الارتباك يعم العراق.. وأوباما لا يستبعد أي خيار

عراقيون يفرون من الموصل بعد استيلاء قوات «داعش» عليها باتجاه مدينة أربيل في إقليم كردستان أمس (أ.ب)
عراقيون يفرون من الموصل بعد استيلاء قوات «داعش» عليها باتجاه مدينة أربيل في إقليم كردستان أمس (أ.ب)
TT

الارتباك يعم العراق.. وأوباما لا يستبعد أي خيار

عراقيون يفرون من الموصل بعد استيلاء قوات «داعش» عليها باتجاه مدينة أربيل في إقليم كردستان أمس (أ.ب)
عراقيون يفرون من الموصل بعد استيلاء قوات «داعش» عليها باتجاه مدينة أربيل في إقليم كردستان أمس (أ.ب)

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس إنه يبحث كل الخيارات في مساعدة الحكومة العراقية على مواجهة أعمال العنف المسلح المتصاعدة هناك، وذلك بالتزامن مع الإعلان عن اتصال نائبه جو بايدن برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لبحث الأزمة العراقية، دون الإعلان عن فحوى المحادثات.

وقال الرئيس الأميركي للصحافيين في البيت الأبيض، أثناء اجتماعه مع رئيس وزراء أستراليا توني أبوت، إن «من مصلحة الولايات المتحدة ضمان ألا يحصل الجهاديون على موطئ قدم في العراق»، وردا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة تبحث شن هجمات باستخدام طائرات من دون طيار، أو أي إجراء آخر لوقف أعمال العنف المسلح، قال أوباما «لا أستبعد أي شيء»، مضيفا أنه ستكون هناك تحركات عسكرية قصيرة المدى وفورية ينبغي عملها في العراق، ومشيرا إلى أن فريقه للأمن القومي يبحث كل الخيارات. وتابع أن الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ «إجراء عسكري» عند تهديد مصالحها المرتبطة بالأمن القومي.

وكان من المتوقع أن يجتمع مجلس الأمن في وقت لاحق أمس. وقال سفير العراق لدى فرنسا فريد ياسين إنه سيدعو إلى تقديم أسلحة ودعم جوي. وأضاف لراديو فرنسا الدولي أن بلاده تحتاج إلى معدات وطيران إضافي وطائرات من دون طيار. وتابع قائلا إنه «على المجلس دعم العراق، لأن ما يجري لا يمثل تهديدا للعراق فقط؛ بل للمنطقة بكاملها».

وقالت فرنسا أمس إنه على القوى العالمية أن تتحرك بصورة عاجلة للتعامل مع الوضع في العراق. وقال وزير خارجيتها لوران فابيوس إن «تقدم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يعرض للخطر وحدة وسيادة العراق.. إنه يمثل تهديدا خطيرا لاستقرار المنطقة»، وأضاف: «يتحتم على المجتمع الدولي مواجهة الوضع».

وفي غضون ذلك، نقلت وكالة رويترز عن مسؤول أميركي قوله إن نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، اتصل برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمس لبحث الأزمة الأمنية المتفاقمة في العراق. ولم تتضح على الفور تفاصيل المكالمة التي تأتي في وقت سيطرت فيه جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام على مساحات واسعة من الأراضي في شمال العراق من بينها الموصل ثاني أكبر المدن في البلاد. وكان البيت الأبيض لمح أول من أمس إلى أنه يبحث دعم القوات العراقية لمساعدتها على التصدي لأعمال العنف المسلحة، بدلا من الاستجابة لما وصفها مسؤول أميركي بمطالبات عراقية سابقة بشن ضربات جوية أميركية تستهدف المتشددين.

وأشار تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أمس إلى أنه في الوقت الذي تصاعد فيه تهديد المسلحين السنة في غرب العراق في الشهر الماضي، طلب المالكي سرا من إدارة أوباما النظر في شن غارات جوية ضد مواقع تمركز المتطرفين، وذلك وفقا لما صرح به مسؤولون عراقيون وأميركيون. وأن طلبات العراق قوبلت بالرفض حتى الأمس من البيت الأبيض، لأن الإدارة الأميركية كانت مترددة في فتح فصل جديد في الصراع، الذي أكد الرئيس أوباما على أنه قد انتهى عندما سحبت الولايات المتحدة آخر قواتها من العراق في عام 2011.

ورفضت المتحدثة الرسمية باسم مجلس الأمن القومي، برناديت ميهان، التعليق على طلب المالكي. وصرحت في بيان: «لن ندخل في تفاصيل مباحثاتنا الدبلوماسية. ينصب التركيز الحالي في مباحثاتنا مع حكومة العراق وكذلك اعتباراتنا السياسية على بناء قدرة العراقيين على النجاح في مواجهة» المتطرفين الإسلاميين»، وفقا لنيويورك تايمز.

كانت إدارة أوباما قد شنت غارات بطائرات من دون طيار ضد مسلحين في كل من اليمن وباكستان، حيث تخشى من إعداد الإرهابيين لخطط لشن هجمات على الولايات المتحدة. ولكن رغم حقيقة أن المسلحين السنة يحرزون خطوات تقدم ثابتة، وربما ينشئون ملاجئ جديدة يمكنهم من خلالها التخطيط هجمات ضد الغرب، فإن المتحدثين باسم الإدارة أكدوا على أن الولايات المتحدة لا تدرس فعليا فكرة استخدام طائرات حربية أو طائرات من دون طيار لشن غارات عليهم.

وذكر وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في العام الماضي فكرة أن طائرات بريداتور أو ريبر الأميركية المسلحة قد تستخدم للرد على شبكة المسلحين التي تشهد توسعا في العراق. ولكن من جانبهم استبعد مسؤولون أميركيون هذا الأمر في ذلك الوقت، قائلين إنه لم يردهم طلبا من المالكي.

ولكن في شهر مارس (آذار)، قيل لخبراء أميركيين كانوا في زيارة إلى بغداد بأن كبار القادة في العراق يأملون في أن يمكن استخدام القوة الجوية الأميركية في شن غارة على مناطق تمركز وتدريب المسلحين داخل العراق، ومساعدة قوات العراق المحاصرة على منعها من العبور إلى العراق من سوريا.

وقال كينيث إم بولاك، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، وهو حاليا كبير زملاء في معهد بروكينغز وكان في زيارة إلى العراق في مطلع شهر مارس: «صرح مسؤولون على أعلى مستوى بأنهم قد طلبوا شن غارات أميركية بطائرات من دون طيار وبطيار ضد معسكرات داعش».

في الوقت الذي ازدادت فيه قوة المسلحين السنة استمرت تلك الطلبات. وفي اجتماع عقد في 11 مايو (أيار) مع دبلوماسيين أميركيين والجنرال لويد جيه أوستن الثالث، رئيس القيادة المركزية، صرح المالكي بأنه يرغب في أن تقدم الولايات المتحدة إلى العراق إمكانية تشغيل طائرات من دون طيار. ولكن إذا لم تكن الولايات المتحدة راغبة في ذلك، أشار المالكي إلى أنه مستعد لأن يسمح للولايات المتحدة بشن غارات باستخدام طائرات حربية أو من دون ربان.

وفي اتصال هاتفي أجري في مايو مع نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، اقترح المالكي مرة أخرى أن تدرس الولايات المتحدة استخدام القوة الجوية الأميركية. وصرح مسؤولون بأنه جرى تقديم طلب رسمي مكتوب يكرر النقطة ذاتها بعد ذلك بفترة قصيرة. يقول بعض الخبراء إن مثل هذا الإجراء العسكري الأميركي قد يكون مفيدا فقط إذا اتخذ المالكي خطوات كي تصبح حكومته أكثر شمولا.

وقال بولاك: «قد يكون للدعم العسكري الأميركي للعراق نتيجة إيجابية، ولكن إذا اشترط على المالكي تغيير سلوكه في إطار النظام السياسي للعراق. يجب عليه أن يعيد إدماج المجتمع السني، وأن يوافق على تقييد سلطاته الرئاسية وإصلاح قوات الأمن العراقية لكي تصبح أكثر مهنية وكفاءة».

ولكن حتى الآن، تبعث الإدارة إشارات بأنها ليست مهتمة بالقيام بمثل هذا الدور العسكري الأميركي المباشر.

* خدمة «نيويورك تايمز»



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.