اجتماع «فيينا» يختبر الوعود الروسية... والتعويل على دور أميركي أوروبي

معلومات عن موافقة الأمم المتحدة على رعاية سوتشي السوري... وفق شروط

المستشار النمساوي سيباستيان كورز استقبل أمس المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بحضور وزيرة الخارجية كارين كنيسل (أ.ف.ب)
المستشار النمساوي سيباستيان كورز استقبل أمس المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بحضور وزيرة الخارجية كارين كنيسل (أ.ف.ب)
TT

اجتماع «فيينا» يختبر الوعود الروسية... والتعويل على دور أميركي أوروبي

المستشار النمساوي سيباستيان كورز استقبل أمس المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بحضور وزيرة الخارجية كارين كنيسل (أ.ف.ب)
المستشار النمساوي سيباستيان كورز استقبل أمس المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بحضور وزيرة الخارجية كارين كنيسل (أ.ف.ب)

تنظر المعارضة السورية إلى مؤتمر فيينا كمحطة مفصلية في مسار الحل السياسي وقد تكون انتقالية إذا أظهر النظام ومن خلفه روسيا التزامهما بالعملية السياسية، مع تعويلها على دور أميركي - أوروبي مستجد، في وقت أشارت مصادر عدّة في «هيئة التفاوض» أن اجتماع «فيينا» امتحان حقيقي للروس وللنظام، بإظهار مسؤولية وجدية لإيجاد حلّ، وإذا نجحا فيه قد تعلن بعدها الهيئة مشاركتها في سوتشي.
وأعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أمس، أن محادثات السلام السورية التي تستأنف في فيينا اليوم (الخميس)، تجري في «مرحلة حرجة جداً».
ونقلت وكالة الصحافة لفرنسية عنه، قوله: «بالطبع أنا متفائل لأنه لا يسعني أن أكون غير ذلك في مثل هذه اللحظات»، مضيفاً: «إنها مرحلة حرجة جداً جداً».
من جهته، قال وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، أمس، إنه لا يوجد تصور لحل سياسي في سوريا بخلاف محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة في فيينا، التي قال: إنها «الأمل الأخير».
ولا يتوقّع أعضاء الهيئة أن تخرج اجتماعات فيينا التي تبدأ اليوم وتستمر إلى يوم غد، بأي نتائج عملية معتبرة أنها لن تكون أكثر من محطة للانتقال إلى سوتشي، إذا «نجحت» موسكو في إظهار مدى تأثيرها على النظام. ومع وصول وفد الهيئة المشارك في المفاوضات إلى فيينا يوم أمس وبدء اجتماعاته، لم يكن الموقف من سوتشي قد اتضح بشكل نهائي، مع تأكيد مصادر عدة على أن الهيئة منفتحة على أي مبادرة تصب في خانة الحل من دون أن تستبعد إعلان المشاركة في المؤتمر الروسي بعد الجولات التي قام بها رئيسها وعدد من أعضائها إلى موسكو وتركيا. وكان لافتا اللقاء الذي جمع يوم أمس رئيس الهيئة نصر الحريري بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعد ساعات على زيارته إلى موسكو وقبل انتقاله إلى فيينا. وفي هذا الإطار لفتت مصادر في «الائتلاف الوطني» لـ«الشرق الأوسط» «إلى أن المعلومات تشير إلى موافقة الأمم المتحدة برعاية سوتشي وفق شروط محددة قبلت بها موسكو وتركيا، وهو ما يفترض أن يظهر في نهاية مؤتمر فيينا، أهمها توظيف نتائجه في جنيف».
وكانت الأمم المتحدة أعلنت في دعوتها إلى فيينا، أن «أي مبادرة سياسية من قبل الأطراف الدوليين يجب أن تقيم انطلاقا من قدرتها على المساهمة في دعم عملية جنيف السياسية التي تتولى الأمم المتحدة رعايتها والتطبيق الكامل للقرار 2254. وهو خريطة طريق لإنهاء النزاع أعدت في عام 2015».
ويصف نائب رئيس الائتلاف وعضو وفد «الهيئة» إلى فيينا، عبد الرحمن مصطفى، جولة فيينا بـ«المحطة المهمة جدا» التي ستشهد تقويما لكل الوعود الروسية ومدى التزامها بها عبر انخراط النظام بالعملية السياسية، ليبنى بعدها على الشيء مقتضاه، وهو ما يؤكد عليه أيضا عضو الائتلاف، هشام مروة لافتا في الوقت عينه إلى الدور الأميركي الأوروبي المؤثر الذي قد يظهر وهو الناتج عن الاستياء من التفرّد الروسي في الأزمة السورية، ويوضح لـ«الشرق الأوسط» «إذا وجدت مبادرة أميركية أوروبية فهي عمليا في سياق محاولة الحد من التمادي الروسي من دون أن تخرج عن قرارات الأمم المتحدة».
من جهته، يقول المتحدث باسم «هيئة التنسيق الوطنية حركة التغيير الديمقراطي» منذر خدام في حديث لصحيفة «الوطن» السورية: «تحاول روسيا أن تقول من خلال سوتشي: إن السوريين يريدون الحل وهذا هو الحل نقدمه لهم، أما لقاء فيينا فحسب بعض المعلومات الهدف منه هو نوع من التشاور حول مبادرة أميركية أوروبية». ورأى أن مسار جنيف، الذي يأتي اجتماع فيينا في إطاره «متعثر ولن يفضي إلى أي نتيجة خصوصا بعد تغير الوضع الميداني وتغير كثير من المواقف الدولية».
واعتبر خدام أن موسكو ستحاول إقناع وفد الهيئة بالمشاركة في سوتشي «مع ضمان إظهار مخرجاته في جنيف».
وترى «هيئة التفاوض» أن «الإشارات الإيجابية» التي يمكن للنظام المبادرة بها هي على الأقل إعلانه الالتزام بالقرار 2254، وإجراء مفاوضات مباشرة مع المعارضة. ويقول مصدر قيادي في «الهيئة» لـ«الشرق الأوسط»: «مؤتمر سوتشي تحت عنوان الحوار الوطني، وهو ما نعتبره جزءا من القرار 2254، إنما المشكلة تبقى في مقاربة هذا الموضوع من قبل النظام كما محاولة فرضه بديلا عن جنيف». ويوضح: «التوقعات من فيينا هي متوازنة وليست كبيرة وتوازنها ينطلق من الحراك السياسي الدولي الذي شهدته الأزمة السورية في الفترة الأخيرة، إضافة إلى اللقاءات التي عقدها رئيس الهيئة نصر الحريري، من هنا نرى فيها امتحانا حقيقيا للروس وللنظام بإظهار مسؤولية وجدية لإيجاد حلّ، وإذا نجحا فيه قد نعلن بعدها مشاركتنا في سوتشي». من جهته، يحدّد مروة شروط المشاركة في سوتشي، بـ«المفاوضات المباشرة» والالتزام الكامل بالانتقال السياسي، وهو القرار الذي ستتخذه «الهيئة» في اجتماعها الذي سيلي مؤتمر فيينا، ويضيف «أما إذا بقيت المواقف على حالها خاصة لجهة القول إنه لا مكان لكل من يطالب برحيل رئيس النظام، كما محاولة جعل سوتشي مكانا للحديث عن العملية السياسية انطلاقا من وجهة نظر النظام كاقتصارها على تعديل دستوري وحكومي، فعندها سنتأكّد بأنه لا وجود نية لأي تغيير».
كذلك، يقول مصطفى: «قرار الهيئة كان مقاطعة سوتشي إنما تغيّر المعطيات قد يؤدي إلى تبدّل الموقف وهذا كلّه متوقف على صدقية الروس ومدى تأثيرهم على النظام»، مضيفا: «المرحلة دقيقة وقد تكون مؤشرا حاسما لما سيكون عليه الحل السياسي لاحقا في سوريا».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.