كتاب ونقاد مصريون: أزمة النقد هي من أزمة العقل العربي

يرون أن الإبداع متقدم بمسافة كبيرة

كتاب ونقاد مصريون: أزمة النقد هي من أزمة العقل العربي
TT

كتاب ونقاد مصريون: أزمة النقد هي من أزمة العقل العربي

كتاب ونقاد مصريون: أزمة النقد هي من أزمة العقل العربي

تتعدد أسباب أزمة النقد الأدبي في مصر، وتأخذ أبعاداً مختلفة؛ فبينما يراها كتّاب ومثقفون أزمة العقل العربي الذي تربَّى على النقل والحفظ، يرصدها آخرون في سياق شكوى الأدباء من غياب المتابعة النقدية، واقتصارها على الشللية، وضعف المستوى النقدي، واكتفاء الأدباء بالشكوى، لافتين إلى أن حل الأزمة يتطلب منظومةً تتوزع فيها الأدوار بين أضلاع مثلث يمثِّلُه المبدع والناقد والمؤسسات الثقافية المعنية، وأنه يجب على كل ضلع القيام بدوره بصدق وموضوعية.
«ثقافة» استطلعت آراء عدد من النقاد والكتاب في محاولة لاستشراف طبيعة الأزمة وأثرها على المبدع والحياة الثقافية بشكل عام.
في البداية، قال الروائي صبحي موسى: «يعاني النقد بشكل أساسي من عدة مشكلات، أبرزها عدم القدرة على تقديم إسهام حقيقي في النظرية النقدية على الصعيد العالمي؛ فليس لدينا ناقد واحد له آراء وأطروحات يمكن القول إنها معروفة عالمية، أو أن ثمة مَن يتحدث عنها في جامعات أوروبا أو أميركا أو غيرها، وهو ما يكشف بدرجة أساسية عن أننا مجتمع استهلاكي يقتات على ما يُنتِجه الآخرون، وحين ننزل إلى المستوى المحلي نجد أن النقد في جانبه النظري يعاني من مأساة التلفيق بين ما تقوله النظريات العالمية؛ سواء البنيوية أو الشكلانية أو غيرها، وما قاله البلاغيون والنحويون العرب قديماً، كالجرجاني وابن طباطبا وابن سيدة وغيرهم، وكثيراً ما نجد إجباراً لأفكار النظريات الجديدة كي تتواءم مع أفكار القدامى، أو مُبالَغة في طرح فكر القدامى بما يتناسب مع النظريات الحديثة، وهو ما يعكس أزمة الفكر العربي الذي يسعى للتوفيق بين ما ينتجه الغرب من تكنولوجيا حديثه، وما نردده من كلمات ونظريات (السلف الصالح)».
وأضاف صاحب رواية «الموريسكي الأخير»، قائلاً: «على الجانب التطبيقي، لا يختلف الأمر كثيراً؛ فغالبية النقاد هم مدرِّسون مجتهِدون، إن لم يكونوا موظفين بدرجة مدرسين في الجامعة، وهذا يجعلهم يميلون لتقديم تطبيقاتهم على ما تناولوه عن أساتذتهم، بمعنى أنهم ينحون لدراسة الأدب القديم لترديد ما سمعوه عن أساتذتهم من قبل، أما الأدب الحديث فنسبة من يتعاملون معه لا تزيد على 10 في المائة، وهؤلاء في غالبيتهم غير منتمين روحياً إلى الأدب الحديث؛ فحين يتحدث أي منهم عن قصيدة النثر فإنه يتحدث من منطق الشعر القديم، وحين يتحدث عن الرواية فإنه يحكي الحكاية، ويزداد الأمر سوءاً حين يتحدثون عن القصيدة الرديئة بالأدوات والعبارات التي يتحدثون بها عن القصيدة الجيدة، ومن هنا فالنقد التطبيقي يساوى لدى أصحابه أكبر شاعر مع أصغر شاعر، كما لو أنهم مجرد ماكينات لفرم الورق».
وحول علاقة الأزمة بغياب العقل المفكر، يرى موسى أن «أزمة النقد هي أزمة العقل العربي الذي تربى على النقل والحفظ، ومن ثم فإنه غير قادر على الإبداع ولا طرح أفكار تتمتع بالجرأة، فضلاً أن جانباً كبيراً من المختصين به لم يصبحوا نقاداً لأنهم يحبون الرواية أو الشعر، ولكن لأن مكتب التنسيق قذف بهم إلى كليات وأقسام اللغة العربية، وبقليل من المثابرة والحفظ أنهوا دراساتهم الجامعية، ثم حصلوا على الماجستير في موضوعات طرحها المشرفون عليهم، والأمر ذاته في الدكتوراه، وهكذا أصبحوا نقاداً أصحاب إضافات في النظرية النقدية، ولا يدل على حجم الأزمة إلا كمّ الأعداد الحاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب، ولا تندهش حين تتعامل مع بعضهم وتجد فكره وآراءه شديد التخلف».
وتابع موسي: «الجانب الآخر من الأزمة أن الإبداع متقدِّم على النقد منذ سنوات طويلة، سواء في عدد ما يُنتَج من أعمال إبداعية، أو فيما يُطرَح من أفكار ورؤى ومدارس، ومن ثم فالكُتّاب هم الذين يقومون بالتنظير للمدارس والتيارات التي ينتمون إليها، وأغلب المتابعات النقدية يقوم بها المبدعون أنفسهم في الصحف والمجلات والمواقع، وكثيراً ما نظلم النقاد حين نطالبهم بالمتابعة اليومية لكل ما يُنتَج، لأن غالبيتهم غارقون في عمل بيروقراطي بالجامعة، مثلهم مثل أي موظف، مما يجعل النقد بمثابة الدرجة الثانية وليس الأولى».
أزمة نقد أم نقد الأزمة؟
من جهة أخرى، يرى القاصّ الروائي السيد نجم أن واقع الحياة والمناخ الأدبي والثقافي كما الأواني المستطرقة، متواصلة ويؤثر بعضها على بعض، سواء وافقنا أم لم نوافق أو لنقل: انتبهنا أم لم ننتبه.
ويضيف: «ملامح الحياة الثقافية الآن تتمثل في مظاهر لافتة، مثل الرواية الأكثر مبيعاً، وإعادة طباعة كتاب ما للمرة الخمسين مثلاً! وظهور واحتفاء لكاتب ما، وتوهج غير تقليدي ثم الخفوت الغامض! دوماً هناك اعتراض على نتائج ترشيحات جوائز الدولة السنوية (غالباً)، وهناك أيضاً ضعف مستوى المادة الثقافية إن وجدت في القنوات التلفزيونية العامة والخاصة». ولفت نجم إلى القصور الشديد في متابعة المنتج الأدبى العالمي بل اﻹنتاج الفكري والفلسفي شرقاً وغرباً، كما أن دور النشر الإلكترونية التي تنتج الكتاب الرقمي أقل من مستوى المسؤولية وتتلاشى معها حقوق المؤلف تماماً. وداخل هذه الصورة العامة هناك تخصص النقد الأدبي الذي هو أحد أجنحة اﻹبداع ما بين الكاتب والقارئ والناقد، ولا يمكن تجاهل مشكلة المتابعة النقدية للمنتج الزائد في الرواية وغيرها، بل ولا يتم ملاحقة الجديد في النظريات النقدية شرقاً أو غرباً، ما أنتج قصوراً في مجال الترجمة للجوانب الفكرية الفلسفية النقدية بالعموم.
- موت الناقد
ومن جانبه، قال القاص شريف عبد المجيد: «بمرور الوقت ومع تغلغل وسائط التواصل الاجتماعي ظهرت المدونات التي كانت تقترح أو تقتبس من كتب معينة ما يمنح هذه الكتب أفضلية ما ويجعلها أكثر قابلية للتداول، ثم ظهرت (غروبات) يتناقش فيها الكتاب حول كتب معينة وقيمتها الفكرية وتأثيرها عليهم، كما ظهرت نوادي الكتاب وهى تجمعات تختار كتاباً معيناً لتناقشه أحياناً في وجود مؤلفه، وأحياناً في عدم وجوده».
ولفت عبد المجيد إلى عامل يراه مهمّاً في سياق نواتج عولمة الثقافة وديمقراطية المعرفة، وهو ظهور مواقع ثقافية كبرى مثل «good reads» التي تعطي صلاحيةً للقارئ ليمنح الكاتب عدداً من النجمات، ويختار كتبه المفضلة، وهو ما يمنح النجاح لكتب ربما لم يتناولها النقد التقليدي من الأساس، ومن هنا ظهرت سلطة القارئ وعلاقته المباشرة مع الكتب والكتاب، وهناك كُتّاب لهم صفحات على «فيسبوك» يتناقشون مع قرائهم بشكل مباشر ويومي.
وخلص عبد المجيد إلى أن كل هذا جعل أصوات النقد الكلاسيكي تخفت؛ سواء في المتابعات الصحافية أو في التقييم النقدي، مشيراً إلى أنه ظهرت أخيرا على «يوتيوب» بعض الفيديوهات لناشطين يقومون بعمليات تقييم وتقديم لبعض الكتب التي أعجبتهم بشكل أسبوعي، ولها كثير من المتابعين.
- أزمة مجتمع
ويرى الناقد الدكتور مصطفى الضبع، وهو أستاذ للأدب، أن «لأزمة النقد عدةَ أوجه، أولها التعليم الذي لم يعد يرقى لمستوى العصر؛ فالمؤسسات التعليمية فقَدَت القدرة على تنمية الذائقة أو العمل وفق مناهج من شأنها إعلاء عمل العقل، ويكفي بأن نعرف أن هذه المؤسسات تعمل وفق منظومة تقوم على مفهوم خاطئ يعتمد على أن التعليم ما هو إلا حشد المعلم قدراً من المعلومات لحشرها عنوة في ذهن طالب غير مؤهَّل بالمرة لإدراك ما يكون عليه تلقيه، أقول: تلقِّيه لا فهمه ولا العناية بإدراكه في صورة عصرية تواكب اللحظة الحضارية المعيشة، فالتعليم لم يعد مجرد حشو معلومات ولا استحضارها وتلقينها لطالب يعيد استظهارها عند الحاجة (المحصورة في الامتحانات فقط). وكذلك يغيب دور المؤسسات الأكاديمية التي تنتشر في كل مدن الوطن العربي، ولكنها لا تفرز نقاداً بحجم انتشارها أو بما يجب عليها أن تقدمه لمجتمع ينتظر منها الكثير».
ويضيف: «تغيب أيضاً الصحافة القادرة على إدارة مشروع نقدي يقوم على المتابعة الدورية لما يصدر. وعلينا الإقرار بأن الأزمة ليست في رواية تصدر وتعيش يتيمة من النقد أو يغيب عنها قلم الناقد أو حضوره، الأزمة هي أننا نقف عند ظاهر القضية وليس عمقها، لأننا لا نعترف أو لا نريد الاعتراف أن طالب الجامعة الآن لا يقرأ (لاحظت مراراً أن معظم طلاب الجامعة الذين يهتمون بالقراءة هم من تخصصات علمية أكثر منها أدبية أو معنية باللغة العربية)، وأن كثيراً من أجيال أعضاء هيئة التدريس اليوم من المتخصصين في اللغة وآدابها هم نتاج مؤسسة التعبئة والتعليب، ومعيد اليوم - في الأغلب - هو حامل جينات تعليم التلقين. ولا أدري ولا أعرف كيف لأستاذ يتفاخر بأنه ناقد، وهو لم يقرأ رواية واحدة عالمية (أضعف الإيمان لم يقرأ رواية واحدة لنجيب محفوظ مثلاً). ولم يقرأ ديواناً من الشعر الحديث، ولم يفكر بالخروج من قاعة الدرس واكتشاف الواقع من حوله (آخر شاعر يعرفه أحمد شوقي). ولم يكتب مقالة نقدية واحدة (خلاف أبحاث الترقية إن كان قد أنجزها). ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إنه يقبل المشاركة في مناقشة رسالة علمية عن الرواية وهو لا يعرف روائياً واحداً، ولم يقرأ رواية واحدة من الأعمال محل الدراسة، وفي كثير من الأحيان لا يكلف نفسه قراءة الرسالة التي يشارك في مناقشتها (يحدث كثيرا أن تشعر في المناقشة أن معرفة الباحث أوسع من معرفة المناقِش وهو ما يعد كارثة بكل المقاييس)».
ويلفت الضبع إلى أن الكثيرين يعتقدون أن القضية تنعكس على الإبداع فحسب، وإنما هناك ما هو أهم، فقد يستطيع الإبداع أن يعيش دون نقدٍ، وكم من كاتب متحقق لم يشغل نفسه بالنقد، بل هناك كتاب لا يتقبلون فكرة النقد من الأساس، والأهم من وجهة نظري أن غياب النقد تسبب غياب الوعي النقدي المتمثل في توسيع مفهوم النقد لينسحب على كل مناحي الحياة. وعلى الرغم من تفاقم الأزمة، يرى الضبع أن «الحلول ليست مستحيلة، وإنما ممكنة عبر هي منظومة تتوزع فيها الأدوار، ويكون على كل ضلع فيها القيام بدوره للخروج من الأزمة. فعلى الأدباء ألا يقفوا مكتوفي الأيدي أو أن يسعى البعض لحل المشكلة بصورة فردية، بأن يسعى لاستكتاب أكبر عدد من النقاد، ويعتقد أن المشكلة قد حُلّت، وإنما على البعض التخلي عن نرجسيته، وذلك باقتراح حلول وتقديم أفكار لتطوير المنظومة.



القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.