نائب رئيس كاتالونيا المقال يلمح إلى إمكانية تولي بوتشيمون الرئاسة «فخرياً»

محامو النواب الكاتالونيين المسجونين يتحدثون في مؤتمر صحافي في لندن أمس (أ.ف.ب)
محامو النواب الكاتالونيين المسجونين يتحدثون في مؤتمر صحافي في لندن أمس (أ.ف.ب)
TT

نائب رئيس كاتالونيا المقال يلمح إلى إمكانية تولي بوتشيمون الرئاسة «فخرياً»

محامو النواب الكاتالونيين المسجونين يتحدثون في مؤتمر صحافي في لندن أمس (أ.ف.ب)
محامو النواب الكاتالونيين المسجونين يتحدثون في مؤتمر صحافي في لندن أمس (أ.ف.ب)

قال نائب الرئيس الكاتالوني السابق المسجون أوريول جونكيراس إن الرئيس الانفصالي كارليس بوتشيمون، المقيم في المنفى الطوعي في بلجيكا، يمكن أن يحكم كرئيس «فخري»، إلى جانب رئيس تنفيذي بصلاحيات كاملة.
وتأتي تعليقاته التي نشرت على موقع «دياريو - 16» الإلكتروني، فيما تشهد كاتالونيا أزمة حول من سيحكم الإقليم بعد أشهر من محاولة الانفصال.
ويصر بوتشيمون على أنّه هو من يجب أن يحكم كاتالونيا مجدداً، بعد أن فازت الأحزاب الانفصالية بالغالبية في انتخابات ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لكنه يواجه خطر الاعتقال لدوره في مساعي الانفصال في حال عودته إلى إسبانيا، مما يعقد جهوده لتولي الرئاسة.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، أرجأ رئيس البرلمان الكاتالوني، روجر تورنت، وهو من حزب «اليسار الجمهوري في كاتالونيا»، بزعامة جونكيراس، تصويتاً لتنصيب بوتشيمون رئيساً، مما كشف عن انشقاقات في معسكر الانفصاليين. ورداً على سؤال حول ما إذا كان من الممكن أن يحكم كاتالونيا من المنفى، قال جونكيراس، المسجون لدوره في الاستفتاء على الاستقلال، إنه من الصعب أن يكون هناك رئيس «فاعل»، رغم دفاعه عن بوتشيمون كمرشح شرعي. وقال إنه سيكون ممكناً «الجمع بين رئاسة شرعية، إذا كانت فخرية، مع رئيس تنفيذي».
ويؤشر ذلك إلى سيناريو يبقى فيه بوتشيمون في بلجيكا، فيما يقوم رئيس تنفيذي بإدارة الشؤون يومياً في برشلونة.
وتم تبادل الأسئلة والأجوبة، بحسب الموقع الإلكتروني، عبر محامي جونكيراس، لعدم تمكن الصحافيين من مقابلته في السجن. ولم يذكر الموقع ما إذا كانت المقابلة قد أجريت قبل أو بعد إرجاء التصويت البرلماني لتنصيب بوتشيمون. وفي مقابلة مع إذاعة «راك - 1» الكاتالونية، شدّد تورنت على أن بوتشيمون ما زال مرشح الرئاسة، لكن المسؤولين الانفصاليين يواجهون ضغوطاً متزايدة لإيجاد مرشح بديل عنه نظراً لوضعه القضائي.
وفي سياق متصل، قال محامون، أمس، إن ثلاثة من قادة استقلال إقليم كاتالونيا، رهن الاحتجاز حالياً انتظاراً لمحاكمتهم، قدموا شكوى أمام لجنة تابعة للأمم المتحدة اعتراضاً على حبسهم، في محاولة لممارسة الضغط على مدريد لإطلاق سراحهم.
ويواجه نائب رئيس حكومة الإقليم وزعيما جماعتين انفصاليتين تهماً بخيانة الأمانة بسبب مسعاهم لإعلان استقلال الإقليم عن إسبانيا. وفي حين فرت شخصيات كبيرة كانت مسؤولة عن الاستفتاء، وما تبعه من إعلان الاستقلال العام الماضي، وهو ما حكم القضاء الإسباني ببطلانه، إلى بروكسل، ألقت السلطات القبض على أوريول جونكيراس وغوردي شانشيز وغوردي كويكسارت، ورفضت الإفراج عنهم بكفالة.
وأحكام مجموعة العمل المعنية بالأحكام التعسفية التابعة للأمم المتحدة، وهي لجنة من خبراء حقوق الإنسان ليست ملزمة قانوناً، لكن المحامين يقولون إنها ستشكل ضغطاً على الحكومة الإسبانية، كما نقلت «رويترز».
وقال بن إمرسون، المحامي الموكل عن الثلاثة، في مؤتمر صحافي في لندن، إن «هذه القضية لا تطلب من الأمم المتحدة البت في قضية استقلال كاتالونيا، لكنها تسعى لتأكيد جديد من الأمم المتحدة بأنه لا يمكن للحكومات قمع المعارضة السياسية من خلال الاحتجاز التعسفي».
وتراجع ترتيب إسبانيا بشدة في مؤشر الديمقراطية السنوي، الذي تصدره «إنتيليجنس يونيت» التابعة لمجموعة «إيكونوميست»، وقالت إن ذلك يعود لاستخدام القوة، في محاولة لوقف الاستفتاء، واتخاذ نهج قمعي مع السياسيين المؤيدين للانفصال.
وقال إمرسون، في إشارة إلى الماضي الاستبدادي تحت حكم الجنرال فرانشيسكو فرانكو، إن «هذا النوع من القمع السياسي ينتمي إلى فترة بائدة في تاريخ إسبانيا».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟