د. محمود نقادي: دعم المبتكرين استثمار من ذهب

نائب الأمين العام لمؤسسة الملك عبد العزيز للموهبة والإبداع أكد لـ {الشرق الأوسط} أن معرض «ابتكار» في الرياض يخاطب المستقبل

د. محمود نقادي: دعم المبتكرين استثمار من ذهب
TT

د. محمود نقادي: دعم المبتكرين استثمار من ذهب

د. محمود نقادي: دعم المبتكرين استثمار من ذهب

أوضح الدكتور محمود نقادي رئيس اللجنة المنظمة لمعرض «ابتكار»، الذي تحتضنه العاصمة السعودية الرياض في مطلع ديسمبر (كانون الأول) المقبل، أن المعرض يأتي ضمن سلسلة من المبادرات التي تطلقها مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع (موهبة)، بالشراكة مع «أرامكو» المؤسسة، وجزء من منظومة متكاملة لدعم الإبداع والابتكار في السعودية، مؤكدا أن رعاية خادم الحرمين الشريفين تعكس حرصه على بناء مجتمع معرفي، وسعيه الدائم لتوفير المقومات اللازمة لتحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستديمة.
ووصف الدكتور نقادي، وهو نائب الأمين العام لمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع (موهبة)، دعم المبتكرين بـ«استثمار من ذهب» على حد قوله، لكونه يوفر بيئة مناسبة لرعاية الإبداع ويعزز جهود كافة القطاعات لصناعة أجيال من المبدعين والمبتكرين، من خلال الدورة الثالثة من المعرض تحت عنوان «بالابتكار.. نبني مجتمعا معرفيا»، بمركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض.

* بمن يعنى هذا المعرض؟
- «ابتكار» معرض يعنى بالمبتكرين والمبدعين بالسعودية، ويهدف المعرض بشكل رئيس إلى دعم المبتكرين في محاولة لاستثمار الأفكار والإبداعات وتوفير البيئة المناسبة للمبتكرين وصقل مواهبهم وتعزيزها لصناعة أجيال من المبدعين والمبتكرين، حيث إن دعم المبدعين بحد ذاته «استثمار من ذهب»، لكونه يصب في مصلحة المجتمع ويبني قاعدة قوية من الكفاءات الوطنية التي يجري تأهيلها مستقبلا لتطوير كافة القطاعات، وحقق المعرض في عام 2010 نتائج مذهلة، حيث شهد تسجيل 40 براءة اختراع، و88 فعالية مصاحبة ومئات المشاركات، وحظي برعاية 17 جهة وطنية ودولية رائدة، وتوافد على زيارته أكثر من 60 ألف شخص.
* ماذا سيحمل المعرض هذا العام؟
- سيقدم المعرض إبداعات شباب وشابات الوطن، وسيشارك فيه أكثر من 200 ابتكار من ضمن 1633 طلبا للمشاركة، إضافة إلى أننا قمنا بدعوة كافة المؤسسات الداعمة والمعنية بالابتكار ووجهنا الدعوة لجميع رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين ليطلعوا على «ابتكارات» أبنائنا وبناتنا، والاستفادة منها وتطويرها وتبنيها بما يخدم عملية التنمية الشاملة. كما يهدف المعرض إلى إتاحة الفرصة لهم لتعريف المجتمع بابتكاراتهم والاحتكاك مع أصحاب الخبرات. وسيواكب المعرض أكثر من 800 فعالية مصاحبة متنوعة وورش عمل ومحاضرات والعديد من الفعاليات الأخرى، التي ستعطي قيمة مضافة للزوار خلال زيارتهم للمعرض. وهو بحد ذاته محفز رئيس لتوفير بيئة إبداعية وصحية لشبابنا وتطوير هذا الجانب لديهم وتشجيعهم على الاستفادة من الفرص، لمساندة كافة القطاعات.
* هل الابتكارات المشاركة من نصيب طلاب التعليم العام، أم أشركتم الجامعات السعودية؟ وما هي المعايير المتبعة في اختيار المشاركات؟
- يضم المعرض كما ذكرت آنفا أكثر من 200 ابتكار، انقسمت مناصفة بين 100 مشارك من طلاب وطالبات التعليم العام و100 مبتكر من مختلف الجامعات ومراكز البحوث. ويضم المعرض عدة أجنحة توزع على المستهدفين من المخترعين والمبتكرين الأفراد، والجامعات والمؤسسات البحثية، حيث تشمل الأجنحة الجهات الحكومية والمؤسسات والشركات ومراكز الأبحاث الداعمة للابتكار والجهات الدولية ذات العلاقة، وشركات الاستثمار والبنوك، والرعاة الداعمين، وجناح الشركات الخاصة الرائدة في الابتكار.
كما سيقام على هامش المعرض ورش عمل ومحاضرات لتنمية مهارات المخترعين والمبتكرين، وسيشارك في المعرض عدد من المخترعين والمبدعين من دول أخرى، لتمكين المبتكرين السعوديين من الاستفادة من خبراتهم في تطوير قدراتهم وتقنياتهم. وتغطي الابتكارات هذا العام عددا من المجالات منها: المياه، والبترول والغاز والبتروكيماويات، والطاقة المتجددة، وتقنية المعلومات والاتصالات، والمجالات الطبية، ومجالات أخرى. وفيما يتعلق باختيار المشاركة، فإنها ترتكز بشكل رئيس على المضمون العلمي والإبداع في المشروع وتفرده، بالإضافة إلى وضوح فكرته وآلية عرضه وتنفيذه.
* كيف تقيمون مسيرة تطور الابتكار في السعودية اليوم؟ وما هي تطلعاتكم للسنوات المقبلة؟
- شهد الابتكار تطورا كبيرا بالسعودية في السنوات الأخيرة، ولعب المعرض دورا مهما في هذا الجانب، كما أحدث نقلة نوعية لمفهوم الابتكار في المجتمع. وحقق المعرض جزءا من الأهداف التي انطلق من أجلها، ونحن متفائلون بالمستقبل وماضون في طريقنا لدعم ثقافة الإبداع والابتكار، بصفتها العنصر الأهم في توفير المزيد من فرص العمل وبناء اقتصاد معرفي متكامل، مع التأكيد على أهمية مواكبة التطورات، حيث إن الابتكار ذو طبيعة متغيرة، وضرورة التركيز لإضفاء طابع محلي على الابتكار بغية تلبية المتطلبات الخاصة بالسوق المحلية والعالمية.
* ما البرامج التي تقدمها «موهبة» لدعم الابتكار؟
- تقدم «موهبة» العديد من البرامج لدعم الابتكار في كافة القطاعات، ومنها القطاع التعليمي أيضا. وعلى سبيل المثال أطلقت «موهبة» برامجها الإثرائية الصيفية، ولاقت هذه البرامج إقبالا كبيرا من الطلبة، واستفاد منها هذا العام أكثر من 2550 طالبا وطالبة وغطت 44 مجالا في مختلف مناطق السعودية، جرى تنفيذها بالتعاون مع أكثر من 25 جهة وطنية رائدة.
كما تقدم «موهبة» خدمة «تخيل»، وهي تعنى بتطوير الأفكار التي تمكن أصحاب الأفكار العلمية من طلاب وطالبات التعليم العام ذات الأصالة والابتكار من تقديمها إلكترونيا، ثم عرضها على مختصين لتقديم إرشادات ونصائح لتطويرها.. ومن ثم تقييمها وفقا للمجالات العلمية التي تخدمها «تخيل» وعبر آلية تواصل إلكترونية، وتراعي الخدمة سياسة تضمن سرية الفكرة والمعلومات الخاصة بعملاء «موهبة».
* كلمة أخيرة.
- أوجه الدعوة للجميع - وللعاملين في الميدان التربوي والأكاديمي والمجتمع المحلي - لزيارة المعرض والاستفادة من الفعاليات المصاحبة، والاطلاع على آخر ما توصل إليه «الإبداع» في السعودية.



أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك
TT

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية ضد مظاهرة للطلبة في تلاتيلوكو عام 1968. وعلى الرغم من مشاعر الاحترام التي تكنها الشاعرة لزميلها المكسيكي الكبير فإنها لم تستطع تلبية طلبه هذا، لأنها وجدت القصيدة سيئة. ربما يكون هذا مقياساً لعصرنا الذي ينطوي من جديد على صحوة سياسية، ليس أقلها بين الشباب، وفي الوقت الذي تتعرض فيه الشرطة للمتظاهرين وتطلق النار عليهم كما حدث عام 1968، فإن شاعرة «غير سياسية» بشكل نموذجي مثل أليخاندرا بيثارنيك تشهد اليوم انبعاثاً جديداً، ففي إسبانيا لقيت أعمالها الشعرية نجاحاً حقيقياً وهي مدرجة بانتظام في قوائم أهم شعراء اللغة الإسبانية للألفية الفائتة، وهي تُقرأ وتُذكر في كل مكان، بالضبط كما حدث ذلك في الأرجنتين خلال السبعينات.

وإذا لم أكن مخطئاً، فإن هذا النوع المميز من شعرها «الخالص» يُفهم على أنه أبعد ما يكون عن السياسة. إن انجذابها للاعتراف، وسيرتها الذاتية الأساسية، إلى جانب التعقيد اللغوي، تمنح شعرها إمكانية قوية لمحو الحدود بين الحياة والقصيدة، تبدو معه كل استعراضات الواقع في العالم، كأنها زائفة وتجارية في الأساس. إنها تعطينا القصيدة كأسلوب حياة، الحياة كمعطى شعري. وفي هذا السياق يأتي شعرها في الوقت المناسب، في إسبانيا كما في السويد، حيث يتحرك العديد من الشعراء الشباب، بشكل خاص، في ما بين هذه الحدود، أي بين الحياة والقصيدة.

تماماَ مثل آخرين عديدين من كبار الشعراء في القرن العشرين كانت جذور أليخاندرا بيثارنيك تنتمي إلى الثقافة اليهودية في أوروبا الشرقية. هاجر والداها إلى الأرجنتين عام 1934 دون أن يعرفا كلمة واحدة من الإسبانية، وبقيا يستخدمان لغة اليديش بينهما في المنزل، وباستثناء عم لها كان يقيم في باريس، أبيدت عائلتها بالكامل في المحرقة. في الوطن الجديد، سرعان ما اندمجت العائلة في الطبقة الوسطى الأرجنتينية، وقد رزقت مباشرة بعد وصولها بفتاة، وفي عام 1936 ولدت أليخاندرا التي حملت في البداية اسم فلورا. لقد كانت علاقة أليخاندرا بوالديها قوية وإشكالية في الوقت نفسه، لاعتمادها لوقت طويل اقتصادياً عليهما، خاصة الأم التي كانت قريبة كثيراً منها سواء في أوقات الشدة أو الرخاء، وقد أهدتها مجموعتها الأكثر شهرة «استخلاص حجر الجنون».

في سن المراهقة كرست أليخاندرا حياتها للشعر، أرادت أن تكون شاعرة «كبيرة» ووفقاً لنزعات واتجاهات الخمسينات الأدبية ساقها طموحها إلى السُريالية، وربما كان ذلك، لحسن حظها، ظرفاً مؤاتياً. كما أعتقد بشكل خاص، أنه كان شيئاً حاسماً بالنسبة لها، مواجهتها الفكرة السريالية القائلة بعدم الفصل بين الحياة والشعر. ومبكراً أيضاً بدأت بخلق «الشخصية الأليخاندرية»، ما يعني من بين أشياء أُخرى أنها قد اتخذت لها اسم أليخاندرا. ووفقاً لواحد من كتاب سيرتها هو سيزار آيرا، فإنها كانت حريصة إلى أبعد حد على تكوين صداقات مع النخب الأدبية سواء في بوينس آيرس أو في باريس، لاحقاً، أيضاً، لأنها كانت ترى أن العظمة الفنية لها جانبها الودي. توصف بيثارنيك بأنها اجتماعية بشكل مبالغ فيه، في الوقت الذي كانت نقطة انطلاق شعرها، دائماً تقريباً، من العزلة الليلية التي عملت على تنميتها أيضاً.

بعد أن عملت على تثبيت اسمها في بلادها ارتحلت إلى باريس عام 1960، وسرعان ما عقدت صداقات مع مختلف الشخصيات المشهورة، مثل خوليو كورتاثار، أوكتافيو باث، مارغريت دوراس، إيتالو كالفينو، وسواهم. عند عودتها عام 1964 إلى الأرجنتين كانت في نظر الجمهور تلك الشاعرة الكبيرة التي تمنت أن تكون، حيث الاحتفاء والإعجاب بها وتقليدها. في السنوات التالية نشرت أعمالها الرئيسية وطورت قصيدة النثر بشكليها المكتمل والشذري، على أساس من الاعتراف الذي أهلها لأن تكون في طليعة شعراء القرن العشرين. لكن قلقها واضطرابها الداخلي سينموان أيضاً ويكتبان نهايتها في الأخير.

أدمنت أليخاندرا منذ مراهقتها العقاقير الطبية والمخدرات وقامت بعدة محاولات للانتحار لينتهي بها المطاف في مصحة نفسية، ما ترك أثره في كتابتها الشعرية، بطبيعة الحال. وهو ما يعني أنها لم تكن بعيدة بأي حال عن الموت أو الأشكال المفزعة، إلى حد ما، في عالم الظل في شعرها بما يحوز من ألم، يعلن عن نفسه غالباً، بذكاء، دافعا القارئ إلى الانحناء على القصيدة بتعاطف، وكأنه يستمع بكل ما أوتي من مقدرة، ليستفيد من كل الفروق، مهما كانت دقيقة في هذا الصوت، في حده الإنساني. على الرغم من هذه الحقيقة فإن ذلك لا ينبغي أن يحمل القارئ على تفسير القصائد على أنها انعكاسات لحياتها.

بنفس القدر عاشت أليخاندرا بيثارنيك قصيدتها مثلما كتبت حياتها، والاعتراف الذي تبنته هو نوع ينشأ من خلال «التعرية». إن الحياة العارية تتخلق في الكتابة ومن خلالها، وهو ما وعته أليخاندرا بعمق. في سن التاسعة عشرة، أفرغت في كتابها الأول حياتها بشكل طقوسي وحولتها إلى قصيدة، تعكس نظرة لانهائية، في انعطافة كبيرة لا رجعة فيها وشجاعة للغاية لا تقل أهمية فيها عن رامبو. وهذا ما سوف يحدد أيضاً، كما هو مفترض، مصيرها.

وهكذا كانت حياة أليخاندرا بيثارنيك عبارة عن قصيدة، في الشدة والرخاء، في الصعود والانحدار، انتهاءً بموتها عام 1972 بعد تناولها جرعة زائدة من الحبوب، وقد تركت على السبورة في مكتبها قصيدة عجيبة، تنتهي بثلاثة نداءات هي مزيج من الحزن والنشوة:«أيتها الحياة/ أيتها اللغة/ يا إيزيدور».

ومما له دلالته في شعرها أنها بهذه المكونات الثلاثة، بالتحديد، تنهي عملها: «الحياة»، و«اللغة»، و«الخطاب» (يمثله المتلقي). هذه هي المعايير الرئيسية الثلاثة للاحتكام إلى أسلوبها الكتابي في شكله المتحرك بين القصائد المختزلة المحكمة، وقصائد النثر، والشظايا النثرية. ولربما هذه الأخيرة هي الأكثر جوهرية وصلاحية لعصرنا، حيث تطور بيثارنيك فن التأمل والتفكير الذي لا ينفصل مطلقاً عن التشابك اللغوي للشعر، لكن مع ذلك فهو يحمل سمات الملاحظة، أثر الذاكرة، واليوميات. في هذه القصائد يمكن تمييز نوع من فلسفة الإسقاط. شعر يسعى إلى الإمساك بالحياة بكل تناقضاتها واستحالاتها، لكن لا يقدم هذه الحياة أبداً، كما لو كانت مثالية، وبالكاد يمكن تعريفها، على العكس من ذلك يخبرنا أن الحياة لا يمكن مضاهاتها أو فهمها، لكن ولهذا السبب بالتحديد هي حقيقية. في قصائد أليخاندرا بيثارنيك نقرأ بالضبط ما لم نكنه وما لن يمكن أن نكونه أبداً، حدنا المطلق الذي يحيط بمصيرنا الحقيقي الذي لا مفر منه، دائماً وفي كل لحظة.

* ماغنوس وليام أولسون Olsson ـ William Magnus: شاعر وناقد ومترجم سويدي. أصدر العديد من الدواوين والدراسات الشعرية والترجمات. المقال المترجَم له، هنا عن الشاعرة الأرجنتينية أليخاندرا بيثارنيك، هو بعض من الاهتمام الذي أولاه للشاعرة، فقد ترجم لها أيضاً مختارات شعرية بعنوان «طُرق المرآة» كما أصدر قبل سنوات قليلة، مجلداً عن الشاعرة بعنوان «عمل الشاعر» يتكون من قصائد ورسائل ويوميات لها، مع نصوص للشاعر وليام أولسون، نفسه. وفقاً لصحيفة «أفتون بلادت». على أمل أن تكون لنا قراءة قادمة لهذا العمل. والمقال أعلاه مأخوذ عن الصحيفة المذكورة وتمت ترجمته بإذن خاص من الشاعر.