يبلغ عدد النازحين في مخيم عين عيسى نحو 30 ألفا، يتحدر معظمهم من دير الزور والرقة، إلى جانب نازحين عراقيين. ويضطر هؤلاء للوقوف في طابور طويل أمام مطبخ المخيم لساعات للحصول على حصتهم الغذائية التي توزع بالمجان. غير أن كثيرا من قاطني مخيم عين عيسى يشتكون من محدودية كمية الطعام المقدمة واقتصارها على وجبة واحدة يومياً، مما يجعل كثيرا من النازحين يشعرون بالجوع، خصوصا في فصل الشتاء الذي تنخفض فيها درجات الحرارة.
«الشرق الأوسط» جالت في مطبخ المخيم وتحدثت لبعض العاملين الذين يبلغ عددهم 52 عاملا يقدمون الخدمات 7 أيام من دون عطلة.
على خلاف كثير من الفلسطينيين الموجودين في سوريا المتحدرين من عائلات قدمت بعد نكبة فلسطين عام 1948، جاءت زهرة عبد الصمد (37 سنة) من قطاع غزة في فلسطين إلى سوريا قبل 15 عاما، وكان عمرها آنذاك 22 سنة، برفقة أبويها، للإقامة في بلدة عين عيسى الواقعة على بعد 50 كيلومترا غرب مدينة الرقة (شمال البلاد).
طلبها أحد أبناء البلدة للزواج في عام 2002 وانتقلت مع زوجها إلى الرقة في العام نفسه، وأنجبت بنتا و3 أولاد، وعلى الرغم من بعض الاختلافات بين عادات وتقاليد المجتمعين، فإنها استطاعت أن تجد لها مكاناً وحضوراً بين سكان المنطقة.
وفي نهاية 2014، سيطر عناصر تنظيم داعش على بلدة عين عيسى، قبل أن يطردوا منها في بداية يوليو (تموز) 2015 على يد «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم جوي من التحالف الدولي ضد الإرهاب، الأمر الذي دفع زهرة وأسرتها للنزوح.
تقول زهرة: «مع بداية افتتاح مخيم عين عيسى في شهر مارس (آذار) 2016 كنت بين أوائل العائلات التي سكنت المخيم».
عملت زهرة بداية مع منظمة إغاثية في توزيع المساعدات والسلال الغذائية، وتولت إدارة المطبخ بعد افتتاحه، وتضيف: «افتتح مطبخ المخيم في أول يوم من رمضان 2016، وقتها، قدمنا أول وجبة إفطار للنازحين الذين كانوا لا يتعدون المئات».
بين أدوات المطبخ وروائح الطعام والحلّة الكبيرة المخصصة للطهو، تعمل زهرة لأكثر من 12 ساعة يوميا في المخيم، وتلفت إلى أن ابنتها الكبرى ريم تساعدها في أعمال المنزل من طبخ وتنظيف، وتحظى هي بدعم وتشجيع من زوجها. تقول: «عمل المطبخ يأخذ كل يومي، ولا توجد أي عطلة. آتي للمطبخ الساعة السابعة صباحاً وأعود لبيتي بعد 12 ساعة من العمل المتواصل».
أطفال وعجائز لهم التفضيل
تطمح زهرة للعودة إلى الرقة، لكن أعمال رفع الأنقاض وإزالة الألغام لم تنته بعد، الأمر الذي يحول دون عودتها وباقي سكان المدينة. ورغم أصولها الفلسطينية، فإنها ما زالت تفضل العيش في الرقة على العودة لمسقط رأسها في فلسطين. وتتأثر الطاهية المبتسمة كثيراً بصيحات الأطفال عندما ينادونها «أمانة خالة زهرة... أعطني صحن رز مع مرقة». تعبر عن مشاعرها حيال مشهد هؤلاء الصبية وهم يقفون أمام باب المطبخ، قائلة: «عندما أشاهد وجوههم ونظراتهم، لا أستطيع أن أردهم أو أمنع عنهم الطعام. أوزع الطعام بيدي، خصوصا على الأطفال الصغار الذين ينتظرون في طابور طويل ليحصلوا على حصتهم من الطعام». تتابع زهرة حديثها: «في كثير من الأحيان يقف رجال كبار في السن يطلبون مني الطعام، مثلاً يوم أمس وقف رجل طاعن بالسن حاملاً صحنه. كيف أرد هذا الرجل؟»، تجيب وعلامات الاستفهام بدت على وجهها، متابعة كلامها: «بالتأكيد هذا الرجل كان يمتلك بيتاً ومضافة مفتوحة يوما ما، وكان كريم الضيافة، يستقبل فيها الزوار ويطعمهم، لكن هذه الحرب غيرت حالته وأجبرته على طلب الطعام».
تقول دعاء (25 سنة) المتحدرة من الرقة وهي صديقة زهرة وتعمل معها متطوعة في المطبخ: «نتفاءل بوجود زهرة، العمل معها يخفف عنا العبء وكثيرا من الهموم، لا ترتاح أبداً، بالإضافة إلى إشرافها على المطبخ، تتجول بين جميع النسوة والفتيات، تسأل عن حالتهنّ بشكل يومي».
وجبة واحدة لا تشبع العائلة
وكان كثير من قاطني مخيم عين عيسى قد اشتكوا من كمية الأطعمة المقدمة واقتصارها على وجبة واحدة يومياً، مما يجعل كثيرا من النازحين يشعرون بالجوع، خصوصا في فصل الشتاء الذي تنخفض فيه درجات الحرارة، ويحتاج النازح لطاقة جسدية تتحمل برودة الطقس والعيش داخل خيمة لا تقيه شدة الرياح وغزارة الأمطار.
يشرح عبد الناصر حمي، وهو مسؤول إداري في المطبخ، بأنهم يقدمون وجبة واحدة في اليوم تشتمل على حصة من الأرز أو البرغل إلى جانب مرق الخضراوات أو الفاصولياء، مع إضافة اللحم يومياً مكوّنا أساسيا للأطباق، كما يوزع الخبز مجاناً، حيث يجري توزيع نحو 30 ألف ربطة يومياً.
وعن الكميات التي يقوم المطبخ بتوفيرها يومياً، قال حمي: «نعد نحو طنين ونصف طن من الأرز مثلاً. أما الفاصولياء، فنطهو نحو طن ونصف الطن منها، ومن البرغل نحو 3 أطنان. نعد بشكل يومي من 8 إلى 10 أطنان من الطعام».
ولم يخفِ المسؤول الإداري أن نظام الوجبة الواحدة غير كاف، إلا أنه يعزو السبب إلى عدم امتلاك المواد الأساسية والغذائية لطهو مزيد من الوجبات، وكشف أن «المجلس النرويجي للاجئين»، (NRC)، تقدم الدعم المادي وتتحمل تغطية نفقات المطبخ، وتدفع أجور ورواتب 20 طباخة، لكن المسؤول الإداري حمي أوضح أن عدد العاملات والعاملين بالمطبخ يبلغ 52 شخصا يعملون ساعات مفتوحة حتى يتم الانتهاء من توزيع الطعام، مضيفا أنه «لا توجد عطلة للكادر، لأنه في حال إغلاق المطبخ يوما واحدا ستحدث مجاعة لآلاف الأسر المحتاجة هنا بالمخيم».
معلبات ومنظفات
يوجد في مخيم عين عيسى نحو 2500 خيمة مخصصة لنازحي دير الزور، فيما خصصت 1200 خيمة لنازحي الرقة، بالإضافة إلى 20 خيمة جماعية كبيرة تسكن فيها أكثر من 20 عائلة.
ومع ازدياد أعداد النازحين، تتحمل إدارة مخيم عين عيسى أعباء إضافية في توفير حاجات الوافدين من خيام وأغطية وتأمين الأكل والأدوية. وفي حديثه معنا، قال رئيس لجنة إدارة المخيم جلال العياف: «نظراً إلى هذه الأعداد الكبيرة، نسعى لتوفير احتياجات النازحين، سيما الطعام والغذاء. نوزع كل أسبوع حصة عبارة عن معلبات ومنظفات. نعلم أن هذا غير كاف»، منوهاً: «طالبنا مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ببناء مخيمات في منطقة أبو خشب بريف دير الزور، لأن المنطقة هناك تشهد معارك بين (داعش) والنظام السوري، وستبقى حركة النزوح وفرار المدنيين مستمرة باتجاه مناطق أكثر أمناً».
أما آيات (52 سنة) التي تعمل طاهية في مطبخ المخيم، فتقول إن الأولوية في عملها لبقاء الطعام نظيفاً ومغلفاً كي يقدّم بشكل صحي، وعبرت عن مشاعر فرحها المشوبة بالحزن قائلة: «كوني من الرقة وعم أطبخ لنازحي مدينتي فرحانة أنه عم أخدم أهلنا، لأنه كلنا ذقنا مرارة الوضع ومأساويته، وزعلانة على الشيء يلي صار بالرقة بنفس الوقت»، مشيرة إلى أنها نازحة منذ نحو سنة في المخيم. وعن جودة الطعام الذي تأكل منه مع باقي أفراد أسرتها، قالت في ختام حديثها: «الطعام مذاقه طيب، لكن وجبة واحدة لا تشبع العائلة».