محمد المُبشر: عسكرة الدولة أخّرت الحل في ليبيا

رئيس مجلس أعيان ليبيا قال لـ«الشرق الأوسط» إن بلاده تعاني من توجهات الإعلام والمال السياسي

محمد المُبشر: عسكرة الدولة أخّرت الحل في ليبيا
TT

محمد المُبشر: عسكرة الدولة أخّرت الحل في ليبيا

محمد المُبشر: عسكرة الدولة أخّرت الحل في ليبيا

بقدر ما في ليبيا من تشكيلات مسلحة لا تتوقف عن الاقتتال، وجماعات تنتهز «فوضوية» الوضع الراهن لتحقيق مكاسب ضيقة، توجد هناك في هذا البلد، الغني بالنفط، شخصيات وهيئات مدنية وقبلية تبذل جهوداً كبيرة «لإطفاء الحرائق» التي تشتعل من آن لآخر، وتسعى لـ«لم الشمل» الذي فرّقته الحسابات السياسية والمكاسب الجهوية... من بين هؤلاء، مجلس أعيان ليبيا للمصالحة، الذي يترأسه الشيخ محمد المُبشر، والذي يرى «عدم إمكانية تشكيل حكومة دائمة في البلاد، أو الاستفتاء على الدستور، أو إجراء انتخابات، إلاّ بعد المصالحة الشاملة، وتوزع السلطة والثروة بشكل عادل بين الليبيين».
المُبشر قال في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن كثيراً من وسائل الإعلام الليبية لا تخدم الاستقرار في البلاد، منتقداً حكومة الوفاق الوطني، وقال: «رغم أنها حققت نجاحاً محدوداً في طرابلس، لكنها فشلت في توحيد الوطن تحت سلطاتها». وتطرق المُبشر، ابن قرية نسمة (جنوب طرابلس)، إلى الحديث عن «دعم بعض الدول للأطراف المتحاربة بالسلاح، دون تدخل من البعثة الأممية»، التي قال إنها «تغض الطرف» عن ذلك، وتحدث عن الجدل الدائر حول «مدنية وعسكرة» الدولة، وقال: «لا نظن أن مشروعاً عسكرياً سيحكم ليبيا مستقبلاً».
> بدايةً... أطلِعنا على مهام مجلس أعيان ليبيا للمصالحة، وممن يتكون؟
- أولاً، مجلس أعيان ليبيا يُعنى بفض المنازعات، ويضم في عضويته وسطاء مهنيين وخبراء في هذا المجال، بالإضافة إلى أساتذة في الجامعات المختلفة، وأعيان مدن وقبائل؛ وتعود نشأته إلى عصر الحكم العثماني، الذي بدأ عام1551. ومنذ ذلك التاريخ وهو يمارس مهامه في البلاد، إلى أن اندلعت ثورة 17 فبراير (شباط) عام 2011، فتنادى عدد كبير من الشخصيات الليبية لتفعيله، والدفع باتجاه إعادة إحيائه من جديد كسلطة أدبية لتعويض غياب سلطة الدولة وأجهزتها، ويهدف -كما ذكرت- إلى فض المنازعات، والمساعدة في بناء الدولة العادلة، ولهذا يدعو المجلس، الذي انتُخبتُ رئيساً له في عام 2012، إلى تشكيل حكومة محايدة لا تنتمي إلى التيارات السياسية، والأطراف المتناحرة، لتقود البلاد إلى فترة انتقالية، وصولاً إلى المرحلة الدائمة بشفافية وعدل، والعمل على ضبط السلاح المنتشر في البلاد، ودعم خطط مجلس الأعيان لجمعه من أيدي المواطنين.
> وماذا عن حكومة الوفاق الوطني المدعومة دولياً؟
- حكومة الوفاق الوطني، الموجودة في العاصمة طرابلس، ليست فاعلة إلاّ في نطاق محدود من البلاد، ورغم نجاحها النسبي في طرابلس فإنها فشلت في توحيد الوطن تحت سلطاتها، وبالتالي لا يوجد اتفاق عليها في الداخل الليبي، فضلاً عن أن أعضاء المجلس الرئاسي مختلفون فيما بينهم.
> لماذا يربط مجلسكم بين تشكيل «الحكومة المحايدة» وإنجاح مسار المصالحة في البلاد؟
- نحن لا نرى إمكانية تشكيل حكومة دائمة في البلاد، أو الاستفتاء على دستور دائم، أو إجراء انتخابات نيابية ورئاسية، إلاّ بعد المصالحة الشاملة، مع ضرورة أن تقوم البعثة الأممية بتوزيع دوائر السلطة والثروة بشكل عادل بين الليبيين، بما لديها من تعداد سكاني للبلاد، كي لا يُهضم حق منطقة على حساب أخرى، وكل ذلك يتطلب حكومة محايدة تعمل على الأمن أولاً، ودون ذلك نظن أنه لن تستقر البلاد إلاّ إذا رأى المجتمع الدولي فرض الاستقرار بالقوة!
> وما الموقف من حكومة عبد الله الثني المؤقتة في البيضاء؟
- منذ انقسام ليبيا ودخولها في حروب، نتعامل مع كل الحكومات المتعاقبة شرقاً وغرباً بمقياس واحد، ونقف على الحياد من جميعها، وكل منسق يتبع مجلس أعيان ليبيا في منطقة يتعامل مع الحكومة الموجودة في مدينته بما يخدم الأمن والاستقرار في البلاد، ولا يؤيد موقف هذه أو تلك، فيما يتعلق بالقضايا السياسية إلا بعد التشاور معنا.
> هل يدعم مجلسكم خيار إجراء انتخابات في البلاد في ظل تخوف البعض من عدم نجاحها؟
- المجلس يرى أن الانتخابات في الوضع الراهن دون مصالحة شاملة، ودستور دائم، أو قانون، لن تنجح في حل الأزمة الليبية، وتصلنا ملاحظات من عديد الشخصيات الاجتماعية والناشطين في المجتمع المدني، يقولون إن الانتخابات ستكون مجرد إعادة إنتاج للمشكلات، ويرون ضرورة إجراء الاستفتاء على الدستور أولاً.
> ما موقفكم من «المؤتمر الوطني الجامع» الذي دعا إليه المبعوث الأممي؟
- مجلس أعيان ليبيا للمصالحة، سبق وأعلن دعم خطة السيد سلامة منذ البداية، لأنها كانت نتاج أفكار وملاحظات كنا ننادي بها في المجلس منذ بداية المشكلة في بلادنا، ولا نزال على موقفنا، لكن هناك بعض الملاحظات على (خطة سلامة)، وتحتاج إلى توضيح أكثر، خصوصاً في ما يتعلق بالمؤتمر الوطني الجامع، ونعمل على استيضاحها منه، مع ذلك نتوقع أن يحل ذلك المؤتمر جزءاً كبيراً من المشكلة الليبية، ونشير إلى ضرورة دعم كل المسارات دون استثناء، وننبّه هنا إلى ملاحظات الليبيين، بأن الدول المتداخلة في الأزمة لا تزال تعرقل عمل الوسيط الدولي، ويجب وضع حد لذلك.
> لكن البعض يتخوف من أن يكون «المؤتمر الجامع» بوابة لعودة النظام السابق للحكم؟
- أنصار النظام السابق ليبيون، ومن حقهم المساهمة في بناء وطنهم مثل غيرهم، ويجب ألا يبقوا بعيداً عن المشاركة في استقرار البلاد وأمنها وسلامتها وسيادتها، أمّا نظام جماهيرية معمر القذافي فلن يعود للحكم مرة ثانية.
> كيف تقرأ الجدل بين (مدنية وعسكرة) الدولة... وإلى أي منهما تتجه ليبيا خصوصاً بعد إعلان المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش تأييده إجراء انتخابات؟
- بصراحة، مشروع عسكرة الدولة موجود، وله أنصاره، وأعتقد أنه أحد أسباب تأخّر الحل في ليبيا إلى الآن، ومجلس الأعيان للمصالحة يعمل على مدنية الدولة لا عسكرتها، وأخبرك أن أكثرية المواطنين يفضّلون انضواء المؤسسة العسكرية تحت السلطة المدنية، وما صرح به السيد حفتر يصب في هذا الاتجاه، ولا نظن أن مشروعاً عسكرياً ممكن أن يحكم ليبيا مستقبلاً.
> فائز السراج وعد بإعادة مواطني تاورغاء مطلع فبراير المقبل... ما احتمالية تحقق ذلك؟
- يدرك الجميع أن موضوع المصالحة بين مدينتي تاورغاء ومصراتة (شرق العاصمة) كان قراراً من الطرفين، ولا دخل لأي حكومة به، لكن لكون حكومة الوفاق تمارس عملها في طرابلس، رعت هذا الاتفاق لتنفيذ بنوده المتعلقة بالأمور التي تحتاج إلى سلطة الدولة، ونحن لمسنا من الطرفين تصميماً على تنفيذ هذا الاتفاق الذي قطع خطوات مهمة، ونظن أن عودة مواطني تاورغاء إلى ديارهم سيتحقق في الموعد المحدد، وسنكون حاضرين مع باقي الأطراف لمباركته ودعمه، ونرجو أن ينتهج الجميع نهج المصالحة أفضل من نهج الانتقام والثأر.
> وماذا عن إعادة نازحي بنغازي؟
- هذا الموضوع ليس سهلاً حله... يحتاج إلى فهم وعمل كبيرين من أطراف عدة، فإعادة نازحي بنغازي يحتاج إلى معالجات أمنية واجتماعية وسياسية، ونحاول وضع هذا الملف على أول الطريق في القريب العاجل، وسيكون من أولويات المجلس الفترة المقبلة، ولا يمكن ترك الأمر هكذا دون علاج جذري، وأكرر أن وجود حكومة موحدة محايدة سيعالج مثل هذه الأمور.
> هل سعيتم لدى أهالي مصراتة لإصلاح ذات البين وتأمين عودة مواطني تاورغاء؟
- لم ندّخر جهداً في السعي لدى أي مدينة من أجل المصالحة، ومجلس أعيان مصراتة تحديداً لا يتوقف عن معالجة كل ما يتعلق بالأزمة، وهم أكثر فهماً للمشكلات المتعلقة بمدينتهم، ونحن ندعم دورهم بكل قوة ونساعدهم بما يلزم من خبراء في هذا المجال، بجانب مساندة الأعيان، متى لزم الأمر، وأقول إن مشكلات من هذه النوعية تحتاج إلى وقت حتى يتم احتواؤها وحلها، ونرجو أن يكون العام الجاري أفضل من سابقه لكل أبناء وطني.
> هيئة الأوقاف بالحكومة المؤقتة تتهم المفتي السابق الصادق الغرياني بالتحريض على هجوم مطار معيتيقة... ما تعليقك؟
- كل طرف في ليبيا يتهم الطرف الآخر بتهم عدة، ولو أبدينا رأينا في هذا الموقف أو ذاك، سنخرج عن دورنا المحايد الذي يستهدف محاولة الحد من تفاقم الأزمات، ومواقف الوسطاء في مثل هذه الظروف بالغة الحساسية، فلا يجب التعاطي مع اتهام بعض الأطراف لبعضها إعلامياً، ونستعين بالنائب العام، لمعرفة نتائج التحقيق في أي مشكلة، ولا يمكن التغاضي عن أن الهجوم على مطار مدني خطأ كبير يجب عدم تكراره.
> وما جهودكم للتصدي للاقتتال بين الميليشيات في طرابلس؟
- نحن الآن نعمل مع عديد من الأطراف المحلية، وندعم البلديات في طرابلس لاحتواء المشكلات، وندفع باتجاه حل الأزمة من جذورها، ولا يمكن شرح ذلك الآن لأسباب عدة، نتحفظ على ذكرها.
> هل تتوافقون مع من يقول إن الجماعات المسلحة لها نفوذ دولي في ظل أجندات تستهدف إثارة الفوضى في البلاد؟
- إلى حد ما، وليس في المطلق، فالجماعات المسلحة في شمال ليبيا تختلف في تركيبتها عن الوسط أو الجنوب، والصراع الدولي والمحلي أنتج مجموعات مسلحة عدة مختلفة الانتماءات، وترغب كل منها في السيطرة على الأرض بالاقتتال، وهناك مجموعات مسلحة وُجدت لإثارة الفوضى في البلاد، وأخرى تسترزق بالبندقية، وهذا ما نعمل على التصدي له، وتحديد نوعية السلاح المستخدم في الاقتتال، وتبعيته لأي جهة، ونجحنا إلى حد كبير في ذلك.
> ألا توجد مبادرات يطلقها المجتمع المدني لجمع السلاح من أيدي المواطنين؟
- كانت هناك مبادرة من مجلس أعيان ليبيا في اللقاء الكبير الذي دُعي إليه الليبيون من مجلس الأعيان في نالوت (جنوب غرب العاصمة) عام 2016، وكانت الدعوة تنص على تدمير بعض الأسلحة، في رمزية على أن المجتمع لا يريد شراء السلاح، أو رفع الحظر عنه، والمجلس يريد تدمير جميع الأسلحة كلما أمكن، والجزء الثاني من المبادرة تحديد تبعية السلاح وتصنيفه، بحيث تتم معرفة تبعيته لأي مدينة أو قبيلة، وعند انتهاء الخلاف حول توحيد المؤسسة العسكرية وتفعيلها يتم تسليم الأسلحة الثقيلة كخطوة أولى، ثم تأتي خطوات أخرى تباعاً.
> سبق للمبعوث الأممي القول إن ليبيا بها أكثر من 20 مليون قطعة سلاح... إلى أي مدى تعيق هذه الترسانة خطط السلام ونشر الأمن في البلاد؟
- بجانب عدم وجود إرادة سياسية وقدرة لتحقيق السلام، فضلاً عن انقسام البلاد وتعدد الانتماءات، يعد انتشار السلاح أهم كوارث ليبيا وأكبرها، وما نسمعه من البعثة الأممية لدى ليبيا مجرد كلام، ونرى أنها أحد أهم أسباب عدم الاستقرار بقراراتها التي أوصلت ليبيا إلى ما هي عليه الآن، فهناك قرارات واضحة بحظر شراء السلاح، رغم ذلك تغض البصر عن الدول التي تصدره للأطراف المتحاربة في ليبيا دون عقاب، وتكتفي بنشر التقارير فقط. وتلك الدول منقسمة، فمنها من يدعم هذا الطرف بالسلاح، ومنها من يساند ذاك أيضاً، ليستمر الاقتتال في البلاد، وما إن يتوقف في مكان حتى يندلع في منطقة أخرى، لهذا نرى أن البعثة الأممية تتحدث فقط دون فعل، وبالتالي فإن تحقيق السلام في البلاد يحتاج إلى قدرة وقوة ضامنة لتحقيقه، ونحن نسير الآن بخطى ثابتة نحو ذلك، ولدينا مشروع متكامل، ممكن أن يطول، لكن سنصل حتماً.
> وما تقييمكم لأداء الإعلام الليبي في ظل وجود اتهامات لبعض المحطات بأنها إحدى أدوات المال السياسي؟
- الإعلام يسهم عادةً في استقرار البلاد أو العكس، وليبيا تعاني من استخدامات المال السياسي، واختلاف توجهات الإعلام، فالكثير منها لا يخدم ليبيا باستثناء بعض القنوات. وفي ظني، معاناتنا ستستمر بسبب هذه التوجهات إلى أن نصل إلى وحدة البلاد، لكن نرجو من الإعلام دعم السلام في البلاد... يجب أن يكون السلام هدفاً مشتركاً من الإعلام المحلي والدولي أيضاً.
> انتهت الورشة التي نظمتها الأمم المتحدة وحضرها 60 شخصية ليبية تحت عنوان «الوسطاء المحليون» إلى إنشاء شبكة وطنية للوسطاء... ما طبيعة عمل هذه الشبكة، وما الفارق بينها وبين مجلسكم؟
- هذه الورشة التي دُعيتُ إليها شملت عديداً من الوجهاء والنشطاء والوسطاء الداعين للمصالحة والعاملين عليها، والأمم المتحدة تحاول فهم كيف تعمل الوساطة المحلية، وما الدعم الذي يمكن تقديمه لها، وأظن أن الورشة لم تأتِ بجديد. ويمكنني القول إن الحضور كان جيداً، والتوصيات التي خرجت بها الورشة تصب في التطلعات التي يرغب فيها الوسيط المحلي، ولا فرق بينها وبين عملنا، غير أن هذه الشبكة تُدعم لوجستياً من البعثة، ونحن نأمل أن تعمل الأمم المتحدة على حل المشكلة الليبية جذرياً، وليس بإنشاء شبكات وسطاء جديدة، وما سبق يوحي لنا بأن الاشتباكات في البلاد مستمرة لفترة طويلة، فالأمم المتحدة عاجزة، أو لا ترغب في إنهائها أو معالجة أسبابها بتشكيل حكومة قوية تسهم في استقرار ليبيا، ولهذا تريد استمرار الوسطاء المحليين في فض النزاعات، ونرجو أن يكون الأمر غير ذلك.
> أخيراً... هل هذه الحلول ستصمد أمام المطالبين بجبر الضرر والمطالبة بالحقوق عما لحقهم من الحروب السابقة؟
- الحل الآن بات مفوضاً لليبيين عن طريق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن الدولي، بمقتضى الاتفاق السياسي الذي وقِّع في مدينة الصخيرات المغربية نهاية ديسمبر (كانون الأول) عام 2015، ونرى في مجلس الأعيان أنه الإطار الوحيد للحل، ولن نخرج عن ذلك، كما ندرك أيضاً أن القضية الليبية تم تدويلها، ورغم ذلك لن نترك العمل من أجل بلادنا ولن ندع التدويل يثنينا عن استقراره، لهذا أعددنا رؤية كاملة وواقعية للحل في ليبيا تبدأ بعقد اجتماعي أو ميثاق تتفق عليه المدن والقبائل، ويتضمن في أول بنوده تأجيل الخصومة أو المطالبة بالحقوق لفترة زمنية معينة حتى يتحقق الأمن والاستقرار، عقب ذلك يتم التعداد السكاني برعاية الأمم المتحدة، والاستفتاء على القضايا الخلافية، والاستفتاء على دستور دائم للبلاد، يحدد شكل الدولة ونظام حكمها، دون إقصاء أحد، على أن تكون هذه الخطة محددة زمنياً بمدة لا تتجاوز سنة ونصف السنة، وبعدها سينتصر الوطن بعون الله.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.