الميليشيات الشيعية بعد «داعش»

مسلحون يتمددون في الحقل السياسي

قوات موالية للأتراك تصدت لميليشيات الحشد الشعبي في منطقة أعزاز ضمن عملية «غصن الزيتون» (أ.ف.ب)
قوات موالية للأتراك تصدت لميليشيات الحشد الشعبي في منطقة أعزاز ضمن عملية «غصن الزيتون» (أ.ف.ب)
TT

الميليشيات الشيعية بعد «داعش»

قوات موالية للأتراك تصدت لميليشيات الحشد الشعبي في منطقة أعزاز ضمن عملية «غصن الزيتون» (أ.ف.ب)
قوات موالية للأتراك تصدت لميليشيات الحشد الشعبي في منطقة أعزاز ضمن عملية «غصن الزيتون» (أ.ف.ب)

يشير تاريخ 11 يناير (كانون الثاني) الحالي إلى التباس جديد لعلاقة السلاح بالسياسة في العراق الجديد. ففي هذا اليوم شكل الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري تحالف «الفتح»، مع فصائل الحشد الشعبي، بالإضافة إلى 15 حزبا. معلنا بذلك بداية مرحلة جديدة، من تنامي نفوذ ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية في العراق.
وقد استطاع «الحرس الثوري» الإيراني ربط الكثير من هذه الميليشيات المدرجة في قائمة «الحشد الشعبي»، وكذا جماعة «أنصار الله»، باليمن والميليشيات الشيعية في سوريا؛ والفرق المقاتلة الأفغانية والباكستانية «بولاية الفقيه»، ومنظورها الديني والسياسي لمنطقة الشرق الأوسط. وتكيفا مع الظروف القطرية والإقليمية، تتحول الفصائل المسلحة الشيعية، بمساندة من طهران، لتحتل مربعا يتماشى مع «استراتيجية دعم وحماية المسلح للسياسي»، مع تشبيك لمصالح جيواستراتيجية، وخلق معادلات إقليمية جديدة.
ونقصد هنا بالميلشيات، المجموعات المسلحة الشيعية غير الحكومية، والتي تقوم بالدور التقليدي الذي يلعبه الجيش أو الوحدات العسكرية للدولة. ومن أشهرها ميليشيات «الحشد الشعبي»، التي ظهرت في المشهد العراقي بعد فتوى دينية من المرجعية الدينية الشيعية العليا بالعراق آية الله السيستاني، في 13 يونيو (حزيران) 2014، لمواجهة «داعش»، بزعامة أبو بكر البغدادي.
ويبدو أن تمتع «الحشد الشعبي» بالدعم الشعبي المذهبي، شجعه على الدخول في الحقل السياسي، وعقد صفقات سياسية من داخل الطائفة الشيعية. غير أن أهم ما يمكن تسجيله بخصوص هذا المسار الجديد، هو كون فصائل الحشد التي شكلت «ائتلاف الفتح»، لخوض الانتخابات؛ ويضم «منظمة بدر» التي يقودها هادي العامري وكتلة «صادقون» بقيادة زعيم «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي. غير أن هذا التحالف لم يضم «حركة النجباء» بزعامة أكرم الكعبي، الشيء الذي يطرح أكثر من سؤال عن الخلفيات العسكرية والسياسية لهذا التحالف الديني السياسي.
ويمكن تفسير هذا الغياب بالارتباط الشديد لحركة «النجباء» بالنظرة الجيواستراتيجية الجديدة لطهران الخاصة بدول الطوق، وصولا إلى مضيق باب المندب. وعليه انتقلت إيران بالميليشيات الشيعية المسلحة لمرحلة جديدة، تلعب فيها بعض من هذه الميلشيات أدوارا محددة، سواء تعلق الأمر بالجانب العسكري، داخل العراق أو سوريا؛ أو ارتباطا بالساحة اليمنية واللبنانية والأفغانية. ومن المرجح أن «حركة النجباء»، ستتحول بهدوء «لتنظيم» وستكون في المستقبل القريب، يد إيران الطويلة بالشرق الأوسط. وتشير بعض المؤشرات حاليا، لوقوع نوع من التشابك العملي مع تنظيم «حزب الله» اللبناني؛ وهذا ما يفسر التدريبات المشتركة للتنظيمين في الأشهر الأخيرة من سنة 2017.
فعوضا عن تسريح «الحشد الشعبي» و«حركة النجباء» لمقاتليها، بعد هزيمة «داعش» بالعراق وسوريا؛ نجد أن الحرس الثوري كلف تنظيم «النجباء» بزعامة أكرم الكعبي، بحراسة الحدود بين سوريا والعراق، كما أن أعضاء التنظيم، وقياداته، يتنقلون ويجرون تدريبات قتالية ميدانية في كل من إيران، والعراق، وسوريا ولبنان. من جهة أخرى حرص الكعبي على تسجيل دعمه للسياسة الخارجية الإيرانية بالمنطقة، وعبر أكثر من مرة في الشهور القليلة الماضية عن استعداد تنظيمه عسكريا للدفاع عن المصالح الاستراتيجية لطهران، وما أطلق عليه الكعبي «محور المقاومة» بالمنطقة.
على مستوى الداخل العراقي، تأتي عملية الدمج بين السلاح والسياسة عبر «ائتلاف الفتح»، للتأكيد على أن الميليشيات الشيعية المسلحة، قوة مركزية لا يمكن تجاوزها. وأنها كما حملت السلاح ضد «داعش»، فإنها واعية أن السياق الدولي والإقليمي، يساعدها على التموقع بقوة من داخل الحقل السياسي العراقي الهش؛ مثلما ساعدها سلاحها على الهيمنة على الفعل العسكري منذ 2014 إلى اليوم، مع سيطرة تامة على جغرافية سنية كبيرة، تابعة للطائفة السنية، وممارسة التطهير العرقي فيها. وهكذا يمكن لميليشيات عسكرية أن تربح بالانتخابات، مساحة جديدة لم يكن استعمال السلاح لوحده قادرا على الحفاظ عليها؛ وتبدأ «الميليشيات» بالدفاع عن «مكاسبها» الجغرافية، والاقتصادية، مما ستغير الجغرافية السكانية للعراق.
وهذا بدوره يفسر الاستعداد القبلي لبعض قيادات «الحشد الشعبي» للتحول إلى رموز الدولة، وصناع السياسات العمومية من داخل المؤسسات الدستورية. ورغم أن الفصل التاسع من الدستور العراقي يمنع تشكيل فصائل مسلحة؛ فإن الفصائل والميليشيات كانت قبل وبعد الدستور الحالي جزءا من المشهد الطائفي الشيعي بالعراق. على الرغم من أن قيادات الفصائل المعنية بالائتلاف الجديد، مسجلة أميركيا في قوائم الإرهاب، فإن ذلك لم يمنعها من ربح مساحات واسعة، سياسيا وعسكرية بالعراق الجديد.
ويبدو أن عملية التحول السارية، تهدف على المدى القريب، إلى بسط نفوذ «الحشد الشعبي»، على الحقل السياسي المدني الشيعي العراقي. مما يعني إضعاف القوى التقليدية وخصوصا التيار الصدري، والمجلس الإسلامي الأعلى، وتيار الحكمة الوطني بقيادة عمار الحكيم. كل هذا يعني تشكيل برلمان، لا يعطي الشرعية القانونية والسياسية لفصائل الحشد الشعبي المسلحة وحسب، بل سيجعل منها قوة سياسية مشرِّعة، لحالة هيمنة التيارات المسلحة على الحقل السياسي الجديد للعراق.
أما على المدى المتوسط، فإن الجرائم الإرهابية التي ارتكبتها فصائل الحشد الشعبي باسم الطائفية؛ وغياب العدالة والحكم الرشيد والتدخلات الأجنبية بالعراق وسوريا. كلها عوامل تتداخل لإنتاج أجيال جديدة من التنظيمات الإرهابية، في الوسط السني المقهور سياسيا واجتماعيا، والمهجر جغرافيا. وبما أن العراق وسوريا ستبقى على المدى المنظور مهددة من قبل التنظيمات الإرهابية؛ فإن الميليشيات الشيعية المقاتلة في البلدين ستحاكي تجربة «حزب الله» اللبناني من الناحيتين السياسية والعسكرية، مما يبقي المنطقة تحت رحمة السياسة الاستراتيجية لإيران ومصالحها العليا.
وبحسب التقارير الرسمية العراقية، فإن ميليشيات «الحشد الشعبي» تقدر بنحو 180 ألف مقاتل؛ وسبق لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، أن أكد أن الدولة العراقية تدفع رواتب 120 ألف متطوع، وأن أكثر من 30 ألف فرد آخرين يتلقون رواتبهم من المرجعيات في كربلاء والنجف؛ فيما يتسلم نحو 30 ألفاً رواتب من مؤسسات عسكرية ومخابراتية متنوعة ومرجعيات إيرانية. كما أن تكتل «الحشد الشعبي» المالي الحكومي، رغم استقلالية قياداته، وفي ظل إدارة ينخرها الفساد؛ يجعل من الصعب التحديد بدقة الأهداف الحقيقية لميليشيات الحشد المتعددة، ودورها في خلق عراق المستقبل. ويجعل من شبه المستحيل معرفة عدد مقاتلي الميليشيات، وكذا المبالغ التي يتقاضونها، رغم أن دراسات وخبراء تحصر عدد أعضائها في نحو 60 ألف مقاتل.
ففي الوقت الذي يحقق «الحشد» اندماجه السياسي، نجد أن التيار الموالي لمرشد الأعلى خامنئي، من الأحزاب الشيعية التقليدية، وتنظيم بدر بقيادة العامري، وأبو يحيى المهندس والتيار الذي يقوده المالكي؛ يعملون بشكل جماعي على تشكيل مزدوج وقانوني لجهاز الأمن العراقي، باستدعاء النموذج الإيراني، الخاص بالفصل بين الحرس الثوري، والجيش النظامي الإيراني.
أما التيار الذي يجعل من السيستاني مرجعيته العليا، والتيار الصدري، وإلى حد كبير، رئيس الوزراء الحالي العبادي، وحزب الدعوة، ومختلف القيادات السنّة والأكراد؛ فكلهم يدافعون عن دمج «الحشد الشعبي» في الجيش العراقي الحالي. غير أن الجانب القانوني للحشد، والذي أثار نقاشا حادا وانسحابات لكتل سياسية وقت مناقشته والتصويت عليه؛ يعتبر واحدا من النصوص المشكوك في دستوريتها، لتعارضه الواضح مع الفصل 9 من الدستور. حيث ينص على ذلك القانون الذي صوت عليه البرلمان العراقي يوم 26 / 11 / 2016، بأغلبية الحاضرين، ومنح للحشد «شخصية معنوية»، أنه جزء من القوات المسلحة، وفي الوقت نفسه، قوات موازية للجيش العراقي.
من جهة أخرى، يمنع القانون على الحشد الشعبي أن يكون حزبا سياسيا، أو ينخرط في أي نشاط سياسي؛ لكن القيادات العسكرية والسياسية لفصائل الحشد، استطاعت خلق واقع فعلي، وتحولت لكتلة سياسية قوية سميت، «ائتلاف الفتح». الشيء الذي يؤكد أن تمدد الميليشيات، في المربع السياسي، لم يكن وليد اللحظة، وإنما تعبيرا عن رؤية لعراق لما بعد «داعش»، تساهم إيران والحشد في بناء مؤسساته. علما أن الدولة بقيادة العبادي لم تستطع لحد الآن، الحسم فعليا وبشكل نهائي، في وضع «الحشد الشعبي»، وموقعه من الناحية الأمنية والعسكرية.
على المستوى السياسي الخارجي، يمكن القول إن الميليشيات فاعل جديد وفعال في صناعة التحالفات الإقليمية والأممية، كما أن هذا الفاعل أدخل الدول العربية في عصر الميليشيات العابرة للقارات. وفي هذا سياق الذي يتسم بتراجع موجة متوحشة من الإرهاب بقيادة تنظيم داعش؛ ويصاحبه استمرار توحش النظام السوري، في مواجهته للمعارضة، وتحول هذه الأخيرة لفصائل عدة مسلحة. ومع دخول إيران على خط الاستثمار الدولي لنتائج الصراعات الأهلية ومحاربة الإرهاب؛ ظهرت فصائل شيعية مسلحة شكلتها ودعمتها إيران، باعتبارها فاعلا يتجاوز الدولة، ويعمل وفق رؤية موحدة تخدم تغير التوازنات الإقليمية بالشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه تهديد وتقويض المصالح الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية وحلفائها بالشرق الأوسط.
يأتي هذا في الوقت الذي تعاني فيه السياسة الدولية من تقلبات ناتجة أساسا عن تغيرات سريعة أدت إلى ظهور محاور وتحالفات جديدة على مستوى الشرق الأوسط، انعكست على منظومة التحالفات الدولية. الشيء الذي عقد من الوضع الراهن وصراعاته المرتبطة أساسا بالمصالح الروسية والأميركية والإيرانية، والتركية، بالعراق وسوريا، واليمن؛ كما جعل السعودية وحلفاءها الخليجيين في وضع ضعيف أمام تزايد النفوذ الإيراني بعد رفع العقوبات على طهران بعد الاتفاق النووي مع الغرب سنة 2017.
وسواء تحالف «ائتلاف الفتح» بقيادة العامري مع العبادي أو المالكي... فإن ما هو مؤكد حاليا، أن التمدد المسلح «للحشد الشعبي» في الحقل السياسي، أصبح حقيقة لا يمكن تجاوزها، أو القفز عليها، محليا وإقليميا، على المدى المنظور. وهو ما يعني أن عراق ما بعد «داعش»، سيظل يدور في الفلك الإيراني؛ ويحافظ للميليشيات الشيعية على مكانة مركزية في صناعة القرار السياسي والأمني والعسكري.
* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.