احتدام الخلاف حول الحفر النفطي البحري في الولايات المتحدة

التباينات بيئية واقتصادية وسياسية

احتدام الخلاف حول الحفر النفطي البحري في الولايات المتحدة
TT

احتدام الخلاف حول الحفر النفطي البحري في الولايات المتحدة

احتدام الخلاف حول الحفر النفطي البحري في الولايات المتحدة

احتدم الخلاف حول مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الخاص بالسماح بالتنقيب والحفر البحري لإنتاج النفط والغاز، حيث أعلنت مؤسسات وجمعيات بيئية أنها تعمل على إعداد صحائف دعاوى عاجلة في ولايات عدة لوقف المشروع أو عرقلة تنفيذه، كما عبّر حكام عدد من الولايات المعنية عن اعتراضهم، وطلبوا سحب ولاياتهم من قائمة التراخيص الموعودة لأسباب اقتصادية وبيئية وسياسية.
ووفقاً للمشروع الذي أعلن عنه مطلع يناير (كانون الثاني) الحالي، من المتوقع الحفر والتنقيب في 90 في المائة من المياه الإقليمية الأميركية «لجعل الولايات المتحدة أول منتج في العالم»، كما أكدت مصادر الإدارة الأميركية.
والمشروع يرمي إلى منح 47 ترخيصاً في 5 سنوات اعتباراً من 2019، خصوصاً في المياه غير المستغلة أو المستغلة قليلاً.
ويرى متابعون «أن المشروع يعد انعطافة استراتيجية مقارنة مع ما كان يُسمح به أيام ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، والذي حصر الحفر والتنقيب في 6 في المائة فقط من المياه الإقليمية مع شروط وقواعد صارمة جداً».
ويضيف هؤلاء: «المشروع بمثابة هجوم استراتيجي لتحريك الخطوط القائمة حالياً في صناعة الطاقة عالمياً. فالولايات المتحدة تريد التحول إلى أول منتج للنفط والغاز في العالم، ووضع حد نهائي لا رجعة عنه لجهة الاكتفاء الذاتي والتصدير بقوة».
وهذا ما يؤكده الرسميون القائمون على المشروع بالقول: «هناك فرق شاسع بين الضعف والسيطرة في سوق الطاقة. نحن اخترنا السيطرة وسنكون الأقوى. وهذا مراد الرئيس ترمب الذي انتُخب بناءً على وعود لخلق الوظائف للأميركيين وإطلاق مليارات الاستثمارات والثروات للجميع».

أميركا أقوى بفضل النفط الصخري
وتقول وكالة الطاقة الدولية، في تقرير حديث لها: «إنتاج النفط الصخري له الفضل في جعل الولايات المتحدة الآن من 3 أكبر لاعبين ومقررين دوليين في قطاع الطاقة، إلى جانب السعودية وروسيا».
وبفضل النفط الصخري، ستكون الولايات المتحدة أكبر مُصدّر للغاز بعد أقل من 10 سنوات، علماً بأنها مصدر صافٍ الآن.
وقبل 2029 سيصدر الأميركيون نفطاً أكثر مما يستوردون بكثير. وستكون الولايات المتحدة اعتباراً من 2025 أكبر مساهم في نمو الإنتاج النفطي العالمي، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
ويشير مصدر في شركة نفطية كبيرة إلى أن الولايات المتحدة لم تسمح بهذا الكم من التراخيص منذ 33 سنة (باستثناء تراخيص خليج المكسيك). ويضيف: «أتى ذلك تلبية لطلب شركات نفطية تشتكي منذ سنوات من تعقيدات التنظيم والقواعد المفروضة. فالقطاع يرحب بالمشروع أملاً في الوصول إلى احتياطيات جديدة في مناطق أوفشور (في البحر). سنتحقق من وجود طاقات إنتاج تجارية ضخمة وسنسمح للرساميل المليارية بالاستثمار».
وتزيد تصريحات الشركات المرحبة من غضب الجمعيات والمؤسسات البيئية، كما أن الغضب يشمل بعض السلطات المحلية. فحاكم فلوريدا بالتعاون مع سيناتور جمهوري من الولاية نفسها يطلبان سحب فلوريدا من قائمة التراخيص خوفاً على السياحة التي تعد المورد الأول للولاية. وانضمت إلى المعترضين أيضاً سلطات ولايات كارولينا الشمالية وأوريجون وواشنطن.
في المقابل، يحذر مراقبون من معركة حامية على مشروع خاو. ففي رأيهم «لن يرتفع الإنتاج في المدى القصير؛ لأن الأمر متعلق بجاذبية المشروعات، خصوصاً من ناحية كلفة الإنتاج وتطور الطلب على الخام وسعره... كما أن المؤشرات الأولى غير مشجعة أو ليس بعد، والمساحات المستهدفة هائلة ولا معلومات كافية عما تختزنه أعماق تلك المياه».

مصاعب تنتظر المستثمرين
ويوضح المراقبون، أن التراخيص ستفتح أولاً في ألاسكا، حيث إن الاحتياطات هناك شبه مؤكدة، لكن صعوبة الإنتاج من أبرز المعوقات إلى جانب المخاطر البيئية.
وكانت شركة «شل» انسحبت من استثمار في ألاسكا بعدما أنفقت 7 مليارات دولار؛ لأن الجدوى انعدمت بعد انخفاض الأسعار.
وللوهلة الأولى، يعتقد الجميع أن الكامن في مياه المحيط الهادي ضعيف. فما من حفر أجري هناك منذ 1980، وتكاد المعلومات تكون قريبة من لا شيء.
لكن بعض الشركات مهتمة بتراخيص مياه الأطلسي؛ لأن الجيولوجيا هناك شبيهة بتلك التي في أحواض غويانا والبرازيل، حيث النفط وفير؛ ما يسمح لشركات كثيرة بالاستخراج حتى في أعماق تزيد على 2000 متر، والجدوى قائمة حتى مع سعر أقل من 50 دولاراً للبرميل.
لكن حتى الآن لا شيء يسمح بتأكيد أن الأطلسي شمال أميركا سيكون مشابهاً للأحواض المذكورة؛ لأن المعطيات قليلة والمتوافر منها يعود إلى 1970 – 1980، أما شركات الجيولوجيا والمسح الزلزالي فترحب وترى في المشروع فرصة لها. لكن مصادرها تقول: «الجميع خائف من انتخابات 2020، وإمكان عدم فوز ترمب مجدداً ومجيء رئيس يختلف رأيه في هذا المضمار».

ماذا عن المخاطر البيئية؟
إلى ذلك، نجد من يُذكّر بكارثة انفجار خليج المكسيك في أبريل (نيسان) 2010 والتسرب النفطي بعد غرق منصة بحرية لاستخراج النفط تابعة لشركة «بريتيش بتروليوم». واعتبر ذلك آنذاك التسرب الأكبر في التاريخ الأميركي وبين الأكبر في العالم تاريخياً.
بعد ذلك عمل الرئيس السابق باراك أوباما على تشديد القواعد والرقابة وإجراءات السلامة التي باتت قاسية على حد يسخر منه العاملون على فتح التراخيص البحرية الآن. ويؤكد هؤلاء «أن إجراءات السلامة على عاتق الشركات؛ لأنها الأدرى بمصلحتها بعدما تعلمت من درس خليج المكسيك، وبعدما تكبدت شركة (بي بي) نحو 19 مليار دولار خسائر وغرامات».
أما بالنسبة للاحتباس الحراري، فيقول مناصرو المشروع: «أثبتت الدراسات أن الطبيعة أفضل معالج لنفسها بنفسها. فبعد الكارثة تبين أن الهضم البكتيري كان كفيلاً بتخفيف أضرار التسرب إلى الحدود الدنيا بعد اتضاح انحسار جزء كبير من بقعة التسرب، وبالتالي أتت الآثار البيئية أقل مما توقع الجميع».
ويرد الناشطون البيئيون رافضين تلك الدراسة، التي صدرت عن إحدى الجامعات بتمويل من شركات نفطية. ويؤكدون أنه يجب انتظار 10 سنوات لتقييم الأضرار بشكل دقيق.
يُذكر أنه وفقاً للمشروع، يُنتظر منح 7 تراخيص في المحيط الهادي و17 في ألاسكا، و12 في خليج المكسيك، الذي سيكون العمل فيه أسرع من أي منطقة أخرى بالنظر إلى البنى التحتية الموجودة.
أما في المحيط الهادي، فإن الأمر أكثر صعوبة لأسباب سياسية تتعلق بأن الولايات التي تقع قبالة تلك الشواطئ يحكمها ديمقراطيون معترضون بقوة على المشروع، ولا سيما في كاليفورنيا وأوريجون وولاية واشنطن.
أما الإدارة الأميركية، فترد على جميع المعترضين بتكرار «إن ما من أحد في العالم أفضل من الولايات المتحدة في إنتاج طاقة نظيفة بنوعية عالية وبمسؤولية كاملة، اطمئنوا فالمشروع سينفذ».


مقالات ذات صلة

المستثمرون الأميركيون ينسحبون من صناديق الأسهم

الاقتصاد متداولون في بورصة نيويورك (رويترز)

المستثمرون الأميركيون ينسحبون من صناديق الأسهم

انسحب المستثمرون الأميركيون من صناديق الأسهم وانتقلوا إلى صناديق أسواق المال الآمنة خلال الأسبوع المنتهي في 8 يناير (كانون الثاني).

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد سبائك ذهبية في غرفة صناديق الودائع الآمنة في دار «برو أوروم» للذهب في ميونيخ (رويترز)

الذهب يسجل مكاسب ملحوظة مع تزايد المخاوف حول سياسات ترمب

ارتفعت أسعار الذهب يوم الجمعة مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مما زاد من الطلب على السبائك.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

«الفيدرالي» بين خيارين صعبين في ظل اضطرابات سوق السندات

وضعت الاضطرابات الهائلة في سوق السندات بنك الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب للغاية، حيث يواجه خيارين حاسمين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الولايات المتحدة​ سفينة شحن تَعبر قناة بنما في سبتمبر الماضي (أ.ب)

«قناة بنما»: ما تاريخها؟ وهل يستطيع ترمب استعادة السيطرة عليها؟

يستنكر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الرسوم المتزايدة التي فرضتها بنما على استخدام الممر المائي الذي يربط المحيطين الأطلسي والهادئ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (أ.ب)

عائدات سندات الخزانة الأميركية تسجل أعلى مستوى منذ أبريل

سجلت عائدات سندات الخزانة قفزة كبيرة يوم الأربعاء، حيث سجلت عائدات السندات القياسية لمدة عشر سنوات أعلى مستوى لها منذ أبريل (نيسان) الماضي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

عائدات سندات منطقة اليورو تصل لأعلى مستوياتها في أشهر

عملات يورو تغوص في الماء في هذه الصورة (رويترز)
عملات يورو تغوص في الماء في هذه الصورة (رويترز)
TT

عائدات سندات منطقة اليورو تصل لأعلى مستوياتها في أشهر

عملات يورو تغوص في الماء في هذه الصورة (رويترز)
عملات يورو تغوص في الماء في هذه الصورة (رويترز)

سجلت عوائد سندات حكومات منطقة اليورو أعلى مستوياتها في عدة أشهر يوم الجمعة، في ظل ترقب المستثمرين لبيانات الوظائف الأميركية المنتظرة في وقت لاحق من الجلسة، والتي من المتوقع أن توفر إشارات حول اتجاه السياسة النقدية لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي».

وارتفعت تكاليف الاقتراض، مدفوعة بمخاوف متزايدة بشأن التضخم على جانبي المحيط الأطلسي، في ضوء أرقام اقتصادية قوية واحتمال فرض رسوم جمركية أميركية، بحسب «رويترز».

وارتفع العائد على سندات الحكومة الألمانية لأجل عشر سنوات ثلاث نقاط أساس إلى 2.559 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ العاشر من يوليو (تموز). كما ارتفع مقياس رئيسي لتوقعات التضخم في الأمد البعيد إلى نحو 2.11 في المائة بعد أن هبط إلى ما دون 2 في المائة في أوائل ديسمبر (كانون الأول).

وارتفع العائد على السندات الألمانية لأجل عامين، وهو الأكثر حساسية لتوقعات أسعار الفائدة لدى البنك المركزي الأوروبي، بمقدار نقطة أساس واحدة إلى 2.23 في المائة. وقامت الأسواق بتسعير سعر تسهيل الودائع لدى البنك المركزي الأوروبي عند 2.15 في المائة في يوليو 2025، ارتفاعاً من 1.95 في المائة في بداية العام، في حين يبلغ سعر الودائع الحالي 3 في المائة.

ووصلت الفجوة بين عائدات السندات الفرنسية والألمانية - وهو مقياس لمدى تفضيل المستثمرين للاحتفاظ بالديون الفرنسية - إلى 85 نقطة أساس. وارتفع العائد على السندات الإيطالية لأجل 10 سنوات ثلاث نقاط أساس إلى 3.74 في المائة، بعد أن سجل 3.76 في المائة، وهو أعلى مستوى له منذ السابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين العائدات الإيطالية والألمانية إلى 115 نقطة أساس.