أشياء كثيرة تغيرت، سلباً أم إيجاباً في الحياة الثقافية العربية، أفراداً ومؤسسات، ارتباطاً بما يجري داخل كل بلد من البلدان العربية، خصوصاً منذ الربيع العربي عام2011، وبما يدور حولنا في العالم من تغيرات وتحولات فكرية وثقافية كبرى، إلا أن هناك ثابتاً واحداً عصياً على التغيير حتى الآن، هو اتحاد الأدباء والكتاب العرب، الذي يبدو كأنه خارج الزمن العربي والعالمي. إنه اتحاد يمكن أن ينطبق عليه أي وصف، ما عدا أنه يمثل قطاعاً من الكتاب هم، أو كما هو مفروض، أكثر البشر حساسية تجاه ما يجري في محيطهم والعالم.
لكن هذا لا ينطبع للأسف على الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، خصوصاً على أمينه العام. ومن ذلك، خطوته الأخيرة المفاجئة باختيار دمشق مكاناً لعقد المؤتمر الدوري، من دون التشاور الكافي مع اتحادات قُطرية، هي من الأعضاء المؤسسين للاتحاد...
وحتى لا يتهمنا الأمين العام بالتحامل عليه، كما فعل حين هاجمَنا بالاسم، وغيرَنا كذلك، في ندوة عقدها في أبوظبي 2016، نحيله إلى بيان المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، وهو اتحاد كبير، ومستقل عن أي سلطة منذ تأسيسه، ولعله الوحيد من بين معظم الاتحادات العربية، الذي كان له مواقف معروفة في الدفاع عن المثقفين، حتى خارج بلده. جاء في البيان الذي صدر أول من أمس، لمن لم يقرأه بعد: «وها نحن اليوم أمام اجتماع جديد للمكتب الدائم بدمشق... وكأن الأمين العام يضعنا جميعاً أمام ما يرتضيه هو من قرارات لن تكون إلا باطلة، لأنها لا تخدم سوى أجندات معروفة، ضداً على النظام الأساسي للاتحاد العام وعلى مقرراته، وأيضاً ضداً على مواقف عديد الاتحادات القُطرية».
واستنكر المكتب التنفيذي، في عبارات واضحة، عدم احترام الأمين العام للنظام الأساسي لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، وعدم وفائه بالتزاماته.
وكان هذا الأمين العام نفسه قد وعد في الندوة المشار إليها، وبعد مناشدات كثيرة من المثقفين والكتاب، برفع اقتراح تجميد عضوية اتحاد سلطة البعث السوري، بناءً على نص المادة 24 من النظام الداخلي للاتحاد العام. وذكر في الندوة أنه سيدعم إقرار هذا التجميد. وانظروا ماذا فعل الآن بدلاً من ذلك. عقد مؤتمره في دمشق التي لا تزال غوطتها الشرقية تنزف دماً، وتموت جوعاً، ولا تزال نساؤها يبكين نصف مليون قتيل، وينتظرن ليل نهار العودة المستحيلة لأربعة ملايين مهاجر، ما دام الوحش قابعاً هناك وسط تهليل اتحاد الكتاب والمثقفين وأمينه العام، الذي قال بلا خجل أمام مفتي سوريا، ممثل الأسد «الثقافي»، إن مؤتمره هو «رسالة تضامن مع المثقف والكاتب والمواطن السوري».
وهو يعرف جيداً كم كاتب ومثقف ومواطن سوري شرّدهم النظام في كل أنحاء الأرض. هؤلاء لم يرفعوا بندقية واحدة، ولم يرموا حتى حصاة واحدة على زجاج المخابرات العامة. إنهم لا يملكون سوى حلم بسيط بالحرية والحق والجمال. والمفروض أن هذه هي رسالة المثقفين الحقيقيين، في كل مكان وزمان، لا تزكية القتلة، كما يفعل الآن «مثقفون عرب» في عرين الأسد بقيادة أمينهم العام.
لقد وفّر لنا مفتي سوريا مشكوراً الحديث عن هدف المؤتمر المعقود في دمشق، والدافع الحقيقي للمشاركين فيه، بقوله: «لماذا جامعتكم العربية قاطعت دمشق، وها هم أبناؤكم أصحاب الجمال والفكر والكلمة والنور (كذا!) أتوا إلى دمشق، فلماذا تركتم دمشق تدافع عنكم وحدها؟».
المطلوب الآن، كما دعونا سابقاً، أن تعبر الاتحادات القُطرية عن موقفها الصريح، وأن تهتف «ليس باسمي»، في آذان المكتب الدائم وأمينه العام كما فعل اتحاد كتاب المغرب، ليس انسجاماً فقط مع جوهر رسالته ودوره الثقافي، وإنما، أولاً، مع واجبه الأخلاقي.
اتحاد الكتاب العرب في عرين الأسد
اتحاد الكتاب العرب في عرين الأسد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة