تلقى عالم الموضة يوم الأحد الماضي أكبر مفاجأة يمكن أن تخطر على البال. المفاجأة كانت إعلان دار «سيلين» اسم هادي سليمان مصمماً فنياً لها وخليفة للبريطانية فيبي فيلو التي استقالت في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي من الدور الذي شغلته لعقد من الزمن. هادي سليمان كان آخر من يمكن توقع طرح اسمه ليتولى زمام الدار الفرنسية، لا لأنه ليس أهلاً للمنصب، بل لأنه اختفى من الصورة لفترة تُعد في قاموس الموضة طويلة جداً. ففي عام 2016 استقال من «إيف سان لوران» وهو في قمة نجاحه. حينها عزا البعض السبب إلى رغبته في إطلاق خط خاص به، والبعض الآخر لرغبته التفرغ لممارسة هواياته الخاصة مثل التصوير الفوتوغرافي، أو فقط رغبته العيش في لوس أنجليس بعيداً عن أجواء الموضة الباريسية. طالت غيبته ولم يعد اسمه يتصدر الأخبار كأنه أراد أن يتوارى عن الشهرة، ولم يكن بعلم أحد أنه طوال هذه المدة كان يجري مفاوضات مع برنار أرنو، رئيس مجموعة «إل في آم آش» المالكة لـ«سيلين»، الذي كان مُتحمساً له ولعودته إلى أحضان المجموعة. في تصريح له، قال أرنو إن سليمان من أكثر المصممين موهبة في عصرنا. وأضاف: «أنا من أشد المعجبين به منذ أن كان مصمماً في (ديور أوم)».
غني عن القول إن تعيينه في «سيلين» يأتي ليؤكد مدى طموح مجموعة «إل في آم آش» للارتقاء بالدار إلى مستوى «ديور» و«إيف سان لوران» وغيرها من بيوت الأزياء المتخصصة في مجالات متعددة. الدليل أن مهامه ستشمل إطلاق خط رجالي وخط «هوت كوتير»، إضافة إلى عطور تحمل اسم الدار التي كانت إلى حد الآن متخصصة في الأزياء الجاهزة فقط. وطبعاً كل من يعرف هادي سليمان يعرف أنه قادر على ذلك بفضل حسه الفني وفهمه لنبض الشارع، ويعرف أيضاً أن مهمته لن تقتصر على التصميم والإبداع، وبأنه سيتدخل في كل صغيرة وكبيرة بما في ذلك تصميم المحلات وخلق صورة جديدة وشاملة للدار.
جدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي يعمل فيها المصمم مع مجموعة «إل في آم آش» حيث سبق له ذلك عندما كان مصمماً في القسم الرجالي بـ«ديور» بين عامي 2000 و2007. ورغم أنه غادرها في ظروف غامضة بين قائل إنه أراد إطلاق خط خاص به وقائل إنه أراد تصميم أزياء للمرأة أيضاً، فإن الكل يتفق أنه ترك بصمته واضحة فيها إلى الآن. فهو الذي روج للتصاميم الرشيقة، مثل السترات المحددة على الصدر والبنطلونات الضيقة التي تستحضر أسلوب مغنيي «الروك أند رول»، مُحفزاً كثيراً من الرجال على إنقاص أوزانهم حتى يستمتعوا بها. منهم طبعاً المصمم كارل لاغرفيلد الذي صرح بذلك في أكثر من مناسبة. برنار أرنو يعرف هذا الأمر تماماً من خلال تعامله المباشر معه أو من خلال متابعته له عندما عمل في دار «إيف سان لوران»، وبالتالي لا بد أنه عمل قدم كل الإغراءات اللازمة لكي يعود إلى أحضان المجموعة مرة ثانية، كما قدم عدة تنازلات، منها قبوله أن يبقى هادي سليمان في لوس أنجليس عوض باريس حيث توجد معامل وورش الدار.
المتتبع لمسيرة هادي سليمان يلاحظ أنه كلما غادر داراً عاد إليها بعد سنوات، وبشروطه. ففي بداياته وقبل «ديور أوم» عمل مع «إيف سان لوران» التي عاد إليها في عام 2012 محققاً لها طفرة غير مسبوقة. صحيح أنه قسم عالم الموضة بين معجب بأسلوبه الشبابي المنطلق ورافض له على أساس أنه حاول التملص من إرث المؤسس إيف سان لوران، إلا أن أرقام المبيعات كانت في صالحه.
فقد تضاعفت أرباح الدار في عام 2014 لتصل إلى 707 ملايين يورو، أي ما يعادل 787 مليون دولار مقارنة بـ353 مليون يورو في عام 2011. رغم هذا النجاح، قرر تركها في عام 2016 في ظروف قال عنها البعض إنها لم تكن ودية بسبب تضارب وجهات النظر بينه وبين فرنسوا هنري بينو، مالك «كيرينغ» المجموعة التي تنضوي تحتها «إيف سان لوران».
دخوله «سيلين» له دلالات كثيرة أهمها أن الدار تريد أن تفتح صفحة جديدة تخاطب من خلالها الجيل الجديد من الجنسين بكل الوسائل، بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي والتسوق الإلكتروني وغيرها، وهو ما يُتقنه جيداً رغم أنف النقاد.
إلى أين؟
> بعض الشائعات تقول إنها قد تلتحق بدار «بيربري». فهذه الأخيرة فقدت هي الأخرى مصممها الفني كريستوفر بايلي، الذي أعلن استقالته في نهاية العام الماضي. طبعاً قد تكون المسألة مجرد شائعة لأنه لا دار «بيربري» ولا فيبي فيلو أكدتا الخبر، وإن يتمنى العديد أن تتحول الإشاعة إلى واقع. فـ«بيربري» دار بريطانية، مقرها الرئيسي بلندن، وهذا يعني أنها لن تضطر للسفر إلى باريس كل أسبوع أو شهر، وهو ما كانت تشتكي منه. كما أن علاقتها بالرئيس التنفيذي الجديد لـ«بيربري» ماركو غوبيتي جيدة جداً، حيث شكلا مع بعض ثنائياً ناجحاً قبل أن يغادر «سيلين» إلى «بيربري» في بداية العام الماضي.
هو بدوره يحتاج لمصمم مثلها يستطيع أن يُطبق رؤيته واستراتيجيته الجديدة، التي أعلنها منذ بضعة أشهر، وتتمثل في رغبته أن يجعل من «بيربري» دار أزياء رفيعة، برفع أسعار منتجاتها.
قراره هذا، أصاب المستثمرين بالخوف، لا سيما أنهم يتذكرون أن دار «مالبوري» حاولت تطبيق الاستراتيجية ذاتها منذ سنوات وفشلت فشلاً ذريعاً. كانت النتيجة أنها لم تستطع استقطاب زبونات جديدات، بل العكس، خلقت فجوة واسعة بينها وبين زبوناتها القدامى. ماركو غوبيتي متشبث برأيه ومقتنع بأن التجربتين مختلفتان، إلا أنه يحتاج إلى دعم معنوي وفعلي يتمثل في مصمم يفهمه جيداً ويشكل معه فريقاً متماسكاً وناجحاً.
أوساط الموضة تتمنى أن تكون فيبي فيلو هي السند الذي يتكئ عليه، حتى لا تغيب عن الساحة طويلاً، خصوصاً أن التجارب السابقة تشير إلى أنها لا تتسرع وتأخذ وقتها قبل أن تأخذ أي خطوة. فعندما تركت دار «كلوي» مثلاً أخذت إجازة عامين تقريباً لتستمتع بعائلتها قبل أن تلتحق بدار «سيلين». الآن، وبحُكم عقدها مع الدار الفرنسية لا بد أنها تخضع للشروط نفسها التي تنصها عقود المصممين عموماً، وتشترط عدم عملهم في مجال مماثل أو مع دار أزياء منافسة قبل مضي بضعة أشهر أو سنوات.
فيبي فيلو..خاطبت المرأة المثقفة وسعت للارتقاء بالصغيرات
> فيبي فيلو، التي عملت في الدار لـ10 سنوات قبل أن تستقيل في نهاية العام الماضي، كانت في المقابل تخاطب امرأة مثقفة وناضجة إلى حد ما، ولا يستطيع أحد، بمن فيهم برنار أرنو، إنكار ما قدمته للدار من نجاحات تجارية وفنية.
ومع ذلك، وقبل أن ينتهي عام 2017 بأسابيع قليلة أعلنت استقالتها من دون أن تحدد وجهتها الجديدة. عاشقات أسلوبها أصبن بخيبة أمل، لأنها خلال العشر سنوات التي قضتها فيها، رسخت مكانتها كمصممة مؤثرة. وصفتها كانت التعمق في شخصية الدار واحترام رموزها وفي الوقت ذاته ضخها بأسلوب خاص ومعاصر. وهذا تحديداً ما جعل اسم «سيلين» لصيقاً بالمرأة العصرية، سواءً كانت فتاة صغيرة تتطلع للحصول على حقيبة يد هندسية أو حذاء غريب التصميم، أو سيدة أعمال تعشق بنطلوناتها ومعاطفها وغيرها من القطع التي تتسم بالعصرية والعملية الوظيفية في الوقت ذاته. قوة فيلو لم تكن احترام ما تريده المرأة فحسب، بل ترجمته في أرض الواقع بأسلوب يجمع النُضج بالابتكار.
عندما تسلمت مقاليد دار «كلوي» بعد استقالة صديقتها ستيلا ماكارتني في عام 2001، لم تتبع الأسلوب القديم نفسه، واعتمدت لغة شبابية لتخاطب جيل بنات العشرينات. فككت الفساتين المنسدلة وخلصتها من إيحاءاتها الرومانسية لتكتسب صورة عصرية أكثر هندسية. وهكذا أصبحت «سيلين» في عهدها أكثر حداثة تعكس طموحات وذوق امرأة واثقة وقوية بغض النظر عن عمرها ومكانتها.
فجأة أصبح الكل يريد أن يلبس «سيلين» لأنهم بذلك يُثبتون أنهم ينتمون إلى نادٍ يفهم الموضة ويتذوق جمالياتها. كانت جريئة منذ أول تشكيلة، حيث رفعت شعار «المينيماليزم» وأن البساطة أهم من التعقيدات، الأمر الذي جعل بنات جنسها يشعرن بأنها فهمت متطلباتهن كأمهات وسيدات أعمال لهن مسؤوليات متعددة لا يردنها أن تؤثر على راحتهن ولا على أناقتهن. أكثر ما جذب الانتباه في هذه التشكيلة جاكيتات «سافاري» باللون الكاكي، التي لا تزال من القطع التي تتكرر في عروضها دائماً بشكل أو بلون جديد. لعبت أيضاً بطول الفساتين والمعاطف، وبالأحجام والمفهوم الرجولي والأنثوي، إذ فككت مثلاً القميص الرجالي وقدمته للمرأة بأشكال وأطوال متنوعة ومثيرة لتؤكد للعالم أنها تنتمي إلى نوع نادر من المصممين لهم القدرة على التأثير على الذوق العام وتحديد توجهات الموضة. ليس هذا فحسب، بل تفوقت على معظمهم بقدرتها على جعل الغريب والنشاز يبدو أنيقاً ومرغوباً فيه، لا سيما فيما يتعلق بأشكال الأحذية التي قدمتها طوال 10 سنوات. لم تكن أنيقة بالمفهوم التقليدي ومع ذلك لمست وتراً حساساً لدى عشاق الموضة.
ففي عرضها لعام 2016، قدمت أحذية وظيفية للغاية من دون كعوب، مع فساتين أنثوية خفيفة مزينة بحواشٍ من الساتان. وفي عام 2013 أرسلت العارضات على المنصة بصنادل أثارت كثيراً من اللغط، لكن كان لها الفضل في إخراج الدار من رسميتها وكلاسيكيتها الباريسية المألوفة وحقنها بجرعة شبابية مستقاة من الشارع. فجأة صغُرت امرأة «سيلين» وأصبحت شابة تتسلطن في ساحة الموضة. بعد أن أصبحت الحقائب والأحذية الدجاجة التي تبيض ذهباً للدار، توالى تركيزها عليهما. في تشكيلتها لربيع وصيف 2015 مثلاً قدمت أحذية بكعوب معوجة بألوان مثل الأصفر المستردي والأحمر القاني والذهبي والأبيض. لم تكن خفيفة على النظر، لكنها كانت خفيفة في المشي كونها مصنوعة من «النابا» أجود أنواع الجلود. هذه الأحذية أصبحت مطلب كل أنيقة وشابة تريد معانقة الموضة. ومع ذلك سيبقى إرثها هو حذاء أديداس «ستان سميث» الذي منحته بُعداً جمالياً اكتسح شوارع الموضة وتبنته المرأة مع فساتينها كما مع بنطلون الجينز. وهكذا كما أقبلت المرأة الأربعينية على تصاميمها أقبلت الفتيات الصغيرات على إكسسواراتها، لا سيما أنها نجحت في أن تطرح عدة حقائب ناجحة تجارياً مثل حقيبة «بادينغتون» التي كانت حلم كل فتاة تقريباً، وحقائب «ذي فانتوم» و«ترابيز أند تريو» وغيرها.