الشرطة السودانية تلقي قنابل الغاز على مصلين ومحتجين في أحد معاقل أنصار المهدي

السلطات تعتقل مراسلَي وكالة الصحافة الفرنسية و«رويترز» و5 صحافيين محليين

صورة من مواقع التواصل الاجتماعي لمظاهرات شهدتها العاصمة الخرطوم أمس
صورة من مواقع التواصل الاجتماعي لمظاهرات شهدتها العاصمة الخرطوم أمس
TT

الشرطة السودانية تلقي قنابل الغاز على مصلين ومحتجين في أحد معاقل أنصار المهدي

صورة من مواقع التواصل الاجتماعي لمظاهرات شهدتها العاصمة الخرطوم أمس
صورة من مواقع التواصل الاجتماعي لمظاهرات شهدتها العاصمة الخرطوم أمس

تواصلت احتجاجات «الغلاء والخبز» في السودان لليوم الخامس على التوالي، وشهدت منطقة «ود نوباوي» بمدينة أم درمان، عمليات «كر وفر» بين المصلين والمحتجين وأجهزة الأمن استمرت لساعات، بعد صلاة الجمعة حول مسجد «السيد عبد الرحمن» أحد معاقل طائفة الأنصار وحزب الأمة القومي، بزعامة المعارض البارز والزعيم الديني الصادق المهدي. وأثناء ذلك، شهدت مدينة «ربك» وسط البلاد احتجاجات مشابهة، واحتج مواطنون في منطقة «بري» وسط شرق الخرطوم ضد ارتفاع الأسعار ومضاعفة سعر الخبز.
وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» أمس: إن المصلين في مسجد السيد عبد الرحمن، خرجوا في مظاهرة احتجاجية عقب صلاة الجمعة، وقابلتهم الشرطة وأجهزة الأمن بعنف لافت، مستخدمة الغاز المسيّل للدموع والهراوات لتفريقهم، داخل باحة المسجد وخارجه.
وأدان إمام المسجد محمد الحوار محمد، الذي يشغل منصب أمين الدعوة والإرشاد بهيئة شؤون الأنصار، في خطبة الجمعة أمس، العنف المفرط الذي واجه به النظام المحتجين على الغلاء، وطالب بإطلاق سراح المعتقلين، وإتاحة حرية التعبير السلمي للمواطنين.
واعتبر الحوار ما أطلق عليه استبداد نظام الحكم «منكراً، تغييره واجب شرعي»، ورأى أن «القعود عن مناصرة حق الحرية والكرامة ومدافعة الظلم والاستبداد سبيلاً لاختلال نظام الحياة، وانقراض الأمم واندثار القيم، وجلب اللعنة». ويعد «مسجد السيد عبد الرحمن ومنطقة ود نوباوي»، أحد معاقل طائفة الأنصار الدينية، التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي، وهي الطائفة الدينية الأكبر في البلاد، وينتمي تابعيها إلى «حزب الأمة القومي» أحد أكبر أحزاب المعارضة الرئيسية في البلاد.
وكان المهدي قد دعا في وقت سابق من الأسبوع الماضي، ضمن تحالف المعارضة السودانية، عضوية حزبه وأنصاره، إلى مواجهة نظام حكم الرئيس البشير وإسقاطه عبر السبل السلمية. وذكر الشهود، أن رجال الأمن اقتحموا المسجد بقوة كبيرة، وألقوا عدداً من قنابل الغاز المسيل للدموع داخله، وأشاروا إلى إن الشرطة ظلت تحاصر المكان منذ وقت مبكر من الصباح بقوة كبيرة تقدر بعشرات العربات المخصصة لمكافحة الشغب، والسيارات «نصف نقل».
ولم تكتفِ أجهزة الأمن بإلقاء قنابل الغاز داخل المسجد، بل دخلت إلى باحة المسجد، محاولة اعتقال متظاهرين محتجين، لكن مصلين نشطاء منعوهم من الدخول، فألقت المزيد من قنابل الغاز داخل باحة، وأبرحت المقاومين ضرباً بالعصي، واعتقلت أحد حراس المسجد.
وأوضح الشهود، أن القوة سارعت بمطاردة المحتجين والمصلين الخارجين من المسجد، عقب صلاة الجمعة، وألقت القبض على بعضهم، ومن بينهم شيوخ ومسنون. وفي الجوار، دارت معارك «كر وفر» بين المحتجين وقوات الأمن، انتقلت من الشارع العام، إلى الشوارع الفرعية، في «حي ودنوباوي» الشهير، معقل حزب الأمة وطائفة الأنصار. كما شهدت منطقة «بري» إلى الشرق من وسط الخرطوم، احتجاجات متفرقة، نفضها مواطنون، داخل الحي، وطوقت فيه الشرطة وقوات مكافحة الشغب والأجهزة الأمنية المنطقة لوقت طويل، ولم تلبث أن أطلقت الغاز المسيل للدموع في وسط الحي، وإحدى الأسواق الشعبية هناك «سوق أربعة».
وذكرت مصادر «الشرق الأوسط»، أن مئات المواطنين في مدينة «ربك» حاضرة ولاية النيل الأبيض جنوب البلاد، سيّروا مظاهرة احتجاجية ضد الغلاء، فرقتهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع والهراوات، ولم يتأكد بعد ما إن كانت السلطات قد ألقت القبض على متظاهرين ومحتجين هناك.
واندلعت احتجاجات شعبية منذ الثلاثاء الماضي، في أنحاء متفرقة من البلاد، أبرزها المظاهرة التي دعا لها الحزب الشيوعي السوداني، لرفض الغلاء وارتفاع أسعار الخبز والتنديد بالغلاء، وفرقتها السلطات الأمنية مستخدمة قوة كبيرة، وواجهتها بعنف مفرط، وألقت القبض خلالها على عدد من القادة السياسيين ونشطاء المجتمع المدني، وأبرزهم عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني صديق يوسف، البالغ أكثر من ثمانين عاماً.
وانتقلت التجمعات الاحتجاجية إلى مدينة أم درمان إثر دعوة من تحالف المعارضة المقدرة بثلاثين حزباً وتنظيماً، وعلى رأسها حزب الأمة القومي، والمؤتمر السوداني، والشيوعي، والبعث العربي، بيد أن السلطات أغرقت الميدان المخصص للتجمع بمياه الصرف الصحي، وحشدت قوة كبيرة واجهت المحتجين بالغاز والهروات، واعتقلت عدداً كبيراً منهم، ولا يزال أغلبهم يخضعون للاعتقال الأمني، وأبرزهم نائب رئيس حزب الأمة محمد عبد الله الدومة، وأمينه العام السابق إبراهيم الأمين. وتوعدت قوى المعارضة بمواصلة الاحتجاجات والمقاومة السلمية، حتى إسقاط نظام الحكم، وإقامة ما أسمته «بديلاً وطنياً ديمقراطياً»، وإعداد دستور دائم للبلاد.
ولا تزال أجهزة الأمن السودانية، تعتقل عشرات القادة السياسيين، ونشطاء المجتمع المدني، والصحافيين، ومن بينهم مراسل وكالة «رويترز» خالد عبد العزيز، ومراسل وكالة الصحافة الفرنسية، عبد المنعم أبو إدريس، و4 صحافيين محليين، الذين احتجزتهم السلطات منذ أول من أمس، أثناء تغطيتهم الاحتجاجات الشعبية ضد الغلاء. ونددت وكالتا الأنباء الشهيرتان باعتقال مراسلَيها، وذكرت أن السلطات وعدت بإطلاق سراحهما، بيد أن الرجلين لا يزالان قيد الاحتجاز في مكان مجهول من العاصمة الخرطوم.
وقالت لجنة حماية الصحافيين التي تتخذ من نيويورك مقراً لها: إن خمسة صحافيين محليين اعتقلوا أيضاً، ودعت إلى إطلاق سراحهم جميعاً على الفور. وقال شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اللجنة، في بيان: «من خلال اعتقال وترهيب الصحافيين ومصادرة الصحف ومحاولة الرقابة على نشر الأخبار، تواصل السلطات السودانية السعي لدفع الصحافيين إلى الالتزام بالروايات الرسمية وإلا دفعوا الثمن». وتفجرت مظاهرات واشتباكات مع قوات الأمن في أنحاء البلاد، بعد أن فرضت الخرطوم إجراءات اقتصادية صعبة تتسق مع توصيات من صندوق النقد الدولي.



الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)

أطلقت الجماعة الحوثية التي تختطف العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات أخرى في شمال البلاد، وعداً بسداد جزء من الدين الداخلي لصغار المودعين على أن يتم دفع هذه المبالغ خلال مدة زمنية قد تصل إلى نحو 17 عاماً، وذلك بعد أن صادرت الأرباح التي تكونت خلال 20 عاماً، وقامت بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية.

وتضمنت رسالة موجهة من فواز قاسم البناء، وكيل قطاع الرقابة والإشراف على المؤسسات المالية في فرع البنك المركزي بصنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة، ما أسماه آلية تسديد الدين العام المحلي لصغار المودعين فقط.

وحددت الرسالة المستحقين لذلك بأنهم من استثمروا أموالهم في أذون الخزانة، ولا تتجاوز ودائع أو استثمارات أي منهم ما يعادل مبلغ عشرين مليون ريال يمني (40 ألف دولار)، بحسب أرصدتهم الظاهرة بتاريخ 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

وسيتم الصرف - بحسب الرسالة - لمن تقدم من صغار المودعين بطلب استعادة أمواله بالعملة المحلية، وبما لا يتجاوز مبلغ نحو 200 دولار شهرياً للمودع الواحد، وهو ما يعني أن السداد سوف يستغرق 16 عاماً وثمانية أشهر، مع أن الجماعة سبق أن اتخذت قراراً بتصفير أرباح أذون الخزانة قبل أن تعود وتصدر قراراً بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية، ما يعني حرمان المودعين من الأرباح.

جملة شروط

حدد الحوثيون في رسالتهم التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» موعد تقديم طلب الاستعاضة بدءاً من شهر فبراير (شباط) المقبل، وبشرط الالتزام بالتعليمات، وإرفاق المودع البيانات والتقارير المطلوبة، وضرورة أن يتضمن الطلب التزام البنوك الكامل بتنفيذ التعليمات الصادرة من إدارة فرع البنك المركزي.

وهددت الجماعة بإيقاف الاستعاضة في حال المخالفة، وحمّلوا أي بنك يخالف تعليماتهم كامل المسؤولية والنتائج والآثار المترتبة على عدم الالتزام.

صورة ضوئية لتوجيهات الحوثيين بشأن تعويض صغار المودعين

ووفق الشروط التي وضعتها الجماعة، سيتم فتح حساب خاص للخزينة في الإدارة العامة للبنك لتقييد المبالغ المستلمة من الحساب، ويكون حساب الخزينة منفصلاً عن حسابات الخزينة العامة الأخرى، كما سيتم فتح حسابات خزائن فرعية مماثلة لها في الفروع، على أن تتم تغذيتها من الحساب الخاص للخزينة في الإدارة العامة.

ومنعت الجماعة الحوثية قيد أي عملية دائنة بأرصدة غير نقدية إلى حسابات العملاء بعد تاريخ 30 نوفمبر، إلا بموافقة خطية مسبقة من قبل فرع البنك المركزي بصنعاء.

ويشترط البنك الخاضع للحوثيين تسليمه التقارير والبيانات اللازمة شهرياً أو عند الطلب، بما في ذلك التغيرات في أرصدة العملاء والمركز المالي، وأي بيانات أخرى يطلبها قطاع الرقابة، خلال فترة لا تتجاوز خمسة أيام عمل من بداية كل شهر أو من تاريخ الطلب، مع استمرار الفصل الكامل بين أرصدة العملاء غير النقدية والأرصدة النقدية، وعدم صرف الإيداعات النقدية للعملاء لسداد أرصدة غير نقدية.

ومع ذلك، استثنى قرار التعويض صغار المودعين المدينين للبنك أو الذين عليهم أي التزامات أخرى له.

1.2 مليون مودع

وفق مصادر اقتصادية، يبلغ إجمالي المودعين مليوناً ومئتي ألف مودع لدى البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، في حين تقدر عائداتهم بثلاثة مليارات دولار، وهي فوائد الدين الداخلي، لكن الجماعة الحوثية تصر على مصادرة هذه الأرباح بحجة منع الربا في المعاملات التجارية والقروض.

الحوثيون حولوا مقر البنك المركزي في صنعاء إلى موقع للفعاليات الطائفية (إعلام حوثي)

وبحسب المصادر، فإن هذه الخطوة تأتي محاولةً من الجماعة الحوثية للتخفيف من آثار قرارهم بمصادرة أرباح المودعين بحجة محاربة الربا، حيث يعيش القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين حالة شلل تام بسبب التنفيذ القسري لقانون منع التعاملات الربوية، والذي قضى على مصداقية وثقة البنوك تجاه المودعين والمقترضين، كما ألغى العوائد المتراكمة لودائع المدخرين لدى البنوك، وعلى الفوائد المتراكمة لدى المقترضين من البنوك.

وأدى قرار الحوثيين بشطب الفوائد المتراكمة على أذون الخزانة والسندات الحكومية إلى تفاقم مشكلة ندرة السيولة في القطاع المصرفي؛ إذ تقدر قيمة أذون الخزانة والسندات الحكومية والفوائد المتراكمة عليها لأكثر من 20 سنة بأكثر من 5 تريليونات ريال يمني، وهو ما يعادل نحو 9 مليارات دولار، حيث تفرض الجماعة سعراً للدولار في مناطق سيطرتها يساوي 535 ريالاً.

كما جعل ذلك القرار البنوك في تلك المناطق غير قادرة على استرداد قروضها لدى المستثمرين، والتي تقدر بنحو تريليوني ريال يمني، والتي كانت تحصل على عوائد منها بما يقارب مليار دولار، والتي تبخرت بسبب قانون منع التعاملات الربوية.