الأمن السوداني يفرق مظاهرات الخبز بالغاز في الخرطوم ويعتقل العشرات

وزير الإعلام يتهم بعض عناصر المعارضة بحشد المواطنين

جانب من الاحتجاجات في الخرطوم أمس (مواقع التواصل الاجتماعي)
جانب من الاحتجاجات في الخرطوم أمس (مواقع التواصل الاجتماعي)
TT

الأمن السوداني يفرق مظاهرات الخبز بالغاز في الخرطوم ويعتقل العشرات

جانب من الاحتجاجات في الخرطوم أمس (مواقع التواصل الاجتماعي)
جانب من الاحتجاجات في الخرطوم أمس (مواقع التواصل الاجتماعي)

استخدمت أجهزة الأمن السودانية الغاز المسيل للدموع، لتفريق مظاهرة احتجاجية سلمية، دعا لها الحزب الشيوعي للتنديد بغلاء الاحتياجات المعيشية التي من أهمها سلعة الخبز والتي قفز سعرها إلى نحو الضعف، متحديا بذلك قوات الأمن والشرطة، التي احتشدت بكثافة في المكان المحدد للمظاهرة للحيلولة دون التظاهر.
وألقت الشرطة القبض على العشرات من القادة السياسيين والإعلاميين والنشطاء، من بينهم عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف، ومراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) العربية محمد محمد عثمان الذي أطلقت سراحه بعد ساعات من الاحتجاز.
بينما نفى وزير الإعلام أحمد محمد عثمان استخدام القوة ضد المتظاهرين، واتهم المعارضة بالتسبب في الاضطرابات.
وقال عثمان لوكالة الأنباء الألمانية، إن الاحتجاجات التي نظمت أمس (الثلاثاء) كانت مدبرة من قبل بعض العناصر داخل أحزاب المعارضة، مشيرا إلى أن الحكومة وافقت على حل المشكلة، ولكن أحزاب المعارضة ما زالت تحشد المواطنين.
ومنذ اجتياح موجة غلاء شمل أنحاء البلاد، خرجت مظاهرات متفرقة في العاصمة الخرطوم، ومدن أخرى في البلاد، راح ضحيتها طالب في مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور، وأعلنت أحزاب المعارضة والنشطاء عزمهم تنظيم احتجاجات متواصلة للاحتجاج على الغلاء.
وأبلغ الحزب الشيوعي السوداني سلطات الأمن بعزمه على تسيير المظاهرة الاحتجاجية السلمية، وذلك لتسليم مذكرة لرئاسة حكومة ولاية الخرطوم يبين فيها وجهة نظره واحتجاجه على ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
وتنص القوانين السودانية على إبلاغ الشرطة بالتجمعات السلمية، لتوفير الحماية لها، بيد أن الشرطة استخدمت القوة في تفريق التجمع الذي أعلن عن مشاركة أكثر من 30 حزبا معارضا فيه.
ووصف الحزب الشيوعي، في بيان، تفريق المظاهرة بالقوة بأنه «سلوك يفتقر إلى المصداقية، لتعارضه مع تصريح وزير الداخلية القائل بعدم ممانعتهم تصديق المواكب السلمية».
ورأى البيان أن تعامل الأجهزة الأمنية مع المظاهرة يعبر عن عزلة الحكومة، وقال: «ليس هذا بغريب على نظام معزول ويفتقر إلى السند الشعبي، ويعتمد على القوة الباطشة وأجهزته الأمنية».
ووفقا لمراقبين وشهود، فإن احتجاجات يوم أمس التي استمرت لساعات، في أحد أكبر شوارع الخرطوم، تعد أول احتجاجات من نوعها وحجمها تشهدها الخرطوم في الآونة الأخيرة، ويقدر عدد الذين شاركوا في المظاهرة بأكثر من ألف متظاهر.
ودعا الحزب الشيوعي السوداني مؤيديه وأنصاره والمواطنين منذ وقت باكر من الأسبوع الماضي، إلى مظاهرة سلمية احتجاجا على الغلاء غير المسبوق الذي تشهده البلاد، تتجمع في «حديقة الشهداء» بالقرب من القصر الرئاسي، وتتجه لولاية الخرطوم لتسليم مذكرة احتجاجية، بيد أن سلطات الأمن طوقت المكان منذ وقت باكر ومنعت المواطنين من التجمع والوصول إلى المنطقة المحددة للتجمع.
لكن محتجين يتقدمهم سكرتير الحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب وعدد من قادة المعارضة، حركوا مظاهرة من «شارع الجمهورية» أحد أكبر شوارع وسط الخرطوم وعطلت حركة السير فيه.
ولم تلبث الشرطة أن استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، الذين كانوا يهتفون «لا للغلاء، وسلمية سلمية»، وألقى رجال بثياب مدنية يرجح أنهم تابعون لجهاز الأمن القبض على عشرات النشطاء والسياسيين.
وبعد تفريق المظاهرة الرئيسية، انتشرت مجموعات من المحتجين، في مناطق متفرقة من المدينة، ونظموا احتجاجات في غرب المدينة، شارك فيها طلاب ومواطنون غاضبون من الأوضاع الاقتصادية.
من جهة أخرى، دعا تحالف المعارضة إلى وقفة احتجاجية اليوم الثلاثاء، بميدان المدرسة الأهلية بمدينة أم درمان، استمرارا لسلسلة الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد، ويتكون من أحزب الأمة القومي، والمؤتمر السوداني، والشيوعي السوداني، والبعث العربي، وأحزاب أخرى.
وأدت السياسات الاقتصادية والمالية لموازنة عام 2018 في السودان، التي تضمنت خفض سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية إلى 18 جنيه للدولار الواحد، بعد أن كان سعره في حدود 6.9 جنيه.
وأدى ذلك إلى انفلات الأسواق، وسيادة غلاء فاحش، تضاعفت بموجبه أسعار السلع الرئيسية بما فيها أسعار الخبز، الذي تضاعف ثمنه بنسبة مائة في المائة في غضون أيام.
وشهد السودان في سبتمبر (أيلول) 2013 احتجاجات مماثلة، إثر رفع الدعم عن الوقود وسلع أخرى، راح ضحيتها وفقا لوالي الخرطوم وقتها أكثر من ثمانين محتجاً، فيما ذكرت منظمات حقوقية محلية ودولية أن عدد ضحايا تلك الأحداث تجاوز المائتي قتيل.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.