لبنان: جرائم القتل تتفشى... وأغلب ضحاياها نساء «العنف الأسري»

TT

لبنان: جرائم القتل تتفشى... وأغلب ضحاياها نساء «العنف الأسري»

سجّلت الأسابيع الأولى من العام الجديد، ارتفاعاً في منسوب الجرائم التي شهدتها المناطق اللبنانية، وفي كل المستويات، بدءاً من السرقة والسطو وصولاً إلى جريمة القتل ذات التأثير السلبي على أمن البلد والمجتمع، لكنّ الأخطر فيها أن معظم جرائم القتل ذهب ضحيتَها نساء على أيدي أزواجهنّ، لتطلق معها الجمعيات والمؤسسات والهيئات التي تُعنى بالدفاع عن حقوق المرأة صَرْختها مجدداً، وتطالب الدولة بإجراءات مشددة تردع القاتل، وقرارات عملية تفعّل حماية المرأة من العنف الأسري.
وأحصت التقارير الأمنية لبنان ثلاث جرائم قتل، وقعت ضدّ نساء منذ بداية عام 2018، حيث أقدم الشاب فادي عجمي، على قتل زوجته ظريفة زيدان ذبحاً في منطقة جدرا (جبل لبنان)، ودفن جثتها في شاطئ البحر، فيما قضت ريمي الحسين نتيجة ما قال أهلها إنه تعذيب على يد زوجها الذي «رغم مرضها قطع الدواء عنها وتركها تموت ببطء، وتجرّأ على إرسال صورها إلى أهلها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة».
كما استفاقت منطقة رأس النبع في بيروت، على جريمة مروّعة ذهبت ضحيتها ندى بهلوان على يد مطلّقها فادي ع. الذي كانت يتربّص لها في الشارع، وأفرغ تسع رصاصات من رشاش حربي في جسدها، وفرّ من مسرح الجريمة.
وأطلقت مؤسسة «كفى» التي تُعنى بالدفاع عن حقوق المرأة وحماية النساء من العنف الأسري، صرخة مدوية طالبت فيها الدولة بـ«وضع حدّ لهذه الجرائم واستسهال قتل الرجال لزوجاتهم».
وأكدت ديالا حيدر المسؤولة الإعلامية في «كفى» لـ«الشرق الأوسط»، أن «المحاكمات السريعة والاقتصاص من القتلة وحده مَن يردع مرتكبي هذه الجرائم». وإذ اعترفت بأن «تفشي ظاهرة القتل، هي انعكاس للأزمات السياسية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان»، حذّرت من «جَعْل النساء عرضةً لبنية ثقافية ذكورية تجعلهن ضحايا للقتل المجاني».
ورغم توفر لسند القانوني للنساء الضحايا وعائلاتهن، فإن ذلك لا يقف حائلاً دون وقوع هكذا عمليات في أي وقت، وأوضحت المحامية ليلى عواضة، التي تُعنى بمتابعة قضايا النساء اللواتي يتعرّضن للعنف الأسري لدى المحاكم، أنها تُسهِم مع زملاء آخرين لها، في «التطوّع للتوكيل القانوني ومناصرة أهالي الضحايا عبر تقديم الخدمات القانونية لهم مجاناً». وأكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الفريق القانوني «ينسّق مع وزارة العدل والقضاء، من أجل تسريع المحاكمات وتشديد العقوبات بحق مرتكبي الجرائم». وشددت على أهمية «تفعيل إجراءات الحماية للنساء المنصوص عنها في قانون حماية المرأة من العنف الأسري». وشددت المحامية عواضة على «توعية النساء وضرورة التحرك والتبليغ عند تعرضها للعنف، بدءاً من (صفعة الكفّ) كي لا يصل بها الأمر إلى القتل».
وفي موازاة جرائم القتل المروعة، نجت ثلاث سيدات من الموت بأعجوبة، حيث طعن مواطن زوجته بالسكين أمام أطفالها في بلدة مجدل سلم (جنوب لبنان) محاولاً قتلها، إلا أنها نجت من الموت ونُقِلت إلى المستشفى لتلقي العلاج، كما أقدم شخص آخر على إطلاق النار على طليقته في بلدة كفركلا (جنوب لبنان) من سلاح صيد بسبب خلاف عائلي. وفي حادثة أخرى قام رجل بطعن زوجته بالسكين في أنحاء جسمها، لكن الجيران أنقذوها ونقلوها إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت لتلقي العلاج.
ودعت ديالا حيدر القضاء والأجهزة الأمنية، إلى «اتخاذ إجراءات سريعة، والقبض على مرتكبي هذه الجرائم، كما حصل في عملية القبض سريعاً على قاتل الدبلوماسية البريطانية ريبيكا ديكس، ليشكل ذلك رادعاً للقتلة». وكشفت أن «هناك بعض الأشخاص يعنفون زوجاتهم ويعرضون حياتهن للخطر، ويدخلون إلى التوقيف الاحتياطي لساعات ثم يخرجون بالواسطة». وأكدت أن «مؤسسة (كفى) التي ناضلت منذ عام 2007 لإقرار قانون (العنف الأسري)، نجحت في إقرار هذا القانون في عام 2014، لكن سرعان ما أدخلت تشويهات عليه». ولفتت حيدر إلى أن المؤسسة «أرسلت مشروعاً إلى مجلس الوزراء لتعديل بعض البنود، التي تلحظ تفعيل حماية للنساء المعنفات، وتشديد العقوبات لمرتكبي جرائم القتل، وننتظر إقرارها من قبل الحكومة، وإحالتها على مجلس النواب لتصدر بقانون».
مصدر أمني أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الجرائم التي تسجلها التقارير الأمنية «ليست ظاهرة فريدة تقتصر على لبنان وحده، لكنها غير مبررة إطلاقاً وتعمل الأجهزة على مكافحتها». ولفت إلى أن «أسباباً عدة تقف وراء هذه الجرائم تبدأ بتفشّي السلاح المتفلّت، مروراً بالأوضاع الاقتصادية الصعبة التي ربما تلعب دورها، وصولاً إلى الثقافة المتدنية عند مَن يرتكب هذه الأفعال الجرمية». وشدد على أن القوى الأمنية «تقوم بجهد يفوق طاقتها وقدراتها، من أجل الحدّ من هذه الجرائم التي تنعكس سلباً على أمن المجتمع وصورة البلد بشكل عام».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».