «يجب أن نتمكن من التقدم إلى الأمام إلى جانب توفير الحماية لشعوبنا»، مشدداً على الارتفاع الملحوظ في الوسائل العسكرية المقرر في القانون الجديد للتخطيط العسكري مع تخصيص نحو 200 مليار يورو بين عامي 2019 و2023.
وأضاف فيليب خلال كلمته في القمة العالمية للحكومات في مدينة دبي «ينبغي علينا أن نتعلم من أخطائنا، ونستخلص الدروس والعِبَر من الماضي حتى نستطيع إحداث التغيير الذي نصبو إليه في العالم، والذي لا يتحقق إلا بالعمل الجماعي وتكاتف جهود الأطراف كافة».
وأوضح أنه من أجل تحقيق التحوّل المنشود في عالم يشهد العديد من التغيرات المتسارعة يجب أن تكون هناك رؤية ومنهجية وأسلوب، مع معرفة السبل المثلى التي تحقق الأهداف، ومراعاة أن تكون هذه الأهداف متجسّدة في الشخص الذي يقوم بتنفيذها، وأضاف: «نحن بحاجة إلى قادة يمتلكون رؤية واضحة، نعيش اليوم في عالم رقمي، من لا يعلم مساره لا يستفيد من اتجاه الرياح».
وقال رئيس الوزراء الفرنسي «التحولات المتلاحقة التي يشهدها عالمنا اليوم تحتم علينا الاستعداد الجيد للمستقبل، حتى نكون بمستوى التحديات، وذلك من خلال تطوير عملية التعليم في كل مراحله، والاستمرار في تدريب الكوادر، ما يسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي في العالم»، مؤكداً ضرورة تطبيق سياسات ثابتة ومستقرة وتقديم الحوافز للشركات وتحسين التنافسية وتحقيق الكفاءة في الإدارة المالية لبلوغ أهداف التنمية المنشودة.
وأكد رئيس الوزراء الفرنسي أن القمة العالمية للحكومات أصبحت محطة مهمة لمناقشة أكثر القضايا إلحاحاً على صعيد العمل الحكومي، وقال فيليب: «كنت عمدة مدينة فرنسية جميلة قبل أن يتم تعييني رئيساً لوزراء فرنسا، وقصة هذه المدينة ومينائها شبيهة بقصة دبي في صعودها المذهل خلال فترة وجيزة، فهي تضم ميناء جبل علي الذي أنشأه الراحل الشيخ راشد بن سعيد، وسط الصحراء وأصبح فيما بعد من أكبر الموانئ، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على مستوى العالم أجمع، وذلك بفضل إرادة رجل واحد، فهؤلاء العظماء يخلدون ذكراهم في التاريخ بتحويل أحلامهم إلى الحقيقة، مثل نابليون الذي أرسى أسس بناء فرنسا المعاصرة».
وأضاف «فرنسا تعيش تحولا كبيرا» يهدف إلى «إصلاح البلد» و«التحضير للمستقبل»، مؤكداً في الوقت ذاته أن الحكومات الكبرى والصالحة هي التي ترسي أسسا متينة لبناء مستمر.
وتابع أن بلاده قامت بخيار، خيار استبعاد جيل. جيل جدير بالاحترام بذل أفضل ما بوسعه ولدي فيه أصدقاء، لكنه جيل قال له الفرنسيون إنه يجدر الانتقال إلى ما بعده.
وقال «كانت فرنسا أمام خيار ما بين الانغلاق وشكل من القلق والانفتاح»، في إشارة إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها ماكرون مع مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، مضيفا أن بلاده «اختارت رئيس الجمهورية الأصغر سنا الذي انتخبته في تاريخها».
ولتصحيح صورة فرنسا على صعيد الضرائب، أكد فيليب خلال القمة أن خفض الضرائب على الشركات أمر «لا مفر منه ولا عودة عنه»، مع تأكيد حتمية تحقيق «استقرار ووضوح» فيما يتعلق بخفض الاقتطاعات الإلزامية.
وأوضح من جهة أخرى أن «التحضير للمستقبل يعني أيضا الاحتراس في النفقات العامة، ومن هذه الناحية، على فرنسا أن تبذل جهودا».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟