فريق أممي لمراقبة العقوبات بشأن «القاعدة» إلى إسلام أباد قبل نهاية الشهر

لمتابعة الخطوات التي اتخذتها الحكومة الباكستانية لمكافحة التطرف الديني

حافظ سعيد مؤسس جماعة «الدعوة» المطلوب أميركياً (غيتي)
حافظ سعيد مؤسس جماعة «الدعوة» المطلوب أميركياً (غيتي)
TT

فريق أممي لمراقبة العقوبات بشأن «القاعدة» إلى إسلام أباد قبل نهاية الشهر

حافظ سعيد مؤسس جماعة «الدعوة» المطلوب أميركياً (غيتي)
حافظ سعيد مؤسس جماعة «الدعوة» المطلوب أميركياً (غيتي)

من المقرر أن يقوم فريق مراقبة العقوبات التابع لمجلس الأمن الدولي بزيارة إلى إسلام أباد في الأسبوع الأخير من يناير (كانون الثاني) الجاري لمراقبة الخطوات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الباكستانية في مواجهة تنظيم «القاعدة» والجماعات التابعة له داخل باكستان، ومن ضمنها جماعة «عسكر طيبة»، و«جماعة الدعوة» التي أسسها حافظ سعيد المطلوب أميركياً.
وأفاد المسؤولون الباكستانيون بأن فريق مراقبة العقوبات التابع لمجلس الأمن الدولي سيقوم بزيارة إلى إسلام أباد في رحلة تستمر يومين بدءاً من الخميس القادم، بغرض تقييم مدى التزام باكستان بالعقوبات الدولية المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة.
ونقل أكبر موقع إخباري باكستاني عن مسؤول رفيع قوله إن «فريق الأمم المتحدة المكلف بمراقبة العقوبات التابع لمجلس الأمن والمشكل بالقرار رقم 1267 الخاص بمواجهة تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له، سيصل إلى العاصمة إسلام آباد في 25 و26 يناير الجاري».
ومن المقرر أن يجتمع الفريق بمسؤولين باكستانيين ويقوم بزيارة إلى بعض المناطق بالبلاد لمراقبة الخطوات التي اتخذتها الحكومة الباكستانية لمكافحة التطرف الديني وأنشطة الجماعات الإرهابية في هذا الشأن.
وتأتي زيارة فريق المراقبة التابع لمجلس الأمن الدولي وسط ضغوط متزايدة تمارسها واشنطن على باكستان بسبب ما تعتبره الولايات المتحدة تراخيا في الالتزام بالعقوبات المفروضة على حافظ سعيد مؤسس «الدعوة» والمئات من المدارس الدينية وعلى الجماعات المرتبطة به.
الجدير بالذكر، أن حافظ سعيد داعية متشدد وأحد مؤسسي جماعة «عسكر طيبة»، وقد اتهمته الهند بالضلوع في اعتداءات مومباي عام 2008، وعرضت الولايات المتحدة 10 ملايين دولار مكافأة للقبض عليه.
وصرحت المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الأميركية، هيثر نوريت، أول من أمس، بأن الولايات المتحدة قد «عبرت عن مخاوفها لباكستان بشأن الداعية المتشدد حافظ سعيد وطالبت بمعاقبته إلى أقسى حد يتيحه القانون الباكستاني». وأشارت إلى أن اسم حافظ سعيد وضع على قائمة الإرهاب الأميركية.
وجاء رد الفعل الأميركي عقب تصريح رئيس الوزراء الباكستاني شاهد خاقان عباسي في مقابلة تلفزيونية بأنه «ليست هناك دعاوى قضائية على حافظ سعيد في باكستان. ولو أن هنا دعوى لكنا قد اتخذنا إجراء ضده. فهذا الأمر يثار كثيرا، لكن ينقصه الحقيقة». وقد وصف المسؤولون الباكستانيون زيارة فريق مراقبة الأمم المتحدة بالزيارة الروتينية التي ستمنح المسؤولين الباكستانيين الفرصة لإبلاغ فريق الأمم المتحدة بالخطوات التي اتخذتها بلادهم بشأن التزامها بقرارات الأمم المتحدة.
الفكرة السائدة في باكستان هي أن قرار مجلس الأمن رقم 1267 لا يلزم الحكومة الباكستانية بوضع حافظ سعيد خلف القضبان. والحكمان القضائيان اللذان صدرا عن محكمة لاهور العليا في هذا الشأن خلال السنوات التسع الماضية بحق «جماعة الدعوة» وحافظ سعيد يؤكدان وجهة النظر السائدة في باكستان. ورغم أن حكم المحكمة لم يمنع الحكومة الباكستانية من تطبيق قرارات الأمم المتحدة، فإنه كذلك حكم بأن القرارات لم تنص صراحة على اعتقال زعيم الجماعة ولا أعضائها. وجاء نص حكم المحكمة كالتالي: «فيما يخص قرار الأمم المتحدة، ليس أمامنا ما يمكن أن نعتد به، ولذلك يمكن للحكومة أن تسير على الخطى نفسها نصا وروحا. ولا ينبغي عليها أن تقدم على تنفيذ الاعتقال طالما أنه غير واجب».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟