تونسيون يواصلون التظاهر لإسقاط قانون المالية عشية ذكرى ثورة الياسمين

نظم نشطاء مناهضون لإجراءات التقشف في تونس، أمس، مسيرة وسط العاصمة للمطالبة بإسقاط قانون المالية لعام 2018.
ووجه نشطاء من حملة «فاش نستناو؟» (ماذا ننتظر؟) نداءات على مواقع التواصل الاجتماعي للاحتشاد أمام مقر ولاية تونس بوسط العاصمة، والاحتجاج سلمياً ضد قانون المالية وارتفاع الأسعار؛ وذلك عشية الاحتفال بالذكرى السابعة لثورة «الحرية والكرامة» في 2011.
ولا تزال الحملة، التي أطلقت منذ نحو أسبوعين، تلقى تأييداً متزايداً من النشطاء وأحزاب المعارضة، حيث تجمع نحو ألفي شخص، أغلبهم من الشباب والطلبة، أمام مقر الولاية، مرددين شعارات «الشعب يريد إسقاط قانون المالية»، و«الشعب يعاني في الأرياف يا حكومة الالتفاف».
وانتشر الأمن أمس بشكل مكثف، وحال دون اقتراب المحتجين من مقر الولاية. وقال ناشط من الحملة لوكالة الأنباء الألمانية: «لقد جئنا في وضح النهار لنحتج بشكل سلمي، ولا نريد التصادم مع قوات الأمن». في حسن قال ناشط آخر: «لن نتراجع عن المطلب الرئيسي، وهو إسقاط القانون. نحن متمسكون بهذا المطلب».
ويأتي هذا التحرك السلمي في أعقاب احتجاجات ليلية عنيفة اجتاحت عدداً من المدن منذ الاثنين الماضي، شابتها عمليات نهب وتخريب واسعة ضد منشآت عمومية وخاصة، أدت إلى إيقاف أكثر من 700 شخص حتى أمس (الجمعة).
وتطالب الحملة وأحزاب من المعارضة بإلغاء قانون المالية أو مراجعته، بينما حث الاتحاد العام التونسي للشغل الحكومة إلى الإعلان عن قرارات عاجلة للزيادة في الأجر الأدنى، والرفع في منح العائلات المعوزة ومخصصات التقاعد الضعيفة. لكن الحكومة تقول: إن الإجراءات الصعبة، التي تضمنها قانون المالية، ضرورية للحد من عجز الموازنة والعجز التجاري، ومن أجل دفع النمو الاقتصادي.
ورغم أن تونس شهدت أمس يوماً آخر من المظاهرات ضمن حركة الاحتجاج الاجتماعي ضد قانون المالية، فإن المواجهات بدت أقل بكثير مما حدث في الأيام الأخيرة، بحسب السلطات، حيث عرفت مدن عدة في الأيام الأخيرة أعمال شغب ليلية واضطرابات غذتها بطالة متواصلة، وزيادة الضرائب؛ ما أثر على القدرة الشرائية المنهكة أصلاً بسبب ارتفاع التضخم.
وبدت التعبئة الاجتماعية التقليدية مع اقتراب ذكرى الإطاحة بالزعيم الراحل زين العابدين بن علي في 14 من يناير (كانون الثاني) 2011 إثر ثورة كان شعارها الأساسي «عمل وحرية وكرامة وطنية»، متفجرة بشكل خاص هذه السنة، حيث رفع نحو 200 متظاهر تجمعوا وسط العاصمة أمس «بطاقة صفراء» في وجه الحكومة، وذلك بدعوة من حملة «ماذا ننتظر؟»، التي دعت منذ بداية 2018 إلى الاحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار.
وفي مدينة صفاقس (وسط شرقي) ثاني أكبر مدن البلاد، تظاهر أيضاً نحو 200 شخص وسط رقابة مشددة، ورفعوا لافتات كتب عليها «مال الشعب في القصور وأبناء الشعب في السجون».
وقالت هندة شناوي، التي تنتمي إلى الحملة: «نعتقد أن الحوار لا يزال ممكناً، والإصلاحات لا تزال ممكنة. البطاقة الصفراء هي لنقول: انتبهوا... آن أوان التصدي للمشكلات الحقيقية، وهي الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة، أي المطالب نفسها التي نكررها منذ سنوات».
بدوره، رأى المحلل السياسي حمزة المدب أن التعبئة المتفجرة بشكل خاص هذه السنة مردها إلى «غضب اجتماعي شديد جداً»؛ إذ إن احتجاجات سابقة عدة لم تؤد إلى تحسن ملموس في ظل «طبقة سياسية في قطيعة أكثر فأكثر مع المواطنين».
ورغم حدة غضب المتظاهرين، فإن الاضطرابات كانت أمس أقل حدة بكثير مما حدث في الليالي الثلاث السابقة، التي شهدت مواجهات بين شرطيين وشبان رشقوا الحجارة والزجاجات الحارقة، إضافة إلى عمليات سرقة ونهب.
وفي حين تم توقيف نحو 780 شخصاً منذ الاثنين بحسب وزارة الداخلية، دعت منظمة العفو الدولية قوات الأمن إلى ضبط النفس.
وبحسب المتحدث باسم الداخلية العميد خليفة الشيباني لم يسجل أي عنف أو سرقة، أو نهب ليلة أمس، مبرزاً أن المواجهات كانت «محدودة وبلا خطورة»، وأنه تم توقيف 151 شخصاً متورطين في أعمال عنف أول من أمس؛ ما رفع إجمالي الموقوفين إلى 778 شخصاً خلال خمسة أيام.
وفي مدينة سليانة (شمال غرب) ألقى شبان حجارة على قوات الأمن التي ردت بالغاز المسيل للدموع لتفريقهم. بيد أن الوضع كان هادئاً في العاصمة التونسية وفي وسط البلاد المهمش، وأيضاً في طبربة غرب العاصمة، بحسب مراسلي وكالة الصحافة الفرنسية ووسائل الإعلام المحلية.
وأفرج أمس عن ثلاثة مسؤولين محليين للجبهة الشعبية (يسار) في قفصة (جنوب) غداة توقيفهم بداعي الحض على العنف، بحسب ما أفادت الجبهة. في حين دعت أحزاب وجمعيات، بينها خصوصاً المركزية النقابية القوية (الاتحاد العام التونسي للشغل)، إلى تجمع غداً (الأحد) لإحياء الذكرى السابعة للثورة.
ويرى كثير من التونسيين أنهم كسبوا الحرية، لكنهم خسروا لجهة مستوى العيش منذ الإطاحة ببن علي. ورغم أنها استجابت للاحتجاجات الاجتماعية إثر ثورة 2011 بعمليات توظيف مكثفة في القطاع العام، تجد الدولة التونسية نفسها اليوم أمام صعوبات مالية بعد سنوات من التدهور الاقتصادي العائد، خصوصاً إلى تراجع السياحة بعد اعتداءات في 2015.
ومنح صندوق النقد الدولي تونس في 2016 خط ائتمان بقيمة 2.4 مليار يورو على أربع سنوات، شرط إنجاز برنامج يهدف إلى خفض عجز الميزانية والعجز التجاري. وفي ضوء ذلك، تضمنت ميزانية 2018 زيادة في الضريبة على القيمة المضافة والضرائب على الاتصالات الهاتفية والعقارات، وبعض أصناف المنتجات المستوردة. كما تضمنت الميزانية ضريبة تضامن تقتطع من الأرباح والرواتب لتوفير موارد لخزينة الدولة.