الاشتراكيون الديمقراطيون يقرون مبدأ الائتلاف الحكومي مع ميركل

مفاوضات تشكيل الحكومة ستستمر حتى مارس المقبل

المستشارة الألمانية في طريقها لعقد مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
المستشارة الألمانية في طريقها لعقد مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
TT

الاشتراكيون الديمقراطيون يقرون مبدأ الائتلاف الحكومي مع ميركل

المستشارة الألمانية في طريقها لعقد مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
المستشارة الألمانية في طريقها لعقد مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)

أقر الاشتراكيون الديمقراطيون في ألمانيا، أمس، مبدأ تشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل، مع العلم بأن تشكيل هذه الحكومة يواجه عقبات سياسية كثيرة. وابتداء من اليوم، يباشر الاشتراكيون الديمقراطيون برئاسة مارتن شولتز، محادثاتهم مع المحافظين بقيادة ميركل، للاتفاق على «عقد ائتلافي»، من المفترض أن يكون خريطة طريق الحكومة المقبلة. وفي أحسن الأحوال، فإن الحكومة لن ترى النور قبل منتصف مارس (آذار)، أي بعد ستة أشهر من الانتخابات التشريعية التي لم تفرز أكثرية واضحة في مجلس النواب الألماني.
ورحبت ميركل مساء أمس بهذه النتيجة؛ لكنها لاحظت أن «عددا كبيرا من القضايا لا يزال يتطلب معالجة (...) وينتظرنا عمل كثير». ولم يكن التصويت لصالح هذا الائتلاف الحكومي سهلا خلال مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي أمس، إذ لم يحصل مؤيدو الائتلاف سوى على 56 في المائة من أصوات مندوبي الحزب الـ642.
وكان شولتز قد وجه، الأحد، نداء حارا، دعا فيه مندوبي مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى التصويت إلى جانب الائتلاف مع المحافظين بقيادة ميركل، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وكان شولتز قد قال قبل بدء أعمال المؤتمر أمس، مخاطبا المندوبين الاشتراكيين الديمقراطيين، إن «الجمهورية تتطلع إليكم، وأعرف أيضا أن كثيرين في كل أنحاء أوروبا يتطلعون أيضا إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي».
وبعد إعلان النتيجة، أعرب شولتز عن «ارتياحه»، مقرا في الوقت نفسه بأن «النتيجة تؤكد أنّنا كنا بحاجة للقتال» للوصول إليها.
إلا أن هذا الاقتراع لا يعني بالتأكيد أن الائتلاف الكبير بين الاشتراكيين والديمقراطيين سيحكم ألمانيا، كما حصل بين عامي 2005 و2009 وبين 2013 و2017؛ ذلك أن نتيجة المفاوضات بين الطرفين ستعرض أيضا على مؤتمر الحزب الاشتراكي الديمقراطي للموافقة عليها.
وعلى غرار أعضاء المؤتمر، فإن محازبي الحزب الاشتراكي الديمقراطي منقسمون أيضا إزاء جدوى الاستمرار في هذا التحالف بقيادة المستشارة ميركل، التي لا تزال في السلطة منذ 12 عاما. فهناك قسم من ناشطي الاشتراكيين يعتبرون أن ميركل هي المستفيدة الوحيدة من الائتلاف، بينما تراجعت شعبية الاشتراكيين وتلقوا ضربة خلال الانتخابات التشريعية في سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما لم يحصلوا سوى على 20.5 في المائة من أصوات الناخبين.
ويرى الجناح اليساري داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أن الحزب قدم تنازلات كثيرة لميركل خلال مرحلة الائتلاف السابقة، في ميادين الصحة وسياسة الهجرة والمالية العامة. ووعد شولتز الأحد بأن يكون حازما خلال مناقشة هذه النقاط مع ميركل، وبأنه سيقوم بدراسة حصيلة هذا الائتلاف بعد سنتين لاتخاذ قرار المضي فيه أو الانسحاب منه.
مما لا شك فيه أن أكثر المرتاحين لهذه النتيجة هي المستشارة ميركل، بعد أن فشل المحافظون في تأمين أكثرية داخل «البوندستاغ» خلال الانتخابات التشريعية في سبتمبر الماضي، وبعد أن فشلت محاولتها في تشكيل ائتلاف حكومي مع الخضر والليبراليين.
وفي حال فشلت بالاتفاق مع الاشتراكيين الديمقراطيين، فستكون مضطرة إلى تشكيل حكومة أقلية ضعيفة، أو الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. وسبق أن رفضت ميركل حتى الآن أيا من هذين الخيارين.
ففي حال إجراء انتخابات مبكرة، من الممكن أن يشكل الأمر فرصة لليمين الألماني المتطرف لتحسين النتائج التي حققها في سبتمبر الماضي، عندما جمع حزب البديل لألمانيا 13 في المائة من الأصوات، ما ساهم في جعل مسألة تأمين أكثرية في «البوندستاغ» أكثر صعوبة.
وكان هذا الحزب قد ركّز هجماته في حملته الانتخابية على سياسة الهجرة التي انتهجتها ميركل، وأتاحت استقبال أكثر من مليون لاجئ منذ عام 2015، كما جعل من الإطاحة بميركل هدفه الأول. وباتت ميركل تواجه اليوم تحدي تشكيل حكومة مع اليسار، مع العلم أن عليها أن ترضي الميول اليمينية جدا لقسم لا يستهان به من قاعدتها الانتخابية.
والأحد، رحب مسؤول كبير في المفوضية الأوروبية بموافقة الاشتراكيين الديمقراطيين على مبدأ تشكيل ائتلاف مع ميركل، وكتب مارتن سلماير على «تويتر»: «خبر جيد جدا من أجل أوروبا أكثر وحدة وقوة وديمقراطية».
بدوره، اعتبر مفوض الشؤون الاقتصادية الفرنسي بيار موسكوفيسي، الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي، أن «أوروبا تحتاج إلى اشتراكية ديمقراطية ملتزمة وبناءة». وحظيت موافقة الاشتراكيين الديمقراطيين أيضا بترحيب رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني.
وبعد «بريكست» وتنامي نفوذ اليمين المتطرف والمناهضين للمسار الأوروبي في أنحاء عدة من القارة الأوروبية، قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سلسلة اقتراحات لإصلاح الاتحاد الأوروبي. وفي حين استقبل الاشتراكيون الديمقراطيون اقتراحات ماكرون بالترحاب، كان رد فعل المحافظين باردا إزاءها. وكانت المستشارة الألمانية قد التقت ماكرون، الجمعة، في باريس، وأعربا عن الرغبة في العمل معا لدفع الملفات الأوروبية قدما.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟