الدين.. والفلسفة

ترجمة عربية لكتاب فيلسوف كندي عن العلاقة بينهما

الدين.. والفلسفة
TT

الدين.. والفلسفة

الدين.. والفلسفة

أصدرت مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» للدراسات والأبحاث ترجمة قام بها عبد الله المتوكل لكتاب بعنوان «فلسفة الدين» لصاحبه جان غروندان Jean Grondin (الطبعة الأولى- 2017). وهو الكندي المتخصص في الفلسفة الألمانية والمهتم بالخصوص بالفيلسوف مارتن هايدغر.
إن هذا الكتاب، وعلى صغر حجمه، مكثف وغني وعميق، وبقدر ما هو موجه للمتخصص بقدر ما يمكن للقارئ العادي أن يجد فيه ضالته، ولعل الممتع فيه، تلك الجولة الرائعة التي يأخذنا فيها المؤلف عبر التاريخ باحثا عن نوعية العلاقة التي كانت تربط بين الدين باعتباره أكثر تجذرا في الإنسان والفلسفة الطارئة على المشهد الفكري البشري، واقفا عند اللحظة اليونانية واللاتينية القديمة والعصر الوسيط سواء عند المسلمين أو اللاتين، ليختم بالزمن الحديث.
يبدأ المؤلف مقدمة كتابه بالحديث عن أصعب سؤال حير البشر هو سؤال المعنى، والذي نجد له ثلاثة أنماط من الأجوبة وهي: الأجوبة الدينية الأكثر أصالة وعمق في التاريخ الإنساني، التي تفهم الحياة على أنها صادرة عن قوة أعلى هي موضوع تقديس وعبادة، والأجوبة العلمانية الحديثة العهد، التي هي في الحقيقة لم تتملص قط من الإطارات الدينية، وهي تنقسم إلى قسمين: الأول ينعته المؤلف بالجواب الطوباوي الذي عمل على إنزال التعالي إلى الأرض، وذلك بالسعي الدؤوب نحو تطوير الشرط الإنساني عن طريق مناهضة الظلم وتقليص الآلام البشرية... أو لنقل إنه جواب يحرص على أن نعيش الجنة هنا وليس بعد الموت، لهذا يمكن تسميتها بديانة الإنسان، والتي يلح الكاتب على أنها تستلهم الكثير من الدين. أما الثاني يسميه المؤلف الجواب «الهيدوني» Hédonisme، أي الساعي نحو أكبر كم ممكن من الملذات فهي الوحيدة التي تحت قبضتنا، فهي تستبعد القوى المتعالية وتبحث عن السعادة اللحظية التي تخلق الغبطة، وهذا الجواب كما يشير المؤلف هو أيضا تقدس الأشياء المادية وهو ما يجعلها متورطة في الأفق الديني أيضا، أما النمط الأخير من الأجوبة عن سؤال المعنى، فهو سلبي يرى أن الحياة تخبط خبط عشواء، وأن العبث واللامعقول يسريان في الحياة وما الشرور والآلام المنتشرة إلا دليل ذلك.
وقبل أن يخوض المؤلف في التاريخ الطويل للتلاقحات بين الدين والفلسفة، تحدث بداية عن مهمة فلسفة الدين، ليحددها في التفكير والنظر في الجواب المقدم من طرف الدين، معلنا أنه إذا كانت الفلسفة قد ظهرت كنمط من التفكير يبحث عن الحكمة بل عاشق لها، فإن الدين يعطي هو بدوره حكمة للوجود وهو ما يجعله يتضمن شيئا من الفلسفة. بعد ذلك وفي الفصل الأول، سيقف عند طغيان العلم بنزعته المؤكدة على المرئي فقط، والطاردة للعوالم ما فوق حسية، والتي هددت الدين بقوة وعملت على طرده نحو العالم الخاص لكل فرد، بل جعله أحيانا في خانة الوهم وسببا في استلاب الإنسان، إلى درجة الإعلان المشهور بأن الدين قد فقد بريقه وأفوله مسألة وقت، وهو ما لم يتحقق طبعا، إذ نلمس عودة للديني وبأشكال متعددة كانتشار النزعات الأصولية والترويج الإعلامي للباباوات، وتكاثر النحل الروحانية، بل إن استطلاعا للرأي سنة 2008 في أميركا قد أبرز أن 92 في المائة من الأميركيين متمسكون بالدين، وهذه كلها أمور تجعل للدين حيوية عجيبة ربما اكتسبها من كونه التجربة الأولى للبشرية والتي هي من التغلغل بحيث تتحدى كل محاولة لاقتلاعه.
أما في الفصل الثالث فقد حاول المؤلف فيه إعطاء الملامح المشتركة بين الأديان رغم اختلافها، أي بحث فيما يشكل الثابت البنيوي الذي لا يقوم الدين دونه، ليصل إلى النتيجة الآتية وهي أن الدين ينطوي على وجود عبادة قائمة على الاعتقاد والتي تعبر عنها رموز تجعل العالم مشحونا بالمعنى.
وجاء الفصل الرابع مخصصا للعالم اليوناني الذي سيركز فيه المؤلف على شخصيتين فلسفيتين بارزتين هما أفلاطون وأرسطو، ليؤكد على أن الأول سيستمد من الدين عمق تفكيره، لكن وفي الوقت نفسه سيزود هو أيضا الدين بأدوات مفهومية تسمح له بالتفكير العميق في التعالي مثل: (مرئي-غير مرئي، أرضي- سماوي، محسوس - معقول، ثبات - تغير، مثل-نسخ...) إلى درجة يمكن القول إن مع أفلاطون تم تحويل الدين إلى ميتافيزيقا، أو لنقل بوضوح أن الفلسفة معه، ما هي إلا دين قد أخذ شكل الميتافيزيقا. إضافة إلى ذلك فالرجل جعل العبادة الحقة هي عبادة أخلاقية، ليكون بذلك مؤسسا لما يسمى اللاهوت العقلي. أما بخصوص الفيلسوف أرسطو الذي كان أشد عقلانية وعلمية من أستاذه أفلاطون، فدوره الكبير في الإلهيات عبر التاريخ تجلى في النظر للخالق باعتباره المحرك الأول.
في الفصل الخامس الذي وقف فيه المؤلف عند العالم اللاتيني، اختار نماذج مؤثرة جدا في تشكيل الرابطة القوية بين الدين والفلسفة، فكان النموذج الأول هو: شيشرون (34-106م) الذي عمل على فصل الخرافة عن الدين وتقديم مجموعة من الأدلة على وجود الإله، وإظهار العناية الإلهية واهتمامه بالبشر، تماشيا مع المدرسة الرواقية التي كانت منتشرة في زمانه وضدا عن المدرسة الأبيقورية. أما النموذج الثاني فتم تخصيصه لـ«لاكتانس» الذي عرف الدين باعتباره إعادة الربط بالخالق، ليختم المؤلف هذه الحقبة اللاتينية الأولى بشخصية مشهورة وهي: أوغسطين الذي جاء في لحظة مفصلية تم فيها الانتقال من القديم إلى الوسيط، وهو شخصية تدين له المسيحية بالكثير، حيث عمل على دمج المسيحية بالأفلاطونية.
وبانتقالنا للفصل السادس المخصص للعصر الوسيط سنكتشف الفلاسفة المسلمين وجهدهم الجبار في ربط الصلة بين الدين والفلسفة والعمل على التوفيق بينهما ليقف المؤلف خصوصا عند ابن رشد الذي من خلال كتابه: «فصل المقال بين الحكمة والشريعة من اتصال» تمكن من بلورة رؤية للحقيقة المزدوجة، أي حقيقة في متناول العامة وهي القائمة على حرفية النص، والأخرى في متناول الخاصة والقائمة على التأويل، وهي الفكرة التي ستصنع تيارا هائلا في أوروبا اللاتينية اسمه: الرشدية. سيقف الكتاب أيضا عند ابن ميمون خاصة مع كتابه: «دلالة الحائرين» الذي ما هو إلا استثمار لخلاصة الفكر الفلسفي الإسلامي مطبقا على اليهودية. ليختتم المؤلف العصر الوسيط بالقديس «توما الإكويني» في القرن 13م، والذي كان له الفضل في دمج أرسطو بالنصرانية في توليفة متناغمة، ليصبحا معا وجهان لعملة واحدة.
وفي الأخير خصص المؤلف الفصل السابع للعالم الحديث، فاختار فيه نماذج اعتبرها فاعلة وهي: أسبينوزا وكانط وشلايرماخر وهيغل وهيدغر. ليخلص إلى أن مكانة الدين في الزمن الحديث قد تغيرت، ليصبح الشأن الديني مسألة داخلية وقضية مرتبطة بالاقتناع الشخصي، لكن الأخطر كما يلح المؤلف وهو أن هذا الاقتناع قد أخذ درب الوهم والزيف والاستلاب.
ينبه المؤلف على طول الكتاب أن الدين نزوع متجذر في العمق الإنساني، لذلك كان محوه أمرا صعبا جدا، إذ لم تتحقق نبوءة الأزمنة الحديثة، التي كانت ترى في زوال الدين مسألة وقت، فنحن نشهد اليوم عودة للديني وبإشكال متعددة.


مقالات ذات صلة

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما
TT

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» Simon Schama، في كتابه «قصة اليهود» The story of the Jews الصادر عن دار نشر «فينتغ بوكس» في لندن Vintige Books London، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل في مصر سنة 475 قبل الميلاد حتى نفيهم من إسبانيا سنة 1492 ميلادية. وهو يذكر أنهم في البداية كانوا عبيداً في مصر وطُردوا بشكل جماعي، وهم حتى اليوم يحتفلون بذكرى تحررهم من العبودية في مصر. وقد أمرهم إلههم بعدم العودة إلى مصر لكنهم عصوا أمره وعادوا مراراً وتكرارً إليها. واعتماداً على أسفار موسى الخمسة، وعلى آثار عمليات التنقيب في مصر، كانت بين يدي الكاتب مادة خصبة أعانته على جمع أدلة تفيده في نثر كتابه الذي يتناول مدة زمنية أسهمت في تكوين مصير مَن حُكم عليهم بالعيش حياة الشتات في الشرق والغرب.

ويذكر الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، وأنهم أقلية مسحوقة دائماً بين قطبين، وبين حضارتين عظيمتين؛ بين الحضارة الأخمينية وحضارة الإغريق، بين بابل ووادي النيل، بين البطالمة والسلوقيين، ثم بين الإغريق والرومان.

وهكذا عاشوا منغلقين في قوقعة في أي مجتمع يستقرون فيه ، فمثلاً فترة انتشار الإمبراطورية الإغريقية وجدوا صعوبة في الحصول على المواطَنة الإغريقيّة لأنها كانت تعتمد على ثلاث ركائز: المسرح، والرياضة (الجيمانيزيوم) التي لا يمكن أن تتحقق من دون ملاعبَ العريُ التامُّ فيها إلزاميٌّ، الشيء الذي لا يتماشى مع تعاليم اليهودية، والدراسة الأكاديمية، التي لا يمكن أن يصلوا إليها.

صحيح أنهم عاشوا في سلام مع شعوب المنطقة (سوريين، وإغريقاً، وروماناً، وفُرساً، وآشوريين، وفراعنة، وفينيقيين) لكن دائماً كانوا يشعرون بأن الخطر على الأبواب، حسب الكاتب، وأي حدث عابر قد يتحول إلى شغب ثم تمرُّد ثم مجزرة بحقهم. ومن الطبيعي أن تتبع ذلك مجاعة وصلت أحياناً إلى تسجيل حالات أكل الأحذية وحتى لحوم البشر، ومذابح جماعية تشمل الأطفال والنساء وتدنيس المقدسات. ويضرب الكاتب هنا مثلاً بمحاولة انقلاب فاشلة قام بها القديس ياسون على الملك السلوقي أنطيوخس إبيفانيوس الرابع، فتحول هذا الأخير إلى وحش، وأمر بقتل كل يهودي في شوارع القدس وهدم المقدسات، وقدَّم الخنازير أضحية بشكل ساخر بدلاً من الخراف، وأجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وأخذ آلاف الأسرى لبيعهم في سوق النخاسة. وبعد فترة استقرار قصيرة في القدس، وأفول الحضارة الإغريقيّة لتحل مكانها الحضارة الرومانية، ذهب وفد من اليهود إلى الملك الروماني لمناشدته منح اليهود في القدس حكماً ذاتياً.

طبعاً هذه كانت مماطلة لا تُلغي وقوع الكارثة لكن تؤجلها. حتى إن الملك غاليكولا أمر ببناء تمثال له على هيئة إله وتنصيبه وسط معبد اليهود الذين كانوا يَعدّون ذلك من الكبائر.

حتى جاء اليوم الذي وقف فيه على أبوابها الملك الروماني بومبي الكبير فارضاً حصاراً دام عامين انتهى باصطحابه الأسرى اليهود مقيدين بالسلاسل لعرضهم في شوارع روما، تلت ذلك هجرة جماعية كانت آخر هجرة لهم. وهم فسروا ذلك بوصفه عقاباً إلهياً «لأنه لا يمكن أن يكون الله قد تخلى عنهم في وقت السلم كما في وقت الحرب. لأن السلم لم يكن سلم عزٍّ بل كان ذلاً».

وفي أوروبا العصور الوسطى، كان مفروضاً عليهم ارتداء شعار خاص لتمييزهم أيضاً عن باقي الناس، ومُنعوا من العمل في الوظائف الرسمية الحكومية مثل مهن الطبيب والمحامي والقاضي، حتى المهن الحرفية تم حرمانهم من التسجيل في نقاباتها. هذا بالنسبة ليهود الأشكنازي، أما بالنسبة ليهود إسبانيا السفاردي، فقد أصدرت الملكة إيزابيلا سنة 1492 (نفس سنة خروج الإسلام من إسبانيا) قانوناً لطرد اليهود من إسبانيا، ومنع اليهود من ارتداء الملابس الفاخرة، والتجول فقط في النهار، والعيش في أحياءً منعزلة، كما لا يحق لهم العمل مع المسيحيين أو العكس أو يكون عندهم خادمة مسيحية مثلاً، ومنعهم من امتلاك عقارات أو منح القروض إلا بشروط معينة...

لكن ما سبب هذا الاضطهاد بحق اليهود؟

حسب الكاتب، هناك سببان: أولاً وشايتهم إلى الملك الروماني وتحريضه لمحاكمة يسوع وهتافهم وقت صلبه «اقتلوه... اقتلوه»، أما السبب الآخر فهو أن الملكة إيزابيلا وضعت أمام اليهود الاختيار بين ثلاثة احتمالات: اعتناق المسيحية أو القتل أو الطرد، في حملةٍ لتطهير البلد من اليهودية. القليل من اليهود اعتنق المسيحية؛ خوفاً، وكان يطلق عليهم اسم «كونفرتو»، أو «المسيحيون الجدد»، لكن في السر استمروا في ممارسة طقوسهم اليهودية، وكان يطلق عليهم اسم «Marranos».

كتاب «قصة اليهود» لم يقتصر فقط على ذلك، فإلى إلى جانب فصول عن الحملات والحروب، هناك فصول عن اليهود في شبه الجزيرة العربية فترة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ويهود الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، ويهود مصر، وكذلك يهود بريطانيا، ويهود إسبانيا. وكذلك يفتح لنا الكتاب نوافذ على الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب ذاك الزمان، ويسرد تفاصيل الهندسة المعمارية بجماليّاتها خصوصاً لدى الإغريق، حيث اشتهرت عمارتهم بالأعمدة والإفريز والرواق والفسيفساء، الشيء الذي أخذه منهم اليهود.

لكنَّ هناك نقاطاً أخفق المؤلف في تسليط الضوء عليها أو طرحها في سياق المرحلة التاريخية التي يتناولها الكتاب، ومنها مرحلة حياة عيسى، عليه السلام، من لحظة ولادته حتى وقت محاكمته وصلبه، رغم أهميتها في مجريات الأحداث بتفاصيلها التي كانت انعطافاً كبيراً في تاريخ اليهود خصوصاً والعالم عموماً. ثانياً، وعلى الرغم من دقة وموضوعية المعلومات ورشاقة السرد، فإن الكاتب لم يذكر لحظات أو مراحل إيجابية عن حياة اليهود بقدر ما ذكر أهوال الحروب والحملات ضدهم وتوابعها عليهم.

وأعتمد المؤلف على المخطوطات parchments، أو رسائل على ورق البردي، وعلى قطع فخارية أثرية اكتُشفت في القرن الماضي ضمن حملات بتمويل حكومي ضخم لبعثات أثرية بريطانية وأميركية وفرنسية تسمى «Fact finding expenditures»، أي «بعثات البحث عن الحقيقة». وكذلك على وثائق تروي قصص ناس عاديين من عقود زواج أو ملفات دعاوى قضائية، بالإضافة إلى مؤلفات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيو.