أركون يحلل المسألة الأخلاقية والفقهية في الفكر الإسلامي

في كتاب صدر له بعد رحيله بثلاثة أشهر

أركون يحلل المسألة الأخلاقية والفقهية في الفكر الإسلامي
TT

أركون يحلل المسألة الأخلاقية والفقهية في الفكر الإسلامي

أركون يحلل المسألة الأخلاقية والفقهية في الفكر الإسلامي

هذا هو آخر كتاب صدر لمحمد أركون بالفرنسية بعد رحيله بثلاثة أشهر فقط، وهو يتحدث فيه عن موضوع الساعة؛ أي المشاكل الأخلاقية والفقهية والسياسية التي تشغل العالم العربي والإسلامي حاليا. وقد أراد توسيع المسألة الأخلاقية لكي تشمل ليس فقط المسار العربي الإسلامي وإنما الأوروبي الغربي أيضا؛ فالغرب مأزوم أخلاقيا ويعاني انحرافات خطيرة وإن كانت أزمته من نوع آخر. لقد أراد البروفسور أركون دراسة المسألة الأخلاقية والفقهية القانونية من جميع أبعادها، ومن خلال الماضي والحاضر على حد سواء. وهو يهدف من خلال هذا الكتاب إلى تحرير الفكر العربي من السجن الدوغمائي المتحجر الذي رسخته حركات الإسلام السياسي والأصولية الإسلاموية منذ عام 1970. والواقع أن الخطاب الديني المهيمن علينا حاليا يجهل أو يتجاهل المكتسبات الإيجابية والتحريرية العظمى للحداثة الأوروبية. وهو بجهله هذا يحرم نفسه الأدوات الفكرية والمعرفية النقدية التي من دونها سوف يظل على هامش حركة التاريخ والعولمة الكونية. وبالتالي فلا يكفي أن نجتر إلى ما لا نهاية أقوال الفقهاء القدامى وفتاواهم أيا تكن أهميتهم ومكانتهم. فالماضي مضى ولن يعود. لا ريب في أنه ينبغي الاطلاع على منجزات الفكر الإسلامي الكلاسيكي فيما يخص هذه المسائل وبخاصة منجزات الفلاسفة والمعتزلة وكبار الفقهاء والعلماء. ولكن ينبغي تجاوزها لأن حلولهم كانت مبدعة ومناسبة بالنسبة لعصرهم لا بالنسبة لعصرنا. على هذا النحو يحصل التواصل والقطيعة مع التراث. نأخذ منه روحه، جوهره، حسه الأخلاقي، ونطرح القشور والقوالب المتكلسة. هناك قيم روحانية وأخلاقية عالية في التراث الإسلامي الكبير. ولكن ينبغي تحيينها، تجسيدها، نفض الغبار عنها، ثم صهرها داخل بوتقة الحداثة. على هذا النحو تحصل المصالحة التاريخية بين الأصالة والمعاصرة، أو بين الإسلام والحداثة.
يتألف الكتاب من أربعة فصول كبيرة تتفرع إلى أقسام كثيرة. الفصل الأول يستعرض التقلبات التي طرأت على المسألة الأخلاقية داخل الفكر الإسلامي عبر مساره الطويل. وهنا يتحدث أركون عن المصادر الأساسية الثلاثة للأخلاق: أي الدين، والفلسفة، والثورات العلمية التي تعاقبت على أوروبا منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم. ثم يتحدث أستاذ تاريخ الفكر الإسلامي السابق في السوربون عن ذلك التوتر الصراعي الشهير بين العقل والإيمان. وهنا يقيم مقارنة مضيئة بين الأخلاق السائدة في الحضارة الرأسمالية الغربية، والأخلاق السائدة في ظل الأنظمة الإسلاموية الأصولية. ونلاحظ أنه ينتقد بقوة كلتا الجهتين. أركون لم يكن ينتقد فقط دوغمائية الجهة الإسلامية وطابعها القمعي على المستوى الأخلاقي. لاحظ الكبت الجنسي الرهيب مثلا أو ملاحقة المرأة على كل شاردة وواردة والاشتباه بها، ناهيك عن حد الرجم في الأنظمة الأصولية الطالبانية أو رش وجوههن النضرة بحامض الأسيد لتشويه جمالهن، ناهيك عن جرائم الشرف المرعبة، إلخ. ما علاقة كل ذلك بالأخلاق الحقيقية؟ وإنما كان ينتقد أيضا وبالحدة نفسها إباحية الغرب وتحلله من كل القيود واختزال الأخلاق إلى مجرد براغماتية منفعية أو إشباع للغرائز الاستهلاكية. لاحظ كيف يتحدثون الآن عن زواج الشواذ، أو عن استئجار بطون الأمهات! شيء مرعب ويدل على أنها حضارة فقدت صوابها وثوابتها الأخلاقية. لحسن الحظ أن هناك مقاومة لهذا التوجه الانحرافي داخل المجتمع الفرنسي نفسه. نعم هناك شرائح كبيرة من الرأي العام تقف في وجه هذا الانزلاق الخطير الذي قد يدمر العائلة ويقضي على الحضارة الإنسانية بكل بساطة. بمعنى آخر فإن المسألة الأخلاقية معكوسة: من جهتنا هناك زيادة في الكبت والحرمان، ومن جهتهم زيادة في التسيب المادي الشهواني وانعدام كل الضوابط والكوابح. هكذا نلاحظ أن العالم الإسلامي يعاني شيئا والعالم الغربي يعاني عكسه. ولكن خير الأمور أوساطها كما يقول التراث الإسلامي الكبير وكما يقول المعلم الأول أرسطو أيضا. فالكرم حد متوسط بين الإسراف والبخل، والشجاعة حد متوسط بين التهور والجبن، وقس على ذلك. وقد كان أركون فيلسوف التوازن والاعتدال: لا إفراط ولا تفريط.
لا أستطيع أن أدخل في كل متاهات هذا الكتاب المكثف الذي يتأرجح باستمرار بين تحليل نواقصهم وتحليل نواقصنا عن طريق منهج المقارنة المضيء لكلتا الجهتين.
في الفصل الثاني من الكتاب يتحدث أركون عن الحقوق الإنسانية داخل الفضاء التاريخي للبحر الأبيض المتوسط. وهو فضاء واسع يشمل العالم العربي من جهة والعالم الأوروبي من جهة أخرى. بمعنى آخر فإنه يشمل كلتا الضفتين، كما يقول جاك بيرك؛ فنحن نعيش على ضفة وهم يعيشون على الضفة الأخرى، ولا يفصل بيننا إلا هذه البحيرة الهادئة التي تدعى: البحر الأبيض المتوسط. كم قطعناها مرارا وتكرارا عندما ننتقل بالطائرة من الرباط أو تونس أو الجزائر أو بيروت أو الإسكندرية إلى باريس ومدريد وروما إلخ؟ وهنا يطرح أركون هذا السؤال: هل يمكن التحدث عن أصول إسلامية لحقوق الإنسان؟ ثم يقيم مقارنة نافعة جدا بين الإعلان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدره سالم عزام في اليونيسكو بتاريخ19-9-1981 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948. في الحالة الأولى تتخذ حقوق الإنسان الصفة الإسلامية وفي الحالة الثانية الصفة العلمانية الكونية: بمعنى أنها موجهة إلى جميع شعوب الأرض أيا تكن أديانها وأعراقها أو تراثاتها ولغاتها. إنها تنطبق على الإنسان في كل زمان ومكان دون أي تمييز. ونلاحظ أن أركون يرفض صفة العالمية أو الكونية التي ادعاها عن غير حق إعلان سالم عزام. لماذا؟ لأن الإعلام الإسلامي لحقوق الإنسان خاضع للمرجعيات الدينية الإسلامية التي لا تنطبق إلا على المسلمين؛ فهي مرفوضة من قبل الشعوب الأخرى سواء أكانت مسيحية أم يهودية أم بوذية أم كونفوشيوسية أم هندوسية إلخ.. بمعنى آخر وحده الإعلان العلماني لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمم المتحدة ينطبق على الجميع ويستحق لقب الكونية. وهو إعلان يستمد مرجعيته الفكرية من فلسفة الأنوار لكانط وجان جاك روسو ومونتسكيو.. إلخ. وهنا يكمن الفرق بين مرجعية الحداثة ومرجعية التراثات الدينية الخصوصية. فالتراث البوذي مثلا محصور بالبوذيين ولا يعترف به المسلمون أو اليهود أو سواهم، وربما لا يعرفونه أصلا. إنه مقدس بالنسبة للبوذيين فقط. نقطة على السطر. وقل الأمر ذاته عن التراثات الدينية الأخرى أيا تكن عظمتها وسعة انتشارها عالميا. وحدها الفلسفة التنويرية العقلانية تنطبق على الجميع دون استثناء. بهذا المعنى فإن فلسفة الأنوار كونية في حين أن التراثات الدينية تظل خصوصية ومحصورة بأصحابها. ولكن رغم كل ذلك فإن أركون يعترف للإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان بميزة أساسية: وهي أنه يعترف بشيء اسمه إنسان أو حقوق إنسانية. فهذا شيء مرفوض من قبل المتطرفين. من هو الإنسان حتى نعترف به؟ إنه لا شيء، إنه حشرة.. وقل الأمر ذاته عن الديمقراطية حاليا؛ فمشاركة قوى الإسلام السياسي في العمليات الانتخابية أكبر دليل على أنها تراجعت عن فكرة الحاكمية الثيوقراطية واعترفت بالحاكمية الشعبية مصدرا أعلى للشرعية. ولكنهم الآن أصبحوا يعترفون بحكم الشعب على الأقل ظاهريا. هكذا نلاحظ أن الحداثة تتغلغل في العالم العربي حتى عن طريق الأصوليين! وهنا يكمن مكر العقل في التاريخ. إنه يستخدم حتى أعداء التقدم لتحريك عجلة التقدم! وهي فكرة هيغلية بامتياز كما هو معلوم.
لا أستطيع التوقف عند كل فصول هذا الكتاب المهم ولكن لا يمكن أن أختتم هذا العرض قبل التوقف عند الفصل الثالث الذي يتخذ العنوان التالي «الأديان التوحيدية على أفق 2010» بحثا عن معنى المستقبل. وحده الفصل الرابع والأخير سوف أهمله ليس لأنه الأقل أهمية ولكن لأن المجال يضيق. لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. يلاحظ المفكر الجزائري الكبير أن المسيحية الأوروبية متفوقة على اليهودية والإسلام من حيث الانفتاح على الحداثة والتخلص من دوغمائيات القرون الوسطى. وقد تجلى ذلك بعد المجمع الكنسي المشهور باسم الفاتيكان الثاني حيث تصالحت المسحية البابوية مع الحداثة وقدمت تنازلات كبيرة لها. أما المذهب البروتستانتي فكان قد تصالح مع الحداثة قبل ذلك التاريخ بزمن طويل وسبق الكاثوليك إلى ذلك. وسبب ليبرالية المسيحية الغربية واستنارتها أنها تعيش في أحضان مجتمعات أوروبية ديناميكية جدا ومغموسة بالحداثة العلمية والفلسفية من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها. هذا في حين أن المجتمعات الإسلامية تشهد موجة تتريث هائلة منذ انتصار الخميني عام 1978 بل وحتى منذ ظهور حركة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا عام 1928. وبشكل من الأشكال يمكن اعتبار الخميني «إخوان مسلمين» وإن كان شيعي المذهب؛ فقد خرج على أصول التشيع الكلاسيكي عندما سيّس المذهب مثل حسن البنا، ودعا إلى حكم ولاية الفقيه. وهو المعادل الموضوعي لمفهوم الحاكمية عند المودودي وسيد قطب. في كلتا الحالتين تبقى الكلمة الأخيرة لرجل الدين. ويرى أركون أن الإسلام السياسي الحالي بكلا شقيه أحدث قطيعتين خطيرتين على المستوى المعرفي؛ القطيعة الأولى كانت مع التراث الإنساني والفلسفي العقلاني للعصر الذهبي المجيد الذي يشمل القرون الستة الأولى من عمر الإسلام، حيث أشرقت أنواره على العالم. بعدئذ انهارت الحضارة الإسلامية ودخلنا في العصور السكولائية التكرارية الاجترارية أو ما يدعى بعصر الانحطاط، ولا نزال غاطسين فيها حتى الساعة. وأما القطيعة الثانية التي نعانيها فهي مع الحداثة الأوروبية المتواصلة استكشافا وعلما وفهما منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم؛ فهي أيضا مجهولة أو مرفوضة من قبل حركات الإسلام السياسي التي تعد الغرب بمثابة الشيطان الأكبر. وبالتالي فتشطب ليس فقط على سياساته الظالمة وإنما أيضا على كل حضارته بما فيها الجوانب الأكثر تحريرا للروح البشرية. وهكذا يذهب الصالح بجريرة الطالح ونحرم أنفسنا فتوحات الحداثة العلمية وكنوزها الفلسفية التي لا تقدر بثمن. وهكذا نؤبد تخلفنا إلى الأبد. على نفسها جنت براقش! وكنتيجة لهاتين القطيعتين الكبيرتين، الأولى مع الذات، والثانية مع الآخر، فإننا نعاني حاليا ما نعانيه.
أخيرا يرى أركون ما يلي، وهنا أصل إلى عمق تفكيره وبيت القصيد: نحن بحاجة إلى الخروج من السياجات الدوغمائية المغلقة لكل الطوائف والمذاهب دون استثناء. كل واحد مدعو للخروج من جلده، من سجنه، من قفصه. ولكن هذا لا يكفي، في رأيه، وإنما ينبغي الخروج أيضا من الدوغمائية العلمانية المتطرفة للغرب ذاته. لا ريب في أن معارك فولتير وسواه كانت مشروعة في القرن الثامن عشر ضد الطائفية والمذهبية ويشكر على ذلك كل الشكر. ولكن تحليله للظاهرة الدينية لم يعد كافيا الآن. إنه يبدو اختزاليا أو تبسيطيا أكثر من اللزوم. تحليل كانط كان أعمق منه وأنضج بكثير؛ فالدين أخطر مما نتصور وأعقد من ذلك، ولا يمكن القضاء عليه بهذه الطريقة. يمكن القضاء على الأصولية الدينية ولكن ليس على العاطفة الدينية السامية. لا أحد يستطيع القضاء على الدين، معاذ الله! يمكن القضاء على الفهم الانغلاقي والمتعصب للدين، ولكن ليس على الدين ذاته كما توهم فلاسفة التنوير الراديكالي. الدين سيبقى إذن بعد عملية التفكيك الفلسفية الهائلة التي يدعو إليها أركون، والتراث الإسلامي سوف يظهر عندئذ على حقيقته بكل نقائه وعظمته وسموه بعد عملية التفكيك - أو التعزيل - هذه لا قبلها. وهذا يعني أننا دخلنا في صيرورة رهيبة نرى بداياتها ولا يعلم إلا الله نهاياتها. وهنا تكمن أكبر مغامرة استكشافية -وأخطر مغامرة! - في تاريخ الفكر العربي. ولا يمكن للعرب أن يصلوا إلى بر الأمان، إلى الشاطئ الآخر، إلا بعد خوض غمراتها.



«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد
TT

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر» عنوان لافت لمختارات نقلها عن الأردية المترجم هاني السعيد للشاعر الباكستاني أفضال أحمد سيد الذي يُعد أحد رواد قصيدة النثر في باكستان. وصدر الكتاب حديثاً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة «آفاق عالمية» بالقاهرة.

يقول الشاعر، في كلمته التي كتبها خصوصاً بمناسبة صدور هذه الترجمة العربية الأولى لقصائده، إن «هذا الحدث المبهج» أعاد إلى ذاكرته تلك الأيام التي تعرف فيها للمرة الأولى إلى الشعراء العرب فصار أسيراً لسحرهم ومغامراتهم الشعرية مثل امرئ القيس وأبي نواس وأبي تمام والمتنبي... وغيرهم.

ويذكر أفضال أن لمسلمي شبه القارة الهندية الباكستانية علاقة خاصة باللغة والثقافة العربيتين، وهذا هو السبب في أن الترجمات الأردية للشعراء والكتّاب العرب تحظى بشعبية كبيرة لدى القراء الباكستانيين وخاصة الأسماء المشهورة مثل أدونيس ومحمود درويش ونزار قباني وفدوى طوقان، فضلاً عن الروائيين نجيب محفوظ والطيب صالح ويوسف زيدان.

وأشار إلى أنه حين كان طالباً في الجامعة الأميركية ببيروت في الفترة من سنة 1974 إلى 1976، أتيحت له فرصة ثمينة للتعرف المباشر إلى الثقافة العربية التي وصفها بـ«العظيمة»، وهو ما تعزز حين سافر إلى مصر مرتين فأقام بالقاهرة والإسكندرية والسويس ودمياط، حيث لا يمكن له أن ينسى مشهداً ساحراً وهو التقاء النيل بالبحر المتوسط في منطقة اللسان بمدينة رأس البر التابعة لدمياط. وضمن سياق القصيدة التي تحمل عنوان الكتاب يقول الشاعر في مستهل مختاراته:

«اخترع المغاربة الورق

الفينيقيون الحروف

واخترعت أنا الشعر

اخترع الحب القلب

صنع القلب الخيمة والمراكب

وطوى أقاصي البقاع

بعت أنا الشعر كله

واشتريت النار

وأحرقت يد القهر».

وفي قصيدة بعنوان «الهبوط من تل الزعتر»، يرسم الشاعر صورة مثيرة للحزن والشجن لذاتٍ مُمزّقة تعاني الفقد وانعدام الجذور قائلاً:

«أنا قطعة الغيم

المربوطة بحجر

والملقاة للغرق

ليس لي قبر عائلي

من أسرة مرتزقة

عادتها الموت

بعيداً عن الوطن».

ويصف تجليات الحرب مع الذات والآخرين في نص آخر بعنوان «لم يتم منحي حياة بكل هذه الوفرة»، قائلاً:

«وصلتني أنهاري عبر صفوف الأعداء

فشربت دائماً بقايا حثالات الآخرين

اضطررت إلى التخلي عن موسم فارغ للأمطار

من ترك وصية لي

لأعرف ما إذا كان

هو نفسه الذي كانت تحمله امرأة بين ذراعيها وهي تتوسل إلى الخيالة

والتي بقيت طوال حياتها

تحاول حماية وجهها

من البخار المتصاعد من خياشيم الخيل

لا أعرف ما إذا كان

هو نفسه

الذي ربطته أمه في المهد».

وتتجلى أجواء السجن، نفسياً ومادياً، والتوق إلى الحرية بمعناها الإنساني الشامل في قصيدة «إن استطاع أحد أن يتذكرني»؛ حيث يقول الشاعر:

«حل الشتاء

صدر مجدداً الإعلان

عن صرف بطاطين صوف للمساجين

تغير طول الليالي

وعرضها ووزنها

لكنّ ثمة حُلماً يراودني كل ليلة

أنه يتم ضبطي وأنا أهرب من بين القضبان

أثناء تغير الفصول

في الوقت الذي لا يمكن أسره بمقياس

أقرأ أنا قصيدة».

وأفضال أحمد سيد شاعر ومترجم باكستاني معاصر، ولد في 26 سبتمبر (أيلول) 1946 في غازي بور التابعة لمقاطعة أتربرديش بالهند، قبل تقسيم الهند وباكستان وبنغلاديش؛ حيث بدأ فيها أيضاً حياته المهنية بالعمل في وزارة الزراعة الائتلافية هناك وعند تقسيم باكستان وبنغلاديش 1971، انتقل مع أسرته إلى مدينة كراتشي الباكستانية.

بدأ أفضال كتابة الشعر 1976 وأصدر 5 مجموعات شعرية هي «تاريخ منتحل» 1984، «خيمة سوداء» 1986، «الإعدام في لغتين» 1990، «الروكوكو وعوالم أخرى» 2000، ثم أصدرها مجمعة باعتبارها أعماله الشعرية الكاملة 2009 بعنوان «منجم الطين»، كما أصدر في مطلع 2020 كتاباً يضم قصائده الأولى في الغزل.

وتمثل أغلب قصائده طفرة نوعية في قصيدة النثر الأردية التي ما زالت تعاني من الرفض والتهميش إلى حد كبير لحساب فن الغزل بمفهومه الفارسي والأردي التقليدي الذي ما زال مهيمناً بقوة في شبه القارة الهندية.

ترجم أفضال أعمالاً عن الإنجليزية والفارسية وهو من أوائل من ترجموا لغابرييل غارثيا ماركيز وجان جينيه، كما أصدر في مطلع 2020 ترجمته لمختارات من الشعر الفارسي.

درس أفضال أحمد سيد ماجستير في علم الحشرات بالجامعة الأميركية ببيروت بين عامي 1974 و1976، وذلك في بعثة علمية من الحكومة الائتلافية الباكستانية، فشهد الحرب الأهلية اللبنانية في أثناء إقامته هناك.

يعمل حالياً أستاذاً مساعداً في جامعة حبيب بكراتشي، وهو متزوج من الشاعرة الباكستانية البارزة تنوير أنجم.