إبراهيم سماحة في «بيروت صدى الصمت» يخاطب زواره بلغة الضوء

معرضه يتضمن 20 لوحة تروي حكايات عن «ست الدنيا»

TT

إبراهيم سماحة في «بيروت صدى الصمت» يخاطب زواره بلغة الضوء

لأنّ اللوحة الفنية لا تقيّم من خلال حجمها بل بالفكرة التي تحملها، يقدم الرسام اللبناني إبراهيم سماحة معرضه الفني بعنوان «بيروت صدى الصمت» في متحف «بيت بيروت» في منطقة السوديكو (الأشرفية) 20 لوحة تتحدث عن خصوصية بيروت التي صورها الفنان بريشة ذهبية وفضية ونحاسية وأحيانا بنفسجية، ناقلا فيها حسب تصوره بيروت الصامتة أبدا إنّ «بيروت تلتزم الصمت منذ وجودها حتى اليوم، فهي برأي لم تقل كلمتها بعد. وفي ظل التغيرات التي تعيشها بصورة مستمرة، ترجمت نظرتي هذه بريشة تحلّق في فضاء الفن مستخدما الضوء لإبرازها». يقول إبراهيم سماحة في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط».
درس سماحة في روما وعاد إلى لبنان بعد غياب اكتشف أنّ بيروت وعلى الرغم من التغيّرات التي حلّت على بنيتها وعماراتها وطبيعتها، فإنّها بقيت متمسكة بالصمت وكأنّها امرأة شامخة معتزة بنفسها حاضرة لتقبل كل شيء لانفتاحها على الآخر بشكل لافت. وفي تقنية تشبه بطبيعتها تلك المستخدمة برسم الأيقونات، وضع إبراهيم سماحة أحياء بيروت وزواريبها وكذلك أشجار الصنوبر من حرجها (حرج بيروت)، على ورق الذهب لتعكس ضوءا جزئيا حينا، وعلى ورق الفضة ليتفاعل معه حينا آخر، وعلى النحاسي منه ليتشرب كمية الضوء بأكملها، فتبدو المشهدية حقيقية.
يستقبلك عند مدخل المعرض، موريس اسم الشخص الذي رسمه الفنان سماحة واقفا تحت العلم اللبناني. لماذا موريس؟ يرد: «موريس شخصية واقعية، يرمز إلى بيروت، كونه واكب ووالدته جميع التغيرات التي جرت، عرفته يسير تائها في شوارع الجميزة حيث يسكن وأبناء الحي كلهم يعرفونه. وعندما فكرت في إقامة هذا المعرض وبدأت الرسم تراءى لي (موريس) شاهداً من أهله. فهو رحل اليوم إلى دنيا الحق، ولكنّه سيبقى ساكنا ذاكرة بيروت، تماما كما هو محفور في ذهني».
وعن دفء بيروت تطالعك لوحة يسودها البنفسجي على خلفية بلاتينية، لتكتشف المدينة التي تغنّى الشعراء بطبيعتها وبناسها ومعالمها بعد أن حوّل سماحة كل الضجيج الذي يكتنفها إلى مشهدية تلامسك عن قرب بحكمة صمتها.
وأنت تنظر إلى لوحات سماحة، سيخيّل إليك أنّها تتألف من وجوه تبحلق بك. «هي وجوه الإنسان الذي سكن هذه العمارات بعد أن بناها. فاللوحة تتكامل بعناصرها مجتمعة إن من حيث ألوانها وأشكالها، وإن من حيث أحجامها والأفكار التي تترجمها».
تأثر سماحة ببلدته الأم الخنشارة (في المتن)، ولذلك لفتته طبيعة بيروت، ولا سيما حرجها المزروع بأشجار الصنوبر. «هي شجرة أحبها وتعني لي الكثير، رافقتني في أفراحي وذكرياتي الطفولية ولذلك أعطيتها حيزاً من لوحاتي كون هذه المساحة الخضراء في قلب بيروت تشهد على ذكريات الكثير من اللبنانيين الذين كانوا يلجأون إلى أحضانها ليتنفسوا الصعداء».
وفي لوحة بعنوان «الظل»، رسم الفنان اللبناني نفسه امتدادا لظله الموصول ببيروت. «هذه اللوحة تحكي عن هويتي المنبثقة من قلب المدينة على الرغم من بعدي عنها». يقول سماحة مضيفاً: «تخيّلت نفسي نقطة محايدة (neutre)، كي أستطيع رؤية بيروت من منظار آخر وهذا يفسر المسافة التي تفصلني عنها مع أني أعيش فيها».
اتخذ سماحة من سطوح بيروت مراكز جوالة له، فجلس على أحجار عمارات شاهقة ليتسنى له رؤيتها على نطاق واسع مع تفاصيلها الصغيرة. وعندما كان يعود إلى منزله في الجميزة كانت تتخمّر تلك الصور في ذاكرته وتعكس الصخب والضجيج والحياة بصمت.
مدينة صور وحدها التي تشكل لوحة الخروج عن موضوع المعرض «بيروت صدى الصمت»، فقد أدرجها الرسام اللبناني ضمنه لأنّ أحد أحيائها ذكّره في بيروت. «كان من الغريب أن تذكّرني صور بمدينتي، فأحد أحيائها نقلني بصورة مباشرة إلى العاصمة في الستينات فرسمتها ريشتي تلقائيا».
بيروت من فوق وعن قرب ومن تحت أشجارها الكثيفة، زوايا مختلفة، صوّرها الرّسام سماحة بريشة واضحة تتحول إلى مخادعة عندما يسلّط الضوء عليها لتتبدل هويتها، فتتفاعل مشهديتها معه لترتدي قوالب فنية مختلفة إذا ما اقتربت أو ابتعدت عنها. «إنّ لعبة الضوء التي اعتمدتها في المعرض تعود لقناعتي بأنّ النور يواكب حياتنا اليومية ويتفاعل معنا والعكس صحيح، مما أرسى نوعا من الواقعية المركّزة على لوحاتي البيروتية». يعلق سماحة.
لوحات لا تشبه بعضها لا بمواضيعها ولا بأحجامها، جمعها الرسام سماحة في «بيت بيروت»، لأنّه يرصد حقبة زمنية مهمة من تاريخها كما ذكر لنا. وبخبرة الفنان التواق إلى جعل بيروت تنطق ولو لمرة واحدة بعيداً عن الصمت الذي تلتزمه منذ وجودها، نجح سماحة في مخاطبتنا بلسان بيروت السلام والثقافة ومنارة الشرق.



اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
TT

اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)
اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)

أعلن عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس، الأربعاء، عن اكتشاف بقايا معبد الوادي للملكة حتشبسوت بالأقصر (جنوب مصر)، مع عدد من الاكتشافات الأثرية الأخرى، من بينها مقبرة المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وجزء من جبَّانة بطلمية.

جاء الكشف في إطار عمل البعثة الآثارية المشتركة التابعة لـ«مؤسسة زاهي حواس للآثار والتراث» بالتعاون مع «المجلس الأعلى للآثار» التابع لوزارة السياحة والآثار المصرية. وأشار حواس، في مؤتمر صحافي بالأقصر، إلى أن «البعثة تعمل في المنطقة منذ عام 2022، وتمكنت خلال ثلاث سنوات من التوصل عبر الحفائر إلى عدد من الاكتشافات الأثرية المهمة في المنطقة الواقعة عند بداية الطريق الصاعدة لمعبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري».

وكشفت البعثة عن جزء من أساسات معبد الوادي للملكة حتشبسوت التي تولت الحكم بين (1479 و1458 قبل الميلاد)، ويقع الجزء المكتشف عند مشارف الوادي، وهو بوابة الدخول الرئيسية للمعبد الجنائزي للملكة حتشبسوت المسمى «جسر جسرو»، الذي يعدّ «أجمل المعابد الفرعونية على الإطلاق»، بحسب حواس.

وقال حواس إن «البعثة عثرت على عدد كبير من نقوش معبد الوادي، التي تعدّ من أندر وأجمل نماذج فن النحت في عصر الملكة حتشبسوت وتحتمس الثالث، حيث لا يوجد مثيل لها في المتاحف المصرية سوى نماذج قليلة في متحفي (الأقصر) و(المتروبوليتان) في نيويورك»، مشيراً إلى أن «مجموعة النقوش الملكية المكتشفة حديثاً هي الأكمل على الإطلاق من بقايا معبد الوادي، الذي تعرَّض للهدم خلال عصر الرعامسة والأسرة التاسعة عشرة».

الدكتور زاهي حواس يعلن عن الكشف الأثري (البعثة الآثارية)

بدوره، قال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد إن «البعثة عثرت أيضاً على أكثر من مائة لوحة من الحجر الجيري والرملي مسجل عليها أسماء وخراطيش الملكة حتشبسوت (اسم الميلاد واسم التتويج على العرش)، تُعدّ جزءاً من ودائع الأساس، التي تؤكد على ملكية صاحب المعبد».

ومن بين اللوحات الحجرية المكتشفة، لوحة من الحجر الجيري تحمل بالنقش البارز اسم المهندس المعماري المختص بقصر الملكة حتشبسوت واسمه سنموت، ولقبه «المشرف على القصر».

وقال حواس إن «مجموعة ودائع الأساس الكاملة للملكة حتشبسوت تُعدّ من أهم مكتشفات البعثة، لا سيما أنها تأتي بعد مرور ما يقارب القرن من الزمان منذ أن كشف العالم الأميركي هيربرت وينلوك عن آخر مجموعة كاملة من ودائع الأساس للملكة حتشبسوت في موقع المعبد الجنائزي في الفترة من (1923 - 1931)».

عدد من اللقى الأثرية في الكشف الأثري الجديد (البعثة الآثارية)

وعثرت البعثة على مقبرة شخص يدعى جحوتي مس، وهو المشرف على قصر الملكة تتي شيري، وأوضح حواس أن «الملكة تتي شيري هي جدة الملك أحمس محرر مصر من الهكسوس، وأم والدة الملك سقنن رع، أول ملك شهيد في حرب الكفاح والتحرير»، وقال: «المقبرة تلقي كثيراً من الضوء على تلك الفترة المهمة من تاريخ مصر».

وتؤرخ المقبرة بالعام التاسع من حكم الملك أحمس الأول (1550 - 1525 قبل الميلاد)، وهي عبارة عن حجرة مربعة منحوتة في الصخر تتقدمها مقصورة من الطوب اللبن المكسو بطبقة من الملاط الأبيض ولها سقف مقبى.

وداخل حجرة المقبرة عُثر على بقايا رسوم ملونة باللون الأحمر على طبقة من الملاط الأبيض، وفي أرضية الحجرة عُثر على بئر مستطيلة تؤدي إلى حجرتَي دفن، وفي البئر تم العثور على مائدة قرابين من الحجر الجيري، وكذلك على اللوحة الجنائزية لصاحب المقبرة.

الاكتشافات تضمنت مقابر بطلمية (البعثة الآثارية)

وعلى الرغم من اللقب المهم الذي كان يحمله صاحب المقبرة، فإن «هيئة وبساطة المقبرة تعطي الكثير من المعلومات عن الحالة الاقتصادية في بدايات الأسرة الثامنة عشرة، التي جاءت بعد حروب مريرة من أجل التحرير استنزفت اقتصاد الدولة»، وفق حواس.

أعلن حواس أيضاً الكشف عن «جزء من جبانة بطلمية ممتدة شغلت موقع الطريق الصاعدة ومعبد الوادي، وشُيّدت مقابرها من الطوب اللبن وأجزاء من حجارة معبد الملكة حتشبسوت». وأوضح أن «هذه الجبَّانة كان قد تم الكشف عن بعض أجزائها عن طريق بعثات أجنبية في بدايات القرن الماضي ولم يتم توثيقها بشكل مناسب».

وتضمن الكشف العثور على عدد كبير من الآثار التي توثق تلك الفترة التاريخية، بينها عملات برونزية تحمل صورة الإسكندر الأكبر، وتعود لعصر بطلميوس الأول (367- 283 قبل الميلاد)، كما تم العثور على ألعاب أطفال من التراكوتا (الطين المحروق)، بأشكال آدمية وحيوانية، وكذلك عدد من قطع الكارتوناج والماسكات الجنائزية التي كانت تغطي المومياوات، وعدد من الجعارين المجنحة والخرز والتمائم الجنائزية.

الجعارين والنقوش الجنائزية من المكتشفات الجديدة (البعثة الآثارية)

كما أعلن حواس أن «البعثة عثرت أيضاً على عدد من المقابر الصخرية من عصر الدولة الوسطى (2050 - 1710 قبل الميلاد)»، مشيراً إلى أن «البعثة كشفت بموقع معبد الوادي عن التسلسل التاريخي للموقع، الذي بدأ إشغاله في عصر الدولة الوسطى، واستمر حتى بداية الأسرة الثامنة عشرة عندما أمر المهندس سنموت بوقف الدفن في المنطقة، واختاره موقعاً لتشييد معبد الوادي».

وقد عمل سنموت على دفن الجبانة أسفل كميات كبيرة من الرمال، ضمن أعمال تمهيد الموقع لتشييد معبد الوادي، وفق حواس.

وتضمن الكشف الأثري أيضاً عدداً من المقابر الصخرية التي تعود لعصر الدولة الوسطى، بداخلها عدد من القطع الأثرية، من بينها موائد القرابين المصنوعة من الفخار وعليها مجسمات للقرابين من خبز ونبيذ ورأس وفخذ الثور، وقال حواس: «هذه الموائد من الآثار المميزة لعصر الدولة الوسطى».

كشفت البعثة أيضاً، بحسب حواس، عن عدد من أبيار الدفن من عصر الأسرة السابعة عشرة (1580 - 1550 قبل الميلاد)، منحوتة في الصخر، وبداخلها عدد من التوابيت الخشبية بالهيئة الإنسانية، التي تُعرَف بالتوابيت الريشية.

من بين التوابيت المكتشفة، تابوت لطفل صغير مغلق وموثق بالحبال، التي لا تزال على هيئتها منذ دفنها قبل 3600 سنة، بحسب حواس، الذي أشار إلى العثور، بجانب تلك التوابيت، على «حصير ملفوف تعدّ البعثة حالياً برنامجاً خاصاً لترميمه ونقله للعرض بمتحف الحضارة».

وكانت البعثة قد نقلت إلى متحف الحضارة في موسم الحفائر الماضي (2023 - 2024)، أحد اكتشافاتها، وهو سرير من الخشب والحصير المجدول يعود إلى عصر الأسرة السابعة عشرة، كان يخصّ أحد حراس الجبانة.

وعدّ حواس «العثور على أقواس الرماية الحربية، أحد المكتشفات المهمة للبعثة، لا سيما أنها تشير إلى وظيفة أصحاب هذه المقابر، وخلفيتهم العسكرية وكفاحهم لتحرير مصر من الهكسوس».