الوثيقة الروسية لمؤتمر سوتشي: جيش وأمن تحت الدستور... و«إدارات ذاتية»

{الشرق الأوسط} تنشر مسودة بيان «الحوار السوري» المطابقة لمبادئ دي ميستورا واقتراح تشكيل ثلاث لجان

لافروف ورئيس «الهيئة التفاوضية» المعارضة نصر الحريري في موسكو أمس (أ ف ب)
لافروف ورئيس «الهيئة التفاوضية» المعارضة نصر الحريري في موسكو أمس (أ ف ب)
TT

الوثيقة الروسية لمؤتمر سوتشي: جيش وأمن تحت الدستور... و«إدارات ذاتية»

لافروف ورئيس «الهيئة التفاوضية» المعارضة نصر الحريري في موسكو أمس (أ ف ب)
لافروف ورئيس «الهيئة التفاوضية» المعارضة نصر الحريري في موسكو أمس (أ ف ب)

نصت مسودة وثيقة «مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي، التي صاغتها موسكو، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، على ضرورة تشكيل «جيش وطني يعمل بموجب الدستور»، وأن تلتزم أجهزة الأمن «القانون وحقوق الإنسان»، إضافة إلى تأكيد الحكومة السورية «الوحدة الوطنية» وتوفير «تمثيل عادل لسلطات الادارات الذاتية».
ومن المقرر، وفق التصور الروسي، أن يؤدي مؤتمر سوتشي حال تأكد انعقاده يومي 29 و30 من الشهر الحالي لتشكيل ثلاث لجان: لجنة رئاسية للمؤتمر، ولجنة خاصة بالإصلاحات الدستورية، ولجنة للانتخابات وتسجيل المقترعين.
وإذ بدأت موسكو دعوة «مراقبين» من دول فاعلة إقليمياً ومصر والدول المجاورة لسوريا مثل لبنان والعراق والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن و«الضامنين» لعملية آستانة، لا تزال الاتصالات الروسية - التركية - الإيرانية جارية لإقرار قائمة المدعوين السوريين، حيث سلمت موسكو، طهران وأنقرة، قوائم ضمت 1300 سوري، مقابل تسليم طهران قوائم ضمت شخصيات مدرجة على قائمة العقوبات الدولية. وتعترض أنقرة على أي مشاركة مباشرة أو غير مباشرة لممثلي «الاتحاد الديمقراطي الكردي» أو «وحدات حماية الشعب» الكردية. وتقترح موسكو دعوة ممثلي الإدارات الذاتية من العرب والأكراد.
وتلعب محادثات رئيس «الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة برئاسة نصر الحريري مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي أجريت مساء أمس، دوراً حاسماً في قرار المشاركة في سوتشي، خصوصاً وسط وجود معارضة من فصائل مسلحة وتعقيدات فرضتها العملية العسكرية التركية في عفرين شمال حلب. وتجنب الحريري تسلم دعوة رسمية إلى سوتشي قبل لقائه لافروف. وأكد الحريري أهمية الانتقال السياسي ورفع المعاناة عن المناطق المحاصرة والانخراط في مفاوضات سياسية جدية لتطبيق «بيان جنيف» والقرار 2254، وقال: «لن نقف ضد أي طرح يخدم مفاوضات جنيف».
في موازاة ذلك، يعقد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لقاءً مع نظرائه البريطاني بوريس جونسون والفرنسي جان إيف لودريان والأردني أيمن الصفدي ودول إقليمية رئيسية لإقرار مسودة «لا ورقة» أعدها مساعدو خمسة وزراء في واشنطن قبل أسبوعين، وتضمنت سلسلة من المبادئ السياسية التوافقية التي سيحملها تيلرسون للتفاوض على أساسها مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وقال مسؤول غربي اطلع على الوثيقة الخماسية إنها تتضمن تأكيداً على إجراء إصلاحات دستورية وتحديد صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والإدارات المحلية تمهيداً لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة، إضافة إلى وجود ربط واضح بين مساهمة الدول الغربية بإعادة إعمار سوريا وتحقيق الانتقال السياسي.
ويأتي هذا اللقاء الخماسي، الذي يعقد في باريس اليوم على هامش مؤتمر يتعلق بمنع انتشار السلاح الكيماوي واستعماله، خصوصاً في سوريا، قبل استضافة فيينا الجولة التاسعة من مفاوضات السلام بين وفدي الحكومة والمعارضة يومي الخميس والجمعة المقبلين. وإذ أكد وفدا الحكومة و«الهيئة التفاوضية العليا» المعارضة حضور مفاوضات فيينا، لم يُعرف موقف دمشق من أسئلة وجهتها الأمم المتحدة إزاء العملية الدستورية والإصلاح الدستوري والانتخابات وعلاقة الأمم المتحدة بذلك، وسط تمسك دولي بأن تكون العملية بموجب القرار 2254 ومسار جنيف الدولي.
وستكون جولة فيينا بمثابة اختبار لمدى رغبة أو قدرة موسكو على استخدام نفوذها على دمشق لتحقيق «اختراق دستوري» قبل انعقاد مؤتمر سوتشي.

مبادئ دي ميستورا
وكان لافتاً أن الجانب الروسي وضع البنود الـ12 التي أعدها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا باعتبارها مبادئ الحل السياسي، وسلمها إلى وفدي الحكومة والمعارضة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) ضمن مسودة وثيقة مؤتمر سوتشي، خصوصاً أن رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري رفض الخوض في مبادئ دي ميستورا قبل الانتهاء من محاربة الإرهاب وسحب وفد المعارضة بيانها الذي صدر في الرياض، خصوصاً ما يخص الرئيس بشار الأسد. وقال مسؤول غربي: «سيكون صعباً على دمشق أن ترفض هذه المبادئ في سوتشي»، لافتاً إلى أن موسكو أرادت من إدراج المبادئ الـ12 ضمن وثيقة سوتشي، إقناع الأمم المتحدة بمشاركة دي ميستورا في مؤتمر «الحوار السوري» في المنتجع الروسي، بعدما وضع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش سلسلة معايير لحضور الأمم المتحدة في «مؤتمر الحوار السوري»، بينها أن يعقد لمرة واحدة، وألا يتحول إلى مسار مستمر، وأن تكون مخرجاته ضمن مسار جنيف وداعماً له، إضافة إلى قيام الرئيس الأسد بإعلان موقف علني بـ«التزام إجراء إصلاحات دستورية لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة بموجب القرار 2254».
وجاء في مسودة وثيقة سوتشي، التي حصلت «الشرق الأوسط» على نصها، أن أعضاء وفد مؤتمر «الحوار الوطني السوري» الذين قد يصل عددهم إلى 1600 شخص «يمثلون كافة شرائح المجتمع السوري ومختلف قواه السياسية والمدنية والعرقية والدينية والاجتماعية»، حيث إنهم «اجتمعوا بناءً على دعوة من دولة اتحاد الجمهوريات الروسية الصديقة بمدينة سوتشي لوضع حد لمعاناة شعبنا التي دامت سبع سنوات للوصول إلى تفاهمات مشتركة لإنقاذ وطننا من براثن المواجهات المسلحة، ومن الدمار الاجتماعي والاقتصادي، ولاستعادة كرامة بلادنا ووضعها على المسرح الإقليمي والدولي، ولصيانة الحقوق الأصيلة والحريات لجميع أبناء شعبنا، وأهمها حق العيش في سلام وحرية بمنأى عن أي شعور بالخوف أو الجزع».
وتابعت الوثيقة أن «السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو التسوية السياسية للتحديات التي يواجهها وطننا استناداً إلى 12 مبدأ»، هي: «الاحترام والتمسك الكامل بسيادة واستقلال ووحدة أراضي وشعب الجمهورية العربية السورية، وعدم السماح بالاتجار بأي جزء من أراضي البلاد، والعمل على استعادة هضبة الجولان المحتلة من خلال كافة السبل القانونية الممكنة وفق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي»، إضافة إلى «الاحترام والتمسك بالسيادة الوطنية لسوريا شأن باقي دول العالم وحق شعبها في عدم تدخل الآخرين في شؤونه الداخلية» وأنه «على سوريا العمل على استعادة دورها على المسرح العالمي والإقليمي، بما في ذلك دورها في العالم العربي، وفق ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه ومبادئه». وإذ نص البند الثالث على «حق الشعب السوري وحده تحديد مستقبله من خلال العملية الديمقراطية وعن طريق الانتخابات وحقه وحده تقرير نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي من دون أي تدخل خارجي أو ضغوط بما يتلاءم مع حقوق وواجبات الشعب السوري على المسرح الدولي»، أشار البند الرابع إلى أن «سوريا دولة ديمقراطية وغير طائفية تستند إلى مبادئ التنوع السياسي والمساواة بين المواطنين بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو العرق. وسيادة القانون مصانة إلى أبعد مدى، وكذلك مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء والتنوع الثقافي للمجتمع السوري والحريات العامة، ومنها حرية المعتقد، ووجود حكومة منفتحة ومسؤولة تعمل وفق التشريعات الوطنية، وتُكلف بتنفيذ مهام مكافحة الجريمة والفساد وإساءة استخدام السلطة».
ولدى مقارنة «الشرق الأوسط» بين ورقة دي ميستورا ووثيقة سوتشي، فإنهما متطابقتان بنسبة كبيرة. لكن لوحظ أن الجانب الروسي استعمل عبارة «الجمهورية العربية السورية» وليس «سوريا». كما أن الجانب الروسي لم يشر إلى الأكراد، كما ورد في وثيقة «الهيئة» المعارضة التي سلمته إلى فريق المبعوث الدولي. ونص البند الخامس في وثيقة سوتشي أن «تلتزم الحكومة بتحقيق الوحدة الوطنية والتوافق الاجتماعي، والتنمية الشاملة والمتوازنة مع التمثيل العادل لدى سلطات الحكم الذاتي»، علماً بأن ورقة المبعوث الدولي تحدثت عن «إدارات محلية» وليس «حكماً ذاتياً». وقد يكون سبب الاختلاف أن الجانب الروسي استند إلى نص مكتوب باللغة الروسية في صوغ وثيقة سوتشي.
وكغيرها من الوثائق الدولية، بما فيها القرار 2254، التي نصت على الحفاظ على المؤسسات تخوفاً من تكرار نموذجي العراق أو ليبيا، نص البند السادس على «التزام الحكومة بتعزيز المؤسسات الحكومية خلال تنفيذها للإصلاحات، بما في ذلك حماية البنية الاجتماعية والممتلكات الخاصة والخدمات العامة لجميع المواطنين من دون استثناء وفق أعلى المعايير الإدارية المثلى والمساواة بين الجنسين. وعند تفاعلهم مع الحكومة، على المواطنين الاستفادة من آليات العمل التي توفرها سيادة القانون وحقوق الإنسان وحماية الممتلكات الخاصة».
جيش وطني دستوري
وبالنسبة إلى الجيش، جاء في البند السابع أنه «على الجيش الوطني الاضطلاع بمسؤولياته على أكمل وجه وفق نصوص الدستور ووفق أعلى المعايير. يضطلع الجيش ضمن مهامه بحماية حدود البلاد وشعبها من التهديدات الخارجية والإرهاب، وعلى أجهزة الاستخبارات والأمن القومي حماية أمن البلاد وفق مبادئ سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان بحسب نصوص الدستور والقانون، ويجب أن يكون استخدام القوة مقتصراً على تفويض من مؤسسات الدولة ذات الصلة».
ولم تستخدم الوثيقة عبارة «جيش مهني» أو «إصلاح الجيش وتفكيك بعض أجهزة الأمن»، كما كانت تطالب المعارضة السورية. لكن البند الثامن نص على «الرفض القاطع لكافة أشكال الإرهاب والتفرقة المناطقية، والعمل على مواجهتهما وتعزيز مناخ التنوع الثقافي»، إضافة إلى «مراعاة حماية واحترام حقوق الإنسان والحريات، خصوصاً خلال وقت الأزمات، بما في ذلك عدم التفرقة بين المواطنين وضمان المساواة في الحقوق بين الجميع بصرف النظر عن اللون والدين والعرق والثقافة واللغة والجنس وغيرها. والعمل على إيجاد الآليات الفعالة لضمان المساواة في الحقوق السياسية وعدالة الفرص المتاحة للنساء، وذلك بمراعاة صناع القرار تمكينهن بهدف الوصول إلى نسبة تمثيل 30 في المائة للنساء لتحقيق التوازن بين الجنسين».
وتضمنت البنود الأربعة المتبقية «صيانة واحترام الشعب السوري وهويته الوطنية وثرائه التاريخي ولقيمه التي غرسها فيه دينه وحضارته وتراثه على مدى الزمان، ومن ذلك التعايش بين مختلف الفصائل الاجتماعية، وكذلك صيانة التنوع التراثي والثقافي الوطني» و«مكافحة الفقر ومساندة الفئات الاجتماعية المعوزة والأكثر احتياجاً إلى الدعم» و«صيانة وحماية التراث الوطني والبيئة للأجيال القادمة وفق المعاهدات الدولية الخاصة».
وختمت مسودة الوثيقة، التي يمكن أن تصدر في نهاية مؤتمر سوتشي في 30 من الشهر الحالي، بالقول: «نحن ممثلو الشعب السوري نعيش مأساة حقيقية، ولدينا من الشجاعة ما يكفي لمواجهة قوى الإرهاب الدولي، ونعلن عن تصميمنا على استعادة كياننا ورخاء بلادنا لكي ينعم جميع أبناء شعبنا بالراحة والسعادة. وفي سبيل تحقيق ذلك، فقد وافقنا على تشكيل لجنة دستورية تضم وفد الجمهورية العربية السورية ووفد المعارضة ذوي التمثيل الواسع لتولي عملية الإصلاح الدستوري بهدف المساهمة في تحقيق التسوية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254. ولذلك فإننا نلتمس من تكليف الأمين العام للأمم المتحدة تكليف مبعوث خاص لسوريا للمساعدة في عمل اللجنة الدستورية في جنيف».
ويتوقع أن تكون الفقرة الأخيرة المتعلقة بالإصلاحات الدستورية موضع تفاوض بين الأمم المتحدة وموسكو، باعتبار أن الأمم المتحدة تريد وضوحاً أكثر في مرجعية القرار 2254، وتنفيذه لدى الحديث عن الإصلاحات الدستورية، وأن يتم ذكر تفاصيل تتعلق بالرقابة والإشراف الأمميين وتفاصيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إضافة إلى بند رئيسي يتعلق بمشاركة الأمم المتحدة في اختيار أعضاء اللجنة الدستورية، وألا يقتصر دور دي ميستورا على استضافة جولات تفاوضية بين أعضاء اللجنة الدستورية.



الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يصعّدون اقتصادياً ضد الحكومة اليمنية

مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)
مسلحون حوثيون يسيرون في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد للحرب الاقتصادية، تواصل الجماعة الحوثية فرض قيود مشددة على حركة الاستيراد في اليمن، عبر منع دخول البضائع القادمة من المنافذ البحرية والبرية الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وإجبار التجار والمستوردين على تحويل شحناتهم إلى مواني الحديدة الخاضعة لسيطرتها.

وتأتي هذه الخطوة، في وقت تعاني تلك المواني تراجعاً حاداً في قدرتها التشغيلية؛ نتيجة الضربات الأميركية والإسرائيلية التي لحقت بها خلال الأشهر الماضية.

وتؤكد مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة تحتجز منذ أسابيع عشرات الشاحنات في المنافذ الجمركية التي استحدثتها على خطوط التماس؛ بذريعة مخالفة التعليمات الجديدة التي تُلزم المستوردين بإدخال بضائعهم عبر مواني الحديدة فقط.

عشرات الشاحنات محتجزة في المنافذ الجمركية التي استحدثها الحوثيون (إعلام محلي)

وتشير المعلومات، إلى أن هذه الإجراءات تستهدف بالدرجة الأولى تعظيم الموارد المالية للجماعة، بعد أن فقدت نحو 75 في المائة من العائدات الجمركية التي كانت تحصل عليها من البضائع الداخلة عبر المواني الخاضعة للحكومة.

وحسب المصادر، فإن من بين أبرز السلع التي طالتها القيود الحوثية، شحنات الأخشاب المستوردة، التي جرى منع دخولها رغم عدم شمولها بقرارات وزارتي المالية والتجارة التابعتين للجماعة بشأن المواد المحظورة.

ابتزاز منظم

وتوضح المصادر، أن الحوثيين يحاولون عقد صفقات مع التجار، تسمح بدخول الشحنات المحتجزة مقابل تعهدات خطية بعدم الاستيراد مستقبلاً عبر المنافذ الحكومية، في خطوة وُصفت بأنها «ابتزاز اقتصادي منظم».

وتشير إلى أن هذه السياسة تتزامن مع تراجع كبير في كفاءة ميناء الحديدة، الذي تضررت معظم أرصفته ورافعاته، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بـ«ميناء رأس عيسى» المخصص لاستقبال الوقود.

تراجع القدرة التشغيلية لميناء الحديدة بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية (إعلام محلي)

وعلى الرغم من فشل الجماعة في إعادة تشغيل الميناء بطاقته السابقة، فإنها لجأت إلى توجيه السفن نحو «ميناء الصليف» الأقل تضرراً، مع تقديم حوافز مالية وإدارية للمستوردين، مقابل تمرير بضائعهم عبر هذه المواني وتسويقها حتى في مناطق سيطرة الحكومة.

وفي هذا السياق، يؤكد الجانب الحكومي، أن الحوثيين لا يكتفون بتقديم الإغراءات، بل يمارسون ضغوطاً مباشرة على المستوردين لتحويل مسار شحناتهم.

وتشمل هذه الضغوط، تسهيلات تتجاوز خفض سعر الدولار الجمركي، لتصل إلى السماح بدخول سلع مخالفة للمواصفات الخليجية المعتمدة في اليمن؛ ما يشكل تهديداً مباشراً للسوق المحلية وصحة المستهلكين، مستغلين رفض الحكومة استحداث نقاط رقابة في مناطق التماس، على غرار ما قامت به الجماعة.

احتكار القمح

لم تقتصر سياسات الجماعة الحوثية على السلع المستوردة، بل امتدت إلى المواد الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها القمح والطحين. إذ منعت استيراد الطحين بحجة قدرتها على توفيره محلياً عبر المطاحن الموجودة في الحديدة، بعد أن قامت باستئجار «مطاحن البحر الأحمر» من مالكيها. غير أن مصادر تجارية تؤكد، أن الطاقة الإنتاجية لهذه المطاحن لا تغطي حتى نصف احتياجات السكان، وهو ما ينطبق أيضاً على إنتاج القمح المحلي.

وتوضح البيانات، أن المساحات المزروعة بالقمح في محافظة الجوف لا تنتج سوى أقل من 5 في المائة من احتياجات السوق، ومع ذلك يُباع القمح المحلي بأسعار تفوق المستورَد بشكل كبير، حيث يبلغ سعر كيس القمح (50 كيلوغراماً) نحو 20 ألف ريال يمني، مقارنة بنحو 12 ألف ريال للقمح المستورَد؛ ما يجعله غير قادر على المنافسة في السوق الحرة. (الدولار نحو 535 ريالاً يمنياً في مناطق سيطرة الحوثيين).

تحوّل مَزارع القمح في الجوف مصدرَ ثراء لقيادات حوثية (إعلام محلي)

وتتهم المصادر مسؤولي وزارة الصناعة والتجارة، ومصلحة الجمارك التابعة للجماعة الحوثية، بتعمد خلق اختناقات تموينية؛ بهدف تصريف مخزون القمح المحلي المكدس نتيجة ضعف الإقبال عليه.

كما كشفت عن دور ما يُعرف بـ«الحارس القضائي» في مصادرة مساحات واسعة من أراضي زراعة القمح في الجوف؛ بحجة ملكيتها لشخصيات مؤيدة للحكومة، قبل منحها لقيادات حوثية تستثمرها مقابل توريد نسب محددة من العائدات إلى حسابات خاصة بالجماعة.

ولم يتوقف العبث عند هذا الحد؛ إذ جرى - حسب المصادر - تأجير معظم مزارع القمح من الباطن لتجار نافذين، يحصلون على أموال طائلة من المال العام والمساعدات، تحت غطاء دعم الإنتاج الزراعي. وأسهمت هذه الممارسات، إلى جانب غياب الإرشاد الزراعي، في فشل مشاريع القمح المحلية، وفاقمت الأزمات التموينية وارتفاع الأسعار بين الحين والآخر.

وتكشف معلومات، من القطاع التجاري عن صراع متصاعد بين مستوردي القمح والمستثمرين المرتبطين بالجماعة؛ نتيجة إجبار المستوردين على شراء القمح المحلي مرتفع السعر، محمّلين هذه السياسات، مسؤولية تكرار الأزمات التموينية، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين وخارجها.


لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

لماذا يرى الحوثيون اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» تهديداً مباشراً؟

أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)
أشخاص متجمعون أمام لوحة إعلانية رقمية في صنعاء تحمل صورة زعيم الحوثيين (إ.ب.أ)

في تصعيد جديد يربط بين الجبهات الإقليمية المفتوحة، أدخل الحوثيون ملف «أرض الصومال» على خط المواجهة مع إسرائيل، محذرين من أن أي وجود إسرائيلي في الإقليم الانفصالي سيكون «هدفاً عسكرياً».

التحذير جاء بعد إعلان إسرائيل الاعتراف بـ«أرض الصومال»، في خطوة أثارت ردود فعل واسعة في أفريقيا والعالمين العربي والإسلامي، وأعادت خلط أوراق الصراع الممتد من غزة إلى البحر الأحمر وخليج عدن.

وقال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، في بيان نقله إعلام الجماعة، إن الاعتراف الإسرائيلي يمثل «عدواناً على الصومال واليمن وأمن المنطقة»، معتبراً أن تل أبيب «تسعى إلى إيجاد موطئ قدم عسكري واستخباراتي» عند أحد أهم الممرات البحرية في العالم. وذهب أبعد من ذلك، حين لوَّح باعتبار «أي وجود إسرائيلي في الإقليم هدفاً مشروعاً» لقوات جماعته.

وتتمتع «أرض الصومال» التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عن جمهورية الصومال عام 1991، بموقع استراتيجي بالغ الحساسية عند مدخل خليج عدن، وبالقرب من مضيق باب المندب، أحد أكثر طرق التجارة الدولية ازدحاماً. وعلى الرغم من استقرارها النسبي مقارنة ببقية الصومال، فإنها ظلت لعقود بلا اعتراف دولي رسمي، ما أبقاها في عزلة سياسية واقتصادية.

ترجيحات بأن يستثمر الحوثيون الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال» لحشد مزيد من المقاتلين (أ.ب)

ويرى محللون أن أي اعتراف إسرائيلي بالإقليم يمنح تل أبيب نافذة مباشرة على البحر الأحمر، ويعزز قدرتها على مراقبة خطوط الملاحة، وربما تنفيذ عمليات عسكرية أو استخباراتية ضد خصومها، وعلى رأسهم الحوثيون في اليمن.

ويأتي ذلك في سياق مواجهة مفتوحة منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حين شن الحوثيون هجمات بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة على أهداف إسرائيلية، وعلى سفن مرتبطة بها، قبل أن تتراجع وتيرة الهجمات مع الهدنة الهشة في غزة.

سبب هلع الحوثيين

مصادر سياسية ترى أن مخاوف الحوثيين لا تتعلق فقط بالبعد «الرمزي» للقضية الفلسطينية؛ بل بحسابات أمنية مباشرة. فوجود إسرائيلي محتمل في أرض الصومال يعني -من وجهة نظرهم- تطويقاً استراتيجياً لهم من الجنوب الغربي، بعد أن باتت إسرائيل حاضرة عسكرياً واستخباراتياً في مساحات متعددة من البحر الأحمر.

كما يخشى الحوثيون أن يتحول الإقليم إلى منصة دعم لعمليات إسرائيلية تستهدف مواقعهم في اليمن، بخاصة في ظل الغارات الإسرائيلية المتكررة التي نُفذت خلال الأشهر الماضية، وأدت إلى قتل كثير من قادتهم العسكريين والسياسيين.

الحوثيون أقروا بمقتل قائد طيرانهم المسيَّر بعد تكتم دام 9 أشهر (إ.ب.أ)

ويعزز هذه المخاوف الحديث في تقارير إعلامية عن إمكانية استخدام «أرض الصومال» ضمن ترتيبات إقليمية أوسع، شملت سابقاً تسريبات عن تهجير محتمل لفلسطينيين من غزة، وهو ما تعتبره الجماعة جزءاً من «مشروع تفتيت» تقوده إسرائيل في المنطقة.

في المقابل، صعَّد مجلس الحكم الانقلابي الحوثي (المجلس السياسي الأعلى) من لهجته، محذراً من أن أي نشاط إسرائيلي في الأراضي الصومالية «لن يُنظر إليه كأمر واقع»، ومؤكداً أن أمن الصومال «جزء لا يتجزأ» من أمن الجماعة، ودعا الدول المطلة على البحر الأحمر إلى اتخاذ خطوات عملية لمنع ما وصفه بـ«الاختراق الإسرائيلي».


اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
TT

اقتصاد اليمن: تعافٍ هش وأزمات تعززها الحرب والانقسامات

مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)
مخاوف اليمنيين من تردي الأحوال تزداد في ظل عدم الاستقرار الأمني والسياسي (البنك الدولي)

يواجه الاقتصاد اليمني مرحلة بالغة الهشاشة، في ظل استمرار الصراع، والانقسام المؤسسي، وتراجع مصادر الدخل العامة، حيث تشير التقارير الدولية إلى استمرار الانكماش والنمو الضعيف، وارتفاع معدلات التضخم، وتدهور العملة المحلية، ما يفاقم الضغوط المعيشية على السكان، إلا أنها تتجاهل، وفق خبراء، اقتصاد الظل والقدرة على التكيف.

وتؤكد المؤسسات الدولية، مثل «البنك الدولي»، و«صندوق النقد الدولي»، أنّ تعطل صادرات النفط، وتعدد السلطات النقدية، وضعف الإيرادات الحكومية، أسهمت في إطالة أمد الأزمة الاقتصادية، وتقويض قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية، في ظل اعتماد متزايد على المساعدات الخارجية والتحويلات المالية.

وتُحذر التقارير من أن أي تحسن اقتصادي مستدام، بعد التحسن الذي شهدته العملة المحلية، سيظل مرهوناً بالاستقرار السياسي والأمني، ونجاح الإصلاحات المالية والاقتصادية الشاملة.

إلا أن تقارير ودراسات الجهات والمنظمات الدولية والأممية تعاني قصوراً في فهم واقع الاقتصاد والحياة الاقتصادية باليمن، وفق يوسف شمسان، الباحث اليمني في «الاقتصاد السياسي للحرب»؛ كونها «تبحث في القيمة المضافة للاقتصاد الكلي الرسمي، وتتجاهل القيمة المضافة للاقتصاد غير الرسمي، خصوصاً في زمن الحروب».

يمني يعدّ ما بحوزته من أوراق نقدية قبل التوجه إلى السوق (أ.ف.ب-أرشيفية)

ويوضح شمسان، لـ«الشرق الأوسط»، أن الاقتصاد غير الرسمي في أوقات الحرب يتنوع بين الجبايات والتهريب وريع العقود الحكومية والمساعدات الإنسانية، والتي يمكن الحصول على الناتج الفعلي بإضافتها إلى الاقتصاد الرسمي.

ويستغرب «عدم إدخال الحياة الاقتصادية العامة في حسابات مُعِدّي التقارير حول الاقتصاد اليمني لدى تلك الجهات، وهذه الحياة تتمثل بإعادة الإنتاج والتكيف مع الأوضاع التي فرضتها الحرب، والحصول على وسائل إنتاج جديدة».

ويلفت إلى أن نسبة «اقتصاد الظل» في اليمن وصلت إلى أكثر من 35 في المائة حالياً، وتتمثل الأنشطة الجديدة لهذا الاقتصاد في اللوجستيات الحربية والنقل والإمداد العسكري والقطاعات العسكرية غير الرسمية، والعمل لدى المنظمات الإغاثية، وغير ذلك مما لا يظهر في الناتج القومي للاقتصاد الرسمي.

شروط التعافي

ويكشف «صندوق النقد الدولي»، الذي استأنف زياراته للبلاد بعد أكثر من 11 عاماً من الانقطاع وأصدر بياناً ختامياً لمشاوراته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن انخفاض حاد في الإيرادات الحكومية من 22.5 في المائة من الناتج في 2014، إلى أقل من 12 في المائة العام الماضي.

رغم إشارات التطمين بعد تعافي العملة اليمنية لم تتحسن القدرة الشرائية للسكان بشكل كافٍ (رويترز)

ووفقاً للصندوق، ارتفع الدَّين العام إلى أكثر من 100 في المائة من الناتج المحلي، مع استمرار الانكماش الاقتصادي والتضخم، ومع توقعات بنمو متواضع يبدأ العام المقبل، ثم يتسارع تدريجياً حتى 2030 إذا استمرت الإصلاحات التي اتبعتها الحكومة خلال هذا العام.

ويؤكد «البنك الدولي» أن الاستقرار السياسي والأمني هو مفتاح تعافي اليمن اقتصادياً، ومِن دونه ستظل الضغوط الاقتصادية الوطنية، مثل التضخم، وفقدان الوظائف، وانكماش الناتج، تتفاقم أكثر. ويشير إلى أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية والغذائية يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة.

وكان «مجلس القيادة الرئاسي» قد أصدر، نهاية أكتوبر الماضي، قرارات بشأن الإصلاحات الاقتصادية، مِن بينها توحيد تحصيل الإيرادات وتحرير الدولار الجمركي؛ بغرض تمكين الدولة من السيطرة على مواردها السيادية، وضبط الاختلالات الناتجة عن تعدد مراكز التحصيل.

البنك الدولي يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي باليمن وارتفاع أسعار الغذاء (أ.ف.ب)

وفي الأشهر السابقة، اتخذ «البنك المركزي اليمني»، في العاصمة المؤقتة عدن، إجراءات وقرارات مكّنته من السيطرة على سوق العملات النقدية، وأدت إلى ارتفاع سعر العملة المحلية وتعافيها بما يقارب 45 في المائة.

استمرار المخاوف

استعاد الريال اليمني بعض قيمته، هذا العام، بعد مسيرة تدهور شهدتها الأعوام الماضية، وتسارع بشدة خلال منتصف العام الحالي، ليصل إلى قرابة 3 آلاف ريال مقابل الدولار، قبل أن يتمكن «البنك المركزي» بإجراءاته الرقابية والمالية، من العودة به إلى 1630 ريالاً لكل دولار.

ويشدد محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في «جامعة تعز»، على ضرورة حصول «البنك المركزي اليمني» على كامل الاستقلالية في إدارة القطاع المصرفي ومواجهة الانقسام وفي سعر صرف العملة المحلية، بمواصلة السياسات النقدية والسياسات المعززة لها.

«البنك المركزي اليمني» تمكّن من تحسين وضع العملة المحلية بعد إجراءات مشددة (رويترز)

ويتمثل ذلك، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، في تفعيل التشريعات الخاصة بالإنفاق العام بما يتناسب مع ظروف مواجهة الحرب وآثارها الجانبية، وترشيد نفقات مسؤولي السلطات المحلية، وإلغاء المخصصات المالية الممنوحة مركزياً، وتحويل نفقاتها إلى مصادر الإيرادات المحلية والمشتركة.

وإلى جانب ذلك، يرى أهمية كبرى لتفعيل الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة، لتؤدي دورها في مواجهة الغلاء وتشجيع الاستيراد المباشر عوضاً عن الاستيراد عبر دول وسيطة، ومنع استيراد السلع المستهلكة ومنتهية الصلاحية، والتي تتسبب بأضرار كبيرة على الاقتصاد المحلي والمستهلكين.

وينوه «البنك الدولي» بتلقّي اليمن دعماً خارجياً من السعودية وصل إلى بضعة مليارات خلال العامين الماضيين، ما أسهم في منع الانهيار، إلا أنه لم يعالج جذور الأزمة الاقتصادية التي تعود أسبابها إلى «الصراع واستمرار انقسام البلاد تحت نظامين نقديين».

تحذيرات من زيادة الفقر والبطالة وارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية باليمن (البنك الدولي)

وتُواجه الحكومة اليمنية المعترَف بها دولياً كثيراً من الصعوبات، وتفتقر إلى الموارد، وتعجز عن الحصول على إيرادات تصديرية، خصوصاً في قطاع النفط والغاز بسبب العمليات العدائية للجماعة الحوثية.

ويتوقّع «البنك الدولي»، في آخر إصدارته حول اليمن، انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.5 في المائة، مع ارتفاع أسعار الغذاء وتدهور القوة الشرائية، وتراجع الثقة في الاقتصاد الوطني بفعل انخفاض الإيرادات الحكومية وزيادة معدلات الفقر والبطالة، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي.