المرض والمجاعة أخطر ما جناه الانقلاب الحوثي على اليمنيين

TT

المرض والمجاعة أخطر ما جناه الانقلاب الحوثي على اليمنيين

تسبب انقلاب جماعة الحوثي على الشرعية في اليمن على مدى السنوات الثلاث الماضية، في تجريف الاقتصاد الوطني وتدمير مؤسسات الدولة، وتلاشي فرص العمل، وإقصاء الآلاف من وظائفهم، الأمر الذي انعكس سلباً على معيشة السكان، وقاد إلى تهديد الملايين منهم إما بالموت قتلاً، أو جوعاً، أو بالمرض، في ظل انهيار شبه كامل للنظام الصحي.
وفي هذا السياق، أصدرت الجماعة الانقلابية أمس تسعيرة جديدة لأرغفة الخبز في صنعاء، في محاولة لضبط الأسعار، التي ارتفعت جراء ارتفاع ثمن القمح والوقود، وتراجع سعر العملة المحلية (الريال)، في وقت يقول مواطنون إن «ملاك المخابز لا يحصلون على أي امتيازات خاصة أو تسهيلات من ميليشيا الانقلاب، تجعلهم يقبلون بالتسعيرة الجديدة». ويتخوف السكان في العاصمة اليمنية «من أن يكون الهدف من (التسعيرة الحوثية) للخبز هو التضييق على ملاك الأفران لإجبارهم على الإغلاق، والتسبب في أزمة جديدة هم في غنى عنها».
وفيما تستعد الميليشيات المتمردة لإصدار قوانين جديدة تسمح لها بجباية المزيد من الأموال والإتاوات، كانت لجأت منذ سيطرتها على صنعاء إلى فرض رسوم جمركية وضريبية مضاعفة، ورفعت أسعار الوقود، ما أدى إلى زيادة أسعار السلع الغذائية بنسب تفوق القدرة الشرائية لمعظم المواطنين، وبخاصة مع تدهور قيمة العملة المحلية إلى النصف تقريبا.
وعلى نحو متصل، ذكرت الأمم المتحدة أن أكثر من 47 ألف يمني نزحوا إلى عدن وعدد آخر من المحافظات في جنوب البلاد جراء المعارك التي تشهدها محافظتا تعز والحديدة منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بحسب ما ورد على لسان المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجريك، في مؤتمر صحافي بالمقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك. وقال دوجريك إن أسعار السلع الغذائية ارتفعت بنسبة 47 في المائة فوق المتوسط مقارنة بما كانت عليه قبل انقلاب الميليشيات الحوثية أواخر 2014، وكشف أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أبلغ المنظمة الدولية بأن الوضع في عدن يتسم بالهدوء، حيث تعمل المدارس والموانئ والمطارات بشكل طبيعي.
وفي سياق التدهور المستمر للوضع الإنساني في اليمن، حذر مسؤولون في بعثة الصليب الأحمر الدولي ومنظمة «أطباء بلا حدود»، في صنعاء أمس، من حجم المخاطر التي باتت تهدد آلاف المرضى الذين يعانون من «الفشل الكلوي»، في ظل هشاشة النظام الصحي، وعدم قدرته على الاستجابة لاحتياجات المواطنين.
وجاءت التحذيرات بعد أيام من تصريحات لمنظمة الصحة العالمية، كشفت أن أكثر من 10 آلاف يمني أصيبوا بالسرطان خلال السنة الماضية، ليصبح عدد المرضى يفوق 30 ألفا، لا يستطيع أغلبهم الحصول على العلاج المناسب بسبب توقف فاعلية النظام الصحي. وكشف رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن ألكسندر فيت عن أن «واقع مرضى الفشل الكلوي في اليمن يواجه إهمالاً شديداً رغم كونه قضية هامة وحساسة، ويواجه بسببه الآلاف شبح الموت، ما لم يتم دعم مراكز الغسيل الكلوي لتعزيز الخدمات لأولئك المرضى». وقال إن «النزاع أتى على البنية التحتية ودمرها، ما أدى إلى كارثة إنسانية كبيرة كتلك التي شهدتها البلاد في الآونة الأخيرة، والتي تمثلت بتفشي مرض الكوليرا أو تلك التي تشهدها حاليا كمرض الدفتيريا». وأضاف رئيس بعثة الصليب الأحمر: «وبسبب النزاع الجاري تواجه مراكز الغسيل الكلوي صعوبات جمة، منها الافتقار إلى الدخل والتمويل، وقلة الدعم من الجهات المحلية والدولية، والتحديات التي تواجه استيراد المواد الخاصة والمعدات إلى اليمن، وكذلك انعدام الأمن والقيود المفروضة على حركة البضائع». وأوضح فيت أن الدعم الذي تقدمه اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال الغسيل الكلوي يعد إجراء استثنائياً، لأن تركيز المنظمة ينصب على التدخل في مجال الطوارئ المنقذة لحياة جرحى الحرب والاستجابة لتفشي الأمراض، مؤكداً أن اللجنة تدعم حالياً «5 مراكز للغسيل الكلوي في صنعاء وعدن وشبوة والمحويت وحجة» لكنه «دعم محدود بفترة زمنية تمتد حتى ديسمبر (كانون الأول) 2018».
من جانبه، تطرق رئيس بعثة «أطباء بلا حدود» جن بيسيلنك إلى معاناة النظام الصحي في اليمن، من تدني خدماته ونقص المواد الطبية المستلزمات والمعدات، وكشف عن وجود 28 مركزاً لغسيل الكلى من أصل 32 مركزا معظمها تفتقد للدعم والمواد الطبية، ما أدى إلى وفاة كثير من المرضى. وقال إن بعثة «أطباء بلا حدود» قدمت خلال العامين الماضيين 800 طن من المواد الطبية لمرضى الغسيل الكلوي، و83 ألف جلسة غسيل لحوالي 800 مريض.
ولأن المصائب، كما يبدو، لا تأتي فرادى على اليمنيين، أصدرت مصادر طبية في صنعاء قبل أيام، تحذيرات من ظهور محتمل لمرض فيروسي غير معروف يشبه في أعراضه ما عرف بمرض إنفلونزا الطيور. وذكرت المصادر أنه تم تسجيل سبع حالات وفاة على الأقل بنفس الأعراض. وكشفت المصادر أن المرض الغريب يؤدي إلى انهيار الجهاز التنفسي للمصاب قبل الوفاة، لكن لم يتسن، على حد قولها، معرفة الفيروس المتسبب في المرض لعدم توافر الإمكانيات المخبرية اللازمة.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.