«زيل إم سي» وجهة يعشقها الخليجيون

لوحة طبيعية فنية معلقة بين السماء والأرض

«زيل إم سي» وجهة يعشقها الخليجيون
TT

«زيل إم سي» وجهة يعشقها الخليجيون

«زيل إم سي» وجهة يعشقها الخليجيون

«أرض الجبال والأنهار... وطن الجمال... التي يحافظون عليها»، مقتطف من النشيد الوطني النمساوي، الذي يتغنى بطبيعة بلادهم وما حباهم الله من نعم طبيعية. وبالفعل فإنّ النمساويين يعتبرون طبيعتهم الخلابة «هبة إلهية» غاية في الجمال، لا بدّ من المحافظة عليها للاستمتاع بخيراتها ومناظرها الساحرة.
فالسياحة وحدها تُمثل قطاعاً هاماً في الاقتصاد النمساوي، وتدرّ نحو 16 في المائة أرباحاً على خزينة الدولة، بفضل جهود النمساويين الذين يعملون جاهدين على إنجاح هذا القطاع عالمياً، بمختلف مقوماته التاريخية والثقافية والفنية. ولا يخفى ما لثروات النمسا الطبيعية من جبال وأنهار وبحيرات ووديان وسهول بطبيعتها شديدة الخضرة في فصلي الربيع والصيف، وثلوجها شتاء، من أهمية تجذب السائح للاستمتاع بمناظرها المريحة للروح والبصر.
تنقسم النمسا إلى أقاليم تسع، ولكل منها مقوماته الجمالية وسياحته الخاصة به، كما لكل فصل سيّاحه بل عشّاقه من الذين يزورونه عاما بعد عام متنقّلين من منطقة إلى أخرى، وقد يعود بعضهم ملهوفا للإقليم ذاته، ومنهم عدد كبير من الخليجيين الذين يعشقون مناطق بعينها وأضحوا من روادها الدائمين وعلى رأسها «زيل إم سي».
- «زيل إم سي»
على الرّغم من أنّ العاصمة فيينا تحتل المرتبة السياحية الأولى في البلد عالميا، فإن مدينة صغيرة جداً، أمست الوجهة المفضلة لأعداد كبيرة من الخليجيين، ممن يقصدونها للإقامة فيها طيلة العطلة الصيفية. فما هو السر وراء جاذبيتها واستقطابها للسياح العرب تحديداً؟
في رحلة استغرقت نحو 4 ساعات بالقطار من فيينا، زارت «الشرق الأوسط» مدينة «زيل إم سي» القابعة في منطقة كابرون بإقليم سالزبورغ التي لا يتعدى عدد سكانها الـ10 آلاف مواطن، ويمكن الوصول إليها براً من العاصمة عبر مطاري سالزبورغ وميونيخ.
يعود تاريخها إلى العصر البرونزي، وقد نمت واشتهرت قديماً كمعبر تجاري لمقايضة ثروة الإقليم من الملح ببضائع عينية تفتقدها مدن وقرى وسط سلسلة جبال الألب النمساوية.
تبعد «زيل إم سي» 60 كيلومتراً عن مدينة سالزبورغ عاصمة إقليم سالزبورغ مسقط رأس المؤلف الموسيقي الشهير موزارت، و100 كيلومتر عن مدينة انسبورك عاصمة إقليم تيرول الملقبة بجوهرة الألب وموطن الكريستال. كما تبعد 165 كيلومترا عن مدينة ميونيخ الألمانية عاصمة إقليم بافاريا. وكما هو ملاحظ، فالمدينة الصغيرة تتميز بكونها قريبة لثلاث مدن كبيرة تزخر بمعالم سياحية ساحرة، وأسواق عامرة لمن يرغب في التسوق من أفخم المجمعات التجارية. أمّا للباحثين عن الصخب فلا مكان لهم في هذه المدينة الهادئة والوديعة.
- جمال «زيل إم سي»
يكمن في أنها قريبة من المنتجعات الطبيعية كسال باخ وباد غاشتاين التي يسهل الانتقال منها وإليها عبر المواصلات العامة، وهناك أيضاً سيارات خاصة للإيجار. تقع على ضفاف بحيرة يصعب وصف رونقها ولون مياهها وعذوبتها. بحيرة تتمدّد منبسطة بطول 4 كيلومترات وعرض كيلومتر وعمق 68 مترا، يزيدها بهاء وجاذبية تلك الجبال شاهقة الارتفاع التي تؤطر منظرها من أعلى وكأنّها براويز لوحة بديعة تناسب تماما التقاط «سلفي» لا تضاهى.
تؤهل هذه الطبيعة الثرية «زيل إم سي» لاستقبال السياح بمختلف أهوائهم ورغباتهم من جميع أنحاء العالم وفي كل المواسم. فللقادمين صيفاً تستقبلهم بخضرتها الشديدة ومروجها وورودها ومناخها اللطيف المنعش وقممها الجبلية وأوديتها وشلالاتها. ولقاصديها شتاء هناك فرص لا تُضاهى للاستمتاع بثلوج تكسوها بالكامل بوشاح أبيض ناصع، في أجواء شتوية تتجمد معها حتى مياه بحيراتها.
تشتهر «زيل إم سي»، ببرامجها الرياضية الشعبية التي تختلف باختلاف المواسم. كما لا تخلو من احتفالات ترفيهية ومواقع ومبان أثرية تستحق الزيارة والتأمل، كقلب المدينة القديم الذي يضفي عليها حميمية لصغره وضيق أزقته ولكونه جسراً يقود إلى مختلف الأنشطة والمحال، بما في ذلك المجلس البلدي والمتاجر والمطاعم والمقاهي ومرافق الخدمات وسبل المواصلات ومحطة القطارات.
يرتبط اسم المدينة ببحيرة تُعتبر الأوكسجين الذي تتنفس منه، إذ إنّها توفر مياه شرب عذبة لسكانها ومناظر بديعة تسرّ البال وتفرح القلب، وهي مصدر رزق وفير، وليس أجمل من الجلوس على ضفافها أو المشي ومراقبة البط والإوز الذي يعيش فيها ويغوص في أعماقها ليتغذى من خيراتها. إلى ذلك تعتبر مسبحاً عاماً ومجانيا يحلو فيه العوم والسباحة، رغم أن العابرات المائية تشقه لرحلات ترفيهية. وحين تتجمد مياهها شتاء تتحوّل جليداً صلباً بسُمك 22 متراً تسمح السلطات بعبورها مشياً على الأقدام والتزلج عليها، مما يضاعف من جمالية المنظر ويزيد من اعتزاز الأهالي ومتعة السياح.
جدير ذكره، أنّ هذه المدينة استقبلت الصيف الماضي، أكثر من 70 ألف سائح خليجي، أي ما يفوق 80 في المائة من سياحها في ذاك الموسم.
- جبل كيتسشتاينهورن
كيتسشتاينهورن جبل شهير يرتفع شامخاً في قرية كابرون التي تبعد مسافة كيلومترين اثنين عن «زيل إم سي». من هنا تتوفر حافلات لنقل الزوار إلى محطة الانطلاق بواسطة 5 تيليفريك في رحلة لمشاهدة مناظر خلابة على طول الرحلة الغنية بلوحات طبيعية من الصخور. هذه الرحلة الهوائية، تغمر المرء بإحساس مثير وتجربة ممتعة وسريعة بفضل تطور سبل التقنية الآلية الآمنة للوصول لأكبر متنزه في منطقة جبال الألب.
وكما أوضح نوربرت كاريسبوك مدير كيتسشتاينهورن رداً على «الشرق الأوسط»، فإنّ الصعود إلى القمة قد شهد تطورات تقنية مذهلة، حيث اقتصرت الرحلة على 40 دقيقة فقط، مقارنة بالتجربة الشاقة التي قطعها يوهان انتاشر أول من تسلق قمته سنة 1828.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال كرستيان هورل، مدير المبيعات في الموقع، الذي حاول جاهداً أن يجول بي إلى جميع الأماكن التي أستطيع زيارتها على الرّغم من رداءة الطقس، «حقيقة، تتحكّم الطبيعة وأحوالها الجوّية إلى حد كبير بالسياحة في منطقتنا»، مضيفاً: «هذه الطبيعة التي نصوّر تغيراتها الجميلة في فيلم سينمائي رائع نعرضه لزيادة إلمام الزائر بتلك التغيرات الملموسة التي يعيشها في رحلته وهو يتنقل ما بين القمم والأرض».
للأسف بسبب كثافة الثلوج وشدّة الرياح لم أتمكن من زيارة الكهوف الثلجية، ومن بينها كهف تتخذه شركة سيارات معرضا لأحدث منتجاتها.
لكن هورل أسهب في وصفها حتى ارتسمت صورتها في خيالي من دون أن أراها. ظل يتحدث بفخر عن روعة السياحة الشتائية وبرامجها المتنوعة، خصوصا بالنسبة لعشاق رياضة التزلج من الشباب والشابات، إضافة إلى عشاق تناول الطعام في المطاعم المتوفرة على تلك القمة التي تمتد على طول 120 كيلومترا وارتفاع 3,798 متر في سلسلة جبال الألب الوسطى، حيث يتربّع «Hohe Tauern» أكبر متنزه وطني بمساحة 1,836 كيلومتر، وترتفع قمم أكثر من 300 جبل تفوق 3000 متر، بما في ذلك قمة غروس غلوكنر أعلى الجبال النمساوية، كما تعتبر المنطقة مدهشة بشلالاتها عندما تذوب ثلوجها صيفا، وهي موطن سكن طبيعي لأكثر 10 ألف فصيل حيواني. ومعلوم أنّ كيتسشتاينهورن واحدة من أهم المواقع العالمية لرياضة التزلج شتاء و«الهايكينغ» والسير في الجبال ومنحدراتها وسهولها صيفاً.
- فندق غراند أوتيل
تتنافس فنادق ومتنزهات المدينة بمواقعها وإطلالاتها على البحيرة وما يحيطها من جبال على استقطاب الاهتمام. وتبقى تلك التي تنتصب قبالة البحيرة الأكثر طلبا، مثل فندق الـ«غراند أوتيل» الذي يواجهها على بعد بضعة أمتار، كما أنّه لا يبعد عن محطة القطارات وقلب المدينة الأثري.
مبنى الفندق أثري بامتياز، شيّد ما بين الأعوام 1894 إلى 1896 على نمط المعمار الذي ساد إبان الفترة المعروفة بـ«Belle Epoque» التي يشير إليها التاريخ الأوروبي، بالحقبة الجميلة، ويؤرخ لها ما بين الأعوام 1871 إلى 1914 سنة نشوب الحرب العالمية الأولى.
يعتبر مبنى الفندق مقراً محمياً، ولا يحقّ لملّاكه إجراء أي تغييرات في بنيته الأساسية، على الرّغم من تمتّعهم بحرية العمل وإدارته لتطوير سبل الضيافة وتحديثها لخدمة النزلاء. ومع كثافة السياح العرب في المدينة، عمل الفندق على تعيين موظفين يتحدثون العربية كما يوفر منصة إلكترونية عربية لتسهيل إجراءات الحجز والوقوف عند رغبات العملاء.
- «زيل إم سي» وقانون حظر النقاب
> في سياق آخر، لم تغفل «الشرق الأوسط» عن السؤال بشأن قانون حظر النقاب الذي جرى العمل به في جميع أنحاء البلاد، بدءاً من أكتوبر (تشرين الأول) 2017، وآثاره السلبية التي قد تنعكس على السياحة في موسم الصيف المقبل، خصوصا أن نسبة السياح الخليجيين إلى هذه السنة مرتفعة جداً؟
لم يخف البعض تخوفهم ومبدين قلقهم من هذا القانون، ومنهم روبرت غروبلاخر مدير المكتب النمساوي السياحي النشط في منطقة الخليج العربي، ومقره في مدينة دبي. فالسائح العربي عموما والخليجي خصوصا مهم جدا ودورهم في إنعاش الاقتصاد المحلي لا يمكن إنكاره، حيث شهدت المنطقة زيادة بلغت 18 في المائة في عدد السياح القادمين من دولة الإمارات العربية المتحدة هذا العام، وزيادة بنسبة 7 في المائة بعدد السياح من المملكة العربية السعودية، فيما وصل العدد الكلي 400 ألف خلال العام. وأشار روبرت غروبلاخر إلى أنّ الإعلام المحلي في دول الخليج أفاد بأنّ الحكومة السعودية عممت نصحا لمواطنيها باتباع القانون ضمانا لسلامتهم.
وكانت أندريا اشتفيتر الخبيرة السياحية في مدينة «زيل إم سي» التي تعدّ العدة لزيارة تسويقية ترويجية في أكثر من بلد خليجي خلال شهر فبراير (شباط) المقبل، قد أشارت إلى أنّ تطبيق القانون يجري لأغراض أمنية تتطلب الكشف عن ملامح الوجه. وأضافت أنّ هذه المدينة الهادئة، ترحب بالسياح العرب تماما كما ترحب بسياحها من مختلف بقاع العالم، موضحة أنّ ما يطلبونه من كل الزّوار هو احترام القليل مما يفرضونه كقواعد يُستلزم تطبيقها لراحتهم وراحة السّكان المحليين تماماً كما هو الحال بشأن الحفاظ على قوانين المرور وربط حزام الأمان، والالتزام بالسرعة المحددة، ووضع الأطفال في المقاعد المخصصة لهم، والالتزام بقواعد نظافة المدينة والحفاظ على البيئة، والحرص على الإلمام بمواعيد إغلاق المحال التجارية والمواقع السياحية. بيد أنها شددت على أهمية أن يطّلع السائح عموما قبل سفره على قوانين أي بلد ينوي زيارته، وما هو مقبول وما هو مرفوض فيه، وهذا ما ستفعله هي بدورها قبل الانطلاق في رحلتها إلى الخليج، حسب قولها.
من جانبها شدّدت مارتينا ماركو من قسم التسويق في فندق الغراند أوتيل، على حقيقة أنّ عدم مجيء العرب إلى «زيل إم سي» صيفا، يعني خسارة فادحة ليس للمدينة فقط بل للمنطقة بأسرها، مؤكدة أنّ المنطقة بانتظارهم وبانتظار الترحيب بهم. فمتوسط إنفاق السائح الخليجي يفوق ما ينفقه السائح الألماني والروسي والهولندي، بل وحتى النمساوي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن النمساويين يفضلون السياحة الداخلية.
- أهم المطاعم في المنطقة
تتوفر المنطقة على مطاعم متعددة تقدم أطباقا عالمية ونمساوية على حد سواء. المشكلة أنها في أيام الإجازات تكون محجوزة بالكامل، وبالتالي تحتاج أن تكون مستعدا للوقوف في طوابير طويلة إذا لم تحجز طاولتك قبل الوقت بأسابيع. من أهم المطاعم التي يعشقها السياح تلك التي توجد على قمم الجبال لما تتمتع به من أطباق شهية وفي الوقت ذاته ما تتيحه من مناظر طبيعية خلابة مثل «برايتيكالم» Breiteckalm و«غلوكنهاوس» Glocknerhaus و«بينزاور هات». Pinzgauer Hütte.
تتوفر في المنطقة أيضا مجموعة من المقاهي. يوجد أكثرها شعبية في فندق «بيرغ» Berghotel الذي يتمتع بموسيقى حية وأجواء احتفالية طوال الوقت. أما وسط المدينة فهناك عدة نواد ومقاه نذكر منها «بينزاور ديل كلاب روكس» Pinzgauer Diele club rocks و«أو فلانيغان» رغم أنه ضيق جدا، و«فيلا كرايزي دايزي» التي تتمتع بأجواء حيوية وموسيقى حية في غالب الأحيان.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

«نيرفي»... تحفة فنية إيطالية وادعة على المتوسط

نيرفي منطقة سياحية جميلة في إقليم ليغوريا (أدوبيستوك)
نيرفي منطقة سياحية جميلة في إقليم ليغوريا (أدوبيستوك)
TT

«نيرفي»... تحفة فنية إيطالية وادعة على المتوسط

نيرفي منطقة سياحية جميلة في إقليم ليغوريا (أدوبيستوك)
نيرفي منطقة سياحية جميلة في إقليم ليغوريا (أدوبيستوك)

الصفات المشتركة التي تربط ما بين مدن إيطاليا وأرجائها كافة هي الجمال وروعة الطبيعة ولذة الطعام، لكن إذا أردنا التعرف على الفوارق فهي كثيرة؛ وذلك لأن لكل مدينة وقطاع في إيطاليا نكهتها الخاصة. لروما ألقها، فيها تشتم رائحة التاريخ قبل رائحة البيتزا، وفي مناطق الشمال تختلف المناظر ويختلف المطبخ، وفي صقلية تشعر وكأنك في بلد عربي وتتذوق نكهة الشرق في أطباقها... ولائحة الفوارق تطول.

ساحة جنوا وتمثال يجسّد أزمة المهاجرين في أوروبا (الشرق الأوسط)

رحلتنا الأخيرة إلى إيطاليا هذه المرة بدأت من جنوا (Genova) التي تعدّ واحدة من أهم المدن الإيطالية تاريخياً وثقافياً، وتقع إلى شمال غربي إيطاليا على الساحل الليغوري؛ فهي مهد كريستوفر كولومبوس وموطنه بحيث يعتقد بأن المستكشف الشهير وُلد فيها أو بالقرب منها، وهذا الأمر يعطي هذه المدينة مكانة بارزة في تاريخ الاستكشاف.

كامولي من مدينة لصيادي الأسماك إلى وجهة سياحية رائعة (الشرق الأوسط)

ومن جنوا وعلى بعد نحو عشرين دقيقة بالسيارة وصلنا إلى منطقة نيرفي Nervi، حيث حططنا رحالنا لتكون هذه المنطقة نقطة اكتشاف أهم الوجهات السياحية القريبة وعلى رأسها منطقتا «سانتا مارغاريتا» ومرفأ «بورتو فينو» و«جنوا» و«كامولي».

يتميز كابيتولو ريفييرا بأثاثه الإيطالي الجميل (الشرق الأوسط)

أما عنوان الإقامة، فكان في أجدد فندق من فئة بوتيك وتكلله 5 نجوم، يستمد من الريفييرا الإيطالية اسمه ومن الذوق الإيطالي تصميمه، اخترنا «كابيتولو ريفييرا» Capitolo Riviera؛ لأنه عنوان إيطالي بامتياز ويتمتع بموقع مميز مباشرة على البحر وعلى بعد دقيقة مشي فقط من محطة القطار التي تساعدك على التنقل في جميع أرجاء ليغوريا براحة وسرعة تامة.

جنوا مدينة كريستوفر كولومبوس (الشرق الأوسط)

كابيتولو ريفييرا هو ثمرة جهد دام لأكثر من أربع سنوات لترميم وتغيير ملامح المبنى الذي كان في الماضي فندقاً أيضاً، لكن المالكين الجدد للمشروع من بينهم الرئيس التنفيذي باولو دوراغروسا وزوجته اللبنانية سابين غنطوس غيَّروا معالمه بشكل تام ليكون عنواناً راقياً ومميزاً في قطاع ليغوريا، لدرجة أن كل من زاره علق بأنه عنوان لا يوجد له منافس في تلك المنطقة نسبة للمفردات الإيطالية الراقية فيه المتمثلة بالديكور الإيطالي التي تعبق منه رائحة الجلد الطبيعي والأثاث المصمم خصيصاً للفندق من ماركة (تاكيني) و«ترو ديزاين» و«كاسينا» والبهو المفتوح والعصري والحديقة الخارجية وبركة السباحة التي تطل على المركز الصحي الذي تم حفره تحت الأرض بشكل يتناغم مع باقي أرجاء الفندق المؤلف من 37 غرفة.

الحدائق المحيطة بكابيتولو ريفييرا على الساحل الليغوري (الشرق الأوسط)

عندما تصل إلى المدخل يستقبلك فريق العمل بزي موحد وبتصميم جميل يتناغم مع ألوان اللوبي المميز بجدرانه وأسقفه الخرسانية والتي تركها مصمم الديكور مكشوفة ومن دون طلاء لتعطي نوعاً من الحداثة وتبث روحاً يانعة في المكان. الموظفون يتقنون لغات عدة بما فيها العربية ليكون التواصل أسهل بالنسبة للزوار من منطقة الشرق الأوسط.

اختيار هذا الفندق يناسب السياح الذين ينوون السفر من منطقة إلى أخرى في إيطاليا لأنه يقع في وسط مناطق سياحية عدّة قريبة يسهل الوصول إليها عن طريق السيارة أو القطار.

جنوا مدينة تاريخية عريقة (الشرق الأوسط)

وتقول سابين غنطوس إن الصعوبة كانت في بذل جهد كبير لخلق مشروع أنيق وبالوقت نفسه صديق للبيئة؛ ولهذا لا يوجد أي أثر للبلاستيك في الفندق وتم التركيز على خلق واحة خضراء تبدأ من بهو الفندق الرئيسي لتكون مرآة للمساحة الخارجية المليئة بالخضرة والأشجار، وأضافت غنطوس بأن المصاعب التي واجهتها مع زوجها باولو منذ بداية المشروع إلى جانب مستثمرين هو الحفاظ على هوية وكيان المبنى مع القيام بتوسيعه وحفر طابق إضافي تحت الأرض تم تحويله مركزاً صحياً وسبا وغرفاً للعلاجات مع مخرج مباشر إلى الحدائق وبركة السباحة.

البهو الرئيسي في كابيتولو ريفييرا (الشرق الأوسط)

ويضم الفندق أيضاً مطعماً مميزاً يطلق عليه اسم «بوتانيكو» Botanico يشرف عليه الشيف الإيطالي جيوفاني أستولفوني ويقدم فيه الغداء والعشاء، وأطباقه إيطالية تقليدية مع لمسة عصرية جداً، الأمر واضح من طريقة التقديم والوصفات التي يشدد فيها الشيف على الألوان، فلا تفوت على معدتك فرصة تذوق الريزتو مع البيستو الأشهر في جنوا المزين بالزهور القابلة للأكل التي تزرع في حديقة الفندق.

كامولي الشهيرة بأبنيتها الملونة (الشرق الأوسط)

الغرف تختلف فيما بينها من حيث الديكور والحجم، لكنها كلها تحمل نفس توقيع شركة تصميم الأثاث الإيطالية وتتمتع بشرفات تطل على الحديقة وبركة السباحة التي تصدح في أرجائها أنغام الموسيقى الإيطالية الكلاسيكية لتعطي المكان رونقاً جميلاً يلفّ بظلال شجرة وارفة تتمركز في الوسط وتدور حولها حركة الضيوف والأثاث الخارجي.

أجمل ما يمكن أن تقوم به هو المشي بين ثنايا ممرات الشاطئ «باسيجياتا دي نيرفي» الممتدة على طول الساحل، حيث تستطيع الاستمتاع بإطلالات رائعة على البحر المتوسط، وفي نهاية هذا الممشى تصل إلى مرفأ نيرفي الصغير، القريب من المحال الصغيرة التي تبيع الأجبان محلية الصنع والبوتيكات المتخصصة ببيع الألبسة الإكسسوارات الإيطالية.

مرفأ كامولي في ليغوريا (الشرق الأوسط)

ماذا تزور في نيرفي؟. حدائق نيرفي (Parchi di Nervi) تحتوي على مجموعة من الحدائق الجميلة التي تطل على البحر، مثل حديقة نيرفي (Giardino di Nervi) وحديقة سونيرمو.

. فيلا دوريا بوندام (Villa Doria Pamphili) قصر تاريخي يعود إلى القرن السابع عشر، تحيط به حدائق واسعة. يمكن للزوار استكشاف المعمار الرائع والاستمتاع بالمشاهد الجميلة.

. كنيسة سانتا مارغريتا (Chiesa di Santa Margherita) كنيسة تاريخية جميلة تقع في قلب نيرفي. تتميز بتصميمها المعماري الفريد وتفاصيلها الجميلة.

. حديقة ميوسي (Parco della Musica) تقدم حفلات موسيقية ومناسبات ثقافية، وهي مكان رائع للاسترخاء والاستمتاع بالطبيعة.

جنوا مدينة مليئة بالممرات الضيقة والمحال التجارية الصغيرة (الشرق الأوسط)

ماذا تزور في جنوا؟

. تقع جنوا القديمة (Genova Vecchia) على بعد مسافة قصيرة بالسيارة أو القطار، يمكنك زيارة المعالم التاريخية مثل الكاتدرائية (Cattedrale di San Lorenzo) وقصر دوكال (Palazzo Ducale).تلقب بـ«لا سوبيربا» La Superba، والذي يعني «المتكبرة» أو «المهيبة»؛ وذلك بسبب تاريخها العظيم وقوتها الاقتصادية والسياسية خلال العصور الوسطى، عندما كانت جمهورية بحرية قوية تنافس مرافق بحرية أخرى مثل البندقية وبيزا.

أهم ما تشتهر به جنوا الميناء البحري، وهو واحد من أكبر وأهم المواني البحرية في إيطاليا وأوروبا. تاريخياً، لعب دوراً رئيسياً في التجارة البحرية بين البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، وما زال حتى اليوم مركزاً بحرياً مهماً.

ساحل ليغوريا في إيطاليا يزخر بالمناطق الجميلة (الشرق الأوسط)

تتميز المدينة بشوارعها الضيقة والمعروفة باسم «كاروجي» والمباني القديمة التي تعود إلى العصور الوسطى وعصر النهضة. تضم المدينة الكثير من الكنائس والقصور التاريخية الفخمة، مثل قصر دوكالي وكاتدرائية سان لورينزو، وكلها مفتوحة أمام الزوار ويمكن الدخول إليها بسعر لا يتخطى العشرة يوروهات تخولك زيارة ثلاثة قصور.

أما بالنسبة للمطبخ فتشتهر جنوا بصلصة البيستو المصنوعة من الريحان الطازج والثوم والصنوبر وزيت الزيتون والجبن. وتشتهر أيضاً بخبز الفوكاشيا الرقيق المحشو بالجبل (تجدر الإشارة إلى أن طريقة أهل جنوا في تصنيع هذا الخبز تختلف عن باقي مناطق البلاد).

غرف نوم وديكورات صديقة للبيئة (الشرق الأوسط)

وتضم جنوا أيضاً الكثير من المعالم التاريخية والسياحية مثل المدينة القديمة والأكواريوم الذي يعدّ من الأكبر في أوروبا. بالإضافة إلى أسواقها الجميلة المخصصة للمشاة.

ماذا تزور في بورتو فينو؟. بورتو فينو (Portofino) تعدّ من بين أجمل الأماكن على الساحل الإيطالي، وتشتهر بالمرفأ الأشبه بخليج صغير يقصده أثرياء العالم بيخوتهم لتناول الغداء في أحد المطاعم المحاذية للماء والمطلة على المباني الملونة، ويعد مكاناً مثالياً للتنزه وتناول الطعام.

كامولي السياحية (الشرق الأوسط)

. سانتا مارغريتا ليغوريا (Santa Margherita Ligure) تقع بالقرب من بورتو فينو، وهي مكان رائع للتسوق وتناول الطعام والتمتع بالشواطئ.

«كامولي»:

بلدة صغيرة تقع في إقليم ليغوريا على الساحل الشمالي الغربي لإيطاليا، وتبعد نحو عشرين دقيقة من محطة القطار في نيرفي، تعدّ واحدة من الوجهات الساحلية الرائعة التي تجذب الزوار بسبب جمالها الطبيعي ومعمارها الساحر، بالإضافة إلى ثقافتها البحرية العريقة. إليك أبرز مميزاتها:

تضم البلدة ميناءً تقليدياً صغيراً مخصصاً لقوارب الصيد واليخوت، وهو مكان مثالي للتنزه والاستمتاع بمشهد البحر والقوارب الملونة.

تشتهر كامولي بأبنيتها الملونة (الشرق الأوسط)

تشتهر كامولي بتاريخها العريق كقرية صيد، ولا يزال للصيد دور كبير في حياة السكان المحليين. يُقام في البلدة سنوياً مهرجان السمك (Sagra del Pesce)، حيث يتم قلي السمك في مقلاة ضخمة وسط الساحة.

المنازل في كامولي مطلية بألوان زاهية ومميزة، وهذه المنازل القديمة بنيت بشكل متلاصق ومتدرج على طول الساحل، وهو أسلوب يعكس الطابع التقليدي للمنطقة.

على الرغم من أن الشواطئ في كامولي صغيرة وصخرية مقارنة بالشواطئ الرملية، فإنها تظل مثالية لمحبي الغوص والسباحة بفضل مياهها الصافية.

البلدة مجهزة بعدد من الفنادق والمطاعم التي تقدم أطباقاً بحرية تقليدية، حيث يمكنك تذوق المأكولات المحلية الشهيرة مثل الباستا مع البيستو وفواكه البحر.