مديرة «بي بي سي» القاهرة: اعتدنا الانتقادات... ونعتذر عندما يجانبنا الصواب

صفاء فيصل أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن مكتب الهيئة لا يواجه تضييقاً أمنياً

صفاء فيصل
صفاء فيصل
TT

مديرة «بي بي سي» القاهرة: اعتدنا الانتقادات... ونعتذر عندما يجانبنا الصواب

صفاء فيصل
صفاء فيصل

تسلمت الإعلامية المصرية صفاء فيصل، منصب مديرة مكتب «بي بي سي» القاهرة، عقب مسيرة حافلة بالمقر الرئيسي في لندن، خلفاً للإعلامي أكرم شعبان، في ظل ما يتردد عن بعض الاتهامات من قِبل الإعلام المصري بعدم المهنية في تغطية الأحداث الإرهابية في مصر، وأحاديث عن تضييق أمني يتعرض له المكتب الإقليمي بالقاهرة.
«الشرق الأوسط» التقت فيصل في أول أيام توليها العمل؛ فقالت: «بدأت عملي في الإعلام في الصحافة المكتوبة، وأعترف بأنني كنت شغوفة للغاية بفكرة الصحافة المكتوبة منذ دراستي الجامعية... وكانت الفكرة حلماً يراودني منذ الصغر، وعملت بالفعل في صحيفة (الوفد) المصرية، ومكاتب وكالتي الأنباء (الألمانية والعمانية) في القاهرة. لكن، عندما تلقيت عرضاً للعمل في «بي بي سي» أدركت أنها فرصة ذهبية للانضمام إلى هيئة ذات سمعة عالمية.
خضت أيضاً العمل التلفزيوني في مرحلة ما من حياتي المهنية، وأفتخر بهذه التجربة التي كانت نتاجاً لمسابقة في الابتكار على مستوى الخدمة العالمية، وعملت أيضاً في قسم التخطيط وجمع الأخبار، لكن الراديو بقي بالنسبة لي البيت الذي أعود إليه دوماً».
ترى فيصل أن كل وسيلة إعلامية لها المميزات الخاصة بها، وأن «الصحافة المكتوبة تمنح المتلقي العمق والتحليل والخلفيات للخبر، وتبقى مؤثرة مدة أطول من الإذاعة والتلفزيون؛ لكنها تعاني حالياً من أزمة تمويل حقيقية في كل أنحاء العالم، أما الراديو فهو وسيلة جذابة وسريعة، ويمكن للمتلقي أن يستمع ويستمتع به أينما كان؛ لكنه يواجه حالياً منافسة عالية من الثورة في وسائل التواصل الاجتماعي، والتلفزيون صورة، والصورة تروي ألف حكاية في لقطة واحدة».
تكشف فيصل عن أنها ليست السيدة الأولى التي تتولى منصب مديرة مكتب القاهرة بقولها: «سبقتني إليه الزميلة نجلاء العمري، شخصياً لا أحس أن كوني سيدة يشكل عامل ضغط على الإطلاق، بل على العكس؛ فـ(بي بي سي) كانت حافلة دوماً بالقدرات النسائية الرائعة التي أثبتت نفسها عبر سنوات، سواء في الإدارة أو في غرفة الأخبار أو وراء الميكرفون، والمعيار الحقيقي للتقييم هو الكفاءة». وتقول: «فخورة للغاية بتولي هذا المنصب، وسعيدة جداً بقيادة فريق من أفضل الصحافيين في العالم العربي في أحد أهم المكاتب الخارجية لـ(بي بي سي) في الشرق الأوسط، بل في العالم».
وتؤكد: «هناك تحديات مهنية كبيرة تكتنف العمل الإعلامي في مصر والمنطقة بأسرها؛ نظراً للظروف الحالية السياسية والأمنية؛ لكن لدينا إصراراً على تقديم خدمة إعلامية متميزة تليق بمؤسسة عالمية مثل (بي بي سي)، ونطمح إلى إثراء المشهد الإعلامي المصري».
وتضيف: «بالنسبة لي لدي خطة متكاملة تعتمد أولاً على استقطاب وتدريب الكوادر البشرية، والتأكد من تطبيق المعايير التحريرية الثابتة للهيئة التي اكتسبتها عبر عقود طويلة من العمل الإعلامي الدولي، وفي الوقت نفسه الحفاظ على روح الابتكار والتنوع لدى طاقم العمل، ونسعى أيضاً للاستفادة من ثورة الإعلام الرقمي وتزويد استوديوهاتنا بأحدث التقنيات... والأهم من ذلك، نسعى لعقد شراكات دولية مع روافد الإعلام في العالم العربي لتسويق منتج عال الجودة».
تدرك صفاء فيصل أن «العمل الإعلامي سواء بالنسبة لـ(بي بي سي) أو غيرها أصبح صعباً وخطيراً، والإعلاميون مع الأسف أصبحوا مستهدفين بشكل متزايد». وتقول: «مدركة تماماً حجم التحديات التي تواجهنا بصفتنا رافداً إعلاماً دولياً؛ لكنني ومعي كل فريق العمل لدينا إصرار على تقديم خدمة إخبارية متميزة؛ لذلك نقدم التدريبات والمهارات الكافية لطواقم العمل لدينا».
وحول ما أثارته مؤخراً أثارت البريطانية كاري غريسي حول قضية التمييز بين الرجال والنساء في الأجور في «بي بي سي»، علقت فيصل: «التفاوت في الأجور بين النساء والرجال مشكلة عالمية، وفي جميع القطاعات مع الأسف وليست قاصرة على الإعلام، وهذا بالطبع لا يبرر وجود التفاوت في الأجور في (بي بي سي)؛ بل على العكس هو يضع مسؤولية على عاتق (بي بي سي) باعتبارها رائدة... وهذا ما حدث تماماً، توني هال، رئيس المؤسسة، الذي أقر بوجود المشكلة، وأقر كذلك بأن تمثيل المرأة في المناصب العليا ليس على المستوى المأمول وتعهد بحل المشكلة ليس بمجرد بيانات أو خطب رنانة، لكن بوضع جدول زمني معين لجسر هذه الفجوة».
وترى أن «غريسي اختارت أن تضع المشكلة تحت الضوء بطريقة مختلفة، وكسبت تعاطفاً وتأييداً من بعض العاملات في الهيئة، وهذا حقها، ومع ذلك لا توجد حلول سحرية، لكن توجد حلولاً عملية؛ لكن الأمر قد يستغرق وقتاً، المهم أننا على الطريق الصحيحة، وأول الصواب الاعتراف بالمشكلة».
أما عن مرور 80 عاماً على تدشين الخدمة العربية، فتقول: «بي بي سي» بدأت بكلمة «هنا لندن» وأن تبقى هذه الكلمة بعد مرور ثمانين عاماً، بل وتتطور وتتجدد يعتبر إنجازاً رائعاً؛ لكن الأروع ما تحقق على مدى هذه السنوات فهو ليس مجرد وجود، لكنه بصمة قوية واضحة.
وتشير «بدأنا إذاعة موجهة تقدم الأخبار في عشرين دقيقة، واليوم نحن موجودون على مدى 24 ساعة على الراديو والتلفزيون والإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإعلام الرقمي، والاحتفالية التي تقام اليوم يقصد منها توجيه تحية لجيل الرواد ممن خدموا في (بي بي سي)، ونسترجع معهم تحديات عصرهم وإنجازاتهم، وفي الوقت نفسه نركز الضوء على الجيل الجديد الذي اختار (بي بي سي) طريقاً، وندعوهم للتحاور مع جيل الرواد، وننظر من خلالهم للمستقبل، والأهم من ذلك كله المستمع، الذي بقي وفياً مخلصاً لنا كل هذه السنوات نستمع إليه بدورنا، ونعطيه مساحة مستحقة وشكر وعرفان لكل هذا الحب غير المشروط».
أما عن مشروع (20-20) فتكشف «قبل عامين أعلنت الخدمة العالمية (بي بي سي) عن أكبر توسعة في تاريخها من حيث التنوع أو التعدد، وبالنسبة للقسم العربي مشروع 20-20 له عناصر وجوانب عدة تم بالفعل ترجمتها لمشروعات إعلامية، الهدف منها التركيز على منطقتي الخليج والمغرب العربي؛ لأن هذه المناطق لم تحظ بالتغطية الكافية فيما مضى، وفي المقابل كان لدينا هدف التركيز على قضايا الشباب والنساء وتعزيز الحوار المجتمعي». مضيفة: «هذا المشروع أثمر برنامجَي (الخليج هذا الصباح) و(جولة مغاربية) على موجات الإذاعة، وبرنامج (ترندينغ) على التلفزيون، ولدينا عدد من المشروعات التي تركز على القضايا الصحية وقضايا الاقتصاد... من جانب آخر أعدنا هيكلة مكاتبنا في بيروت، وافتتحنا مكتباً في تونس، ولدينا خطط للتوسع في الأردن».
وتدافع فيصل عما وجه من اتهامات لـ«بي بي سي» بعدم الموضوعية والانحياز، قائلة: «هذه الاتهامات موجودة منذ زمن في مصر وإيران وغيرهما، ونواجه اتهامات من هذا القبيل من طرف أو طرف آخر، واعتدنا على هذه الانتقادات التي تزداد حدتها في أوقات الأزمات. لكن لدينا سياسة تحريرية ثابتة تعتمد على معايير مهنية، ولا تخضع للمتغيرات السياسية في بلد بعينه» وتؤكد: «لكن عندما يجانبنا الصواب نقف ونراجع ونعتذر دون أي تحفظ، فالأخطاء البشرية واردة في أي عمل إعلامي؛ لكن المؤكد أنه لا يوجد لدينا سوء نية، ولا مصلحة لنا إلا في كشف الحقائق كاملة، وقد يكون ذلك أحياناً مؤلماً».
تنفي فيصل وجود تضييق أمني على مكتب «بي بي سي» في القاهرة، وبخاصة بعد ما نشرته «بي بي سي» من أرقام عن ضحايا حادث الواحات الإرهابي، مؤكدة «يمكن لجهات حكومية في مصر أن تبدي تحفظاً ما على أسلوب عملنا، وهذا مفهوم في إطار المهام الموكلة إليهم والتباين في وجهات النظر، والحكومة البريطانية نفسها تبدي أحياناً تحفظاً على أسلوب عملنا؛ لكنها تتفهم أن سياستنا التحريرية ثابتة». وتؤكد: «أما عن زميلي أكرم شعبان فكان لديه رغبة منذ فترة للعودة إلى المقر الرئيسي في لندن لظروف عائلية قبل حادث الواحات بوقت، وبخاصة أنه قد أمضى في منصبه أكثر من أربع سنوات، حقق خلالها الكثير من الإنجازات المهنية، وبالفعل تمت الاستجابة لطلبه عبر طرح الوظيفة بمسابقة داخلية، والطبيعي جداً أن نتناوب على المناصب ونتبادل الأدوار حسب متطلبات العمل ووفقاً لرؤيتنا».
ترى صفاء فيصل أن «الإعلام في العالم العربي في مرحلة حراك وهذا طبيعي جداً؛ لأن الإعلام مرآة للمجتمع؛ لكن من الظلم مقارنة الإعلام الدولي بالمحلي؛ لأن لكل واحد جمهوره وأجندته الإخبارية، وهناك تجارب متميزة وكفاءات رائعة في الإعلام العربي؛ لكن ظاهرة الإعلامي النجم تضر كثيراً بالمعايير التحريرية؛ لأنها تجعل من المذيع محور الحديث وليس القضية، ومن ثم ينفرد بالرأي ويجعل الموضوع قضية شخصية، وهذا في رأيي غير مهني.
أيضاً معظم تجارب الإعلام الإلكتروني تحاول منافسة «السوشيال ميديا» بدلاً من انتهاج خط تحريري واضح وينتج من ذلك أخطاء تحريرية قاتلة وانجرار لتهافت غير مقبول على فكرة الإغراء الوقتي».
تتذكر فيصل الكثير من المواقف الصعبة والطريفة التي واجهتها أثناء عملها الإعلامي، تقول: «تؤلمني معاناة البشر، وأذكر شخصاً كان مرعوباً وأنا أجري معه حواراً، وطلب ضمانات وانتهي بنا الأمر لإجراء الحوار في سيارة العمل في أحد أركان شارع مظلم، وناشطاً سياسياً ليبياً أجريت معه حواراً على الهاتف وبعد ساعة تقريباً من إذاعة الحوار تم القبض عليه، وشعرت كما لو أنني مسؤولة بشكل ما عن اعتقاله».
تعتبر فيصل «الأخبار الكاذبة» تحدياً كبيراً للإعلام في عالمنا اليوم، وتقول: «لدينا حالياً في (بي بي سي) الخدمة العالمية وحدة مختصة لفحص الأخبار الكاذبة والتحقق منها تساعدنا مهنياً، وتقدم مساعدة للمتلقي كذلك. ولدي طموح لإقامة وحدة موازية باللغة العربية، وأعتقد أنها ستحظى باهتمام كبير من المتلقي، إضافة إلى ذلك نتلقى تدريبات دورية للتعرف على عناصر الخبر الكاذب والخبر الصحيح، وعموماً نطبق دوماً قاعدة (المصدرين) في تحرير الأخبار، ولدينا فريق في غرفة الأخبار للتحقق من صحة المقاطع المصورة».
تؤمن صفاء فيصل بأن «الإعلام كيان حي، ويجب أن يتطور ويتعايش مع مســتجدات العصر وألا يندثر».
وترى أن شبكات التواصل الاجتماعي تشكل بالطبع منافساً قوياً للإعلام في الوقت الراهن «لأنها تستقطب اهتمام الناس بشكل كبير، وتغذي عناصر التشويق والجوانب التفاعلية». لكن تؤكد أن «الإعلام «التقليدي» - إن جاز القول - يستطيع أن يطوع شبكات التواصل الاجتماعي لخدمته والوصول لأكبر قطاع ممكن، فالكثيرون يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كنافذة للاطلاع على الأخبار والمشاركة أيضاً في برامج تفاعلية. مشيرة إلى أن «شبكات التواصل الاجتماعي هي نمط إعلامي رائج حالياً؛ لذلك أصبح لدينا في (بي بي سي) أقسام متخصصة لمواقع التواصل الاجتماعي، ليس فقط لرصد الأخبار وتتبع مصادرها؛ لكن أيضاً لطرح قضايا للنقاش، وأخيراً الوصول لأكبر قطاع ممكن».


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.