«خط عسكري ساخن» بين اليابان والصين لتفادي أي مواجهات

TT

«خط عسكري ساخن» بين اليابان والصين لتفادي أي مواجهات

أكدت اليابان والصين، أمس، عزمهما تحسين العلاقات، وأعلنتا أنهما ستعملان على إقامة خط عسكري ساخن لتفادي أي مواجهات في بحر الصين الشرقي.
والتقى وزير الخارجية الياباني تارو كونو، أمس، كبار القادة الصينيين في محادثات دبلوماسية نادرة انتهت بتعهد الجانبين بتحسين العلاقات.
والعلاقات مشحونة بين ثاني وثالث أكبر اقتصادات العالم، وتعكّرها الخلافات المزمنة والمستعصية حول أراض والممارسات اليابانية إبان الحرب. وتعد زيارة كونو إلى الصين الأولى لوزير ياباني منذ نحو سنتين، وهي تأتي في وقت تسعى فيه طوكيو إلى إقناع الرئيس الصيني بزيارة اليابان. والتقى وزير الخارجية الياباني نظيره الصيني وانغ يي، ومستشار الدولة يانغ جيشي، ورئيس الوزراء لي كه تشيانغ، إلا أن وزير الخارجية الياباني الذي طرح خلال زيارته جملة قضايا من إقامة خط عسكري ساخن، إلى تخفيض التوترات حول جزر متنازع عليها في بحر الصين الشرقي، إلى إقامة زيارة دولة، لم يحصل إلا على مجرد وعود. وأعلن الجانبان في ختام المحادثات أنهما سيعملان على إقامة خط عسكري ساخن لتفادي أي مواجهات في بحر الصين الشرقي، كما سيعملان على عقد محادثات ثلاثية مع كوريا الجنوبية.
وتسعى اليابان وكوريا الجنوبية إلى الحصول على دعم بكين حيال كبح الطموحات النووية لبيونغ يانغ. وفي تصريحات أدلى بها من مجمع «ديايوتي» لاستقبال الشخصيات في بكين قبيل المحادثات، قال كونو إن «قضية كوريا الشمالية، على وجه الخصوص، باتت الآن قضية ملحة للمجتمع الدولي برمته»، مرحبا بالتقدم الذي حققه البلدان باتجاه تحسين العلاقات.
من جهتها، أصدرت وزارة الخارجية الصينية بياناً أورد مجموعة إنجازات متواضعة تم تحقيقها في المحادثات؛ من بينها الاتفاق على منع ازدواج الرواتب التقاعدية للعمال المغتربين في البلدين. وتعهد الجانبان بالتوصل إلى اتفاق «في أسرع وقت» لإقامة خط عسكري ساخن يسمح بتفادي حصول حوادث في بحر الصين الشرقي. وتعد الدوريات البحرية التي يسيرها البلدان قرب جزر متنازع عليها مصدرا للتوتر وعقبة كبيرة بوجه تحسن العلاقات. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية اليابانية نوريو ماروياما إن البلدين لم يتوصلا بعد إلى تحديد مهلة زمنية لتنفيذ المبدأ الذي شكل محور نقاش على مدى سنوات.
وتسعى اليابان إلى استضافة قمة ثلاثية يشارك فيها قادة الصين وكوريا الجنوبية لمناقشة مجموعة من القضايا الإقليمية بما فيها البرنامج النووي لكوريا الشمالية. وتم تأجيل الاجتماع الذي كان من المقرر أن يعقد في ديسمبر (كانون الأول) قبل الماضي بعد إقالة رئيسة كوريا الجنوبية بارك غيون هي. وقال ماروياما إنه لم يتم تحديد موعد لإجراء المحادثات. وقال المتحدث: «ليس الأمر سهلاً. عندما يتعين عليك إدارة جدول زمني حافل للزعماء الثلاثة... يكون الأمر شديد التعقيد».
وتسعى طوكيو إلى استمالة الصين عبر زيارات رسمية ولوفود من قطاع الأعمال، إلا أن البلدين لم يتبادلا أي زيارة دولة. وقال ماروياما إن كثيرا من الإنجازات ترتبط بنجاح القمة مع كوريا الجنوبية. وأضاف المتحدث أنه إذا تم ذلك، فسيترأس لي الوفد الصيني، ما سيؤدي إلى زيارة محتملة لرئيس الوزراء الياباني إلى الصين، تليها زيارة لشي إلى اليابان. وأشار لي خلال لقائه كونو إلى تحسن العلاقات الصينية – اليابانية، إلا أنه شدد على أنها «لا تزال تشوبها الريبة»، بحسب وكالة «شينخوا» الصينية الرسمية.
وقال وزير الخارجية الصيني وانغ لنظيره الياباني إن العلاقات بين البلدين تمر بـ«مرحلة دقيقة». وتابع وانغ: «هناك تقدم إيجابي، إلا أن كثيرا من العوائق لا تزال قائمة»، معربا عن أمله في أن يتمكن الجانبان من العمل معا لدفع العلاقات «نحو التقدم الطبيعي السليم عما قريب».
ويعد الخلاف المزمن حول السيادة على الجزر في بحر الصين الشرقي مصدرا كبيرا للتوتر بين البلدين اللذين يتنازعان جزر «سينكاكو» بحسب التسمية اليابانية، والتي تطلق عليها الصين تسمية «ديايو». وأدى قرار طوكيو «تأميم» عدد من الجزر في 2012 إلى خلاف كبير بين البلدين أبطأ وتيرة إعادة تفعيل العلاقات. وتبحر سفن قوات خفر السواحل الصينية في دوريات روتينية قرب الجزر المتنازع عليها، مما استدعى اعتراضا من قبل اليابان التي تفرض سيطرتها على المنطقة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟