حكايات التراث كالعادة همس الرمال - إخراج: الناصر خمير - تقييم: (***) من خمسة تبحث المرأة السورية الآتية من بلد هجرتها، كندا، (نورة صلاح الدين)، عن صخرة بيضاء تتوسط شلالين في مكان ما من الصحراء الشاسعة. تستأجر مرشداً سياحياً يعرف الصحراء ككف يده (هشام رستم) وينطلقان صوب الغاية. لا يكفّ عن الكلام ولا تكفّ هي عن الإنصات. يسألها من حين لآخر عن السبب وراء رحلتها هذه، فترد عليه أنّها استأجرت خدماته لإيصالها وليس للبوح بأسبابها. من حين لآخر يتلقى اتصالات من بيته. هناك مشكلة طارئة يحاول حلّها هاتفياً. ابنه، على ما نسمع، غائب عن المنزل والخوف هو أن ينضم إلى قوافل المهاجرين غير الشرعيين. لكنّ معظم الفيلم يتمحور حول حديث السائق عن حكايات قديمة يدّعي أنّها وقعت في هذه الصحراء. المخرج وكاتب السيناريو الناصر خمير يكاد يعمل على منوال ألف ليلة وليلة، لكنّ شهرزاد هو الراوي وشهريار هي المستمعة. غالبا ما يمر بنا من حكايات مثيرة للاهتمام، وبصرياً ممتعة الصورة بلونها الذهبي ومشاهدها الواسعة. لكنّ الفيلم يثير الشعور بأنّ بعض التنفيذ كان يحتاج إلى التحام أفضل بين مشاهده. ليست هناك من مشكلة ناتجة عن الانتقال بين الماضي والحاضر، لكن بعض المشكلات تقع لاحقاً عندما يتراءى للمرأة أنّها وجدت المكان الذي تبحث عنه فتترك عنده زجاجة رفات أمها التي أوصتها بذلك لأنّها هناك (في وسط هذا المكان المعزول والغريب) شاهدت حبيبها لآخر مرّة. اللقطة التالية لذلك هي للمرشد يبحث عن المرأة ضاحداً أنّها وجدت المكان الذي تعتقد أنّها اكتشفته. رغم وضوح هذا العنصر بذاته، إلا أن ارتباكاً يسود تنفيذه. بعد ذلك لن يحدث الكثير سوى أنّ المكالمة الأخيرة تكشف عن أسباب المكالمات الهاتفية المتكررة. تلك التي كان بالإمكان (قدر اعتقاد هذا الناقد) إلغاؤها والاكتفاء بالأخيرة مع ربط أفضل بالدّلالات. «همس الرمال» جميل كعادة أفلام المخرج التي تحتوي على «الهائمون» و«طوق الحمامة المفقود»، لكنّ جماله يحمل تناقضاً بين إيقاع الفيلم المتسارع وبين صحراء لا متناهية يتحول فيها الزمن إلى وميض سرمدي ثابت لا يعمل بمقتضيات أيامنا هذه. رغم وجود مشاهد بعيدة للسيارة فوق هضاب صحراوية، إلا أن تلك المشاهد تبدو تحصيل حاصل أكثر منه مناسبة للتأمل الوجداني، وذلك على عكس معالجات المخرج السابقة. على الرغم من ذلك، فإنّ تلك الحكايات الماضية تبقى لبّ الفيلم الحقيقي لدرجة أنّ المرء يتمنّى لو أنّ الفيلم بأسره كان حولها. هناك حكايات صوفية وأخرى اجتماعية ضمن البيئة الخاصة بها. شخصيات تلك الحكايات من أبناء الصحراء الآتين مع نشأتها كما لو كانوا من رمالها (ليس من بينها من هو ممثل محترف). قصصهم تحمل مفادات وحُكما رائعة، لكن المزج بين اليوم والأمس ليس مصاغاً بتآلف رومانسي بقدر ما هو انتقال تفرضه الحكاية بين زمانين.
(1*) لا يستحق (2*) وسط (3*) جيد (4*) ممتاز (5*) تحفة
هل مات ديڤيد لينش حسرة على ما احترق في منزله من أرشيفات وأفلام ولوحات ونوتات موسيقية كتبها؟ أم أن جسمه لم يتحمّل معاناة الحياة بسبب تعرضه لـ«كورونا» قبل سنوات؟
انتُخب قبل أيام «ذكاء اصطناعي» بوصفه أحد أفضل 100 فيلم في التاريخ، وذلك على موقع (Indiwire) المعروف. سبق له أن ورد في قائمة مجلة «Sight and Sound» قبل 4 سنوات، وهي بدورها من أهم وأشهر من بقي من مجلات السينما الورقية في العالم.
في عام 2001 ذُهل النقاد بهذا الفيلم المصنّف، بلا تردّد، بالخيال العلمي. كانت إحدى المرات الأولى التي يسمع معظم الناس بها كلمة «ذكاء اصطناعي» والمخرج سبيلبرغ أحسن اختيار العنوان والفيلم بوصفه مشروعاً ورثه عن ستانلي كوبريك (The Shining وEyes Wide Shut) الذي - من بعد سنوات عديدة من العمل عليه اقترحه على سبيلبرغ ومدّه بالتصاميم التي وضعها والمعالجات التي كتبها.
كان طبيعياً أن يصبّ المشروع المقتبس عن رواية «Supertoys Last All Summer Long» القصيرة وضعها برايان ألديس سنة 1969 في بحيرة كوبريك، وما اشتغل عليه في فيلمه الشهير «2001: أويسا الفضاء» (1968) حول خطر التكنولوجيا متمثلاً بالكمبيوتر المتقدم على الإنسان وقدراته الذهنية. وضع السيناريو والتصاميم الفنية ورسم كل شيء تمهيداً لتحقيقه لولا انشغاله في الوقت نفسه بما أصبح لاحقاً فيلمه الأخير «عينان مغلقتان واسعاً» (1999). الذي يتعامل فيه حول الرجل (توم كروز) الباحث عن هويّته بين الخيال والواقع.
إذ أقدم سبيلبرغ على تحقيق الفيلم بنى السيناريو الذي كتبه بنفسه على حكاية الولد المصنوع في المختبرات ديڤيد (هايلي جووَل أوزموند، مُذهل)، في إيجاز شديد لفيلم يتجاوز الساعتين. هو روبوت فريد من نوعه صُنع ليحب. يُباع لعائلة تفتقد ابنها الطبيعي مارتن الذي يرقد في المستشفى. تتبناه ويتعلّق ديڤيد بحب أمّه بالتبني، لكن خروج مارتن من المستشفى يدفع العائلة للتخلي عن ديڤيد وتركه وحيداً في عالم موحش يهرب منه إلى أعماق البحر بحثاً عن الجنية الزرقاء التي ستحوّله إلى إنسان حقيقي ليعود إلى «أمّه» آدمياً. بعد ألفي سنة تكتشفه مخلوقات فضائية هبطت الأرض وتحقق له حلمه.
سَعيُ ديڤيد للتحوّل إلى بشر حقيقي مستوحى من حكاية «بينوكيو» التي قرأتها له أمه (فرنسيس أوكونور). في نهاية رواية كارلو كولودي (1883) يتحوّل بينوكيو من ولد - خشب إلى بشر من لحم ودم، وهذا ما يبقى في بال ديڤيد وهو يسعى لتقليد مارتن في كل شيء استجداءً لحب أمّه. لكن هذه كانت وافقت على طلب زوجها بالتخلي عنه مكرهة، مدركة أن البيت لن يتَّسع لولدين وعليها اختيار ابنها الطبيعي وليس الصناعي.
تقود الأم سيارتها إلى غابة خطرة وتترك ديڤيد هناك رغم توسلاته. كلاهما يبكي لكنها ستُقدم على ما قرّرته تاركة ديڤيد لمصيره المجهول. تزداد رغبة الصبي في الارتقاء من آلي إلى حيّ ومن ثم تتحقق بعد ألفي سنة بقي خلالها هامداً لا يموت بفضل مساعدة تلك المخلوقات على الإتيان بشخص الأم المتوفاة.
عدا تأثير بينوكيو هناك كل ما يخطر على بال المُشاهد المزوّد ثقافياً من عقدة أوديب إلى موضوع الطفولة الباحثة عن مصيرها إلى موضوع البحار.
عقدة أوديب مقترحة في الـ45 دقيقة الأولى من خلال تعلّق ديڤيد بأمه. نُفورُ والده (بالتبني) منه تدريجياً، ثم شعور ديڤيد بالغيرة من مارتن الذي يُجيد فعل كل شيء على نحو أفضل.
أما موضوع الطفولة الباحثة فنجده مزروعاً (بعناية) في أفلام عدة لسبيلبرغ. هو في «هوك» (Hook) في 1991، و«إنديانا جونز والحملة الصليبية الأخيرة» (Indiana Jones and the Last Crosade) في 1989. كما في «إي تي، خارج الأرضي» (E.T. The Extr-Terrestrial في 1982). المثال الواضح كذلك نراه في «إمبراطورية الشمس» (Empire of the Sun) في 1987 الذي يبحث فيه فتى صغير عن والديه بعدما غزا الجيش الياباني الصين وانفصل عنهما.
البحار هي أيضاً من بين ما يتكرر في بعض أفلام سبيلبرغ محفوفة برموز الخطر والموت. في «ذكاء اصطناعي» يتجلّى ذلك بلجوء ديڤيد إلى البحر والبقاء في قاعه. يوعز المشهد بمشاهد أخرى وردت في «Jaws» سنة 1975 (الأطفال في خطر) والأهم في «دائماً» (Always) في 1989 من خلال مشهد سقوط طائرة في البحر وعدم قدرة قبطانها على الخروج منها. وهناك مشهد غرق سفينة في «أميستاد» (Amistad) تحمل عبيداً من أفريقيا (1997) ومقتلهم جميعاً.
كل هذا يرد في «ذكاء اصطناعي» من خلال حكاية تموج ما بين مؤثرات خاصّة رائدة (في ذلك الحين) وعواطف عاتية ومرتفعة تؤمّها مشاهد مطوّلة في بيت العائلة، ثم أخرى طويلة أيضاً عند نهاية الفيلم.
في حين تلعب المؤثرات كل ما هو مطلوب منها في فيلم من الخيال العلمي، مثل حال هذا الفيلم، لا تؤدي المشاهد العاطفية إلا أدواراً مرحلية. مشهد الفراق الصعب عندما تتخلّى الأم عن ديڤيد رغم توسلاته يصيب عاطفة المشاهدين بسبب توقيته كما بسبب تأييد المُشاهدين لديڤيد. لكن ما يلي من مغامرات في كنف ميدان لجماهير حاشدة يتم فيه التضحية بمن يُقبض عليهم من روبوتس وميكانيكيين آخرين لا علاقة فعلية له بما يقع، وسيبقى تحوّلاً مرحلياً من الحكاية الأم (ورموزها المذكورة آنفاً) إلى صنو المغامرات. يخدم ذلك الفصل تفعيل التشويق وحس المغامرة لكنه يودي بالمضمون العميق للحكاية إلى قاع.
مشاهدتي الأولى للفيلم (في يوليو/ حزيران، 2001 التي تبعها لقائي مع ستيفن سبيلبرغ) أذهلتني. الآن أشعر أن الفيلم كان رائداً وجيّدَ التنفيذ لكن «العاطفية» التي تشوب العديد من أعمال المخرج تدخلت طويلاً وأنتجت في النهاية مشاهد لا ضرورة لها.
* عروض: منصّة Apple+
في الصالات
* In the Shadow of Beirut ★★★ - فيلم تسجيلي حُقّق قبل عامين يرى النور حالياً ويدور حول أم لبنانية وابنتها تعيشان في مخيم صبرا. الفتاة مريضة والأم لا تستطيع معالجتها.
* Better Man (لم يُشاهد بعد) - سيرة حياة المغني البريطاني روبي ويليامز الذي قرّر الظهور كقرد على المسرح لأسباب نفسية وحقق نجاحاً.
* September 5 ★★ - عودة إلى أحداث أولمبياد ميونيخ 1972 إنما من زاوية تغطية الإعلام الأميركي لها. مضج ومتكلّف ويفتقر إلى موقف.
* Wolf Man ★ - فيلم رعب عن رجل يَرِث منزلاً يأوي إليه ثم تنتابه حالات مفزعة. يبدأ واعداً وينحدر بعد ذلك سريعاً.