«اللوفر» يعرض لوحات سرقها النازي بحثاً عن أصحابها الأصليين

الحجرتان الصغيرتان متواريتان بأحد أركان المتحف بعيداً عن الزحام والزوار، الذين توافدوا على أشهر متاحف فرنسا، بحثاً عن لوحة «موناليزا» و«فينوس دي ميلو».
في البداية، لم يكن من السهل ملاحظة القاسم المشترك الذي يجمع اللوحات الإحدى والثلاثين المعروضة بشكل دائم بتلك الغرف، من بينها لوحات تعود إلى عصر النهضة في إيطاليا، والعصر الذهبي في هولندا، وفرنسا ما قبل الثورة. من الخارج، لن تجد لافتة تشير إلى محتوى الغرفتين، لكن الفن ستراه محشوراً في مساحات تذكرك بالقاعات المزدحمة التي تميل أكثر إلى الفوضى على غرار متحف اللوفر في القرن التاسع عشر، على العكس من متاحف اليوم المنمقة.
ورغم كل هذا، فالمتحف يتباهى بأسلوب عرضه المتواضع، باعتباره تطوراً كبيراً في تاريخه. فللمرة الأولى منذ عام 1945، خصص المتحف مساحة لعرض اللوحات التي سرقها النازي من مختلف الدول الأوروبية في زمن الحرب العالمية الثانية، وهو ما يطلق عليه القائمون على المعرض «جهوداً لاسترداد المقتنيات الفنية». وبحسب القائمون على المتحف، فالفكرة من العرض تشجيع أحفاد أصحاب الأعمال الفنية، وغالبيتهم من اليهود ضحايا المذابح النازية، على الحضور والمطالبة باسترداد كل ما يحق لهم من مقتنيات فنية.
وبحسب مدير قسم اللوحات بالمتحف، سباستيان ألارد الذي قال خلال جولة بين غرف المتحف الجديدة الخميس الماضي، «هدفنا الواضح جداً هو إعادة كل شيء إلى أصحابه»، مضيفاً «أنه أمر بالغ الأهمية أن نخصص مكاناً مستقلاً لعرض الأعمال المنهوبة. ويبلغ عددها نحو 61.000 قطعة أعيدت إلى فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية. وبالفعل قامت الحكومة الفرنسية بإعادة نحو 45 ألف قطعة إلى من بقي من أصحابها على قيد الحياة أو إلى ورثتهم الشرعيين، فيما بيعت آلاف القطع لتمويل خزائن الحكومة في فترة ما بعد الحرب».
وعلى مدار عقود، عرضت المتاحف الفرنسية، ومنها «اللوفر»، طواعية ما تبقى من القطع للبيع، وبلغ عددها 2143 قطعة. وبحسب إحصاءات «اللوفر»، فلا يزال المتحف يحتفظ بنحو 1752 قطعة فنية منهوبة، منها 807 لوحات، من ضمنها 296 موجودة بمقر المتحف المترامي الأطراف بباريس، فيما تعرض باقي القطع في بعض المتاحف التابعة له، والمنتشرة في مختلف أنحاء فرنسا. وخارج الحجرتين الجديدتين، لا تزال هناك بعض الأعمال الفنية المنهوبة مبعثرةً وسط مجموعة المعروضات الدائمة بالمتحف.
وقد أثنى محامو التعويضات والنشطاء على طريقة العرض الجديدة التي بدأها المتحف في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، غير أنهم يتشككون في أن يكون الدافع الحقيقي للمتحف هو رد الحق لأصحابه. فمنذ عام 1951 أعاد المتحف 50 في المائة فقط من اللوحات المنهوبة، التي يحتفظ بها بين معروضاته، وفق إحصاءات المتحف. وأفاد البعض بأن إطلاق هذا المشروع الآن بعد مضي 70 عاماً من الحرب العالمية الثانية يعني أن عدداً ضئيلاً من الأحفاد سيأتي لاسترداد حقه.
وفي السياق ذاته، قال كريستوفر مارنلو، محامي تعويضات من لندن تولي بعض قضايا الاسترداد الكبرى لما يعرف بالسرقات النازية، إن «المتحف ينفض يديه من مسؤوليته الإنسانية. آسف أن أقول هذا، فنحن نتوقع من (اللوفر) ما هو أكثر من هذا»، مضيفاً: «كان يجب أن يتم ذلك في نهاية تسعينات القرن الماضي». واستطرد كريستوفر: «من المحزن أن يحدث هذا بعد 20 عاماً من إعلان واشنطن، خصوصاً عندما يحدث هذا من متحف بحجم ومكانة (اللوفر)». وكان «إعلان واشنطن» قد صدر خلال مؤتمر صحافي عقد عام 1998 في واشنطن حضره ممثلون من 44 حكومة لوضع بروتوكولات دولية لتحديد ورد القطع الفنية المنهوبة.
وفي فرنسا، شكلت نهاية التسعينات نقطة تحول في الذاكرة الوطنية التي طالما تحاشت الاعتراف بتواطؤ الدولة مع ألمانيا النازية في زمن الحرب. وفي يوليو (تموز) 1995، اعتذر الرئيس الفرنسي في ذلك الحين جاك شيراك علانية عن دور بلاده في «الهولوكوست»، وشرعت حكومته في مراجعة للتركة الكئيبة المعقدة، كان الفن المنهوب محورها.
وبعد ذلك بعامين، شكلت الحكومة الفرنسية فريق عمل أطلق عليه اسم «لجنة ماتيولي» التي تولت التحقيق في مصادر تلك الأعمال المنهوبة المعروضة في المتاحف الوطنية، وقامت بإنشاء جهاز يتولى النظر في مطالبات الاسترداد التي تقدم بها الضحايا أو ذووهم، لكن العمل سار ببطء شديد.
وأفاد مارك مارسورفسكي، خبير الاسترداد ومؤسس مشروع «استرداد المقتنيات الفنية للهولوكوست» عام 1997، في رسالة بالبريد الإلكتروني، «كان من الأحرى على متحف اللوفر ومسؤولي الحكومة أن يحذو حذو نظرائهم في باقي أنحاء أوروبا بالبحث عن الضحايا وذويهم، لأن الضحايا وأحفادهم ربما لا يعلمون أن لهم مقتنيات يحق لهم المطالبة بها. فإن فعلت ذلك، فستكون الحكومة الفرنسية قد استثمرت جهدها في الاتجاه الصحيح، وحينها سنرفع لها القبعة. لكن هذا لم يحدث للأسف».

* واشنطن بوست