عباس يشدد على تعدد الوساطة لتحقيق السلام

وزير الخارجية الألماني: قرار القدس يبعدنا عن السلام... وغرينبلات: لا يحدد الحدود

محمود عباس لدى استقباله وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل في المقر الرئاسي في رام الله أمس (أ.ف.ب)
محمود عباس لدى استقباله وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل في المقر الرئاسي في رام الله أمس (أ.ف.ب)
TT

عباس يشدد على تعدد الوساطة لتحقيق السلام

محمود عباس لدى استقباله وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل في المقر الرئاسي في رام الله أمس (أ.ف.ب)
محمود عباس لدى استقباله وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل في المقر الرئاسي في رام الله أمس (أ.ف.ب)

شدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على أي وساطة جديدة تطرح لتحقيق السلام يجب أن تكون متعددة، وتشمل الرباعية الدولية وعددا من الدول العربية والأوروبية.
وأضاف عباس أنه يعول على الدورين الألماني والفرنسي في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، للوصول إلى سلام دائم وعادل في المنطقة.
وجاء حديث عباس في تصريحات للصحافيين مع وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، في رام الله.
وقال عباس إن العملية السياسية الرامية لتحقيق السلام تمر حاليا بمأزق شديد، لكنه متمسك بثقافة السلام. وأردف: «نحن متمسكون بثقافة السلام، رغم الضغوط التي نتعرض لها، كقضية القدس، وقضية تمويل الأونروا، وكذلك نجدد تأكيدنا محاربة الإرهاب في كل مكان».
وجدد عباس تمسكه بحل الدولتين، لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، لتعيش دولة فلسطين ودولة إسرائيل بأمن واستقرار.
وأيد وزير الخارجية الألماني موقف عباس، منتقدا قرار الولايات المتحدة الأميركية بخصوص مدينة القدس وواصفا إياه بـ«قرار خارج مفاوضات السلام، ويعطي انطباعا بأننا نبتعد عن كل ما تم الاتفاق عليه في اتفاق أوسلو». وأضاف غابرييل: «وضع القدس يجب أن يتم التفاوض عليه بين الطرفين، ولا يتم فرضه من قبل أي طرف خارجي، وهذا ليس موقف ألمانيا، ولكن موقف جميع دول الاتحاد الأوروبي».
وطالب الوزير الألماني بإيجاد سبيل للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وقال: «هذا يحتاج إلى استعداد أميركي للعودة إلى طاولة المفاوضات، لذلك نأمل في أن تضع الولايات المتحدة مقترحا على الطاولة نستطيع التفاوض بشأنه».
وأكد غابرييل أنه يثق في أن الجانب الفلسطيني لديه الشجاعة والقدرة بالعودة إلى روح السلام، وما تم الاتفاق عليه في أوسلو للوصول إلى سلام. وأضاف: «ألمانيا لديها التزام خاص تجاه ضمان وجود دولة إسرائيل تعيش بسلام داخل حدود آمنة، كذلك الفلسطينيون لديهم الحق في العيش بدولة آمنة بسلام واستقرار، والشعبان يريدان العيش بسلام واستقرار».
وأشار غابرييل إلى أن ألمانيا تدعم حل الدولتين بقوة، ولا ترى أي خيار عملي أو سياسي غيره للوصول إلى السلام.
كما انتقد غابرييل تخفيض الدعم المقدم للسلطة الفلسطينية، أو لوكالة الأونروا. وقال إنه «شيء سيئ، لأنه يجب أن نسعى كي لا تسوء أحوال اللاجئين في المنطقة».
وجاء الانتقاد الفلسطيني الألماني المشترك للإدارة الأميركية في وقت حاول فيه جيسون غرينبلات المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب، التخفيف من أثر الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، قائلا إن ذلك لا يحدد بأي شكل حدود المدينة، وأن ذلك متروك للمفاوضات.
وقال غرينبلات في كلمة في مؤتمر معهد الأمن القومي الإسرائيلي: «الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل لا يحدد مسبقا حدود السيادة الإسرائيلية على المدينة». وأضاف: «لم نتخذ موقفا بشأن الحدود».
ودافع غرينبلات عن قرار ترمب بقوله إنه «لم يعد صياغة التاريخ من جديد». متابعا: «لكنه كان يدرك أن الاعتراف بهذا الواقع هو خطوة مهمة ليس فقط لإسرائيل وإنما لإرساء أساس لسلام حقيقي ودائم».
وتخالف تصريحات غرينبلات، تصريحات رئيسه ترمب، الذي قال الأسبوع الماضي في لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه بهذا الإعلان «أزال موضوع القدس عن الطاولة»، وهو التصريح الذي جلب رد فعل فلسطينيا قويا تلخص في تحذير ترمب ونتنياهو من أن إزالة القدس عن الطاولة يعني كذلك إزالة عملية السلام.
وانقطعت العلاقة بين السلطة والإدارة الأميركية بعد إعلان ترمب حول القدس، وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) أنه لن يقبل بالولايات المتحدة وسيطا لأي عملية سياسية.
وأكد مسؤولون فلسطينيون أن أي اتصالات لن تقام مع واشنطن قبل أن تتراجع عن إعلان القدس وقال صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن أي مباحثات مع الإدارة الأميركية لن تعقد، مؤكدا أن السلطة ستتصدى لسياسة الإملاءات الأميركية. ويخطط الفلسطينيون الآن لإيجاد إطار عمل دولي متعدد لرعاية عملية سياسية جديدة، تحت مظلة الأمم المتحدة كما قال عباس.
لكن يتضح من حديث غرينبلات أن الأميركيين لا يبالون بهذه المساعي ويصرون على المواصلة في رعاية عملية سياسية.
وقال غرينبلات إن رؤية ترمب تقوم على السماح للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني أن يقررا سويا مستقبلهما والتوصل إلى حلّ عن طريق التفاوض، مضيفا: «لن يفرض أي اتفاق سياسي أو أي صفقة على الإسرائيليين والفلسطينيين». وأردف: «الرئيس ترمب سيدعم أي قرار تتوصل إليه الأطراف».
ورأى المسؤول الأميركي أن هناك فرصة حقيقية لإقامة السلام. معتبرا أن اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل سيعزز السلام.
ومضى غرينبلات يقول: «الاعتراف لا يخالف الوضع الراهن، والرئيس دعا صراحة للحفاظ عليه، وأكد التزامه العميق لحل الصراع، ولكن السلام لا يمكن أن يتحقق من خلال حرمان اليهود من حقّهم التاريخي في القدس وترك طاولة المفاوضات». وتابع: «من غير الممكن تحقيق السلام عبر التخلي عن المفاوضات. فرصة السلام قائمة ولكن فقط من خلال مفاوضات جدية ومتواصلة. من السهل مغادرة المفاوضات لكن هذا لا يساعد أي جانب، وهو يضر بل ويدمر فرص التوصل إلى اتفاق سلام، وسوف تكون له عواقب رهيبة على الشعب الفلسطيني». وأكد غرينبلات أن «الولايات المتحدة ملتزمة أكثر من أي وقت مضى بالتوصل لاتفاق يضمن مستقبلا زاهرا لكلا الجانبين، لهذا تواصل الإدارة الحالية في البيت الأبيض العمل على إعداد خطة سلام يمكنها دفع الطرفين إلى طاولة المفاوضات».
وأردف: «منذ الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل ورغم ردود الفعل السلبية الكثيرة، فقد واصلنا العمل بجد، ولم ننحرف عن الجهود بشأن عملية السلام».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.