مصادر فرنسية: هامش التحرك بين واشنطن وطهران «ضيق» لكن باريس متفائلة

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان يلتقي نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماع الاتحاد الأوروبي في بروكسل الشهر الماضي (مهر)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان يلتقي نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماع الاتحاد الأوروبي في بروكسل الشهر الماضي (مهر)
TT

مصادر فرنسية: هامش التحرك بين واشنطن وطهران «ضيق» لكن باريس متفائلة

وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان يلتقي نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماع الاتحاد الأوروبي في بروكسل الشهر الماضي (مهر)
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان يلتقي نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماع الاتحاد الأوروبي في بروكسل الشهر الماضي (مهر)

أغلقت إيران عمليا الباب أمام أي وساطة كان يمكن أن تقوم بها دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا للخروج من مأزق عزم الولايات المتحدة الأميركية على نقض الاتفاق النووي المبرم بين مجموعة خمسة زائد واحد وطهران في يوليو (تموز) من عام 2015.
وبالنظر لما جاء أمس على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني، في مؤتمره الصحافي، وفحواه أن إيران ترفض البحث «مع أي كان» في قدراتها العسكرية وخصوصا الصاروخية والباليستية كما أنها ترفض إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي، فإن أي فسحة للوساطة قد زالت تماما.
إزاء هذا الموقف، يجد الأوروبيون أنفسهم بين طرفين «واشنطن وطهران» بالغي التشدد. فمن جهة، يربط الرئيس الأميركي استمرار بلاده بالسير بالاتفاق النووي الذي يصفه بـ«الأسوأ» الذي وقعته الولايات المتحدة بتعديل كثير من فقراته. وقد رمى الرئيس ترمب الكرة في ملعب الكونغرس من جهة والملعب الأوروبي من جهة أخرى ومنحهما مهلة أربعة أشهر لإنجاز المهمة وإلا فإنه سينقض الاتفاق.
إضافة إلى ذلك، يندد الطرف الأميركي ببرامج إيران الصاروخية والباليستية وبسياستها الإقليمية «المزعزعة للاستقرار» وبدعمها للإرهاب. ومن الجانب الآخر، ترفض إيران، كما جاء على لسان روحاني أمس، التهديدات الأميركية وتعتبر أن نقضه أميركيا يعني نهايته، إضافة إلى تنديدها بفرض واشنطن عقوبات جديدة عليها بحجة دعم الإرهاب وعدم احترام حقوق الإنسان.
في هذا الصدد، تقول مصادر رسمية فرنسية إن «هامش التحرك» بين الطرفين ضيق للغاية. ورغم ذلك، فإن باريس «لم تقطع الأمل» وستكون الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية جان إيف لو دريان إلى طهران في الخامس من الشهر القادم فرصة «لتقويم الوضع ومعرفة ما إذا كانت هناك إمكانية للقيام بشيء ما».
ليس سرا أن باريس من أشد المدافعين عن الاتفاق النووي، لكنها بالمقابل اقتربت من واشنطن في المسائل الأخرى. لو دريان اتهم طهران في 22 يناير (كانون الثاني) الفائت بـ«انتهاك القرار الدولي رقم 2231» الذي يحد من قدراتها الصاروخية الباليستية.
وفي 13 ديسمبر (كانون الأول) الماضي عبر الوزير الفرنسي عن رفض بلاده لسعي إيران إلى «إقامة محور من المتوسط إلى طهران» كما ندد بمناسبة زيارته الأخيرة إلى الخليج بـ«نزعة الهيمنة الإيرانية». وعندما اجتاحت إيران موجة من الاحتجاجات، نددت فرنسا بعمليات القمع التي تعرض لها المتظاهرون وطالبت النظام باحترام حق التظاهر والحقوق الأساسية للمواطن. وفي مناسبات أخرى، انتقدت باريس السياسة الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومنطقة الخليج واعتبرتها «مزعزعة للاستقرار».
رغم وجود «هوة» بين باريس وطهران، فإن الجانب الفرنسي يعتقد أن له «دورا» يمكن أن يلعبه في الملف الإيراني.
وتعتبر المصادر الفرنسية أن السبب الأول يكمن في أن فرنسا هي «الوحيدة المؤهلة» اليوم أوروبيا للقيام بهذه الوساطة بالنظر لانشغال بريطانيا وألمانيا بمشكلاتهما الداخلية. ويمكن أن يضاف إلى ذلك أن واشنطن لا يمكن أن تقبل روسيا «طرفا وسيطا» بسبب التوتر الذي يشوب علاقات الطرفين.
فضلا عن ذلك، ووفق ما تقوله المصادر الفرنسية، فإن التهديد الأميركي بالخروج من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات أقوى على إيران خصوصا على صناعتها البترولية والغازية، يوفر لباريس «ورقة ضغط» قوية تستطيع استخدامها بوجه النظام الإيراني. ومن هذا المنظور، فإن باريس تستطيع تخيير طهران بين إظهار «الاعتدال والليونة» والمحافظة بالتالي على الاتفاق النووي واستمرار الاستفادة من التسهيلات التي يقدمها رغم أن إيران تعتبرها «غير كافية»، وبين التصعيد الأميركي والعقوبات الإضافية، وربما وصلت الأمور إلى حد المواجهات العسكرية المباشرة أو بالواسطة. ومن الحجج التي يمكن لباريس الاستناد إليها أنها ترغب في توثيق علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع طهران وأن رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون راغب في إتمام زيارته إليها وعلى الأرجح في الربيع القادم وستكون إحدى مهام لو دريان في العاصمة الإيرانية التحضير لهذه الزيارة التي إذا تمت ستكون الزيارة الأولى لزعيم غربي إلى طهران منذ الثورة الإيرانية.
ولإرضاء إيران، تؤكد باريس «تصميمها» للمحافظة على الاتفاق النووي الذي تعتبره أساسيا في «المحافظة على هندسة حظر الانتشار النووي». ووجهة النظر الفرنسية أن اليوم ثمة مشكلة نووية مع كورية الشمالية والتخلي عن الاتفاق مع طهران سيعني «ظهور كورية شمالية ثانية».
إزاء هذا الواقع، فإن السؤال الذي يطرح يتناول «هامش المناورة» المفتوح أمام باريس للتحرك. والقناعة الراسخة لدى المسؤولين الفرنسيين أن طهران بحاجة لفرنسا رغم التوتر الذي شاب علاقات الطرفين في الأسابيع الماضية والذي تسببت فيه التصريحات الرسمية الفرنسية حول الملفات الخلافية مع طهران وبالتالي فإن للأخيرة «مصلحة» في أن تعطي الوسيط الفرنسي «شيئا ما» يفاوض على أساسه ويستطيع أن يقدمه للطرف الأميركي. لكن أمرا كهذا سيكون، وفق المصادر الفرنسية، موضوع شد حبال بين الجناحين المعتدل والمتشدد في السلطة الإيرانية. وتذكر هذه المصادر أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أظهر «بعض الانفتاح» لدى لقائه مع نظرائه الأوروبيين في بروكسل أوساط الشهر الماضي.
ونقل وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل عن ظريف استعداد بلاده لمناقشة سياستها الإقليمية والمواضيع المختلف عليها دون الخوض في التفاصيل. ولذا، فإن الأيام والأسابيع القادمة ستوفر بعض عناصر الجواب لمعرفة ما إذا كانت طهران ستعطي باريس الفرصة لتسير بـ«وساطتها» أم أن الكلام الذي صدر عن روحاني أمس «وقبله عن المرشد الأعلى ورئيس الحرس الثوري ومسؤولين كبار في النظام» هو نهائي وقاطع.



أزمة «تجنيد الحريديم» تحتدم في ساحات القضاء الإسرائيلي

جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
TT

أزمة «تجنيد الحريديم» تحتدم في ساحات القضاء الإسرائيلي

جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)

شهدت جلسة للمحكمة العليا الإسرائيلية، عقدت الأربعاء، لمناقشة التماسات ضد امتناع «الحريديم» (اليهود المتشددين دينياً) عن الخدمة في الجيش، مشادات وشغباً، وسط اتهامات للحكومة بتعمد تقديم «رد متأخر» حول موقفهم، وغضب من أهالي الجنود الذين يقاتلون في قطاع غزة.

ونقلت وسائل إعلام عبرية، أنه خلال مناقشة التماس قدمته منظمات وروابط محلية ضد الحكومة ووزير الدفاع يسرائيل كاتس لأنهم «لا يطبقون واجب التجنيد ضد الحريديم»، اندلعت أعمال شغب بعد أن اقتحمت تمار ليفي، من حركة «أمهات على الجبهة» القاعة، وصرخت قائلة: «إن العلمانيين (في إشارة إلى من يتم تجنيدهم) ليسوا حمير المتشددين».

ونقلت «القناة 12» الإسرائيلية أن ليفي وقفت فوق كرسي وصرخت في قاعة المحكمة «إنكم تفتتون النسيج الاجتماعي لهذا البلد. لا يمكن أن نرسل أولادنا بعمر 18 عاماً إلى غزة ولبنان ولا يتم إرسال آخرين»، ثم يتمكن حارس المحكمة من إخراجها من الجلسة.

80 ألفاً

وناقشت الجلسة رد الحكومة المتأخر، وقال قضاة المحكمة إنهم صدموا عندما عرفوا أن عدد أعضاء المتشددين الذين لم يتم تجنيدهم، بحسب رد الدولة، هو 80 ألفاً.

ووبخ القضاةُ ممثلي الحكومة لأنهم ردوا متأخراً في الصباح الباكر قبل ساعات من الجلسة.

وكان كاتس معنياً، كما نشر، بتأخير الرد الرسمي، الذي أكد أن الجيش الإسرائيلي سيكون قادراً ابتداء من عام 2026 على استيعاب جميع اليهود المتشددين.

«الحريديم» في مظاهرة بالقدس ضد قرار تجنيدهم بالجيش الإسرائيلي 30 يونيو 2024 (أ.ب)

ونقل المستشار القانوني للحكومة، غالي بهراف ميارا، موقف الدولة بشأن تجنيد المتشددين، إلى المحكمة، وأشار إلى أن الجيش سيكون قادراً على استيعاب أرقام محددة من الحريديم هذا العام، وفي عام 2026 لن يكون هناك حد على الإطلاق.

وقالت الحكومة إن «الجيش أرسل أوامر التعبئة إلى نحو 7000 من اليهود المتشددين في سن الخدمة العسكرية».

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن الثلاثاء، عن زيادة كبيرة في التجنيد من الطائفة اليهودية المتشددة لفترة التجنيد الثانية لعام 2024.

وفقاً للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، «انضم 338 مجنداً جديداً من اليهود المتشددين إلى وحدات مختلفة: 211 بوصفهم مقاتلين و127 في مهام دعم».

ويؤكد الجيش الإسرائيلي أن «هذا الدمج يتم مع احترام الظروف وأسلوب الحياة الديني للمجندين، مع تكييف البرامج القائمة».

لكن بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن إرسال الجيش الإسرائيلي 7000 أمر تجنيد إضافي لأعضاء المجتمع الحريدي جاء بعد أن فشلت المرحلة الأولى من خطة تجنيد الجنود الحريديم إلى حد كبير.

نزاع شائك

ومن بين 3000 أمر تجنيد صدرت للمتدينين الحريديم خلال الصيف الماضي، استجاب 300 شخص منهم وحضروا إلى مراكز التجنيد.

وجاءت أوامر الجيش بعد حكم تاريخي للمحكمة العليا في يونيو (حزيران) الماضي، وفيه أنه «لم يعد هناك أي إطار قانوني يسمح للدولة بالامتناع عن تجنيد طلاب المدارس الدينية الحريدية في الخدمة العسكرية».

والنزاع حول خدمة المجتمع الحريدي في الجيش هو أحد أبرز النزاعات الشائكة في إسرائيل، حيث لم تنجح محاولات الحكومة والقضاء على مدار عقود من الزمان في التوصل إلى حل مستقر لهذه القضية.

وتقاوم الزعامات الدينية والسياسية الحريدية بشدة أي جهد لتجنيد الشباب الحريديم.

يعارض «الحريديم» الخدمة في الجيش (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويقول العديد من اليهود الحريديم إن «الخدمة العسكرية تتعارض مع أسلوب حياتهم، ويخشون أن يصبح المجندون علمانيين».

ولكن الإسرائيليين الذين يخدمون في الجيش يقولون إن هذه «الإعفاءات الجماعية القائمة منذ عقود تثقل كاهلهم بشكل غير عادل، وهذا الشعور تفاقم منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) والحرب التالية، التي قتل فيها أكثر من 780 جندياً واستدعي نحو 300 ألف مواطن للخدمة الاحتياطية».

وفي العام الماضي، تم إدراج 63 ألف رجل من الحريديم على أنهم مؤهلون للخدمة العسكرية، وارتفع الرقم إلى 80 ألفاً هذا العام.

وتعمل أحزاب الائتلاف الحريدية على تشريع قانون معروف باسم «قانون التجنيد» من شأنه أن يتضمن زيادة في التجنيد، لكن مع الحفاظ على نطاق واسع من الإعفاء للرجال الحريديم، وهو ما خلف مزيداً من الجدل الصاخب والنقاش في إسرائيل.

وبداية العام الحالي، أعلن وزير الدفاع السابق، عضو الكنيست يوآف غالانت، استقالته من الكنيست، وتطرق إلى موضوع قانون التجنيد الذي كان سبباً في إقالته من منصبه، قائلاً: «في الشهرين الأخيرين منذ إقالتي من منصب وزير الدفاع، سقط أمر ما. الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء ووزير الدفاع تقوم بتسريع قانون التجنيد (الإعفاء) الذي يتعارض مع احتياجات الجيش الإسرائيلي وأمن دولة إسرائيل. لا أستطيع قبول ذلك ولا أستطيع أن أكون شريكاً في ذلك».