الخط الرفيع بين العقيدة والعنف

الخراب الميداني أو المادي يبدأ بالخراب الفكري وليس العكس

TT

الخط الرفيع بين العقيدة والعنف

لقد شاءت الأقدار أن أقرأ في التاريخ ثم أرى المعاناة الشديدة لنماذج آلام غير إنسانية نتجت عن سيطرة التطرف والعنف بسبب الفهم الخاطئ للعقيدة وما ولَّده من معاناة للشعوب التي تقع تحت وطأة هذا الفكر بعدما يتجسد في شكل سيطرة سياسية. وحقيقة الأمر أن الخراب الميداني أو المادي يبدأ بالخراب الفكري وليس العكس، فالخراب الفكري علّة مباشرة له. وهنا أقف لحظة لأتساءل صراحة عن كيفية وتوقيت هذا التحول من سماحة العقيدة الدينية إلى العنف، ومن العدالة إلى الظلم، ومن البناء إلى الدمار... بل الأصعب من ذلك هو التعرف على كيفية تحويل مقولة السيد المسيح: «طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون» أو قول القرآن الكريم: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، إلى أداة لقلة فكرية منحرفة لتكون مبرراً للعنف والتسلط والتخريب تحت ستار الأديان السماوية الرحيمة، آخذين في الاعتبار بطبيعة الحال نعمة المولى علينا بانحسار هذا الفكر المتطرف وتركزه في شرذمة بعيدة كل البعد عن السواد الأعظم لمعتنقي هذه الديانات.
وباسترجاع هذا الحجم الكبير من الدمار والخراب جاءت لي ومضات فكرية ارتأيت أن أضعها أمام القارئ العزيز؛ وهي على النحو التالي:
أولاً: ظهور العنف المقترن بالدين لم يكن مقصوراً في التاريخ على الدين الإسلامي الحنيف كما يروج البعض، فهذه فرية تاريخية لا أساس لها من الصحة قولاً واحداً، فالعنف قام في كل الديانات السماوية على حد سواء على أيدي المتطرفين منها، ففي المسيحية على سبيل المثال استخدم العنف أداة للسيطرة على أيدي الكنيسة الكاثوليكية في مرحلة من التاريخ الأوروبي، والنماذج واضحة وتشهد بها حركة «محاكم التفتيش Inquisition» التي كانت مسؤولة مسؤولية مباشرة عن استخدام العنف؛ بل والقتل، لضمان استتباب تعاليم وتفسيرات الكنيسة للكتاب المقدس، التي كثيراً ما خرجت عن عباءة السماحة إلى التطرف سواء في المسائل الدينية أو حتى العلمية التي تناقضت بعد ذلك مع الواقع العلمي، والعالمان جاليليو وكوبرنيكوس من أكبر الشهود على ذلك، بل إن التاريخ يُثبت أيضاً أن الحركات الإصلاحية للكنيسة اقترفت من العنف ما فاق عنف الكنيسة الكاثوليكية استناداً إلى تفاسير أضيق للكتاب المقدس وعلى رأسها حركة «الأنابابتست» في القرن السادس عشر.
أما في الإسلام فحركة الخوارج كانت واضحة منذ مقتل «عبد الله بن خباب» تحت حجة مقولتهم «إن الذي في عنقك - أي القرآن - يأمرنا بقتلك»، وهنا فسروا كتاب الله على هواهم، ورفضوا كل من لم يعتنق تفاسيرهم للقرآن والسنة النبوية الشريفة، وباتوا يحاربون السلطة السياسية والقامات الدينية؛ على رأسها علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، الذي وصفهم بأنهم «أصابتهم فتنة فعموا فيها».
ثانياً: يبدو أن الانشقاق عن روح الدين جاء من خلال ظاهرتين؛ الأولى مرتبطة بسعي الأطراف القائمة على الدين لتثبيت تفسيراتهم للكتب المقدسة للمحافظة على رؤيتهم للعقيدة، مستخدمين في ذلك المؤسسية الدينية، كما هي الحال في الكاثوليكية في الفترة الزمنية المشار إليها عاليه. بينما الظاهرة الثانية مرتبطة بمن أرادوا القيام على قيادة المجتمعات دينياً أو سياسياً ولم يمتلكوا المؤسسية أو الأداة السياسية لذلك، وهنا كان العنف هو الوسيلة المتاحة لهذه الجماعات مثل حركة الخوارج ومشتقاتها الفكرية المتطرفة عبر التاريخ إلى يومنا هذا؛ فإما أن يحكّموا تفسيراتهم، أو يكفّروا المجتمع المسلم ويحاربوه. وفي الحالة الأولى يكون العنف الأداة للحفاظ على المكتسبات والوضعية لمواجهة التخوف من أي فكر يهدد تفسير المنظومة العقائدية المتكاملة ومعها مصداقيتها في وجدان الرعية، عندئذ يُستخدم العنف تحت حجة حماية معتقدات الرعية.
ثالثاً: التطرف الديني المَقْرون بالعنف دائماً ما تسبقه؛ إما حالة جهل بمضمون وروح الدين، أو حالة اعتقاد راسخ بأن فهمهم وتفسيرهم للدين هو الطريق الوحيدة لإرضاء المولى عز وجل، وبالتالي وجب عليهم فرضه على الرعية بتفويض مزعوم غالباً ما يُشتق من تفسيراتهم لصلب العقيدة التي هي منه براء، وهنا يكون العنف؛ بل الدمار والقتل هو الأداة، ولكن ليس قبل أن تسود لدى هذه الفرق قناعة تامة بتكفير الآخرين، فاستباحة التدمير والمال والروح حتماً تكون مرتبطة ارتباطاً مباشراً بأن من ليس على مذهبهم أو خارج عن تعاليمهم كافر، فالتكفير هو المفتاح والمُشرع الأول لاستخدام العنف.
رابعاً: يبدو، وبدرجة أقل من العوامل السابقة، أن للسياسة أيضاً دورها في استتباب العنف المبني على العقيدة أو الدين، فآلية العنف تحتاج إلى آلية سياسية تعمل تحتها، وحقيقة الأمر أنه في كثير من حالات العنف المرتبط بالدين عبر التاريخ يكون القائمون على ذلك مرتبطين بدوافع سياسية مقرونة بالمنظومة المؤسسية للعقيدة، أو سعياً للتمركز السياسي أو إيجاد مؤسسية سياسية للقائمين على الشؤون الدينية.
لقد كانت هذه مجرد تأملات فكرية مبسطة لبعض الدواعي المقترنة بالعنف تحت اسم الدين. وحقيقة الأمر أن الدين قوة كامنة منحها المولى عز وجل رحمة منه للإنسانية، ولكن شأنها شأن أي قوة يمكن حرفها عن المسار المحمود الذي خلقها المولى تعالى من أجله، وهذه تكون مسؤولية البشر وليس المولى عز وجل.



انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)
انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)
TT

انطلاق «بيروت للأفلام الفنية» تحت عنوان «أوقفوا الحرب»

انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)
انطلاق مهرجان بيروت للأفلام الفنية (المهرجان)

تُثابر أليس مغبغب منظمة مهرجان «بيروت للأفلام الفنية» (باف) على تجاوز أي مصاعب تواجهها لتنظيم هذا الحدث السنوي، فترفض الاستسلام أمام أوضاع مضطربة ونشوب حرب في لبنان. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «علينا الانتصاب دائماً ومواجهة كل من يرغب في تشويه لبنان الثقافة. نعلو فوق جراحنا ونسير بثباتٍ للحفاظ على نبض وطن عُرف بمنارة الشرق. كان علينا أن نتحرّك وننفض عنّا غبار الحرب. ندرك أن مهمتنا صعبة، ولكننا لن نستسلم ما دمنا نتنفس».

الصورة وأهميتها في معرض العراقي لطيف الآني (المهرجان)

انطلقت في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي فعاليات مهرجان «بيروت للأفلام الفنية»، ويحمل في نسخته العاشرة عنوان «أوقفوا الحرب»، وتستمر لغاية 6 ديسمبر (كانون الأول). يعرض المهرجان 25 فيلماً، ويقيم معرض صور فوتوغرافية. ويأتي هذا الحدث بالتوازي مع الذكرى الـ50 للحرب الأهلية اللبنانية، وتجري عروضه في المكتبة الشرقية في بيروت.

وتتابع مغبغب: «رغبنا في لعب دورنا على أكمل وجه. صحيح أن كل شيء حولنا يتكسّر ويُدمّر بفعل حرب قاسية، بيد أننا قررنا المواجهة والمقاومة على طريقتنا».

تقع أهمية النسخة الـ10 بتعزيزها لدور الصورة الفوتوغرافية. ويحمل افتتاحه إشارة واضحة لها. فأُطلق في 25 نوفمبر معرض هادي زكاك عن صالات السينما في مدينة طرابلس، يحمل عنوان «سينما طرابلس والذاكرة الجماعية»، وذلك في المكتبة الشرقية في العاصمة بيروت. ويسلّط المعرض الضوء على هذه المدينة الثقافية بأسلوبه. كما عرض المهرجان في اليوم نفسه الوثائقي «أسرار مملكة بيبلوس» لفيليب عرقتنجي. وقد نال عنه مؤخراً جائزة لجنة التحكيم الكبرى في الدورة الـ24 لمهرجان السينما الأثرية (FICAB) في مدينة بيداسوا الإسبانية.

يُختتم المهرجان بالفيلم اللبناني «وعاد مارون بغدادي إلى بيروت»

وفي السابعة مساءً، اختُتم أول أيام الافتتاح بعرض المهرجان لفيلم هادي زكاك «سيلّما»، ويوثّق فيه سيرة صالات السينما في طرابلس، يومَ كانت السينما نجمة شعبيّة في المدينة الشماليّة.

وكما بداية المهرجان كذلك ختامه يحمل النفحة اللبنانية، فيعرض في 6 ديسمبر (كانون الأول) فيلم فيروز سرحال «وعاد مارون بغدادي إلى بيروت»، وذلك في الذكرى الـ30 لرحيله. في الفيلم زيارة أماكن عدّة شهدت على حياة بغدادي وأعماله، والتقاء بالمقربين منه لتمضية يوم كامل معهم في بيروت، حيث يسترجعون مسيرة بغدادي المهنية في ذكريات وصور.

وتشير مغبغب، في سياق حديثها، إلى أن المهرجان ولّد حالة سينمائية استقطبت على مدى نسخاته العشر صنّاع أفلام عرب وأجانب. وتضيف: «تكثر حالياً الإنتاجات الوثائقية السينمائية. في الماضي كانت تقتصر على إنتاجات تلفزيونية، توسّعت اليوم وصار مهرجان (باف) خير عنوان لعرضها».

فيلم فؤاد خوري يُوثّق الحرب اللبنانية (المهرجان)

ومن النشاطات التي تصبّ في تعزيز الصورة الفوتوغرافية أيضاً، معرضٌ للعراقي لطيف الآني، يحكي قصة العراق منذ 50 سنة ماضية، ينقل معالمه ويومياته كما لم نعرفها من قبل. وتعلّق مغبغب: «أهمية الصورة الفوتوغرافية تأتي من حفاظها على الذاكرة. ولذلك سنشاهد أيضاً فيلم فؤاد خوري عن ذاكرة الحرب اللبنانية».

ويغوص فيلم خوري في مسار هذا الفنان الذي أخذ دور موثّق الحرب، والشاهد على النّزاعات في الشرق الأوسط.

مغبغب التي تأمل بأن تجول بالمهرجان في مناطق لبنانية بينها بعلبك وصور، تقول: «الناس متعطشة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الموضوعات الفنية. إنها تشكّل لهم متنفساً ليتخلصوا من همومهم ولو لبرهة. وهذه الأفلام الواقعية والموثقة بكاميرات مخرجين كُثر، تجذبهم بموضوعاتها الاجتماعية والجمالية».

تقول أليس مغبغب إن عملها في المهرجان كشف لها عدد أصدقاء لبنان من دول أجنبية وعربية. ولذلك نتابع عروضاً لأفلام أجنبية من بينها مشاركة من إنجلترا بعد غياب عن المهرجان لـ4 سنوات. وسيُعرض بالمناسبة «الرجل المقاوم» و«شكسبيرز ماكبث» ثاني أيام المهرجان في 26 نوفمبر.

ويُخصّص «بيروت للأفلام الفنية» أيام عرضٍ خاصة ببلدان أجنبية، من بينها الإيطالي والبلجيكي والسويسري والبرازيلي والإسباني والألماني.

«أسرار مملكة بيبلوس» لفيليب عرقتنجي (المهرجان)

ويبرز فيلما «لاماتوري» و«أخضر على رمادي» للإيطاليين ماريا موتي وإميليا أمباسز في المهرجان. وفي ذكرى مئوية الفن السوريالي تشارك إسبانيا من خلال المخرجَين بالوما زاباتا وكانتين ديبيو، فيُعرض «لا سينغالا» و«دالي»، ويُعدّ هذا الأخير من أهم الأفلام الوثائقية عن الفنان الإسباني الراحل والشهير.

وفي 5 ديسمبر (كانون الأول) سيُعرض فيلم خاص بالمكتبة الشرقية مستضيفة المهرجان. وتوضح مغبغب: «عنوانه (المكتبة الشرقية إن حكت) من إخراج بهيج حجيج، ويتناول عرَاقة هذه المكتبة وما تحويه من كنوز ثقافية».

ومن الأفلام الأجنبية الأخرى المعروضة «إيما بوفاري» وهو من إنتاج ألماني، ويتضمن عرض باليه للألماني كريستيان سبوك مصمم الرقص الشهير، وهو يقود فرقة «ستانس باليه» المعروفة في برلين.

وفي فيلم «جاكوميتي» للسويسرية سوزانا فانزون تتساءل هل يمكن لمكانٍ ما أن يكون مصدر موهبة عائلة بأسرها. وتحت عنوان «من الخيط إلى الحبكة» يتناول مخرجه البلجيكي جوليان ديفو، فنّ النّسيج وما تبقّى منه حتى اليوم، فينقلنا إلى مصانع بروكسل وغوبلان مروراً بغوادا لاخارا في المكسيك.