بنغازي الليبية تقضي ليلة دامية عقب تفجير مزدوج يخلف 37 قتيلاً

ليبيون يعاينون آثار الدمار التي نتجت عن التفجير المزدوج في بنغازي أمس (أ.ف.ب)
ليبيون يعاينون آثار الدمار التي نتجت عن التفجير المزدوج في بنغازي أمس (أ.ف.ب)
TT

بنغازي الليبية تقضي ليلة دامية عقب تفجير مزدوج يخلف 37 قتيلاً

ليبيون يعاينون آثار الدمار التي نتجت عن التفجير المزدوج في بنغازي أمس (أ.ف.ب)
ليبيون يعاينون آثار الدمار التي نتجت عن التفجير المزدوج في بنغازي أمس (أ.ف.ب)

طغى الملف الأمني على المشهد السياسي في ليبيا، أمس، بعدما ارتفعت حصيلة «التفجير الإرهابي» المزدوج الذي شهدته مدينة بنغازي بشرق البلاد، مساء أول من أمس (الثلاثاء)، إلى 37 قتيلا و112 جريحاً، في حصيلة هي الأضخم من نوعها، بينما تعرض موكب وزير التعليم بحكومة الوفاق الوطني، التي يترأسها فائز السراج، في العاصمة طرابلس إلى إطلاق نار لم يسفر عن ضحايا.
وتضاربت الحصيلة الرسمية لعدد القتلى والجرحى في انفجار سيارتين مفخختين أمام مسجد بيعة الرضوان بحي السلماني وسط بنغازي. ويعد هذا هو أول حادث من نوعه هذا العام، والأعنف الذي تشهده المدينة منذ شهور بعدما شهدت استقرارا أمنيا عقب إعلان المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي تحريرها العام الماضي، وانتهاء العمليات العسكرية ضد «الإرهابيين».
وبدد الانفجار المزدوج الهدوء النسبي الذي شهدته المدينة في الآونة الأخيرة بعد أن كانت مسرحا لصراع امتد لأكثر من ثلاث سنوات منذ 2014 وحتى أواخر 2017، حيث انفجرت سيارة مفخخة عند خروج المصلين من مسجد بيعة الرضوان المعروف بأنه معقل لجماعات سلفية، قبل أن تنفجر السيارة الثانية التي كانت متوقفة على جانب الشارع المقابل بعد نحو 15 دقيقة من وصول مسؤولي الصحة والأمن إلى موقع الانفجار، مما أدى إلى سقوط قتلى في صفوف قوات الأمن والمدنيين ووقوع عدد أكبر من الإصابات وألحق أضرارا بسيارة إسعاف.
وقال مسؤول عسكري إن أحمد الفيتوري آمر سرية القبض والتحري الخاصة التابعة للجيش الوطني قتل في الاعتداء، بينما قالت مصادر أمنية إن العميد المهدي الفلاح، أحد قادة جهاز المخابرات الليبية، أصيب في انفجار السيارة المفخخة الأولى.
ويمكن أن ترتفع الحصيلة بشكل إضافي، لأن العديد من الجرحى في حالة حرجة، وقد يكون ضحايا آخرون أدخلوا إلى مستشفيات خاصة في بنغازي التي كانت معقل الثورة، وأصبحت معقلا للجماعات المتشددة، وشهدت أعمال عنف استهدفت خصوصا الدبلوماسيين وقوات الأمن.
ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الاعتداء، لكن العميد أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش الوطني، اتهم أمس تنظيمي داعش والقاعدة، بالإضافة إلى جماعة «الإخوان المسلمين» بالمسؤولية.
واعتبر المسماري، في تصريحات إلى صحيفة «الوطن» المصرية، أن «الجهة المسؤولة معروفة، وهي تحالف لهذه المجموعات الإرهابية»، مشيرا إلى أنه سيعلن في مؤتمر صحافي لاحقا عقب اجتماع لقيادة الجيش مزيدا من التفاصيل بشأن الحادث.
ويقول محللون إن الطريقة المستخدمة في الهجمات التي تعتبر الأكثر دموية منذ سنوات في ليبيا، تهدف بوضوح إلى إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى، بينما يتهم الجيش الوطني «خلايا نائمة للمتشددين» بأنها تستهدف بصورة متكررة قادته وعناصر قواته.
ووسط إدانات محلية ودولية، أصدر حفتر الذي سبق له العام الماضي الإعلان عن تحرير كامل مدينة بنغازي من قبضة «الجماعات الإرهابية»، تعليماته إلى الجهات الأمنية بضرورة ملاحقة المتورطين في الهجوم، مطالبا الجهات الأمنية بضرورة تقديم الجناة للعدالة، داعيا المواطنين إلى أخذ الحيطة والحذر والتعاون مع الأجهزة الأمنية بالإبلاغ عن أي تحركات مشبوهة.
من جانبه، أعلن اللواء ونيس بوخمادة، قائد قوات الصاعقة بالجيش الوطني وقائد الغرفة الأمنية المركزية في بنغازي، حالة التأهب القصوى في صفوف الغرفة المشتركة في كامل المدينة، وطالب المواطنين بالتزام منازلهم حفاظا على حياتهم من أي اختراقات أمنية أو أي خلايا نائمة.
وتعهد عبد الله الثني رئيس الحكومة المؤقتة، الموالية للسلطات في شرق ليبيا، بملاحقة الجناة، وتقديمهم للعدالة، مؤكدا أن قوات الأمن تعمل في مدينة بنغازي، «وأنها لن يهنأ لها بال حتى تلقي القبض على الإرهابيين»، قبل أن يعلن الحداد على أرواح الضحايا ثلاثة أيام اعتبارا من أمس.
من جانبها، قالت حكومة الوفاق الوطني، إنها «ستسخر كل إمكانياتها للمساهمة في الكشف عن الجناة والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاء ما اقترفوه»، ودعت في بيان جميع الليبيين إلى «الوقوف صفا واحدا في مواجهة قوى الشر والبغي والعدوان المتمثلة في تنظيمات الإرهاب والجريمة وكل من أظلمت عقولهم وسيطر الحقد على أفعالهم».
من جهته، أعرب وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عن إدانة بريطانيا لما وصفه بـ«التفجيرات المروعة» في بنغازي، وشدد على أن «القانون الإنساني الدولي يحظر الاستهداف المباشر أو العشوائي للمدنيين، والذي يعتبر جريمة حرب».
‫كما نددت بعثة الأمم المتحدة بـ«التفجيرات المروعة»، وقالت في بيان مقتضب، إن الاعتداءات المباشرة أو العشوائية ضد ‫المدنيين محرمة بموجب القانون الإنساني الدولي وتعد بمثابة جرائم حرب.
إلى ذلك، أعلنت وزارة التعليم في حكومة السراج، عن تعرض موكب وزير التعليم عثمان عبد الجليل، إلى إطلاق نار في مدينة بني وليد الواقعة على بعد 180 كيلومترا جنوب شرقي طرابلس. وتابعت في بيان، أمس، أنه «لم يصب أي شخص من الفريق أو غيرهم بأذى، والأمور تحت السيطرة»، مشيرة إلى أن الوزير «قرر أن يبقى هو والفريق المرافق له على مشارف المدينة حتى تهدأ الأمور ليكمل زيارته لها».
ونقل البيان عن عبد الجليل قوله «إن ما حدث لا يمثل مدينة بني وليد المجاهدة، وإنما هو حدث عارض صدر عن مجموعة من الشباب، ونحن نتفهم جيدا دوافعهم»، دون الكشف عن طبيعة هذه الدوافع.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».