عابرات المحيطات في معرض لندني... أناقة وثراء وسياسة

متحف «فيكتوريا آند ألبرت» يعرض 250 قطعة تستعرض تاريخ عصر ازدهارها

لوحة  للرسام الإنجليزي ستانلي سبنسر من سلسلة لوحات نفذها عام 1941 كانت على متن الباخرة  («الشرق الأوسط»)
لوحة للرسام الإنجليزي ستانلي سبنسر من سلسلة لوحات نفذها عام 1941 كانت على متن الباخرة («الشرق الأوسط»)
TT

عابرات المحيطات في معرض لندني... أناقة وثراء وسياسة

لوحة  للرسام الإنجليزي ستانلي سبنسر من سلسلة لوحات نفذها عام 1941 كانت على متن الباخرة  («الشرق الأوسط»)
لوحة للرسام الإنجليزي ستانلي سبنسر من سلسلة لوحات نفذها عام 1941 كانت على متن الباخرة («الشرق الأوسط»)

بمجرد أن تدخل أولى قاعات معرض «عابرات المحيطات: السرعة والأناقة»، بمتحف فيكتوريا آند ألبرت، تحس أنك تركت العالم خلفك، فأنت هنا في عالم المحيطات والبواخر العملاقة وركابها، والزمن ليس الآن، بل قبل قرن أو أكثر قليلاً. يستقبلنا مجسم عملاق لإحدى تلك البواخر ذائعة الصيت، وإلى جانب حائط بأكمله مغطى بإعلانات عن الرحلات الفارهة على متن السفن عابرة المحيطات. وتكفي تلك الملصقات لتثير حنيناً لماضٍ ربما لم نعشه، ولكن حتماً رأيناه في الأفلام، وقرأنا عنه كثيراً. كل قطعة في المعرض تحمل وراءها قصصاً تدور حول مشاهير في عصرهم وأثرياء ونبلاء، هم أبناء الطبقة المخملية الذين كانوا يمخرون عباب المحيطات، مستمتعين بفخامة البواخر العملاقة وبالثراء الداخلي للبناء والديكور والترفيه، وغير ذلك.
ولكن لننتظر قليلاً، فالمعرض في بدايته.. نمر للقاعة التالية عبر جسر خشبي صغير تتهادى تحته الأضواء وكأنها الأمواج تحملنا إلى داخل كل تلك السفن العملاقة من خلال قطع أثاث كانت على متنها، أو من أجزاء من محركات، أو من خلال بعض أطقم الطعام والملابس، بل ومقاعد وأسرة. وفي الخلفية أصوات لصافرات البواخر وجلبة الموانئ لتكتمل تجربة الزائر.
- السياسة والأناقة
الجناح الأول الذي يحمل عنوان «السياسة والأناقة» ينطلق من منظور عام للرحلات العابرة للمحيطات على متن تلك السفن العملاقة، فهناك أسباب سياسية واقتصادية لرواج تلك السفن، التي كانت تعتبر رموزاً للدول وهيمنتها في القرن الـ19، حيث تأججت المنافسات بين الدول الكبرى لتكتسب البواخر العابرة للمحيطات أهمية خاصة في فترات الحروب، وأصبحت وسيلة نقل فعالة في إدارة شؤون الإمبراطوريات ولنقل القوات العسكرية. وتحملت السفن العملاقة أيضاً نصيبها من ويلات الحروب، فخلال الحرب العالمية الأولى، تعرضت سفينة لاسيتانيا للقصف من قبل الألمان، وهو ما تسبب في غرق كامل طاقمها وركابها؛ 1198 شخصاً. ولكن الناقلات العملاقة كان لها دور في نقل القوات بسرعة وأمن خلال الحرب العالمية الثانية، وعرفت سفينة «كوين ماري» باسم «الشبح الرمادي»، نظراً لطلائها باللون الرمادي للتمويه حتى لا تصبح هدفاً لنيران الأعداء. ونعرف من خلال المعرض أن «كوين ماري» نقلت 765 ألف جندي في تلك الفترة، وتم تحويل المقصورات في السفينة لتستوعب أكبر عدد ممكن، فالكابينة التي أعدت لسفر راكبين تحولت لتسع 20 جندياً. وفي ضوء هذا، يمكننا فهم أسباب تحمل ميزانيات الدول الكبرى لتكاليف تصنيع تلك البواخر العملاقة.
وفي أوقات السلم، كانت الرحلات الفارهة بين دول أوروبا من أهم الأنشطة الترفيهية والثقافية لأفراد الطبقات الراقية في ذلك الوقت. ولإرضاء أذواق عملائها، تنافست شركات الملاحة في تحويل السفن لفنادق فاخرة عائمة، وظهر ذلك في الاهتمام بالمعمار والمفروشات، وأيضاً استخدام الفن التشكيلي لإضافة اللمسات الجميلة والمميزة على كل ركن منها. وبدأ الاهتمام بالديكورات الداخلية للسفن منذ عام 1880، ولجأ المصممون لإضفاء لمسات تاريخية على الديكور والمفروشات، بينما سيطرت الأساليب الفنية الحديثة، مثل فن «آرت ديكو» على خط المستعمرات، حيث يسافر الأثرياء والأرستقراطيون، وتميزت تلك الرحلات بالفخامة والأناقة.
وفي هذه القاعة، نرى أمثلة على بعض المفروشات: هنا نرى جداريات مختلفة استخدمت لتبطين جدران غرف التدخين على متن السفن، منها جانب من حائط داخلي يعود لحجرة التدخين في السفينة الفرنسية نورماندي. وحسب تقاليد ذلك الزمان، فقد كان الرجال يجلسون فيها بعد وجبة العشاء، بينما تنشغل النساء بشرب القهوة في غرفة منفصلة. والرسومات على اللوحة الجدارية زينت بخيال فنان الآرت ديكو الشهير جان دونان، إلى جانب لوحة من روائع ما أنتج الرسام الإنجليزي ستانلي سبنسر من سلسلة لوحات نفذها في عام 1941.
- نظام اجتماعي صارم
ونرى اختلافاً بين ألواح الخشب التي استخدمت لغرف التدخين للدرجة الثانية على متن سفينة فرنسية، وجداريات من الخزف الملون والألواح المعدنية المنقوشة التي تستخدم في قاعات الدرجة الأولى. هنا، تطل الفروق الاجتماعية بين الركاب على السفن، وتأثير ذلك يتضح مع كل جانب في هذا المعرض الضخم.
وصورت مأساة السفينة «تيتانيك»، وأسباب غرق كثير من ركابها بسبب عدم توفير قوارب نجاة كافية لركاب الدرجة الثانية، أشكالاً من التمييز الطبقي والاجتماعي؛ ما بين غرف كبار القوم الفارهة والمطاعم وغرف التدخين المجهزة بالمفروشات الفاخرة وغرف لنوم الركاب الأقل ثراء، وما يتبعها من أماكن للأكل وغيرها. والفصل لم يكن فقط بين ركاب الدرجة الأولى وركاب الدرجة الدنيا، بل كان هناك فصل صارم بين الركاب وطاقم العمل على السفينة. ونرى تصويراً بديعاً لذلك في مجسم لسفينة يعرض بدقة رسومات للغرف على السفينة، ما بين الغرف الفاخرة والمطاعم والشرفات المطلة على المحيط، وما بين سكان الدرجات الأقل، وهم أقرب للقاع، و أيضاً نرى غرف المحركات المزدحمة الخانقة والعمال فيها.
- عروض أزياء على الدرج الفاخر
غني عن الذكر أن السفن العابرة للمحيطات اهتمت بكل ما يحتاجه الراكب المرفه، وسرعان ما بدأ المهندسون في إضافة المزيد من الجوانب التي ترضي ذائقة الركاب، فنجد التوسع في مساحات سطح السفينة، مع إضافة حمامات للسباحة وأماكن للاسترخاء على الكراسي الخشبية الطويلة. ومن الممتع هنا دخول القاعة التي تجسد ذلك التطور. وبداية، الخلفية الصوتية تضيف لأصوات نورس البحر وأصوات الركاب أغاني وموسيقى تصاحب ركاب السفن وترافقنا. وقد تحول جانب من الحائط لمشهد فيديو لمياه المحيط، ونرى أمامنا تمثال لرجل أنيق يرتدي ملابس «سبور»: بدلة خفيفة وقبعة للشمس، وخلفه كرسي خشبي طويل؛ الوحيد المتبقي من كراسي «تيتانيك». نحن الآن على سطح السفينة، حيث يستمتع الركاب بأمواج المحيط وبالنسيم. وهنا أيضاً نرى سيدات بلباس السباحة؛ إحداهن مسترخية للتمتع بالشمس، وأخرى تستمتع بالماء في حمام السباحة. ويجب القول هنا إن المشهد كله تم تجسيده ببراعة من خلال مجسم لحمام سباحة تميزت به الباخرة «إس إس يونايتد ستيتس»، تم صنعه خصيصاً للمعرض. ولا تكتمل صورة السفينة حتى نرى عرضاً مبهراً بالفيديو للسلالم الرئيسية في السفينة، التي كانت نساء الطبقات الراقية يستمتعن فيها بالتمختر وعرض أزيائهن على باقي الركاب، خصوصاً وقت وجبة العشاء التي كانت تتحول لحفل ساهر يرتدي فيه الركاب أحدث الصيحات. وبهذا تحول النزول عبر السلالم الرئيسية إلى طقس هام في الرحلات الفارهة، ولا عجب أن تتحول تلك السلالم إلى منصات لعروض الأزياء الفعلية، حيث اتجهت بعض بيوت الأزياء لتنظيم عروضها على الماء. وفي هذه القاعة، نرى فيلماً يعرض على أكثر من شاشة لعروض أزياء أقيمت على متن السفن العابرة للمحيطات.
- جواهر وملابس وحقائب سفر
ويتضمن المعرض 250 قطعة من مجموعة متحف «فيكتوريا آند ألبرت» ومتحف «بيبودي إسيسكس» في مدينة سالم، بولاية ماساتشوستس الأميركية، يتصدرها جزء من حائط خشبي مزخرف تم إنقاذه من مقصورة درجة أولى بالسفينة «تيتانيك». وبعض تلك القطع لم يعرض من قبل في أوروبا، وحتى قطعة الحائط الخشبي من «تيتانيك» تعود لبريطانيا للمرة الأولى، إذ انتهى بها المطاف بعد غرق السفينة لتقبع في متحف كندي. والمعروضات المختلفة ترسم للزائر ملامح حياة اندثرت، تبقى منها مظاهر الثراء والطبقية، مثل تاج من الألماس من صنع الصائغ الشهير «كارتييه»، وكان ملكاً لليدي مارغريت آلان التي فقدت ابنتيها في غرق الباخرة «لاسيتانيا»، بفعل قذيفة ألمانية عام 1915.
هنا أيضاً ركن نرى فيه بدلة «تايور»، من تصميم كريستيان ديور، ارتدته الممثلة الألمانية مارلين ديتريتش وهي على متن رحلة السفينة «كوين إليزابيث» إلى نيويورك عام 1950. وإلى جانبها، نرى مجموعة حقائب تحمل اسم دوق ويندسور، من صنع «ميزون غوايار». وكان إدوارد دوق ويندسور وزوجته دوقة ويندسور (واليس سيمبسون) يسافران بفخامة وترف، ويروى أن متاعهما على متن سفينة «إس إس يونايتد ستيتس» بلغ 100 قطعة. والحقائب تعرض للمرة الأولى في بريطانيا، بعد أن كانت قابعة في المخازن.
- تيارات ثقافية وتصميمات فنية
حين نتحدث عن تصميمات الآرت ديكو، وعن التيارات الثقافية في النصف الأول من القرن العشرين، نجد أن الحديث يتجه تلقائياً لموضة الملابس والجواهر التي خالت بها النساء على أسطح البواخر الشهيرة. ويضم المعرض مثالاً لها، وهو فستان من طراز «فلابر»، الذي يتميز بانسيابيته والشراشيب المتتالية على قماش من الحرير المطرز بحبات من الزجاج الملون. والفستان من تصميم جان لانفان في عام 1925، وكان مِلكا لسيدة المجتمع الأميركية إميلي غريغزبي التي اشتهرت برحلاتها المتكررة عبر المحيط على متن العبارات الباذخة.



التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
TT

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)
ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لوكالة «ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة غامرة. وقالت عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، البروفيسورة كاثرين هيمانز، لـ«بي بي سي»: «أحبُّ المجرّة البراقة والمتألِّقة بأضواء عيد الميلاد، كأنّ هذه ما كان عليه الكون وهو يبلغ من العمر 600 مليون عام فقط». تُظهر الصورة 10 كرات من النجوم بألوان مختلفة، تبدو مثل زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون. وهذه المرّة الأولى التي شاهد فيها العلماء كتلاً من النجوم تتجمَّع لتُشكل مجرّة مثل «درب التبانة»، فأطلقوا على المجرّة البعيدة اسم «اليراعة المتألّقة»، لتشابُهها أيضاً مع سرب من اليراعات متعدِّد اللون.

من مداره في الفضاء، من دون عوائق من الغلاف الجوّي للأرض، أظهر لنا أقوى تلسكوب على الإطلاق، مزيداً من المجرّات الأبعد، وبالتالي الأقدم؛ لكنها ليست مثل مجرّتنا في المراحل المُبكرة من التشكيل. ووفق الدكتورة لاميا ماولا، من كلية «ويليسلي» في ماساتشوستس، المُشاركة في قيادة البحث، فإنّ «البيانات الخاصة بما حدث في هذه المرحلة من الكون ضئيلة جداً». وأضافت: «هنا نُشاهد مجرّة وهي تتشكَّل حجراً بحجر. فالمجرّات التي نراها عادة حولنا تشكَّلت بالفعل، لذا فإنها المرّة الأولى التي نشهد فيها هذه العملية».

ووصفت البروفيسورة هيمانز، عالِمة الفلك الملكية في اسكوتلندا، والمستقلّة عن فريق البحث، الاكتشاف بأنه «رائع، ومهمّ علمياً وبالغ الاحتفاء»؛ وقالت: «مدهش أن يبني البشر منظاراً يتيح التطلُّع إلى الماضي البعيد جداً، فنرى هذه المراحل الوليدة جداً من المجرّة بطريقة احتفالية جميلة كهذه».

لغز الكون وعجائبه (ناسا)

وتختلف ألوان العناقيد النجمية باختلاف مراحل تكوينها، وفقاً للدكتورة ماولا: «إنها جميلة لأنّ الحياة الباكرة للمجرّة نشطة جداً. نجوم جديدة تولد، ونجوم ضخمة تموت، وكثير من الغاز والغبار حولها، وكثير من النيتروجين والأكسجين... بسبب الحالة التي هي فيها، تتراءى هذه الألوان الجميلة». عندما صادفت ماولا المجرّة، لم ترَ قط كتلاً من النجوم بمثل هذه الألوان الزاهية والمتنوّعة. قادها ذلك للاعتقاد بأنّ ثمة شيئاً مختلفاً حول هذا النظام، لذا تحقّقت من مدى بُعد ذلك. لدهشتها تبيَّن أنه يبعد أكثر من 13 مليار سنة ضوئية.

النور الآتي من «اليراعة المتألّقة» استغرق أكثر من 13 مليار سنة ليصل إلينا. صغير جداً وبعيد جداً، حدَّ أنه لم يكن بإمكان تلسكوب «جيمس ويب» رؤيته، لولا حظوظ المصادفة الكونية. وكان هناك تجمّع من المجرّات بين «اليراعة المتألّقة» وتلسكوب «جيمس ويب»، شوَّهت الزمكان لتمدُّد الضوء من المجرّة البعيدة، وتعمل بفعالية مثل عدسة مكبرة عملاقة.

يٌسمّي علماء الفلك هذه العملية «عدسة الجاذبية»، التي، في هذه الحالة، مكَّنت الباحث المُشارك الدكتور كارثيك أيير من جامعة «كولومبيا» في نيويورك، وأعضاء آخرين من الفريق، من أن يروا للمرّة الأولى، تفاصيل مذهلة لكيفية تكوُّن المجرّات الأولى مثل مجرتنا «درب التبانة». وقال: «إنها تأخذ الضوء الآتي من اليراعة وتثنيه وتضخّمه حتى نتمكن من رؤيته بتفاصيل رائعة».