الفواق.. لغز كبير يحير العلماء

البحث متواصل عن أسبابه وطرق علاجه

الفواق.. لغز كبير يحير العلماء
TT

الفواق.. لغز كبير يحير العلماء

الفواق.. لغز كبير يحير العلماء

يحصل الفواق (الحازوقة، او الشهقة) hiccup في رمشة عين فتتقلص عضلات التنفس، وتنغلق أوتارك الصوتية، ويصدر ذلك الصوت الذي لا يخطئه أحد. وكلنا نصاب بها بين الحين والآخر، وكذلك القطط والجرذان والأجنة البشرية. وقد يكون السبب تناول الطعام بسرعة وشراهة، أو لدى التوتر الشديد، أو لدى تناول مشروب غازي، أو عند الاستيقاظ من التخدير، إثر العمليات الجراحية. لكن غالبا لا يوجد سبب واضح وجلي، ولا يعلم الأطباء ما الغرض منه، ولا كيفية التخلص منه. بعبارة أخرى يبقى الفواق أمرا غامضا مجهولا تماما، مثل النظريات التي كثرت حول أسبابه وعلاجاتها، ومنها المنزلية التي شاعت كثيرا.
يقول تايلر سيميت، طبيب الأمراض الباطنية: «للناس وصفات علاجية مثيرة للاهتمام: مثل القيام بإخافتك، أو دغدغتك، أو أذيتك، أو الطلب منك شرب الماء لمدة دقيقة ونصف، أو فعل ذلك مقلوبا للفترة ذاتها»، ويستدرك قائلا: «لكن هذه كلها غير مثبتة علميا».
وكان سيميت الذي يرأس التعليم الطبي في الجمعية الأميركية لهيئات طب العظام، قد أجرى دراسة لمدة خمس سنوات تناولت 54 مريضا في المستشفيات، يعانون من الفواق. وفي بداية عام 1995 قام بتجربة أساليب عديدة من العلاج، بما فيها إمساك النفس لفترة زمنية، فضلا عن بعض الأدوية والعقاقير الشديدة المفعول، لكنه انتهى بنتائج باطلة، فلم يثبت أي أسلوب لنجاحه. «فلا شيء نافع، والفواق يبدأ وينتهي من تلقاء نفسه»، كما يقول.

* آلية الفواق
ولكن لماذا نصاب به؟ يقول بعض الباحثين إنه رد فعل هضمي جنيني يقي ضد تنفس واستنشاق السائل الأمنيوسي الذي يحيط بالجنين في رحم أمه، أو قد يكون أسلوبا لتدريب العضلات التنفسية على التنفس بعد الولادة.
وتفترض نظرية أخرى أن الفواق يعود إلى أيام أجدادنا البرمائيين بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعتقدون بذلك، لكن المتفق عليه، والمعروف جدا، هو آلية الفواق التي تسمى بعلم الطب singultus، والتي تعرف بتقلص مفاجئ للحجاب الحاجز وللعضلات الواقعة بين الضلوع، يعقبه انغلاق مفاجئ لمزمار الحنجرة الذي هو الفسحات الواقعة بين طيات الأوتار الصوتية. وهذا التشنج السريع للاستنشاق الذي يصطدم مع الحنجرة المغلقة يسبب هذا الصوت المميز والارتعاش الجسدي. وتتفق غالبية الخبراء على أن الفواق ينطوي على دارة عصبية تبدأ مع الأعصاب الحجابية والمبهمة. والأخيرة تتمدد من الدماغ إلى البطن، بينما ترسل الأعصاب الحجابية إشارات من الدماغ إلى الحجاب الحاجز.
وعلى الرغم من أن الفواق لا يشكل سوى إزعاج مؤقت لغالبية الناس، غير أنه قد يصبح مستهلكا جدا لطاقاتنا. مثلا، كولين أو لير، محررة صفحة المدخل لموقع صحيفة «واشنطن بوست» الإلكترونية، تصاب بالفواق يوميا تقريبا، وفي بعض الأحيان بين فترة وأخرى، وفي أحيان أخرى تكون على صورة نوبات.
تقول «أو لير»: «عندما ينتابني الفواق أشعر كلهب نار مع صوت مرتفع وغريب، وهو غير مريح بتاتا جسديا». وهذه الآنسة البالغة من العمر 29 سنة تنتابها هذه النوبات منذ أمد لا تتذكره، ويقول الأطباء إن ذلك قد يكون مرتبطا بمرض الارتجاع المريئي الحمضي، الذي عانت منه منذ طفولتها. وقد جربت جميع أنواع العلاجات المنزلية التي سمعت بها: ملعقة من السكر، الإمساك عن التنفس، التنفس العميق، شرب السوائل بوضعية مقلوبة، مص الحوامض والليمون، وقد يعمل بعضها مؤقتا، لكن غالبيتها تؤول إلى الفشل. لكن أمرا واحدا يؤدي المهمة، ألا وهو تناول ملعقة من زبد الفول السوداني الذي على شكل قشدة. وتعتقد «أو لير» أن للزبد هذا علاقة بتغطية المريء بطبقة على شكل الطلاء، لكن سيميت يعتقد أن له تأثيرا نفسيا مهدئا لا أكثر ولا أقل.

* التحكم في النظام العصبي
والآنسة «أو لير» راجعت الطبيب النفسي ديوين هيرست قبل عامين بعدما عانت كثيرا خلال خمس سنوات من نوبات يومية من الفواق، إلى حد أنها قررت استئصال عصبها الحجابي، مما يعني فعليا شل الحجاب الحاجز. لكن هيرست الذي يعمل في «مايو كلينيك» في سكوتسدايل في أريزونا، رأى أن هذا الأجراء متطرف جدا، وقدم بدلا من ذلك أسلوبا علاجيا يدعى «الارتجاع البيولوجي المتقلب لضربات القلب» heart rate variability biofeedback.
إن نظامنا العصبي يتحكم بوظائف الجسم غير الإرادية، مثل ضربات القلب، وتقلص الأوعية الدموية، عن طريق فرعين مكملين أو متممين؛ أحدهما يحاكي الاستجابات المتعلقة بغريزة «الصمود أو الهرب»، التي تقود إلى زيادة معدل ضربات القلب، واتساع حدقتي العينين، وإفرازات العرق، بينما يقوم الآخر بإطلاق نمط إعادة الهدوء والسكون للذات. لكن بعض الناس يكونون حساسين جدا لحافز التوتر، ويتقلبون بين الوضعين ذهابا ورجوعا.
وقد يكون ذلك مفيدا في حالة ملاحقة الوحوش الكاسرة للشخص المعني في العصور الغابرة، لكنه لا يساعد كثيرا في عالم اليوم الذي قد يؤدي إلى قلق وتوتر غير مرغوبين. بيد أن الاستجابة السريعة للصمود أو الهرب، التي طالما أنقذت الإنسان في الماضي من الحيوانات الوحشية، يمكنها أن تفعل مفعولها في لحظات في غير محلها، مثل عقد اجتماع مع أحد المديرين، أو لدى دخولك بسيارتك إلى طريق سريع خطر.
وعن طريق قياس الفترة بين ضربات القلب، يمكن للأطباء تعقب التفاعل والترابط بين هذين الفرعين من النظام العصبي، ومدى المعركة الدائرة بينهما؛ أحدهما يرفع معدل نبضات القلب، والثاني يقوم بإبطائه. ولذلك استخدم هيرست التخطيط الكهربائي للقلب لتحري هذا التقلب في ضربات القلب، وبالتالي طلب من «أو لير» أن تحصي عدد تنفسها بشكل دقيق، والفكرة من وراء ذلك، مساعدتها على إيجاد معدل للتنفس من شأنه تنشيط نمط الهدوء والسكون، وإعادة التوازن إلى النظام العصبي، وإزالة التوتر والتشنج. وأخيرا يبدو أن هذا العلاج ترك مفعوله الجيد على «أو لير»، التي توقفت نوبات الفواق لديها منذ أن باشرت العلاج قبل سنتين. ويستخدم هذا العلاج حاليا لمعالجة الصداع النصفي (الشقيقة)، وأوجاع الرأس، والاضطرابات العصبية والتوترية، واضطرابات المعدة.

* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



«تأثيرات مُدّمرة» لاستخدام مياه الصرف الصحي في الري

استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالَجة في الري يضرّ بصحة الإنسان والبيئة (أرشيفية - الأمم المتحدة)
استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالَجة في الري يضرّ بصحة الإنسان والبيئة (أرشيفية - الأمم المتحدة)
TT

«تأثيرات مُدّمرة» لاستخدام مياه الصرف الصحي في الري

استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالَجة في الري يضرّ بصحة الإنسان والبيئة (أرشيفية - الأمم المتحدة)
استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالَجة في الري يضرّ بصحة الإنسان والبيئة (أرشيفية - الأمم المتحدة)

مع ازدياد عدد سكان العالم وارتفاع الكثافة السكانية في التجمعات الحضرية والمدن الكبرى، وزيادة الضغط على الموارد المائية الإقليمية، تلجأ بعض الدول إلى إعادة استخدام مياه الصرف الصحي لري الأراضي الزراعية.

تاريخياً، يُعد ري الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي من أقدم التقنيات التي استخدمها البشر، وقد تطوّرت هذه الممارسات مع تطور المدن عبر العصور. وعلى الرغم من أن اللجوء إلى هذا الحل قد يوفّر مصدراً مستداماً للمياه ويخفّف الضغط على مصادر المياه العذبة، فإنه يحمل مخاطر صحية وبيئية مُدمّرة، إذا لم تُعالج المياه بشكل مناسب، وفقاً لدراسة دولية قادها باحثون من ألمانيا.

وأوضح الباحثون بجامعة «الرور» الألمانية، أن نحو 30 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في العالم تُروى بمياه الصرف الصحي غير المعالجة أو المعالجة جزئياً، وهذه المساحة أكبر بكثير مقارنة بمساحة الأراضي التي تُروى باستخدام مياه الصرف المعالجة، التي لا تتجاوز مليون هكتار، ونُشرت النتائج، بعدد 27 يناير (كانون الثاني) الماضي، من دورية «npj Clean Water».

وتُروى الكثير من المناطق في مختلف أنحاء العالم بمياه الصرف الصحي غير المعالجة، خصوصاً في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا وأستراليا وشبه القارة الهندية وشرق آسيا.

مخاطر كبيرة

تأتي إعادة استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة في الري مع بعض المخاطر الصحية والبيئية، أبرزها انتقال مسببات الأمراض؛ مثل: البكتيريا والفيروسات والطفيليات، بالإضافة إلى تراكم المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية الأخرى في التربة والمحاصيل، مما يشكّل تهديداً على صحة الإنسان، وفق الدراسة.

وحول المخاطر البيئية، كشفت الدراسة عن أن المياه غير المعالجة يمكن أن تؤدي إلى تقليل خصوبة التربة وإنتاجية المحاصيل، ممّا يعزّز التدهور البيئي ويزيد من التحديات المتعلقة بالأمن الغذائي في المناطق التي تعتمد عليها في ري المحاصيل.

ورصدت أبحاث عدة مجموعة من المخاطر، أبرزها أن المياه غير المُعالجة تحمل مجموعة واسعة من مسببات الأمراض الأكثر شيوعاً، مثل العدوى بالطفيليات مثل الديدان المعوية، التي قد يُصاب بها المزارعون وأسرهم، بالإضافة إلى الفيروسات والبكتيريا المعوية التي تسبّب أمراضاً مثل الإسهال، وتنتقل الملوثات عبر المحاصيل أو عبر المياه الجوفية، ما يشكّل خطراً على الأفراد، خصوصاً في البلدان النامية.

كما يمكن أن يؤدّي التعرّض لمياه الصرف الصحي إلى التهابات تنفسية وأمراض جلدية، خصوصاً بين العمال الزراعيين الذين يتعاملون مباشرة مع المياه الملوثة. بالإضافة إلى انتقال ملوثات مثل المعادن الثقيلة، مثل الرصاص والكادميوم وبقايا الأدوية، إلى السلسلة الغذائية. وتشكّل هذه الملوثات مخاطر صحية طويلة الأمد، مثل السرطان، ومشكلات النمو لدى الأطفال، ومقاومة المضادات الحيوية.

أما فيما يتعلق بالمخاطر البيئية، فقد كشفت الأبحاث عن أن أبرزها يتمثّل في تملُّح التربة وتراكم الملوثات العضوية، ممّا يؤدي إلى آثار سامة على المحاصيل. وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تدهور جودة التربة وتراجع إنتاج المحاصيل، كما قد يؤدي تراكم المعادن الثقيلة مع الري المتكرر إلى تلوث طويل الأمد للتربة.

يقول رئيس وحدة الري والصرف بمركز بحوث الصحراء في مصر، الدكتور محمد الحجري: «على الرغم من أن مياه الصرف الصحي تُعد مصدراً مهماً يمكن الاستفادة منه في بعض الحالات، مثل توفير المياه للري، فإنه لا يمكن التغاضي مُطلقاً عن الأضرار الجسيمة التي قد تنتج عن استخدامها دون معالجة، مثل انتشار الأمراض والعدوى، ناهيك بالأضرار الاقتصادية الناتجة عن تكلفة علاج الأمراض المرتبطة بها».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن مياه الصرف غير المعالَجة «تلوث البيئة بشكل كبير؛ فعند تسربها إلى التربة، يحدث رشح عميق للملوثات إلى الخزانات الجوفية؛ مما يؤدّي إلى تلوث المياه الجوفية والمجاري المائية مثل الترع، ويؤثر ذلك سلباً في التوازن البيئي بشكل عام». كما «تحتوي مياه الصرف على مركبات صيدلانية ومنظفات معقّدة يصعب التخلص منها؛ ما يجعلها تبقى في التربة لفترات طويلة وقد تتسبّب في أمراض صعبة العلاج».

تقنيات المعالجة

تزداد الجهود العالمية لتحسين تقنيات معالجة المياه في الكثير من الدول، بهدف تقليل المخاطر الصحية والبيئية، حيث تُسهم طرق المعالجة الأولية والبيولوجية، في تقليل ملوثات مياه الصرف بشكل كبير، وهذا يعزّز سلامتها للاستخدام في الري.

ورغم فاعلية هذه الطرق، تشير الدراسات إلى أنها لا تزيل المعادن الثقيلة مثل الرصاص والملوثات بنسبة 100 في المائة. كما تظل محطات المعالجة بؤراً لانتشار مقاومة الميكروبات بسبب بقاء جينات المقاومة والبكتيريا المقاومة في المياه المعالجة.

وأشار الدكتور الحجري إلى أن تكلفة معالجة مياه الصرف مرتفعة للغاية، حيث تصل إلى نحو دولار واحد لكل متر مكعب، وهذه التكلفة لا تعكس العائد المرجو إذا استُخدمت في الزراعة. لذلك، يجب البحث عن بدائل لترشيد استهلاك المياه في الزراعة باستخدام تقنيات الري الحديثة، بالإضافة إلى إدارة موارد المياه بطرق فعّالة.

ولتقليل تكلفة مُعالجة مياه الصرف، نصح الحجري بفصلها إلى نوعَيْن، الأول هو مخرجات الإنسان، والآخر يتضمّن بقية صرف المياه الخاص بالمساكن، ويطلق عليه «المياه الرمادية» التي تتطلّب معالجة أقل تكلفة مقارنة بالنوع الأول.

ونوه إلى أنه يمكن توجيه تلك المياه المعالجة لري الغابات الشجرية التي تنتج الأخشاب؛ مثل: السيسبان، والبردي، والبامبو، أو حتى إلى ملاعب الغولف والمسطحات الخضراء، بدلاً من استخدامها في ري المحاصيل الغذائية. كما نصح بضرورة تنفيذ حملات تفتيش منتظمة لمراقبة مصارف الري والتأكد من عدم احتوائها على ملوثات الصرف الصحي، لضمان الحفاظ على صحة البيئة وموارد المياه.