وفد موحد للكوريتين لافتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية

تيلرسون يؤكد قوة الحلف الأميركي ـ الياباني ـ الكوري الجنوبي

رئيس الوفد الكوري الشمالي يتجه إلى اجتماع مع نظيره الجنوبي بالقرب من المنطقة منزوعة السلاح أمس (رويترز)
رئيس الوفد الكوري الشمالي يتجه إلى اجتماع مع نظيره الجنوبي بالقرب من المنطقة منزوعة السلاح أمس (رويترز)
TT

وفد موحد للكوريتين لافتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية

رئيس الوفد الكوري الشمالي يتجه إلى اجتماع مع نظيره الجنوبي بالقرب من المنطقة منزوعة السلاح أمس (رويترز)
رئيس الوفد الكوري الشمالي يتجه إلى اجتماع مع نظيره الجنوبي بالقرب من المنطقة منزوعة السلاح أمس (رويترز)

اتفقت الكوريتان الشمالية والجنوبية على أن يسير وفداهما جنبا إلى جنب في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تستضيفها كوريا الجنوبية الشهر المقبل، كما أعلنت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية «يونهاب» أمس.
كما أعلنتا أن منتخبا موحدا واحدا (الهوكي للسيدات) سيدافع عن ألوانهما في المنافسات. وتم اتخاذ هذه القرارات بعد اجتماع ضم مسؤولين عن البلدين خلال ورشة عمل في قرية بانمونجوم الحدودية، حيث تم توقيع وقف إطلاق النار بين الدولتين وهي منطقة منزوعة السلاح في شبه الجزيرة الكورية.
ومن المتوقع أن يزور وفد من كوريا الشمالية المنشآت الأولمبية الأسبوع المقبل في مدينة بيونغ تشانغ المضيفة حيث ستقام الألعاب في الفترة من 9 إلى 25 فبراير (شباط) المقبل على بعد 80 كلم من الحدود بين الكوريتين. كما قررت الدولتان المشاركة بوفد موحد خلال حفل الافتتاح، وهو ما يحصل للمرة الرابعة في تاريخ الألعاب الأولمبية؛ مرتان في الألعاب الأولمبية الصيفية في نسختي سيدني عام 2000 وفي أثينا 2004، مقابل مرة واحدة في دورة الألعاب الشتوية في تورينو عام 2006، كما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
على صعيد متصل، تعهدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الثلاثاء تشديد الإجراءات لمنع الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية ومنها العمليات الأمنية البحرية لمنع التهريب البحري. وحث وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ونظيرته الكندية كريستيا فريلاند اللذان ترأسا محادثات في فانكوفر، دول العالم على دعم إجراءات «الحظر البحري». وكررت الدولتان إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى شاركت في الاجتماع الرفيع المستوى، التزامها «نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية بشكل كامل ويمكن التحقق منه ولا عودة عنه». ويعد التحذير بتشديد إجراءات اعتراض الشحنات غير الشرعية لمواد نووية أو واردات تنتهك العقوبات، أكثر التدابير الملموسة التي خرج منها الاجتماع الذي استمر يومين ولم تدع إليه الصين وروسيا.
وشكك كثير من المراقبين، بينهم بكين وموسكو، في جدوى عقد اجتماع لحلفاء سابقين في الحرب الكورية لمناقشة مسألة عندما يبقى دعم الصين مفتاح النجاح الدبلوماسي. ولفت آخرون إلى اختلاف واضح للهجة بين الموفد الياباني المتشدد وزير الخارجية تارو أورو، ونظيرته الكورية الجنوبية الأكثر حذرا كانغ كيونغ - وا التي قالت إن المحادثات الكورية - الكورية الأخيرة دليل على أن العقوبات تقوم بعملها.
لكن بعد انتهاء الاجتماع، أكد تيلرسون تكاتف الحلفاء ومواصلتهم العمل مع الصين وروسيا لتطبيق العقوبات الدولية وإجبار كيم ونغ أون على التفاوض لنزع أسلحته النووية. وقال تيلرسون: «ستبقى وحدتنا وهدفنا المشترك مع آخرين في المنطقة، وخصوصا الصين وروسيا، قائمة رغم محاولات كوريا الشمالية المتكررة لتفريقنا وزرع الخلاف بيننا». وأضاف: «ناقشنا أهمية العمل سويا لمواجهة الالتفاف على العقوبات وعمليات التهريب كما وجهنا نداء للتحرك لتعزيز الحظر البحري بغية إحباط عمليات النقل غير الشرعية التي تتم من سفينة إلى أخرى».
وتُتهم كوريا الشمالية بالسعي للالتفاف على العقوبات القاسية التي فرضت على النظام المعزول، عن طريق نقل شحنات من سفن أجنبية إلى سفنها في عرض البحر. ويقول بعض الخبراء إن الإجراءات البحرية لاعتراض السفن التجارية سيتم تفسيره كعمل حربي ويتسبب في رد كوري شمالي يحتمل أن يكون مدمرا.
وتشير التقارير في واشنطن إلى أن القوات الأميركية تخطط على الأقل لتسديد ضربة محتملة محدودة بهدف إقناع كيم أن أكثر خياراته الآمنة هي التفاوض على اتفاق. ورفض تيرلسون مناقشة مسائل التخطيط العسكري ولم يعلق على ما إذا كان الرئيس دونالد ترمب على اتصال مع بيونغ يانغ، لكنه حذر من أن الأزمة تتصاعد.
وحذر قائلا: «فيما يتعلق بما إذا كان على الأميركيين أن يشعروا بالقلق إزاء اندلاع حرب مع كوريا الشمالية، أعتقد أنه علينا جميعا أن نكون واقعيين وواضحين بشأن الوضع الراهن» وذلك بعد أيام على إنذار خاطئ في هاواي يحذر من ضربة صاروخية.
وقال تيلرسون إن التجارب الأخيرة الكورية الشمالية لرأس حربي حراري نووي ولصاروخ عابر للقارات، تظهر «تقدمها المتواصل» في تطوير ترسانة تمثل تهديدا عالميا. وأضاف: «أعتقد أن مقاربتنا لجعل كوريا الشمالية تختار الخطوة الصحيحة هي بالقول لها إن المحادثات هي أفضل حل، وإن الحل العسكري لن يأتي بنتيجة جيدة لها».
ورحبت الوفود بقرار كوريا الشمالية لقاء مبعوثين من سيول وإرسال وفد للمشاركة في الألعاب الأولمبية الشتوية، وهو ما يعتبره كثيرون اختراقا محتملا في الأزمة. وقالت سيول أمس إن كوريا الشمالية عرضت إرسال أكثر من مائتين من المشجعين إلى ألعاب بيونغ تشانغ والمشاركة في الألعاب البارالمبية.
لكن تيلرسون حذر من أنه قد يكون من الضروري اتخاذ تدابير أخرى إذا واصلت كوريا الشمالية استفزازاتها، فيما حث وزير الخارجية الياباني تارو كونو الحلفاء على مواصلة الاحتراس. ودون أن يسمي كوريا الجنوبية، حذر كونو من أن نظام كيم جونغ أون «لا بد أنه يسعى لزرع الشقاق بين الدول المتشددة وتلك الأقل تشددا».
من جانبها، رحبت الوزيرة كانغ بالدعم الدولي للعقوبات لكن كلمتها الافتتاحية حملت رسالة أكثر تفاؤلا من رسالة جارتها اليابان. وقالت كانغ: «أعتقد أن الأداتين، فرض عقوبات مشددة وضغوط من جهة، وعرض مستقبل آخر أكثر إشراقا من جهة أخرى، نجحتا معا». وشرحت: «في الواقع، إن جهود المجتمع الدولي المنسقة بدأت تؤتي ثمارها».
وأكد تيلرسون بعد المحادثات «عدم وجود مسافة» بين سيول وواشنطن حول كيفية التعاطي مع الأزمة، وأن التحالف الثلاثي الأميركي - الياباني - الكوري الجنوبي لا يزال «قويا». لم تشارك موسكو وبكين في اجتماع فانكوفر وقللتا من أهميته.
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لو كانغ: «الجهات المعنية الأكثر أهمية في مسألة شبه الجزيرة الكورية لم تشارك في الاجتماع، لذا لا أعتقد أن الاجتماع شرعي أو له طابع تمثيلي». وندد لو «بعقلية الحرب الباردة» لدى الولايات المتحدة التي تحث بكين على وقف إمدادات الوقود إلى بيونغ يانغ، وهي خطوة غير مرغوبة لدى بكين التي تخشى انهيار نظام كيم أكثر من استسلامه.
ويتفاقم التوتر عبر المحيط الهادي منذ أشهر رغم استئناف المحادثات المباشرة بين نظام كيم ونظام الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي - أون.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟