تراجان... باني الإمبراطورية الرومانية

معرض كبير تشهده العاصمة الإيطالية في ذكرى مرور 1900 عام على وفاته

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT

تراجان... باني الإمبراطورية الرومانية

جانب من المعرض
جانب من المعرض

ما يبدعه الطليان بين الحين والآخر يكاد يكون الوسيلة الوحيدة لإضاءة القلب، وجعله ساخناً على الدوام، والمثل الذي يسمعه المرء في كل مكان في العالم «كل الطرق تؤدي إلى روما» تحول على أيدي الطليان هذه الأيام إلى معرض فني كبير، نظمته وأشرفت عليه وزارة الكنوز الثقافية الإيطالية، ليحتل السرادق المرممة للأسواق القديمة لعاصمة الإمبراطورية الرومانية التي تقع في قلب المجمع الروماني (الفورو رومانو).
ويستمر هذا المعرض حتى منتصف شهر سبتمبر من العام المقبل، احتفاء بذكرى مرور 1900 عام على وفاة ما يعتبره الإيطاليون واحداً من أعظم أباطرة روما، الذي بلغت الإمبراطورية في عهده أوج اتساعها وعمرانها، وهو الإمبراطور ماركو تراجان (تريانو) الثالث عشر في مسلسل الأباطرة الذين حكموا البلاد. ولد تراجان عام 53 م، في مدينة ياتاليكا بجنوب إسبانيا، وتبنته عائلة الحاكم الروماني لولاية سوريا، وحكم كإمبراطور سنة 98 حتى وفاته عام 117، وورّث الحكم مباشرة لابنه بالتبني الإمبراطور أدريانو.
واشتهر تراجان بانتصاراته على أعداء الإمبراطورية. وأحد الانتصارات التي قادها بنفسه في رومانيا ذلك الانتصار الذي خلده بنصب مسلته على شكل عمود نحتي دفن بجواره، ارتفاعه نحو 40 متراً ويحوي 18 طبقة من المرمر، قطر كل منها 3 أمتار و83 سنتم، وتزن كل واحدة منها 40 طناً، وتمثل 130 مشهداً حربياً بشكل لولبي يبدأ من الأسفل ويرتفع إلى السماء. وتحوي هذه المسلة الرائعة الجمال 2500 شخصية، بين محارب وعدو وحيوان.
والعمود - المسلة المرمرية من تصميم المعماري السوري الشهير أبولودور، الذي جلبه تراجان معه أثناء إحدى فتوحاته الشهيرة في سوريا وبلاد وادي الرافدين. وقام هذا المبدع بتصميم عشرات الأبنية والقلاع والنصب التذكارية في روما وخارجها. وتميزت أعمال أبولودور السوري باستخدام خداع النظر، مثل الاهتمام بتصوير الشخصيات التاريخية الرومانية، والحرص على تسجيل الأحداث التاريخية والدعاية السياسية لقدرة روما الإنمائية لمختلف الشعوب التي خضعت لهيمنة الإمبراطورية، والميل لاستخدام القيم القياسية لإبراز الملامح الخاصة التي عكست مشاعر تمجد الأصول الرومانية التي حققت كل هذه الانتصارات.
هذا المعرض الذي يبدو للوهلة الأولى أنه مختلف عن المعارض التقليدية يحوي عدة صالات كانت فيما مضى محلات للتسوق تضم مجموعة كبيرة من الوثائق والخرائط المعمارية والنماذج البلاستيكية الملونة لروما القديمة، جنباً إلى جنب عدد كبير من مجسمات تعكس إنجازات فن العمارة والتصوير والنحت وأعمال الفسيفساء والأشغال المعدنية وقوالب مصوغات الحلي الذهبية ونقش الأحجار الكريمة ونحت العاج والزجاج، والتماثيل الكبيرة والصغيرة، والريلفات التي زينت جدران المعابد والقصور والقلاع، والخزف والرسوم التوضيحية المنمنمة في الكتب، والعملات الذهبية والفضية... إلخ.
ولقد أصبحت روما في عهد تراجان، الذي سن تشريعات كثيرة لحماية الطفولة من الفقر والتشرد، وضمان حقوق المرأة، واحدة من أبرز عواصم العالم القديم التي تنفرد بثراء معماري تصميمي وتخطيطي رائع الجمال، وهي من المدن التاريخية العريقة التي ظلت طيلة قرون كثيرة تحرص على ألا تكون مدينة هجينة ووليدة أنماط معمارية مختلفة من التراث الفني الذي حملته ولاياتها وأمصارها البعيدة، بل أن يكون لها طابعها الخاص المتميز ذو الصلة الوثيقة ببيئتها الجيولوجية والطبيعية والحضارية.
وكان الإمبراطور تراجان، الذي احتفظ لنفسه إلى جانب الملكية، بما خوله لنفسه من انتصارات، وبما سمح له أن يمارس على الدولة تلك الوصاية التي اعتبرها كثير من الحكماء والفلاسفة والشعراء وصاية ضرورية، بدور الكاهن الأول في الدولة، فسلطته كانت شبيهة بسلطة الأب أو ولي الأمر؛ يتمتع بعظمة فائقة، فهو المحامي والشفيع، ليس لسكان روما بل أيضاً لكل سكان الولايات، مواطنين وغير مواطنين، من طبقة الأسياد أو العبيد، منه تنتظر العدالة، وأكثر الأحيان الخلاص. وقد أسهم ذلك في ولادة أوروبا في أحضان الإمبراطورية الرومانية. وانطلاقاً منها، بعد أن تقطعت الصلات التي تربطها بأفريقيا وبعض الولايات الآسيوية، ساهمت هذه العلاقات في ولادة الوحدة الثقافية والروحية التي أصبحت أساس الإمبراطورية، حيث أغناها الحس الديني الذي حملته المسيحية فيما بعد، والتي استوعبت النظام الديني القديم، وخلقت توليفاً ضخماً من جميع التيارات القوية للفكرة القديمة، ليتعزز البناء السياسي والاجتماعي في جميع أوروبا.
وعلى الرغم من أنه كان يوجد في الإمبراطورية الرومانية زمن تراجان نصفان لا يتكلمان لغة واحدة، كانت اللاتينية اللغة الرسمية في كل الولايات الواقعة غرب البحر الإدرياتيكي وغرب الصحراء الليبية، وكانت اللغة اليونانية شرق هذا الخط. وعلى الرغم من كل ذلك، ظلت وحدة الإمبراطورية قائمة لمدة طويلة، وكانت مكاتب الإمبراطورية منذ تراجان تجيب على الطلبات بإحدى اللغتين، بحسب الولايات. وكانت الأفكار والرجال تنتقل بكل حرية من سوريا إلى غاليا في الشمال، ومن مجرى الدانوب ومن القوقاز إلى نهر الفرات، ومن السودان إلى حدود الصحراء وإلى أطراف طرابلس.
وكان اليونانيون من آسيا، أو من مصر، يأتون غالباً ليلقوا بخطبهم في مدن الغرب. وبالمقابل، كان علماء وخطباء من غاليا (فرنسا) وإسبانيا يرتادون المدارس في أثينا، بمعنى أن كل مواطني الإمبراطورية، حتى الطبقات الشعبية أحياناً، كانوا يتكلمون لغتين، وكان الأولاد يبدأون بتعلم اليونانية، حتى في روما نفسها، ثم يحصلون فيما بعد على تنشئة رومانية، وهكذا كانت الأديان والثقافات تتعايش في ذهنية واحدة.
ومن الخطأ أن تدعي أن هذه الازدواجية الثقافية في العالم الروماني هي التي أدت، بعد تراجان، أي في القرن الرابع الميلادي، إلى قسمته إلى نصفين، بين إمبراطورية غربية وإمبراطورية شرقية، الأمر الذي ترتب عليه نتائج خطيرة بالنسبة إلى تاريخ أوروبا وتكوينها، فإن الأسباب التي فرضت نقل العاصمة من روما إلى القسطنطينية كانت أسباباً عسكرية بحتة، على ضوء الضغوط المتزايدة من قبل البرابرة الذين اندمج قسم منهم سريعاً في إطار الإمبراطورية.
وفي زمن إمبراطورها تراجان، حققت روما مثالاً مدنياً متقدماً، ورسخت في مدنها وجميع الحواضر التي استعمرتها ثقافة فكرية حية، هي مزيج من الإرث اليوناني واللاتيني. هذه الثقافة كانت تعمل على نشر مدارس كثيرة، تتولى نفقاتها المدن أو المواطنون الأغنياء، وتجتذب معلمين من ذوي الشهرة، وحتى العبيد كانوا يحسنون القراءة والكتابة. وكان طلاب المدارس يقرأون ويدرسون مؤلفات الكتاب العظام، خصوصاً الشعراء والمؤرخين والخطباء، إذ إن الشكلين اللذين كانا يعتبران أسمى أشكال النشاط الفكري هما: الشعر والخطابة. وكان الرومان يجهدون بالمحافظة على نقاء لغة روما في مواجهة لهجات الولايات. والمقصود بذلك الحفاظ على الوحدة الروحية، ونوع من المثال الرسمي للجمال. وإذا كان المجتمع الروماني حينذاك، في طبقاته العليا، قد تمسك إبان تلك الفترة التاريخية لحركة النهوض والارتقاء، بلقاء الأسياد الإقطاعيين وتشكيل طبقة النبلاء، فقد تدخلت عناصر التحام أخرى على صعيد العقل والروح، في المؤسسات والذهنيات، وظهرت ثقافة أصيلة بدت إنجازاتها البارزة مع بزوغ الفن الروماني، الذي يعتقد كثير بسذاجة أن الرومان أخذوا عن اليونانيين أسس الحضارة؛ ذلك أن الحضارة الإيطالية بدأت تتكون في وقت لم تكن اليونانية (الهيلينية) قد وجدت بعد، إلا في أشكالها البدائية.
لقد بدأ التاريخ الروماني في أوائل الألف الأول قبل الميلاد، في حين كانت إيطاليا في الشمال والوسط تسكنها شعوب ذات حضارات مرموقة، مثل الشعب الفيلافوفي والصقليون، وجاء بعدهم الأتروسكيون العظماء الذين ظهرت آثار حضارتهم في مقاطعة توسكانا في الوسط الإيطالي حتى مصب نهر البو في الشمال، ويعتقد كثير من علماء الآثار أن أصولهم تمتد إلى حضارة سومر.



فيصل بن سلمان يشكر أسرة سلمان الشبيب على إهداء مكتبة والدهم إلى «المكتبة الوطنية»

الأمير فيصل بن سلمان لدى استقباله ورثة «الشبيب» حيث قدّم لهم الشكر على مبادرتهم بإهداء مكتبة والدهم الخاصة إلى «الوطنية» (واس)
الأمير فيصل بن سلمان لدى استقباله ورثة «الشبيب» حيث قدّم لهم الشكر على مبادرتهم بإهداء مكتبة والدهم الخاصة إلى «الوطنية» (واس)
TT

فيصل بن سلمان يشكر أسرة سلمان الشبيب على إهداء مكتبة والدهم إلى «المكتبة الوطنية»

الأمير فيصل بن سلمان لدى استقباله ورثة «الشبيب» حيث قدّم لهم الشكر على مبادرتهم بإهداء مكتبة والدهم الخاصة إلى «الوطنية» (واس)
الأمير فيصل بن سلمان لدى استقباله ورثة «الشبيب» حيث قدّم لهم الشكر على مبادرتهم بإهداء مكتبة والدهم الخاصة إلى «الوطنية» (واس)

قدّم الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، رئيس مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية، شكره وتقديره لورثة سلمان بن حمود الشبيب، على مبادرتهم بإهداء مكتبة والدهم الخاصة إلى المكتبة الوطنية.

وأشاد الأمير فيصل بن سلمان خلال لقائه أسرة الشبيب، بهذه المبادرة التي من شأنها دعم مقتنيات المكتبة الوطنية وإثراء محتواها الثقافي بما فيه خدمة الباحثين والمستفيدين، مؤكداً أن مقتنيات المكتبة المهداة ستحظى بالعناية اللازمة التي تمكن الباحثين من الاستفادة منها على أفضل وجه.

يذكر أن المكتبة المهداة تحوي عدداً من الدوريات والمجلات الرائدة منذ العدد الأول، أبرزها مجلة المقتطف (1876م)، ومجلة الهلال (1892م)، إضافة إلى عدد من نفائس الكتب في شتى مجالات العلوم والمعارف، فالراحل كان دبلوماسياً ومؤلفاً ومشتغلاً بالكتب وصاحب «دار الإصدارات» أحد أقدم دور النشر في الرياض، كما أضاف إلى المكتبة العربية عدداً من الكتب والمؤلفات المترجمة.

وفي نهاية اللقاء منح الأمير فيصل بن سلمان شهادة تقديرية من مكتبة الملك فهد الوطنية، لعائلة الشبيب مقدمة من المكتبة؛ تقديراً لهم على مبادرتهم.

وسلمان الشبيب، دبلوماسي ومؤلف وصاحب «دار الإصدارات» أحد أقدم دور النشر في الرياض، توفيّ في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، في العاصمة الفرنسية باريس، ودُفن بالرياض.

وأثرى الراحل المكتبة العربية مؤلفاً ومترجماً لعدد من الكتب التي حققت شهرة على مستوى العالم، من أهمها: «عهود خالدة - من الإرث التاريخي في المعاهدات»، و«قاموس في الدبلوماسية».

كما ترجم الراحل الشبيب كتاب «ممارسة الدبلوماسية - تطورها ونظرياتها وإداراتها»، لكيث هاميلتون وريتشارد لانجهورن، وعدت الترجمة العربية للكتاب هي الوحيدة، والأشهر، وغطى الكتاب البدايات الأولى للعمل الدبلوماسي في الشرق القديم، والإمبراطورية الرومانية والحضارات العربية القديمة إلى مرحلة التطور والتوسع الدبلوماسي ومراحله الانتقالية إلى اليوم.