المعارضة السودانية تدعو لمظاهرة احتجاجية جديدة ضد الغلاء

الأمن يواصل احتجاز 200 شخص... وتحذيرات من تدهور صحة بعضهم

TT

المعارضة السودانية تدعو لمظاهرة احتجاجية جديدة ضد الغلاء

دعت قوى المعارضة السودانية للمشاركة في مظاهرة سلمية أطلقت عليها «مسيرة الخلاص الوطني»، لمناهضة سياسات النظام الحاكم الاقتصادية، واستمرارا لسلسلة احتجاجات ضد ارتفاع أسعار الخبز والسلع الرئيسية الأخرى، التي تشهدها البلاد منذ منتصف الشهر الماضي.
وذكرت أحزاب المعارضة أن ثلاثة مواطنين لقوا مصرعهم في تلك الأحداث نتيجة للتعذيب، وأن بعض المعتقلين السياسيين الذين ألقت السلطات القبض عليهم أثناء الاحتجاجات تدهورت أوضاعهم الصحية، ومن بينهم نائب رئيس حزب الأمة القومي محمد عبد الله الدومة، وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف، البالغ (83) عاماً، وتقدر المعارضة أعداد المعتقلين جراء تلك الأحداث بأكثر من مائتي معتقل.
ودعا محمد فاروق، وهو متحدث باسم تحالف المعارضة، في مؤتمر صحافي عقد في الخرطوم أمس، المواطنين إلى الخروج اليوم في مسيرة سلمية، استمرارا للاحتجاجات التي تشهدها البلاد، منذ 16 يناير (كانون الثاني) الجاري، وذلك احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية القاسية، وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وعلى رأسها الخبز، والتي أطلق عليها التحالف المعارض «مسيرات الخلاص الوطني».
وقال فاروق للصحافيين، إن المسيرات لن تتوقف إلا بعد إسقاط النظام وتكوين حكومة انتقالية، توقف الحروب وتحقق السلام في البلاد، وتهيئ الأوضاع لتحول ديمقراطي بمستحقاته، وتوعد بتنظيم مسيرات شبيهة في مدن وأنحاء البلاد الأخرى الأسبوع المقبل. وأوضح أن الدعوة لمسيرات احتجاجية سلمية معلنة، معروفة التوقيت والمكان، الغرض منها التدليل على سلمية تلك الاحتجاجات، محملا السلطات المسؤولية عن استخدام العنف ضد المحتجين السلميين.
وأكد فاروق أن «ثلاثة شهداء» لم يسمهم لقوا حتفهم جراء التعذيب الذي تعرضوا له في المعتقلات، في وقت تجاوز فيه عدد المعتقلين السياسيين أكثر من مائتي معتقل، أحصي منهم 175 شخصاً، وأن اعتقالات واحتجاز النشطاء متواصلة منذ منتصف الشهر الجاري، متوقعا حدوث اعتقالات جديدة قبيل قيام المسيرة الاحتجاجية المزمعة غداً.
من جهتها، أقرت القيادية بالحزب الجمهوري أسماء محمود محمد طه، بتقصير شاب عمل المعارضة، حال دون حدوث التفاف كبير حولها، أرجعته إلى التضييق الذي يمارسه النظام ضد الأحزاب السياسية، والحيلولة بينها وتوعية جماهيرها بحقوقهم. وتعهدت طه باستمرار التعبئة في القواعد الشعبية وتوعيتهم بحقوقهم، وقالت: «لا نملك بمواجهة العنف والقمع الذي تمارسه السلطة، إلا توحيد أنفسنا واستمرار الاحتجاجات». ودعت المواطنين للانضمام لمسيرات الخلاص الوطني، وفي الوقت ذاته دعت قادة الحكم إلى التنحي عن السلطة «إن كانوا يحبون السودان، وفي تنحيهم مصلحة للبلاد».
بدوره، حذر المعارض البارز التجاني مصطفى من «انهيار الدولة». وأوضح أن الحفاظ على تماسك الدولة دفع المعارضة إلى تجاوز تبايناتها «والعمل موحدة لمواجهة مسؤوليتها الوطنية، في الحفاظ على الدولة من الانهيار». ووصف نائب المهدي، والقيادي بحزب الأمة القومي اللواء برمة ناصر، الأوضاع في البلاد بأنها «وصلت حافة الهاوية»، وقال: «الشعوب حين تنتهك كرامتها وتصادر حريتها، لا تملك خيارا سوى التعبير عن رفض السياسات التي أدت لذلك». وتابع: «الاحتجاج السلمي حق مكفول دستوريا ودينيا، وتقره قوانين البلاد».
وحذر برمة من استخدام العنف ضد المحتجين السلميين، وقال: «عليهم الكف عن استخدام العنف، حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه». وتابع: «على النظام إدراك أن الشعب يسعى لحقوقه، ووحد كلمته في سبيل ذلك، ولن يتراجع عن مطالبه، وسيواصل الاحتجاجات في كل مدن السودان حتى تحريره وإعادة الحقوق إلى أهلها».
وفي ردوده على أسئلة الصحافيين، أشاد فاروق بتمديد «الحركات المسلحة» لوقف إطلاق النار، واعتبره دعما كبيرا للحراك الشعبي، وأنه أفسد حجج النظام في استخدام العنف - حسب حديثه - وقال: «هو حراك سلمي محمي بالناس، وبعدالة قضيتهم، وبوعي وتضحيات الشعب، ولا تحميه أي قوة مادية، ولسنا دعاة عنف».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.