دراما الحب والسلطة في حياة 30 ملكة فرعونية

حياة 30 ملكة من ملكات مصر عبر آلاف السنين نعيش فصولها في كتاب جديد للأثري المصري د. حسين عبد البصير، يحمل عنواناً دالاً على ما تضمه دفتيه «ملكات الفراعنة.. دراما الحب والسلطة». ويروي الكتاب حكايات تاريخية موثقة عن حياة الملكات، بداية من عهد الملكة «نيت حتب» في الأسرة الأولى المصرية القديمة، مروراً بالملكات العظيمات «حتشبسوت» و«تي» و«نفرتيتي» و«نفرتاري» و«تاوسرت»، وصولاً إلى الملكة المصرية الشهيرة كليوباترا السابعة. ويصدر الكتاب عن دار نشر «أنباء روسيا» بالقاهرة، ضمن سلسلة المصريات التي تصدرها الدار، كي يواكب افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب المقبل. ويستهل الكتاب بخريطة لمصر القديمة، مع تمهيد زمني لتاريخها. وقد كتب بلغة شيقة غير أكاديمية، مما يجعل قراءته متعة كبيرة تأخذ القارئ إلى عصور ما قبل التاريخ.
وقدم للكتاب عالم الآثار المصري العالمي الدكتور زاهي حواس، قائلاً: «(ملكات الفراعنة.. دراما الحب والسلطة) كتاب يجب أن يقرأه كل المصريين»، مضيفاً: «يأتي هذا الكتاب في توقيت مهم للغاية، حيث إن هذه أول مرة يُنشر فيها كتاب باللغة العربية عن ملكات مصر القديمة، بالإضافة إلى أن مؤلف الكتاب د. حسين عبد البصير أثري على مستوى عالٍ، وحصل على درجته العلمية في الآثار المصرية القديمة في جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأميركية، وأعطاه الله سبحانه وتعالى ملكة الكتابة، لذلك فإن هذا الكتاب يعتبر إضافة مهمة للمكتبة العربية».
ويضيف الدكتور حواس: «إن هذا الكتاب سوف يكون مفيداً لكل دارسي الآثار، ومضيفًا الجديد للمكتبة العربية التي تفتقد هذه النوعية من الكتب».
مؤامرات وصراعات، وقصص غرام وانتقام، يجسدها الكتاب، فتاريخ الفراعنة كان حافلاً بكثير من القصص الدرامية والمأساوية، فضلاً عن القصص العظيمة. يقول د. عبد البصير: «تاريخ مصر القديمة يحفل بذكر سير ملكات عظيمة، لكن كان بين ملكات مصر القديمة عدد قليل منهن من اللائي لم تكن على نفس القدر من أهمية المكانة التي تحظى بها، ولا بنفس القدر من القيم الأخلاقية التي أبدعتها مصر القديمة، قبل أن يولد فجر الضمير، وقبل أن يبزغ الوعي الأخلاقي والقيمي في العالم القديم».
ومن القصص المثيرة التي كشف عنها الكتاب لأول مرة قصة مؤامرة الملكة «ورت إمات إس» مع أحد الوزراء على زوجها الملك بيبي الأول، أحد أبرز ملوك الأسرة السادسة، التي ذكرها القاضي «وني الأكبر» في سيرته الذاتية، وهي من مقتنيات المتحف المصري بالتحرير، وكان الملك بيبي الأول قد كلفه بالتحقيق، وتعد تلك الواقعة الأولى في هذا الصدد. وهناك واقعة مشابهة حدثت من زوجة الملك رمسيس الثالث، من ملوك الأسرة العشرين، ضمها الكتاب أيضاً.
ويلفت د. عبد البصير إلى أن «هذا التحقيق يؤكد رقي الملك المصري القديم، الذي لم يشأ أن يتم اتهام زوجته الملكة ظناً، ودون قرائن إدانة، ودون تحقيق عادل، ودون التأكد من صحة ما نُسب إليها، على الرغم من أنه كان في استطاعته اتهامها منفرداً دون تحقيق، ودون أدلة إدانة، فلم تكن هناك سلطة تعلو سلطة الملك في مصر القديمة، فقد كان ابن الآلهة والممثل للسلطة الدينية والدنيوية على الأرض. غير أنه قام بعكس ذلك، واحترم القضاء العادل، وأسند الأمر إلى القاضي وني الأكبر، وكلفه بالتحقيق واستجلاء الأمر دون تدخل منه في مجريات التحقيق، مما يدل على فهم وتقدير واحترام المصريين القدماء، حكاماً ومحكومين، للعدالة التي أطلقوا عليها اسم (ماعت)، وجعلوا لها ربة تحمل اسمها».
أما عن تفاصيل المؤامرة، فيقول د. عبد البصير: «رفع تقريره للملك منفرداً، ولا نعرف على وجه الدقة ماهية المؤامرة التي قامت بها الملكة. وكان الموظف وني الأكبر من الحصافة بحيث إنه لم يخبرنا بطبيعة المؤامرة، ولا هوية الأطراف المشاركة فيها، ولا بنتيجة التحقيق، ولا مصير المتآمرين. ورجح البعض حدوث خيانة زوجية من هذه الملكة، ومال آخرون إلى الاعتقاد بأن الملكة تآمرت على إحدى الزوجات الأخريات لدى الملك، واعتقد فريق ثالث أنها قد تآمرت على أحد أبناء الملك من ملكة أخرى كي تعرقل طريقه للوصول إلى عرش مصر بعد صعود روح الملك بيبي الأول إلى السماء، ودخوله عالم الآلهة المبجلين بين ملوك مصر السابقين الخالدين».
ويكشف المؤلف: «لا نعلم على وجه التحديد ماهية العقاب الذي تم إنزاله بهذه الملكة، غير أنه من المرجح أنها اختفت من الأحداث وتاريخ الفترة، وتم تنحيتها. وهناك من يعتقد أنه تم إقصاؤها وولدها. وكان هذا أشد عقاب لها. وبالفعل، تزوج الملك بيبي الأول من ملكتين أخريين (عنخ إن إس بيبي الأولى) و(عنخ إن إس بيبي الثانية)». ويقول: «مصر القديمة كانت مثلها مثل أي مجتمع إنساني قديم أو معاصر فيه ما فيه من أطماع وأحقاد وغيرة وكراهية، مما يمتلئ به بعض ضعاف النفوس من البشر. غير أن المهم هنا هو سلوك الملك بيبي الأول المتحضر في تلك الواقعة المشينة، وهذا هو ما يعبر عن عظمة وروح مصر وتحضر المصريين قديماً ودوماً، وإيمانهم قديماً بقيمة الـ(ماعت) (العدالة)، دائماً وأبداً».
ويرجح د. عبد البصير أنه توجد مومياء تعرف بالمومياء الصارخة في المتحف المصري بالتحرير، ويعتقد أنها للابن «بنتاورت» الذي عاقبه الفرعون بقطع رأسه من الخلف.
أما فيما يخص لغز وفاة الملكة كليوباترا السابعة الذي حير الأثرين والمؤرخين، فيقول د. عبد البصير: «للأسف، لا يوجد شيء مؤكد سوى ما ذكره المؤرخ بلوتارخ، ولا يزال البحث جارياً عن مومياء الملكة كليوباترا، فإذا تم العثور عليها سوف يمكننا من خلال التقنيات الحديثة الكشف عن ملابسات موتها وجذورها العرقية وغيرها». ويحفل الكتاب بعدد من الصور التي تدعم محتواه الغني، واستند المؤلف إلى عدد كبير من المراجع الإنجليزية والفرنسية والألمانية، فضلاً عن خبرته الأثرية في مواقع الحفريات بالقاهرة والجيزة ومختلف محافظات مصر. ومؤلف الكتاب هو الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار والروائي والكاتب المصري المعروف الذي حصل على درجة الليسانس في الآثار المصرية القديمة في كلية الآثار بجامعة القاهرة، وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الآثار المصرية القديمة وتاريخ وآثار الشرق الأدنى القديم في جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأميركية، وألف عدداً من الكتب والمقالات العلمية والروايات، وشغل كثيراً من المناصب في الداخل والخارج، وأشرف وأدار العمل الأثري بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط والمتحف المصري الكبير بالجيزة.