ليبيا: تزايد الضغوط على حفتر لتسليم الورفلي

المحكمة الجنائية تريد محاكمته بتهمة التورط في إعدامات... والغرب يدعو إلى محاسبته

صورة أرشيفية للمشير خليفة حفتر والرائد محمود الورفلي
صورة أرشيفية للمشير خليفة حفتر والرائد محمود الورفلي
TT

ليبيا: تزايد الضغوط على حفتر لتسليم الورفلي

صورة أرشيفية للمشير خليفة حفتر والرائد محمود الورفلي
صورة أرشيفية للمشير خليفة حفتر والرائد محمود الورفلي

دعت دول فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة بالإضافة إلى المحكمة الجنائية الدولية، السلطات في شرق ليبيا إلى تسليم الرائد محمود الورفلي القائد في القوات الخاصة التابعة للجيش الوطني الليبي، بعد انتشار صور فوتوغرافية ولقطات مصورة له وهو يعدم على ما يبدو عشرة سجناء من المتشددين المشتبه بهم في بنغازي، مساء الأربعاء، في موقع الهجوم الدامي نفسه الذي وقع قبل أقل من يوم واحد وخلّف عشرات القتلى والمصابين.
وعلى الرغم من أن بياناً مشتركاً أصدره مساء أول من أمس سفيرا فرنسا وإيطاليا والقائمان بأعمال سفارتي المملكة المتحدة والولايات المتحدة لدى ليبيا، ندد بما وصفه بالهجمات الإرهابية المروعة التي وقعت في بنغازي، وتعهدت خلاله الدول الأربع بمواصلة بذل الجهود مع شركائها الدوليين لمكافحة الإرهاب في ليبيا، وملاحقة الضالعين في هذه الهجمات المروعة قضائياً، إلا أنها قالت، في المقابل، إنه يجب خضوع الورفلي لأمر توقيف صادر من المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب مزعومة. ويزيد موقف الدول الأربع الضغوط على قيادة الجيش الليبي بزعامة المشير خليفة حفتر لتوقيف الورفلي واتخاذ إجراء عقابي في حقه وتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ودعا البيان إلى «التحقيق بشكل كامل مع الأشخاص الذين يشتبه في ارتكابهم أعمالاً إرهابية، أو إعدامات خارج نطاق القضاء، مهما كانت الجهة التي ينتمون إليها».
وبعدما لفتت الدول الأربع إلى إعلان الجيش الوطني الليبي الصادر في 17 أغسطس (آب) الماضي، بشأن اعتقال الورفلي وأنه قيد التحقيق، حثت مجدداً «الجيش الوطني على إجراء التحقيقات بشكل كامل وعادل وأن تتم محاسبة المتورطين في الإعدامات خارج نطاق القضاء».
من جهتها، قالت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، إنها شعرت «بصدمة كبيرة» عندما شاهدت الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو التي نُشرت مؤخراً التي «يُزعم أنها تُظهر الورفلي يعدم 10 أشخاص أمام مسجد بيعة الرضوان، فيما يبدو أنه يشكل انتقاماً من التفجيرات الجبانة» التي وقعت الثلاثاء الماضي.
واعتبرت، في بيان أمس، أن هذه التفجيرات وعمليات الإعدام تتطلب «الرد القوي»، ودعت ليبيا مجدداً إلى «اتخاذ جميع التدابير اللازمة للقبض على الورفلي وتقديمه فوراً إلى المحكمة الجنائية الدولية»، كما كررت الدعوة إلى جميع الدول، بما في ذلك أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى دعم ليبيا في «تيسير القبض عليه وتقديمه إلى المحكمة».
وناشدت بنسودا المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني واللواء ونيس بوخمادة قائد القوات الخاصة التابعة للجيش وقائد الورفلي، مراعاة ندائها السابق الذي وجهته إلى الجيش للعمل مع السلطات الليبية لكي يمكن إلقاء القبض على المشتبه فيه وتقديمه فوراً إلى المحكمة الجنائية الدولية.
من جهتها، قالت هبة مرايف، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، إن الفيديو المتداول حالياً على وسائل التواصل الاجتماعي لإعدام الورفلي للسجناء، هو بمثابة دليل على العواقب المروعة لظاهرة الإفلات من العقاب المنتشرة في ليبيا. وأضافت، في بيان وزعته المنظمة أمس، أنه «طالما يشعر المتهمون بارتكاب جرائم حرب وأن إمكانهم ارتكاب انتهاكات جسيمة دون المثول أمام العدالة، فإن آفاق إقامة سيادة القانون في ليبيا ستظل قاتمة».
واعتبرت أن المسؤولية تقع الآن على المشير حفتر والسلطات الليبية لضمان تسليم الورفلي إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن حفتر تجاهل هذه الدعوات، وأعلن مكتبه، في بيان مقتضب، أنه بإشرافه وبأوامر مباشرة منه، انطلقت أولى رحلات الجسر الجوي لجرحى هجوم بنغازي الأخير إلى مصر، مشيراً إلى وصول 30 جريحاً إلى القاهرة.
من جانبها، نقلت سفارة السودان لدى ليبيا شكر وتقدير الشعب والحكومة السودانية لحكومة فائز السراج والشعب الليبي بعد تحرير 8 من مواطنيها كانوا مخطوفين، الأسبوع الماضي.
وقال المكتب الإعلامي لوزارة الخارجية الليبية إن السفارة قالت في برقية لها، إنها على ثقة تامة في أن ما قام به خاطفو السودانيين «يعد عملا إجرامياً لا يمثل الشعب الليبي وحكومته» وما يمثلها هو ما سمته «العمل البطولي الرائد الذي قامت به القوات التابعة لحكومة السراج في افتداء المختطفين».
في غضون ذلك، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا عن ترحيل 154 مهاجراً غير شرعي من مالي وتوغو إلى بلادهم، ضمن برنامج العودة الطواعية. وقالت المنظمة، في بيان، إنه تم ترحيل 128 مهاجراً غير شرعي من مالي أول من أمس، عبر رحلة جوية من مطار معيتيقة الدولي بطرابلس، كما تم ترحيل 26 مهاجراً من توغو بينهم نساء وأطفال، عبر رحلة جوية أيضاً عبر المطار نفسه.
وكانت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا أعلنت أمس عن وصول المقررة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون النازحين، سيسيليا جيمينيز داماري، إلى طرابلس في زيارة هي الأولى من نوعها لمدة سبعة أيام لتقييم ظروف النازحين واحتياجاتهم. ونقل بيان للبعثة عن سيسيليا قولها «أنا هنا لمساعدة السلطات على إيجاد حلول دائمة لجميع النازحين داخليا وللعائدين».
على صعيد آخر، نفى العميد طارق شنبور رئيس غرفة العمليات الليبية - الإيطالية المشتركة لمكافحة الهجرة غير النظامية والتهريب، مناقشة موضوع زيادة القوة العسكرية الإيطالية في مدينة مصراتة الليبية خلال محادثته الأخيرة مع وزارتي الداخلية والدفاع في إيطاليا. وحذّر شنبور في تصريحات بثتها وكالة «آكي» الإيطالية من أنه «في حال صدور هذا القرار سيخلق أزمة سياسية بين البلدين وسيعمل على تأجيج الرأي العام الليبي لأنه يعد مساساً بالسيادة الليبية».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».