أزمة بري ـ باسيل تعطل أعمال الحكومة

نائب لبناني: رئيس البرلمان لديه الجرأة للاعتذار عن لجوء مناصريه للشارع

TT

أزمة بري ـ باسيل تعطل أعمال الحكومة

بدأت الوساطات لتثبيت تهدئة سياسية وأمنية في لبنان على خلفية تسريب فيديو لوزير الخارجية جبران باسيل يصف فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ«البلطجي»، بعد أن تدحرج الخلاف إلى الشارع، وعطل عمل الحكومة «بشكل مؤقت»، كما قال وزير لبناني لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن الحكومة «دخلت في الأيام الأخيرة، في العاصفة».
وحاول بري أمس احتواء الموقف من جهته، حين نُقل عنه أنه «لديه من الجرأة والمسؤولية للاعتذار من اللبنانيين على أي ضرر لحق أي مواطن على الأرض»، وذلك إثر لجوء مناصريه إلى الشارع اعتراضا على تصريحات باسيل المسربة، لكنه بدا مصراً على «تقديم اعتذار للبنانيين» من باسيل عما حدث، بعدما رفض وزير الخارجية الاعتذار مكتفياً بالتعبير عن أسفه على التسريب.
وتحركت الوساطات أمس على ثلاثة خطوط إثر تفاقم الخلاف، منعاً لتصعيد في الشارع، ومنعاً لعرقلة المسار الحكومي، إذ أكد مصدر وزاري بارز لـ«الشرق الأوسط»، أن رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط يقودان وساطة من جهتهما لمنع تأزم المشهد السياسي، فيما يتولى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وساطة أخرى من جهته لضبط الوضع انطلاقاً من أن انزلاق الخلاف إلى الشارع «يشكل خطراً على الاستقرار». وقال المصدر: «في السياسة، دائماً هناك وساطات، ولو أن التأزم اليوم يعرقل الوساطات العلنية، لكنها تبقى قائمة لاحتواء التأزم».
وحفّز اللجوء إلى الشارع، الرئيس اللبناني ميشال عون على تجديد تأكيده أمس أن الشارع «لم يكن يوماً مكاناً لحل الخلافات السياسية»، مشدداً على أن «المكان الطبيعي هو المؤسسات الدستورية لأن اللجوء إلى الشارع يؤذي الاستقرار الذي ينعم به لبنان وسط جواره المتفجر»، لافتاً إلى أن ما حصل في اليومين الماضيين يجب ألا يتكرر. وجدد عون التزامه اتفاق الطائف داعياً إلى تطبيقه من دون انتقائية واحترام مبادئ وثيقة الوفاق الوطني التي تحمي الوحدة الوطنية وتصونها وتحقق التوازن بين مكونات المجتمع اللبناني كافة.
وغداة وصف عون ما حصل بـ«الخطأ الذي بني على خطأ»، نقل النائب علي بزي عن الرئيس بري قوله «إنه دائما لم يكن السبب مثل النتيجة، وفي طبيعة الحال هو لم يطلب اعتذارا بل المطلوب تقديم اعتذار إلى اللبنانيين، كل اللبنانيين، للإهانات والإساءات التي حصلت». وقال بزي إن نبيه بري «يمتلك من القوة والشجاعة والوعي والوطنية والأمانة والحرص على كل اللبنانيين ما يدفعه أن يقدم اعتذارا إلى كل اللبنانيين الذين لحق بهم أذى على الأرض، على الرغم أن الجميع يعرف أنه لا الرئيس بري ولا حركة (أمل) لهما علاقة من قريب أو بعيد بما حصل على الأرض»، لافتاً إلى أن رئيس المجلس النيابي «كان يعمل دائما خلال الأيام القليلة الماضية من أجل منع التحركات والمظاهرات والسيارات وقد اتصل بالقيادات الأمنية عبر المسؤول الأمني في حركة (أمل)، وبالجيش، من أجل الحفاظ على مصالح البلاد والعباد وعدم التعرض للمواطنين في أي منطقة من المناطق».
وبحسب بزي، فإن رئيس مجلس النواب، يعتبر أن كل كلام يشاع حول استقالة الحكومة وغيرها، لم يناقشه ولم يطلب من أحد اللجوء إليه.
من جهته، أكد وزير التربية مروان حمادة بعد زيارة بري أن رئيس المجلس النيابي «لم يتكلم أو يتهجم على أحد في الحكومة»، مشدداً على أن «الموضوع الأساسي هو احترام الدستور والطائف». وقال: «نحن في جمهورية برلمانية ولسنا في نظام رئاسي ولا نريد أن نعتدي على حقوق أحد، والحقوق متساوية بين جميع اللبنانيين، وليتذكر الجميع هذا الأمر الذي يؤمن التوازن في البلد». وأعلن أن «بري لا يريد أبدا توتير الأجواء، ولكن هناك أجواء بدأت تتراكم وأوصلت إلى ما أوصلت إليه من مواقف بدأنا نشكو منها، وهي أكبر من الشتائم التي أعلنت في الجبل وفي غيره، وأنا أتكلم باسم جميع اللبنانيين وليس باسم الحزب (الاشتراكي) أو باسم الدروز».
وانتقلت تداعيات الخلاف إلى التأثير على العمل الحكومي الذي تجمد «مؤقتاً» بفعل الأزمة. وقال وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون، إن الحكومة «دخلت في الأيام الأخيرة في العاصفة»، لكنه جزم بأن التعطيل «مؤقت». وأوضح فرعون لـ«الشرق الأوسط» أن الأزمة «كانت تدور في مكان مع أمل ألا تطال العمل الحكومي والانتخابات، لكن تفاقمها بالشكل الحالي وتحولها إلى أزمة سياسية عامة، ومع تصاعد وتيرة التصعيد بالتصريحات، باتت الأزمة تؤثر على الوضع العام السياسي والحكومي»، نافياً أن يكون لها تأثيرات على إجراء الانتخابات. وقال فرعون لـ«الشرق الأوسط»: «لا نقول الآن إن هناك تعطيلاً للحكومة، بل أزمة حكومية تعرقل أي اجتماع لمجلس الوزراء في هذه الفترة»، آملاً أن «تنحصر في إطار معين وتفتح الباب لمسار حل يبقي الحكومة والانتخابات المزمع إجراؤها بمنأى عن الأزمة». وجزم بأنه «لا خطر على الانتخابات التي ستجري في موعدها» في 6 مايو (أيار) المقبل.
وإلى جانب العمل الحكومي، بدأت الأزمة بالتأثير على عمل لجان برلمانية، إذ أفيد أمس بإرجاء جلسة اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة والمتعلقة بدرس اقتراح قانون الصندوق السيادي اللبناني، إلى موعد يحدد لاحقاً.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.