حديقة الحيوان في الجيزة... بيت سعادة المصريين

في المسافة التي تفصل بين متاعب الحياة وهمومها وبين التنفس بعمق السعادة الغامرة تقف حديقة الحيوان بالجيزة، التي قام بإنشائها الخديوي إسماعيل، وافتتحها ابنه محمد توفيق في 25 يناير (كانون الثاني)، قبل انتهاء القرن الثامن العشر بتسع سنوات.
زرتها كثيراً، لكنني لم أدرك الوصف بأنها «جوهرة تاج حدائق الحيوان في أفريقيا» إلا بعد أن قررت أن أتابع زوارها، وأشارك أطفالهم اللعب، وضرب كراتهم، والقفز في الطرقات التي تفصل بين تجمعات الحيوانات وأقفاصهم.. هناك عند بيت الفيل الذي تم إنشاؤه عام 1901، بدأت رحلتي، والتقيت زياد... طفل صغير جاء مع أخيه وأخته بصحبة والدتهم، كان يجري صوب السور، ويشب وسط زحام أقرانه لمشاهدة الحيوان الضخم (الفيل) ذي الجلد الأسود الداكن، وهو يتناول حبات الجزر بزلومته، ويلقيها في فمه، ثم يمدها مرة ثانية بحثاً عن قطعة أخرى، عندما لم يفلح زياد في مشاهدة الفيل بشكل كامل، لجأ إلى تسلق السور، نظر للحظات، وعندما عاد كانت ابتسامة كبيرة تكسو وجهه الذي كان مرسوماً عليه قناعاً لرجل العنكبوت.
تضم الحديقة 6 آلاف حيوان تتوزع على 175 نوعاً، منها أنواع نادرة من التماسيح والقرود والأسد الأبيض، وتبلغ مساحتها 80 فداناً، وتحتوي على كهوف وشلالات مائية وجسور خشبية وبحيرات صناعية وجداول وجزر، وهناك أيضاً متحف تم بناؤه في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني في عام 1906، وبه مجموعات نادرة من الحيوانات والطيور والزواحف المحنطة.
أشار زياد لعائلته بعدما سألته عنهم، وأكمل: «جئت هنا كثيراً، وهذه المرة طلبت من أمي أن تصطحبنا، فوعدتني بذلك، واشترطت أن ننهي الامتحانات بإجابات ترضى عنها، كان آخر اختبار لنا يوم الخميس الماضي، وها هي توفي بوعدها».
يزيد عدد زوار الحديقة على مليوني زائر سنوياً، ولا يقل عددهم، حسب وزارة الزراعة المصرية، عن 50 ألف زائر خلال الأعياد، وإجازات نصف العام التي تستقبلها الأسر المصرية هذه الأيام، وتعتبرها مكافأة لأطفالها الذين يعشقون رؤية الحيوانات، خصوصاً القرود والأفيال. هنا، يستمتع الأبناء، أما الآباء والأمهات فيجلسون على كراسٍ منتشرة في كل مكان على جانبي شوارع الحديقة يحتسون المشروبات في جزيرة الشاي، ويأكلون ما جاءوا به من طعام، ثم يتركون ما تبقى في صناديق قمامة منتشرة في كل مكان.
راح الطفل، الذي لم يبلغ الرابعة عشرة من عمره، يعد بيوت الحيوانات التي رآها، ومنها القرود والشيمبانزي والأسد وبركة البط وحظيرة الوعول وأقفاص عصافير الكناريا، ثم قال: «هناك أعداد كثيرة منها، لكن هنا فيل واحد فقط، لا يوجد سواه، أين زوجته؟»، فأخبرته والدته: «قد تكون داخل البيت، أو تستريح لتخرج بعد قليل، لكن حتى لو لم تكن له زوجة، فالحارس يقدم له الأكل والماء ويحممه أيضاً، وعندما يأتي الظلام يدخله إلى بيته لينام استعداداً ليوم آخر يلتقي فيه زواراً جدداً».
سألت زياد: بما أنك انتهيت من اختبارات نصف العام، هل تعرف القائد العربي المسمى على اسمك، طارق بن زياد؟ قال نعم، هو الذي فتح حديقة الأندلس، ساعتها انفجرت أنا وأمه في الضحك، وراحت تصحح له المعلومة فيما كانت تمسح دموعها التي ملأت عينيها.
ولا تتجاوز تذكرة الحديقة، التي كان أول مدير لها بعد افتتاحها عام 1891 هو مستر براملي، الـ5 جنيهات حالياً (نحو ربع دولار)، ولأن سعرها رخيص جداً، فقد أصبحت مزاراً لجموع غفيرة من المصريين، يأتون لها يومياً منذ التاسعة صباحاً، من مناطق مختلفة من القاهرة والمحافظات القريبة والبعيدة، ولا يقف زوراها عند طبقة معينة، لكن يزورها أبناء الفقراء والأغنياء، أصحاب السيارات الفارهة وركاب الأتوبيسات، يدخلونها من عدة أبواب تتوزع على جوانبها المختلفة، فضلاً عن بوابتها الرئيسية المواجهة لكوبري جامعة القاهرة.
تحركت في اتجاه قفص الأسود، مررت بأطفال يتسابقون للسيطرة على كرة، قال أحدهم: جئت لمشاهدة الحيوانات واللعب أيضاً. وحين وصلت إلى هناك، كان يحيط بالقفص عدد كبير من الأطفال، جاءوا بصحبة آبائهم وأمهاتهم، وكان أحدهم يشد جده من قميصه ليلتقط له بعض الصور أمام قفص الأسد الأبيض. وفي أثناء ذلك، كان أحد أدلاء الحديقة يشرح لجمع يقف أمامه موطنه وأصوله، ويقول: «إنه أحدث الحيوانات في الحديقة، تم اكتشافه قبل نهاية القرن العشرين بـ25 عاماً، بعد كثير من الحكايات التي كان يرويها عنه شهود العيان في محمية تمبافاتي بجنوب أفريقيا، وكان ينظر لها علماء الحيوان على أنها مجرد أساطير كاذبة لا أساس لها من الصحة».
وذكر الرجل أن هذا النوع من الأسود شوهد لأول مرة عام 1928، ثم عام 1940 و1959، إلى أن جاءت الأخبار تؤكد أن هناك أشبال أسود بيضاء موجودة في تلك المحمية، وأن أعدادها غير معروفة لكن الموجود منها في حدائق الحيوانات المنتشرة حول العالم لا يزيد على 30 أسداً.
وفي طريقي إلى حظيرة الوعول، كان أطفال يأخذون من حارثها، عم نادي، بعض فروع الخس ليلقموها لها، وراح الرجل الطيب يداعبهم ويناديهم، فيما كان يراقب حيواناته بحرص شديد، فهي، كما يرى: «عهدته التي يجب أن يحرص عليها، وهذه الكميات من الخس التي تحصل عليها لا تمثل شيئاً من طعامها الذي تعتمد عليه، فهي لا تخرج عن كونها مجرد تسلية لها أمام الجمهور، لكن غذاءها الأساسي يعتمد على حزم برسيم موجودة في خلفية الحظيرة».