المكسيك تنفي تمويل الجدار الحدودي مقابل اتفاق تجاري مع أميركا

المفاوض التجاري الأمريكي يتوسط وزيرة الخارجية الكندية ووزير خارجية المكسيك (رويترز)
المفاوض التجاري الأمريكي يتوسط وزيرة الخارجية الكندية ووزير خارجية المكسيك (رويترز)
TT

المكسيك تنفي تمويل الجدار الحدودي مقابل اتفاق تجاري مع أميركا

المفاوض التجاري الأمريكي يتوسط وزيرة الخارجية الكندية ووزير خارجية المكسيك (رويترز)
المفاوض التجاري الأمريكي يتوسط وزيرة الخارجية الكندية ووزير خارجية المكسيك (رويترز)

قال يديفونسو غواخاردو وزير الخارجية المكسيكي، والموجود حالياً في زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة، إن بلاده لن تمول بناء الجدار الحدودي مع أميركا مقابل الحصول على تسهيلات في اتفاق التجارة الحرة مع واشنطن وكندا، الذي سيتم مناقشته نهاية الشهر الحالي في إطار الجولة السادسة من المحادثات، لتعديل «النافتا» أكبر اتفاقية تجارة حرة بالعالم في أميركا الشمالية.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أشار في تصريحات له أثناء مقابلة صحافية إلى أنه يتفهم الأوضاع السياسية في المكسيك البلد الجار، ويدرك أن عليه تخفيف شروط الاتفاق التجاري على المكسيك، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية والفيدرالية المقبلة في منتصف العام الحالي، ولكن ما سيتم تحقيقه من أرباح اقتصادية جراء الاتفاق مع المكسيك سيكون في صالح تمويل الجدار الحدودي مع المكسيك. وكان تعهد الرئيس الأميركي ترمب في أكثر من مرة أن تمول المكسيك تشييد الجدار الحدودي مع بلاده للحد من الهجرة ودخول المهاجرين الشرعيين.
في هذه الأثناء، ذكر مسؤولون حكوميون أن كندا تستعد لاحتمال انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية التجارة الحرة «نافتا»، وذلك في أعقاب تصريحات الرئيس الأميركي ترمب، التي أشار فيها إلى أن بلاده قد تلغي الاتفاقية إذا لم تسفر الجولة السادسة من المفاوضات التي ستبدأ في 23 يناير (كانون الثاني) في مونتريال عن نتائج.
من جهتها قالت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند إن نهج بلادها منذ البداية هو تحقيق الأمل الأفضل، ولكن الاستعداد للأسوأ، لذلك فإن كندا مستعدة لكل الاحتمالات.
وقال مسؤولون حكوميون كبار إن هناك فرصة متزايدة لأن تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاقية. يذكر أن اتفاقية «نافتا» هي أكبر اتفاقية للتجارة الحرة في العالم، حيث تتعامل مع سوق مشتركة يبلغ عدد سكانها نحو 460 مليون نسمة، وتتكاتف فيها اقتصادات كندا والمكسيك والولايات المتحدة منذ دخولها حيز التنفيذ في عام 1994.
وارتفعت قيمة السلع المتداولة بين تلك البلدان بمقدار أربعة أضعاف منذ دخول «نافتا» حيز التنفيذ إلى 1.1 تريليون دولار سنوياً.
وقد عكفت الدول الثلاث على إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية، بناءً على طلب ترمب، الذي يرى أنها تنعكس بالسلب على الاقتصاد الأميركي.
وعلى الجانب الأمني، دفعت أنشطة العصابات وشيوع الجريمة في المكسيك، وزارة الخارجية الأميركية، إلى إصدار تحذير صارم إلى مواطنيها بتجنب التوجه إلى خمس ولايات مكسيكية تماماً، وهو مستوى من التحذير لا يصدر إلا للدول التي تشهد حرباً.
ويضع أعلى تحذير «بعدم السفر» من وزارة الخارجية الأميركية ولايات كوليما وميتشواكان وسينالوا وتاماوليباس وجيريرو المكسيكية على مستوى التحذير ذاته مع سوريا وأفغانستان والعراق. وذكّر إصدار التحذير بانتهاء عهد مدينة أكابولكو الساحلية التي كانت يوماً منتجعاً فاخراً. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن هناك مجموعات مسلحة تعمل بعيداً عن الحكومة في الكثير من مناطق جيريرو. وألقى التحذير الضوء على القيود التي تواجهها الحكومة الأميركية في تقديم خدمات طوارئ لمواطنيها في العديد من مناطق المكسيك، لأن موظفي الحكومة أنفسهم ممنوعون من السفر إلى تلك المناطق.
ووسط هذا المشهد الأمني والاقتصادي تواجه المكسيك العديد من الضغوط مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والفيدرالية في البلاد، التي ستبدأ خلال أشهر حملاتها الانتخابية لتلقي بظلالها على مشهد معقد، وهو ما قد يدفع إلى التأخير في إبرام الاتفاق التجاري، ولو قليلاً، خصوصاً أن مرشح اليسار المكسيكي أندرز مانويل لوبيز أوبرادور رئيس بلدية مكسيكو سيتي السابق واليساري يتصدر السباق الانتخابي، مما قد يدفعه ليكون المرشح المفضل لدى روسيا، وذلك في ضوء التغطية الإعلامية الإيجابية التي حظي بها في وسائل الإعلام المدعومة من الكرملين. غير أن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين قال إن اتهام روسيا بالتدخل في انتخابات المكسيك بعيد كل البعد عن الحقيقة، تعليقاً على اتهامات أميركية لروسيا بالتدخل في الحياة السياسية بالمكسيك قبل انتخابات الرئاسة.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».