اليمنيون في مصر... رجال أعمال وطلاب ومرضى يحلمون بالعودة

تقدر أعدادهم بنحو 200 ألف... ويفضلون وصف «عالقين» بدلاً من «لاجئين»

حفل لإحدى الفرق اليمنية على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية ({الشرق الأوسط})
حفل لإحدى الفرق اليمنية على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية ({الشرق الأوسط})
TT

اليمنيون في مصر... رجال أعمال وطلاب ومرضى يحلمون بالعودة

حفل لإحدى الفرق اليمنية على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية ({الشرق الأوسط})
حفل لإحدى الفرق اليمنية على مسرح الهناجر بدار الأوبرا المصرية ({الشرق الأوسط})

تتفاوت ظروفهم المعيشية داخل أروقة المدن المصرية الكبرى، ما بين «نازحين» هاربين من جحيم الحرب في بلادهم، و«عالقين» جاءوا للعلاج ولم يتمكنوا من العودة، ورجال أعمال لديهم استثمارات في مجالات كثيرة، وآخرين جاءوا قبل سنوات بحثاً عن فرص عمل وحياة أفضل، يعيش اليمنيون في مصر والقاسم المشترك بينهم جميعاً هو الخوف من كابوس الحرب الذي تتصاعد حدته يوماً بعد يوم.
ورغم ما تتعرض له المدن اليمنية من صراعات دموية، فإن حلم العودة يمثل لليمنيين المقيمين في مصر «وصفة وطنية»، يتشاركون فيها جميعاً، ويستمدون منها العون لمواجهة ظروف معيشية صعبة خارج وطنهم الأصلي. «الشرق الأوسط» رصدت أوضاع اليمنيين في مصر، والتقت بعدد كبير منهم، وألقت الضوء على بعض جوانب حياتهم اليومية داخل أحياء القاهرة والجيزة، بالإضافة إلى أنشطتهم الاقتصادية والتجارية.
ينتشر اليمنيون في كثير من المحافظات المصرية، أبرزها العاصمة القاهرة، ومدينة الإسكندرية (200 كيلومتر شمال القاهرة)، وأسيوط (جنوب القاهرة)، ومدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية (وسط دلتا مصر)، لكن العدد الأكبر منهم يتركز في القاهرة.
ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية مصرية عن أعداد اليمنيين في مصر، فإن قيادات بالجالية اليمنية تقدر بأنهم يتراوحون بين 180 و200 ألف يمني.
ويواجه اليمنيون في مصر مشكلات، أهمها ضرورة الحصول على تأشيرة للدخول، وتحديد مدة الإقامة، بعد أن ظلوا نحو 60 عاماً يُسمح لهم بالدخول من دون تأشيرة، لكن مصر واليمن أقرتا نظاماً جديداً للدخول. فحسب الاتفاقية الموقعة في مارس (آذار) 2015، أصبح لزاماً عليهم الحصول على تأشيرة للدخول من السفارات المصرية في أي من العواصم العربية أو الأوروبية، أو عند الوصول إلى مصر، بالإضافة إلى طلب إقامة يتم تجديده كل 6 أشهر.
وأسفرت النقاشات بين الجانبين المصري واليمني عن تقديم بعض التسهيلات الخاصة التي أضيفت إلى الاتفاق، منها إعفاء كل من تجاوز عمره 60 عاماً، أو من كان عمره دون 16 عاماً، من رسوم الإقامة وغرامات تأخر التجديد، وإعفاء حاملي الجوازات «الدبلوماسية - الخاصة - المهمة» من شرط التأشيرة المسبقة، على أن تنطبق عليهم قواعد الإقامة نفسها التي تطبق على حاملي جوازات السفر العادية، مع منح المواطنين اليمنيين ميزة عن سائر الجنسيات الأخرى بإقامة أول 6 أشهر من دون رسوم، ومنح المتزوجين بمواطنات مصريات، ومن لديهم أبناء يحملون الجنسية المصرية، إقامة سنوية متجددة.
كما يمنح اليمنيون الذين يمتلكون شققاً سكنية تزيد قيمتها عن 50 ألف دولار، وأقاربهم من الدرجة الأولى، إقامة سنوية متجددة، ويمنح الدارسون بالمدارس والجامعات والمعاهد المصرية، وأقاربهم من الدرجة الأولى، إقامة سنوية متجددة حتى الانتهاء من الدراسة، ويمنح أيضاً من لديهم أعمال وسجلات تجارية، وأقاربهم من الدرجة الأولى، إقامة سنوية متجددة، وكذلك المستثمرون عبر الهيئة العامة للاستثمار، يمنحون وأقاربهم من الدرجة الأولى إقامة لمدة 5 سنوات متجددة.

تحويلات الأقارب
تشكل خريطة توزيع اليمنيين في القاهرة مدخلاً هاماً لفهم مشكلات جالية لها خصوصيتها الثقافية، ويرفض أبناؤها وصفهم بأنهم «لاجئون»، مفضلين تعبير «نازحين أو عالقين»، فالتوزيع الجغرافي يبرز في جانب منه تفاوتاً واضحاً ليس في المستوى المعيشي فحسب، وإنما في مستوى وقسوة المعاناة.
وفي جانب آخر، يبرز استمرار تدهور الأوضاع يوماً بعد يوم كلما طالت الحرب، فالذين انتقلوا فور وصولهم للسكن في الأحياء المصرية الراقية، مثل «المهندسين» و«الزمالك» و«مصر الجديدة»، اضطروا بفعل طول الأزمة ونفاد مدخراتهم إلى الانتقال لأحياء شعبية تكون كلفة الإيجار فيها أقل. أما الذين جاءوا مباشرة إلى الأحياء الشعبية، فاضطروا أيضاً للبحث عن مسكن مساحته أصغر وأقل كلفة في الأحياء نفسها، فيما عجز كثيرون عن سداد إيجار مسكنهم، وفقاً ليمنيين يعيشون في مصر منذ سنوات.
يقول فهد العريقي، رئيس مجلس أعيان الجالية اليمنية في مصر، لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد إحصائيات رسمية بعدد اليمنيين في مصر، لكن بحسب الإحصائيات التقريبية التي أجريناها، يصل العدد إلى ما بين 180 و200 ألف حتى نهاية 2017، بعد أن كان لا يتجاوز عددهم 100 ألف في عام 2016، والسبب في هذه الزيادة أن أعداداً كبيرة وصلت مصر من الأردن والسودان».
ويضيف: «عند بداية النزوح، عاش كثير من اليمنيين في الأحياء الراقية، كالمهندسين ومصر الجديدة والزمالك والعجوزة، لكن مع طول الأزمة وفقدان مدخراتهم اتجه معظمهم إلى الأحياء الشعبية، مثل فيصل والهرم. وفي بداية الأزمة، كانت الجمعيات الخيرية تقوم بدور كبير في مساعدة النازحين الفقراء، سواء الراغبين في العلاج أو المساعدة في تدبر النفقات الأساسية للمعيشة، لكن هذا الدور تقلص إلى حد كبير لأن العدد فاق إمكانيات الجمعيات، كما أن مساعدات رجال الأعمال اليمنيين تراجعت لأنهم فقدوا جزءاً كبيراً من مصدر دخلهم بسبب الحرب».
وتعتمد النسبة الأكبر من اليمنيين في مصر على المساعدات، ومساعدات أقاربهم وعائلاتهم في الخارج، بينما يمتلك عدد منهم مشروعات تجارية، معظمها متوسطة مثل المطاعم اليمنية والمحال التجارية، وتشكل تحويلات الأقارب من الخارج المصدر الرئيسي لمعظم الذين نفدت مدخراتهم، وهي تحويلات صغيرة تساعدهم على تسديد نفقات معيشتهم الأساسية.
ويتابع رئيس مجلس أعيان الجالية اليمنية قائلاً: «نحو 20 في المائة لديهم مشروعات تجارية، و80 في المائة يعيشون على مدخراتهم، والمصدر الأساسي لهذه الأسر هو المساعدات التي يتلقونها من أقاربهم وعائلاتهم من الخارج. ومع ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري، يغطي مبلغ بسيط بالدولار النفقات الأساسية»، ولفت قائلاً: «رغم قسوة الحياة، فإن جميع اليمنيين لديهم حلم العودة إلى وطنهم، ولو انتهت الحرب سيعود جميع اليمنيين خلال شهر واحد».

مدارس يمنية
يشكل الطلاب نسبة كبيرة من الجالية اليمنية في مصر، وهم ينقسمون إلى شرائح مختلفة، فطلاب التعليم الجامعي يتوزعون ما بين طلاب منح التبادل الثقافي بين مصر واليمن، وهم الطلاب المبعوثون رسمياً من قبل الحكومة اليمنية، وطلاب المنح الخاصة التي تمولها جمعيات خيرية يمنية أسستها عائلات كبرى، بينما يدرس العدد الأكبر من الطلاب في جامعات خاصة على نفقتهم بنسبة تتراوح بين 60 إلى 70 في المائة، بحسب مسؤولين في الجالية.
ويرتاد الطلاب في مرحلة التعليم قبل الجامعي مدارس خاصة، بعدما قام رجال أعمال يمنيون بتبني مشروع لإنشاء مدارس يمنية خاصة في مصر، بدأ بمدرستين في القاهرة.
وتتركز معاناة طلاب التعليم الجامعي في عدم قدرتهم على سداد المصروفات الدراسية، خصوصاً مع تكرار تأخر المخصصات التي ترسلها الحكومة اليمنية للطلاب المبعوثين، وهو ما دفع الطلاب المبعوثين إلى الاعتصام داخل مقر السفارة في القاهرة عدة مرات خلال عام 2017، للمطالبة بصرف قيمة منحهم المتأخرة، وقامت الحكومة المصرية بإعفاء كثير من الطلاب أصحاب الحالات الخاصة من سداد الرسوم الدراسية، واستقبل الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، في أغسطس (آب) الماضي، عبد الملك المخلفاوي وزير الخارجية اليمني، حيث اتفقا خلال اللقاء على بحث المزيد من الإعفاءات للطلاب غير القادرين على سداد الرسوم الدراسية.
ومن جهته، يقول صهيب محمود، طالب في إحدى الجامعات المصرية الخاصة، لـ«الشرق الأوسط»: «حضرت إلى مصر قبل 3 سنوات، وأدرس في إحدى الجامعات الخاصة، وأسرتي تعيش منذ سنوات في إحدى الدول العربية، ويقومون بإرسال مبلغ شهري يكفي رسوم الدراسة ومصروفاتي، من سكن وطعام ومصروفات شخصية، وأنا أفضل حالاً من طلاب كثيرين يعانون مشكلات مادية بسبب عدم قدرتهم على سداد الرسوم الدراسية، لذلك أستضيف اثنين من زملائي اليمنيين في شقتي بمنطقة الدقي، لأن تحويلات أسرهم تتأخر كثيراً»، وأوضح أنه «يوجد كثير من الطلاب يعانون من عدم قدرتهم على تدبير نفقاتهم الأساسية».

البحث عن حياة أفضل
في السياق نفسه، يعيش كثير من اليمنيين في مصر منذ سنوات طويلة، بعضهم رجال أعمال أنشأوا مشروعات في مجالات كثيرة، بينها المطاعم اليمنية التي لاقت رواجاً واسعاً بين المصريين.
ويقول رجل الأعمال نبيل سهيل، الذي يمتلك سلسلة مطاعم يمنية في مصر، لـ«الشرق الأوسط»: «حضرت إلى مصر عام 2005، وأنشأت مطعماً يمنياً تطور إلى سلسلة مطاعم حققت نجاحاً كبيراً، فالتقارب الثقافي بين مصر واليمن ينعكس على الطعام، فأساتذتنا في المدارس والجامعات اليمنية كانوا مصريين، كما أن الجالية المصرية في اليمن كانت كبيرة العدد».
ويضيف: «معظم اليمنيين يتفهمون فرض مصر تأشيرة دخول، بعد أن كنا ندخل دون تأشيرة، وندرك أنها احتياطات أمنية بسبب الميليشيات، فلا توجد سلطة حكومية حقيقية في العاصمة اليمنية صنعاء حالياً، وهناك تلاعب كبير في إصدار الأوراق الثبوتية، لذلك نتفهم موقف مصر، ويوجد وعود بأن يعود نظام الدخول من دون تأشيرة فور استقرار الأمور».
وأوضح سهيل قائلاً: «أبرز المشكلات التي تواجه اليمنيين في مصر هي صعوبة اندماجهم في سوق العمل، لأن أغلبهم غير مؤهل علمياً أو مهنياً، ونحن كرجال أعمال نشارك في كثير من المبادرات لمساعدة غير القادرين، فجميع اليمنيين، مهما اختلفت ظروفهم، لديهم حلم بالعودة إلى وطنهم، فنحن شعب لديه ارتباط كبير بالأرض، وأكاد أجزم أنه بمجرد استقرار الأوضاع، سيعود معظم اليمنيين خلال شهر واحد».
إلى ذلك، لم يقتصر النجاح الذي حققه كثير من اليمنيين في مصر على رجال الأعمال، فالكثيرون حضروا إلى مصر منذ سنوات بحثاً عن فرصة عمل وحياة أفضل لأسرهم، وحققوا نجاحاً كبيراً في مهن مختلفة.
من جهته، يروي سعيد محمد (51 سنة)، يعمل طباخاً في أحد المطاعم اليمنية الشهيرة بحي المهندسين، لـ«الشرق الأوسط» قصة استقراره في مصر، قائلاً: «حضرت إلى مصر عام 2010 بحثاً عن حياة أفضل، وكنت أعمل طباخاً في اليمن. وفور وصولي إلى مصر، عملت في أحد المطاعم اليمنية، وكنت أسافر إلى أسرتي باليمن كلما استطعت. لكن بعد الحرب، قمت بإحضار أسرتي، واستقروا معي في مصر قبل نحو عام».
ويضيف: «مصر بلد جميل، وعلاقتي بالمصريين، سواء زملائي في العمل أو جيراني، جيدة جداً، وقد لاقيت كثيراً من الدعم والمساندة من أصدقاء مصريين عند وصولي»، ولفت إلى أنه «يعد الأكلات اليمنية الشهيرة لبعض جيرانه من المصريين الذين يدعونه أيضاً لتناول الأطعمة المصرية».

حلم العودة
مقاهي حي الدقي بالجيزة تحول عدد منها إلى ملتقى لليمنيين، وفرصة لتبادل الأخبار واستعادة الذكريات، وهي تشكل بطبيعتها تجمعاً يكاد يغطي فئات وأعمار الجالية اليمنية كافة، من طلاب وباحثين عن العلاج وعمال في مطاعم وتجار ونازحون دون عمل، وكأنها خريطة إنسانية لأوضاع اليمنيين في مصر.
بدوره، يقول بليغ المخلافي، المستشار الإعلامي لسفارة اليمن في القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أن كثيراً من اليمنيين في مصر حققوا نجاحات كبيرة في أنشطة اقتصادية مختلفة، مثل المطاعم اليمنية والعقارات والسياحة والنقل، فإن حلم العودة إلى الوطن يسكن وجدان الجميع على اختلاف معاناتهم».
سهيل عبد الله، 35 سنة، أحد رواد مقاهي الدقي، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن قصة تلقيه العلاج في مصر، قائلاً: «أصبت العام الماضي بقذيفة في مدينة تعز أدت إلى بتر ساقي اليسرى، وحضرت للعلاج في مصر بصحبة شقيقي، ومن وقتها وأنا عالق لا أستطيع العودة، وقد وجد شقيقي عملاً في أحد المطاعم اليمنية بالمنطقة كي نتمكن من دفع الإيجار وتكاليف المعيشة، ورغم كوابيس الحرب التي توقظني من نومي فزعاً، فإنني أحلم بالعودة إلى بلدي».
ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، فإن الحرب اليمنية قد خلفت منذ بدايتها عام 2015 أكثر من 3 ملايين نازح، بينهم أكثر من مليون فروا إلى دول الجوار. وذكر التقرير أن الحرب خلفت أكثر من 10 آلاف قتيل، إضافة إلى أكثر من 40 ألف جريح.
وقام عدد من الأطباء اليمنيين في مصر بتأسيس لجنة طبية لخدمة المرضى اليمنيين، وتقوم اللجنة بمساعدة اليمنيين مجاناً من خلال عيادات مختلفة لأطباء يمنيين ومصريين، كما تقوم اللجنة بالتنسيق مع بعض المستشفيات ومراكز الأشعة والتحاليل التي تقدم تخفيضات كبيرة للعالقين اليمنيين.
ومن جانبه، يقول الدكتور السيد علي رضوان، الباحث المتخصص في دراسات الشأن اليمني والخليجي، لـ«الشرق الأوسط»: «مصر بالنسبة لليمنيين هي الوطن الثاني، وليست مجرد بلد للنزوح، خصوصاً أن معظم اليمنيين تلقوا تعليمهم في المدارس والجامعات اليمنية على يد أساتذة مصريين، فاليمنيون يعشقون مصر».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.