تعيش السعودية والإمارات تناغماً كبيراً في العلاقات التي انعكست بدورها على المجال الرياضي، وتحديداً في كرة القدم التي ضرب فيها المسؤولون مثالاً رائعاً في العمل المشترك الذي بات علامة مميزة في ترجمة التقارب الجيوغرافي بين البلدين، واستثمار التوافق السياسي بينهما لرسم صورة مثالية للوحدة الخليجية الحقيقية.
«شعب واحد.. مصير واحد» تلك العبارة لم تكن عنوان رواية من وحي الخيال استطرد بها كاتبها لتصور نموذجاً مثالياً لتقارب الشعوب، أو فصلاً من فصول مدينة أفلاطون الحالمة التي سماها «المدينة الفاضلة» وتصور خلالها رائد الفلسفة المثالية في كل مفاصل مدينته التي حلّق فيها من وحي فلسفته وحكمته بل هي عبارة اكتست واجهة مدرجات ملعب الشيخ هزاع بن زايد في أغسطس (آب) الماضي، حينما التقى المنتخبان السعودي والإماراتي في الجولة قبل الأخيرة من التصفيات الآسيوية الحاسمة والمؤهلة لنهائيات كأس العالم 2018 التي انتزع خلالها الأخضر السعودي بطاقة العبور نحو روسيا. وحظيت تلك المواجهة الحاسمة بمشاعر إيجابية بين جماهير المنتخبين كان الحدث الأبرز فيها تيفو (شعب واحد... مصير واحد) الذي خطف الأنظار وكان هو العنوان الرئيسي لتلك المواجهة التي خسر فيها الأخضر أمام شقيقه الإماراتي بهدفين لهدف، ومعها تأجل أمر حسمه للتأهل حتى الجولة الأخيرة أمام اليابان.
وعكس تفاعل الجماهير الإماراتية وترحيبها بحفاوة بمنتخب كرة القدم السعودي مدى اللحمة والمحبة بين شعوب البلدين، واتفاقها في كل المجالات حتى الرياضية منها رغم التنافس الشريف الذي يعكس مدى الأصالة ويترجم أسمى معاني الرياضة بجميع أنواعها.
لم تكن العلاقة بين الجماهير السعودية والإماراتية مجرد لحظة عابرة ودعم زائف أمام وسائل الإعلام، بل هي مشاعر صادقة تتكرر في كل مرة، حيث شهدت مواجهة الهلال السعودي مع نظيره بيرسبوليس الإيراني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا النسخة الماضية دعماً كبيراً من الأندية الإماراتية لفريق الهلال الذي كان يخوض مباراته على ملعب الشيخ محمد بن زايد، كأرض محايدة لمبارياته أمام الفرق الإيرانية. وتقدم عبد الله الجنيبي نائب رئيس اتحاد كرة القدم الإماراتي، مستقبِلي بعثة فريق الهلال لدى وصولها إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، حيث توشح منسوبو الاتحاد الإماراتي العلم السعودي احتفاءً باليوم الوطني السعودي الذي كان قريباً من مواجهة فريق الهلال القارية.
وحشدت الأندية الإماراتية كل إمكانياتها وجماهيرها لمساندة فريق الهلال في مباراته المصيرية أمام الفريق الإيراني، حيث قامت بتسيير حافلات لنقل جماهيرها لحضور مواجهة الهلال التي انتهت بفوز هلالي كاسح في المواجهة التي شهدت حضور 11 ألف متفرج.
كما خصصت لجنة دوري المحترفين في الإمارات، الجولة الثانية من دوري الخليج العربي للاحتفال باليوم الوطني السعودي، حيث أقيمت مباريات هذه الجولة يومي 22 و23 سبتمبر (أيلول)، وأقيمت الاحتفالات في 4 ملاعب هي: استاد الفجيرة، واستاد زعبيل، وملعب حمدان بن راشد، وملعب راشد بن سعيد، حيث نزل اللاعبون إلى أرضية الملاعب وهم يرتدون قمصاناً تحمل تهنئة بمناسبة اليوم الوطني السعودي إضافة إلى تخصيص شاشات العرض الإلكترونية في الملاعب الأربعة.
وبث نجوم غالبية الفرق في دوري الخليج العربي «الإماراتي» رسائل تهنئة خاصة موجّهة إلى السعوديين يعبّرون خلالها عن مشاعرهم في هذه المناسبة الوطنية الغالية عبر نوافذ مواقع التواصل الاجتماعي.
وبادل السعوديون أشقاءهم في الإمارات، حيث خصصت رابطة دوري المحترفين السعودي الجولة الثانية عشرة للاحتفاء باليوم الوطني الإماراتي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث أُطلق على هذه الجولة مسمى «عزكم عزنا»، ودخل لاعبو الفرق السعودية في تلك الجولة متوشحين بالشالات والأعلام الإماراتية.
وبلغ التوافق السعودي الإماراتي رياضياً مراحل متقدمة من التناغم والعمل الذي يصب في مصلحة البلدين وسمعة رياضتها، حيث وحّد الاتحادان السعودي والإماراتي لكرة القدم موقفهما من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم بشأن خوض الأندية السعودية والإماراتية مواجهتهما في دوري أبطال آسيا ضد الفرق القطرية على ملاعب محايدة. وبعد شد وجذب مع الاتحاد القاري الذي يرأسه الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة، صدر القرار مؤخراً برفض إقامة المباريات على ملاعب محايدة رغم انقطاع العلاقات بين البلدين وعدم وجود أي درجة من التمثيل الدبلوماسي بينهما في ظل الأزمة مع دولة قطر.
وأصدر الاتحادان السعودي والإماراتي لكرة القدم بياناً بصيغة موحدة أعربا خلاله عن احترامهما للاتفاقيات الرياضية مع الهيئات والمؤسسات الدولية ومشاركتهما في البطولة الآسيوية رغم إقامة المباريات في قطر، معربَين عن أسفهما عن الطريقة التي انتهجها الاتحاد القاري عند اتخاذ القرار.
وفي بطولة المنتخبات الخليجية الأخيرة التي استضافتها الكويت ضربت الجماهير السعودية والإماراتية أروع الأمثلة في الترابط والتناغم على استاد جابر الدولي في الكويت رغم حدة المنافسة على صعيد رياضة كرة القدم في البطولة، حيث شهدت مدرجات ملعب استاد جابر الدولي في الكويت تبادل التحايا والأهازيج بين المدرجين السعودي والإماراتي قبل بداية المواجهة بساعات، حيث خصصت اللجنة المنظمة مقاعد متجاورة في الواجهة الرئيسية للملعب دون وجود أي حواجز أمنية كبيرة.
ووضعت الرابطة السعودية العلم الإماراتي بحجمه الكبير بجوار العلم السعودي في الجزء المخصص لمقاعد الجماهير السعودية التي سجلت حضوراً جيداً في المواجهة التي خيّم عليها التعادل السلبي دون أهداف. وبدورها قامت الرابطة الإماراتية برفع الأعلام السعودية الصغيرة داخل مدرجها، قبل أن تتغنى الرابطة الرسمية بالأهزوجة الشهيرة التي ارتبطت بالمنتخب السعودي «الله الله يا منتخبنا»، وسط تفاعل كبير وروح عالية بين جماهير المنتخبين وروابطهما الرسمية في المدرجات.
من جهة أخرى أكد مسؤولون رياضيون إماراتيون أن العلاقات الرياضية بين الإمارات والسعودية تتعزز من حين لآخر، تماشياً مع عمق العلاقات بين الدولتين الشقيقتين في المجالات كافة، وفي مقدمتها المجال السياسي، والمصير المشترك، ونهج القادة في البلدين، والأخوة الراسخة التي تعززت نتيجة الظروف والتحديات المشتركة لكليهما.
وبيّن المسؤولون لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك تنسيقاً في المواقف بشكل دائم ومتواصل في كل الملفات الرياضية بين الهيئات الرياضية وكذلك اتحادات كرة القدم، خصوصا في الملفات القارية والدولية عدا الإقليمية منها. كما كشف المسؤولون الإماراتيون أن هناك تعاوناً فعلياً بين الاتحادين الكرويين فيما يخص تبادل الخبرات والتجارب والاطلاع على كل جديد خصوصاً أن كلتا الدولتين لديها دوري محترفين على أعلى مستوى.
وأكد عبد الله ناصر الجنيبي، نائب رئيس اتحاد كرة القدم الإماراتي ورئيس لجنة دوري المحترفين، عمق العلاقات الأخوية التي تربط القيادتين والشعبين الشقيقين في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مبيناً أن الرياضة تعد إحدى أهم الأدوات التي تسهم في تعزيز هذه العلاقات وتطويرها، مؤكداً حرص القائمين على المؤسسات الرياضية في البلدين الشقيقين على استمرار التعاون والتنسيق المشترك في مجمل القضايا التي تهم القطاع الرياضي. وكشف الجنيبي في حديثه الخاص لـ«الشرق الأوسط» عن تعاون كبير بين الجانبين من أجل تحقيق التطور المنشود في المجال الرياضي، من خلال تبادل الخبرات والاطلاع على التجارب المختلفة في المملكة والإمارات، مبيناً أن اتحاد الإمارات لكرة القدم ولجنة دوري المحترفين على تواصل مستمر مع الاتحاد السعودي ورابطة دوري المحترفين، مؤكداً حرص الأشقاء على توحيد الجهود لتحقيق المصالح المشتركة، وتنفيذ رؤية القيادتين الرشيدتين في البلدين الشقيقين بما يعزز العلاقات الأخوية الراسخة.
وقال الجنيبي: «الموقف الموحَّد للمملكة والإمارات من القضايا الوطنية وعموم المنطقة، يجعلنا حريصين على التنسيق مع إخوتنا في المملكة العربية السعودية في كل الأمور ذات الصلة بنشاط كرة القدم في الجانبين، خصوصاً في ما يتعلق بالاتحادات القارية والدولية لكرة القدم، تعزيزاً لمكانة البلدين على خريطة الكرة العالمية».
من جانبه بيّن راشد الزعابي عضو مجلس الإدارة في اتحاد كرة القدم وعضو لجنة الشؤون الفنية والمنتخبات وعضو ملف استضافة الإمارات لبطولة آسيا 2019، أن المواقف السعودية الإماراتية ستبقى متجانسة وقوية، وأن هناك تنسيقاً على أعلى المستويات، وتعاوناً رياضياً على صعيد المواقف تجاه القرارات سواء الإقليمية أو القارية أو العالمية، وهذه المواقف راسخة وتنبع من المواقف السياسية الحكيمة المشتركة التي تنهجها قيادتا الدولتين، مشيراً إلى أن الرياضة السعودية والإماراتية والتي هي الهواية الأهم والأبرز لأبناء البلدين تعيش أزهي صورها بفضل التعاضد، متمنياً أن تستمر هذه العلاقات والتنسيق بما يسهم في المصلحة العامة.
السعودية والإمارات... تناغم رياضي يترجم متانة العلاقات
الجنيبي أكد أن التنسيق الدائم أسهم في توحد الجماهير خلف البلدين
الجماهير الإماراتية والسعودية باتت مضرب مثل في تجسيد التوحد من الجانبين («الشرق الأوسط») - التناغم السعودي – الإماراتي بات واضحاً حتى في المباريات التي تجمع المنتخبات (تصوير: عبد العزيز النومان)
السعودية والإمارات... تناغم رياضي يترجم متانة العلاقات
الجماهير الإماراتية والسعودية باتت مضرب مثل في تجسيد التوحد من الجانبين («الشرق الأوسط») - التناغم السعودي – الإماراتي بات واضحاً حتى في المباريات التي تجمع المنتخبات (تصوير: عبد العزيز النومان)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة


