{داعش} والسعي نحو إرساء «خلافة سيبرانية»

أبواقه تسعى إلى جذب المزيد من المتطرفين

ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})
ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})
TT

{داعش} والسعي نحو إرساء «خلافة سيبرانية»

ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})
ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})

في عصر التفجر التقني والهوس بالعالم الإلكتروني حتى الإدمان، تسعى التنظيمات الإرهابية لأن تصدح بأبواقها؛ سعياً لجذب المزيد من المتواطئين معهم في التطرف وإلغاء الآخر. وقد ازدادت محاولات تنظيم داعش لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة، بعد أن تم القضاء على معاقله المركزية في كل من العراق وسوريا، وذلك من خلال تكثيف أنشطته الإلكترونية عن بعد والتي يتفاوت قياس مدى خطورتها في الآونة الأخيرة.
هذا التوغل في التواجد على الساحة الإلكترونية والقيام بهجمات إلكترونية يسعى إلى لفت الانتباه للتنظيم وإثبات استمرارية وجوده، بالأخص وأن كبح جماحه في مناطق النزاع لم يمنعه من تنفيذ الكثير من الهجمات التي تم نقلها إلى دول غربية انتقاماً منهم، وفي الآن نفسه نتيجة قدرتهم على التحريض إلكترونياً دون الحاجة إلى التواجد الفعلي في المكان ذاته. مثل هذه العمليات هي أشبه باستنباط مفهوم «المواطنة العالمية» ومن ثمّ تحويلها إلى «المواطنة الداعشية» ليصبح الانضمام إلى التنظيم متاحاً في دول مختلفة، ويلجأ كل من ينتمي إلى التنظيم إلى «القانون الداعشي» لتخريب العالم بدلاً من القانون الدولي لحقوق الإنسان.
بداية الوجود الإلكتروني لـ«داعش»
تجلى مدى تأثير تنظيم داعش إلكترونياً منذ بدء عملياته من خلال استقطابه أعداداً كبيرة من المندرجين تحت ألوية التنظيم وأدلجتهم. وقد برز الدور المهم لاستراتيجية «داعش» الإعلامية، واستخدامه الوسائل الدعائية «البروبغندا» من خلال تبحره في العالم الإلكتروني بأحدث التقنيات في التصوير والمونتاج، وحتى تميزه في أساليب الجذب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي حسب الشريحة المستقطبة. الشبكة العنكبوتية باتت لتنظيم داعش وسطاً يتم عبره التخطيط للعمليات إرهابية والتوجيه عن بُعد. أحد أبرز قياديي التنظيم «المهندس الرئيسي» للعمليات الخارجية للتنظيم والمتحدث باسمه أبو محمد العدناني، الذي قتل في أغسطس (آب) 2016، اشتهر في جمعه ما بين الخبرة العسكرية والقدرة على الإقناع عبر الخطابة، وتمكنه من تجييش واستقطاب المؤيدين والتحريض على الشروع بهجمات تستهدف المدنيين في الغرب. هذا التوجه في استغلال العالم السيبراني استمر على النهج ذاته، بصورة أكثر حذراً نتيجة تشديد الرقابة من قِبل السلطات الدولية، بالأخص مع تضافر الجهود ما بين الجهات الأمنية والشركات الكبرى مثل «غوغل» و«تويتر» من أجل إزالة الحسابات المتطرفة أو كل ما يخص التنظيمات. مسؤولون بالأمن القومي الأميركي حذروا مجلس الشيوخ بأن انحسار تنظيم داعش في العراق وسوريا لن يقلل من قدرة التنظيم على أن يكون مصدر إلهام للقيام بهجمات تستهدف دولاً غربية من خلال الساحة الإلكترونية. وقد ذكرت لورا شياو، المديرة بالإنابة لمعلومات الاستخبارات بالمركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب، أن التنظيم قد بنى عملياته الخارجية خلال العامين الماضيين، وأعلن مسؤوليته عن ما لا يقل عن 20 هجوماً على مصالح غربية؛ الأمر الذي يعكس استمرارية توجهات التنظيم، وقدرته على تحريض المتطرفين في أوطانهم على إتيان هجمات إرهابية من خلال العالم الإلكتروني، وذلك على الرغم من التشديد القوي من قِبل السلطات الدولية، على الأنشطة الإلكترونية التي يشتبه في تورطها في أعمال إرهابية. وقد تمكّنت قوات التحالف من استهداف أعضاء التنظيم وشنّ غارات جوية تسببت في مقتل عدد كبير منهم من خلال تتبع أنشطتهم الإلكترونية والتعرف على مواقعهم الجغرافية، وذلك على نسق ما صرح به وزير الدفاع البريطاني غيفن ويليامسون: «إن البريطانيين الذين يقاتلون مع (داعش) يجب أن تحدد مواقعهم ويتم قتلهم». وذلك من أجل عدم السماح لهم بالعودة إلى أوطانهم والعبث فيها وتعليله المختصر لذلك: «ببساطة رأيي هو أن إرهابياً ميتاً لا يمكنه إلحاق الضرر ببريطانيا». بالأخص وأن الخطر الداعشي سيستمر حتى عن بعد أن تمت أدلجة المتطرفين في أوطانهم ممن لم يمرّ بتجربة القتال في مناطق النزاع. استشاري الأمن في مكتب رئيس وزراء بريطانيا، باتريك ماكجينيس، ذكر أن «بريطانيا لن تكون في أمان من الهجمات المنفذة من قبل تنظيم داعش حتى يتم إيقافهم من حملاتهم الدعائية إلكترونياً». ولا يتوقف ذلك بالطبع عند الحملات الدعائية، بل ويصل إلى التواصل مع المتأثرين بالتنظيم والتحريض على القيام بهجمات عبر عدد من التطبيقات مثل برنامج «تلغرام»؛ وهو ما يسهل لهم إرسال موضوعات مشفرة يمكن التواصل بها ما بين أعضاء التنظيم بسهولة.
القرصنة تدخل عالم الإرهاب
يتجلى مؤخراً نمط جديد من الإرهاب يتجاوز الحدود التقليدية ما بين الجرائم والأعمال التخريبية وما بين والإرهاب، وإدخال المسببات والأهداف السياسية لمثل هذه الجرائم، سواء كانت قرصنة إلكترونية مثل سرقة الحسابات البنكية أم قتلاً للمدنيين. وإن كان يصعب نسب هذه الهجمات إلى جماعات إرهابية مثل «داعش» أم من قبل قراصنة متأثرين بالتنظيم، بالأخص في عصر الإغراق في التعتيم على هويات أعضاء التنظيم واتباع نمط السريّة واستعمال الأسماء المستعارة من أجل حمايتهم وإخفاء علامات جرائمهم. إلا أن كل هذه الأعمال تستغل التطور الإلكتروني وتعطيل المواقع الإلكترونية الحيوية من أجل استعراض قوتهم والتأكيد على شيطنة الآخر وتكفيره وإيجاد ضرورة لقتله.
إلا أنه بشكل عام يظهر ثمة ارتباط ما بين القراصنة وتنظيم داعش منذ بداية عهده، حيث سعى إلى استقطاب القدرات الشبابية من الجنسيات المختلفة من أجل أن يساهموا معاً في تحقيق الأهداف «الداعشية» في حملاتها الدعائية. هؤلاء الذين تم استقطابهم توجهوا إلى «الخلافة الداعشية» في كل من العراق وسوريا، من أجل التغلغل في العالم الإلكتروني والتأثير على الآخرين. هذا التوجه السيبراني لا يزال متبعاً من حثّ للشباب من مختلف دول العالم ممن تميزوا بخبرتهم في العالم الإلكتروني والقرصنة، وتحفيزهم على التخريب باسم التنظيم. أحد أشهر القراصنة في تنظيم داعش البريطاني، جنيد حسين، وُصف بـ«العقل الإلكتروني المدبر» للتنظيم ممن كان له دور بارز في تجنيد الأعضاء، وقد لاقى حتفه في سوريا بغارة جوية، عُرف فيما قبل إعلانه الانضمام إلى التنظيم ببراعته في القرصنة، وقد تمت محاكمته إثر تمكنه من اختراق دفتر عناوين رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، إضافة إلى اختراقه الأمني عدداً كبيراً من حسابات شركات ومؤسسات دولية تجاوزات 1400 اختراق. وتضمنت محاولات محاميه الدفاع عنه محاولات لإثبات عدم ارتباطه بالعمليات الإرهابية، وإن انضم فيما بعد إلى تنظيم داعش.
في حين تكشف تهديدات تنظيم داعش بجمعها ما بين أنشطة إلكترونية وقرصنة تخريبية وأخرى عسكرية، ببزوغ عهد جديد يخلط ما بين المفاهيم المختلفة للجرائم والعمليات التخريبية والإرهاب؛ فالقراصنة الذين لم تكن لهم توجهات سياسية من قبل أصبحوا جزءاً من المنظومة المتطرفة التي احتضنتهم وشجعتهم على التمادي في هجماتهم. فعلى سبيل المثال، ظهر إلى الملأ جيش الخلافة الإلكتروني مرتبطاً بتنظيم داعش ليقوم بالتهديد من خلال بث مرئي ظهر إلكترونياً باللغة العربية: «نحن قراصنة داعش سنواجهكم عبر حرب إلكترونية هائلة». ووصف المواجهة بـ«الأيام السوداء التي ستتذكرونها» والتي ستفسر عملياً من خلال عمليات تم وصفها: «سنخترق مواقع الحكومات والوزارات العسكرية والشركات والمواقع العالمية الحساسية». وكعادة الوسائل الإعلامية للمتطرفين، هناك استمرار في التهويل وتضخيم الأنشطة الإرهابية بغرض التخويف والإبهار، وإن كانت بنمط عشوائي لا يمت بصلة للهالة الإعلامية الإلكترونية التي لمع من خلالها أعضاء التنظيم في الفترة السابقة من خلال دعوتهم للمتطرفين من كل بقاع الأرض التوجه إلى ملاذهم ومنطقة خلافتهم المزعومة سابقاً في كل من العراق وسوريا».
يذكر أن ما يزيد على 17 مجموعة مختصة في القرصنة واختراق المواقع أعلنت ولاءها لتنظيم داعش، في حين يظهر كذلك توجه نحو استقطاب القراصنة «المنفردين» للهجوم على البنى التحتية الحيوية وشلّ حركتها. وقد وجهت جماعة تنظيم داعش للقرصنة تهديدها الأول والأكبر نحو العدو الأزلي للتنظيمات المتطرفة، أي الولايات المتحدة؛ إذ صرح باستهدافه المواقع الإلكترونية الأميركية، وبالفعل تم نشر معلومات عن الجيش الأميركي شملت أسماءهم وعناوينهم، ومن ثم بدء تحريض «الذئاب المنفردة» باستهدافهم بعد أن تم الكشف عن هوياتهم وأماكن تواجدهم. ويتجلى وجود تفاوت للجهات المستهدفة ما بين حكومات وجيوش والبنى التحتية المهمة، إضافة إلى الشبكات الإخبارية ومواقع إلكترونية مهمة مثل ما حدث مع شبكة القنوات الفرنسية «تي في 5»، التي قام القراصنة بتعطيبها لتستبدل صفحات مواقع قنواتها بشعارات خاصة بالتنظيم، إضافة إلى مهاجمة قراصنة تنظيم داعش وسائل إعلام إماراتية شملت صحيفة «الاتحاد» وقناة «أبوظبي» لتتجاوز بذلك البلدان الغربية.
في حين قام قراصنة مرتبطون بالتنظيم في عام 2016، بنشر قائمة بالآلاف من سكان نيويورك بأسمائهم وعناوينهم الإلكترونية بغرض استهدافهم. إلا أن كل ذلك بمثابة المحاولة المستميتة للاستمرار، بالأخص مع انحسار الوهج والنفوذ الإلكتروني للتنظيم، فمن حيث تعطيل المواقع فإنه بشكل عام مؤقت لا يكسب منه التنظيم سوى الشهرة الإعلامية بما يمثل هدفاً معنوياً أكثر من كونه مادياً ملموساً؛ إذ لا يحقق أهدافاً بعيدة المدى سوى الاحتفاء بمجدهم من قبل المناصرين، والسعي نحو استقطاب المزيد من التخريبيين من خلال نشر شعاراتهم في المواقع المعطلة، إضافة إلى عبارات في بعض الأحيان. في حين لا يتعدى المناصرون في الآونة الأخيرة الذئاب المنفردة، ومن جهة أخرى الكشف عن الأسماء والعناوين من أجل استهدافهم. وقد ظهرت هجمات مضادة لتنظيم داعش، بل تطور ذلك إلى الإعلان عن حركات مضادة لهم مثل شبح واتشولا تسعى إلى تعطيل الوكالات الإعلامية المرتبطة بـ«داعش» بهدف تعميق التشكيك في مصداقية المواقع المرتبطة بالتنظيم ونشر صور إباحية فيها، وقد قام التنظيم فعلاً بالتحذير من الموضوعات التي يتم طرحها عبر وكالة «أعماق» المرتبطة به، وعدم الوثوق بها نظراً لإغراق مواقعها بمثل هذه الهجمات.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.