أوبرا وينفري... سيدة الإعلام

هل أميركا على موعد مع إعلامي آخر يقرع أبواب البيت الأبيض؟

أوبرا وينفري...  سيدة الإعلام
TT

أوبرا وينفري... سيدة الإعلام

أوبرا وينفري...  سيدة الإعلام

شغلت الإعلامية التلفزيونية الأميركية اللامعة أوبرا وينفري وظيفة أول مذيعة أخبار سوداء في قناة محلية بمدينة ناشفيل، عاصمة ولاية تينيسي بجنوب شرقي الولايات المتحدة، كما أصبحت أول امرأة تملك وتنتج برنامجاً حوارياً خاصاً بها. وفي عام 2003 صنّفتها مجلة «فوربز» أول امرأة سوداء تدخل «عالم المليارديرات». وجاء تكريمها يوم الأحد الماضي في لوس أنجليس خلال جوائز «غولدن غلوبز» – التي يقدّمها الإعلام السينمائي لصناعة السينما – كأحدث إنجاز لسيدة استثنائية. فهل سيتبعه نجاح سباق آخر في عام 2020؟ وهل يُقدّر لوينفري أن تصبح أول رئيسة للولايات المتحدة الأميركية؟... الأمر الذي تمناه محبوها بإطلاقهم هاشتاغ «أوبرا 2020» و«أوبرا وينفري رئيسة» مطالبين إياها بالترشح للانتخابات المقبلة.

«في عام 1964، كنت فتاة صغيرة جالسة منزل أمي في ميلووكي، أشاهد (الممثلة) آن بانكروفت وهي تقدّم في حفل الأوسكار جائزة أفضل ممثل... لسيدني بواتييه. لم أرَ قبل ذلك قط رجلاً أسود يحظى بكل تلك الحفاوة. اليوم لن أنسى أن هناك بعض الفتيات الصغيرات يشاهدنني بصفتي أول امرأة سوداء تحصل على هذه الجائزة... أريد من جميع الفتيات أن يعرفن أن يوماً جديداً في الأفق».
كان هذا جزءاً من الخطاب الناري لـ«سيدة أميركا الإعلامية» أوبرا وينفري عند منحها جائزة «سيسيل بي دي ميل» الفخرية عن مجمل أعمالها، خلال توزيع جوائز «غولدن غلوبز» يوم الأحد الماضي. ولقد حرّك خطاب أوبرا الحضور، وأشعل مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وفتح باب التساؤلات... ومنها «هل يا ترى ستكمل أوبرا وينفري مسيرتها على درب السبّاقين؟».

بدايات متواضعة
أيقظت الكلمة التي ألقتها وينفري مشاعر الحنين لدى جمهورها الذي اعتاد على إطلالتها من خلال برنامجها الشهير على مدار 25 سنة. وجاءت كلمتها في وقت حاسم بالنسبة للنساء اللاتي شاركن بالحفل، وبدت على وجوههن ملامح الاعتزاز برؤية امرأة لها «هالة» أوبرا تستعيد لهن حقوقهن، ولا سيما بعد فضائح التحرش التي ضربت الأوساط الهوليوودية.
المعروف عن أوبرا وينفري ذكاؤها الحاد، واختيارها الكلمة المناسبة في المقام الملائم. وكثيراً ما لجأت إلى الصراحة ومشاركة تجاربها الشخصية مع جمهورها. إنها إنسانة شفافة ومتواضعة، لم تخف بداياتها وماضيها، بل سخرته لدفعها إلى الأمام.
ولدت وينفري (اسمها الأصلي أوروبا غيل وينفري) يوم 29 يناير (كانون الثاني) عام 1954 في بلدة كوزيوسكو بولاية ميسيسيبي (بجنوب الولايات المتحدة) لأسرة سوداء شديدة الفقر. وبما أن أمها غير المتزوجة كانت تعمل خادمة منزلية، عاشت الطفلة مع جدّتها واضطرت إلى ارتداء فساتين مصنوعة من أكياس البطاطس.
وتنقلت أوبرا في سنوات عمرها الأولى بين منازل والدتها وجدتها ووالدها، وكما عاشت في ولايات عدة. وإلى جانب الفقر المدقع، تعرّضت لاعتداء جنسي من قبل أحد أقاربها وحملت في سن الـ13، إلا أن مولودها توفي ولم يكمل أسبوعه الأول.
لقد عاشت أوبرا ماضياً أليماً، وتجارب قاسية دفعتها إلى تعاطي المخدرات. إلا أنها على الرغم من كل الظروف القاسية والاختيارات السيئة استطاعت أن تقف على قدميها بثقة، وتكمل تعليمها، وتتخرج في جامعة تينيسي الحكومية Tennessee State University بتفوق.
كانت أوبرا وينفري من أوائل الطلاب المتحدرين من أصول أفريقية الذين حصلوا على منحة تعليمية في الفنون المسرحية. ومن ثم، بفضل شخصيتها القوية ونيلها لقب «ملكة جمال تينيسي السوداء» فتح أمامها باب العمل في محطة إذاعية محلية لتخطو أولى خطواتها في مجال الإعلام بسن الـ17، ثم انتقلت بعد سنتين للعمل في قناة تلفزيونية بمدينة ناشفيل، عاصمة تينيسي و«عاصمة الموسيقى الأميركية»، لتغدو أصغر المذيعات سناً في تاريخ المحطة. ووفق كتاب عن حياتها بقلم أوستن بروكس «بسبب عواطفها الصادقة أثناء النشرات أبعدوها عن الأخبار، وهكذا أتيحت لها تجربة البرامج (الحوارية)».

نجاحات كبيرة
كانت أولى تجارب أوبرا مع البرامج الحوارية في قناة بمدينة بولتيمور (ولاية ماريلاند) القريبة من العاصمة واشنطن في عام 1976. وهنا حققت نجاحاً كبيراً لفت إليها الأنظار، فاستقطبتها قناة أخرى في مدينة شيكاغو لتقديم برنامج صباحي استطاعت من خلاله كسب قلوب المتابعين.
بعدها، عام 1985 خاضت أوبرا تجربة سينمائية لها وكانت مع المخرج المبدع ستيفن سبيلبرغ في فيلم «اللون الأرجواني» Color Purple، واستحق أداؤها المتميز ترشيحها لجائزة أوسكار «أفضل ممثلة في دور مساند». غير أن النجاح الباهر بدأ حقاً عام 1989 عندما بدأت في تقديم البرنامج الحواري الأشهر عالمياً والذي يحمل اسمها «ذا أوبرا شو». البرنامج اليومي بدأ بتسليط الضوء على قضايا مجتمعية وتحول مع الوقت إلى جزء لا يتجزأ من الثقافة الشعبية للولايات المتحدة.
من هذا المنبر أطلت أوبرا وينفري طلية 25 سنة على عائلات أميركا والعالم. حاورت شخصيات بارزة بحرفية وعفوية وحساسية لم يمتلكها سواها. كشفوا لها أسرارهم الشخصية بلا تردد، وأصبحت صديقتهم أمام الكاميرا وخلف الكواليس أيضاً.
وباختصار، كان لحلقاتها وقع وتأثير على جميع المشاهدين وصارت «أوبرا» علامة تجارية عالمية يعرض برنامجها في أكثر من مائة دولة. ولذا؛ قرّرت المحاورة البارعة والمتحدثة الطليقة أن تؤسس شركة إنتاج خاصة بها لإنتاج برنامجها في آخر تسعينات القرن الماضي، أسمتها «هاربو» - أي اسمها مع كتابة أحرفها من الخلف إلى الأمام. وبعد ذلك أصبحت أول أميركية متحدرة من أصول أفريقية تتجاوز ثروتها الشخصية حاجز المليار دولار.

«ملكة الإعلام»
برنامج أوبرا الحواري، لم يستقطب الملايين حول العالم ويحقق لها ثروة طائلة فحسب، بل حقق أعلى نسبة مشاهدة في تاريخ التلفزيون وحصد عدداً من جوائز «إيمي». وعبره استحقت لقب «ملكة الإعلام» و«المرأة الأكثر تأثيراً في أميركا» وغيرها. ولكن، بعد 25 سنة من العطاء اليومي المتواصل، ودّعت أوبرا متابعي برنامجها في مايو (أيار) 2011 في آخر حلقة من البرنامج، وقررت الاعتزال والتفرغ لإدارة شبكة القنوات الفضائية التي تملكها «أو. دبليو. إن»..
إطلالتها اليومية انتهت، لكن مسيرتها الإعلامية لم تتضاءل، بل استطاعت نشر الكتب، وأطلقت مجلتها الخاصة، واستكملت تجاربها في عالم التمثيل، واستطاعت أن تتواصل مع جمهورها من خلال حساباتها النشطة على وسائل التواصل الاجتماعي. انتقلت أوبرا من حياة الفقر والمصاعب إلى عالم الشهرة والرفاهية، إلا أن ذلك لم يغيرها؛ إذ حرصت على تأسيس الكثير من الجمعيات الخيرية وساهمت في مبادرات أميركية وعالمية لدعم الأقل حظا، خصوصا النساء.
في كتابها الصادر في عام 2014 تحت عنوان «ما أعرفه على وجه اليقين» تشدد أوبرا أكثر من مرة على مدى تأثرها بالشاعرة الأميركية الراحلة مايا أنجيلو التي كانت من النساء الأفرو - أميركيات الرائدات في حركة المساواة. إذ كانت تعتبرها عرّابتها وقدوتها، وكانت تزورها باستمرار لسماع شعرها ليكون لها مصدر قوة وإلهام.

أوبرا... والسياسة
من ناحية ثانية، مع أن آراء أوبرا ومواقفها كانت واضحة جداً تجاه القضايا الإنسانية والاجتماعية، فإنها حرصت لفترة على الابتعاد عن السياسة، وما كانت تصرح بقناعاتها توجهاتها خلال سنوات نشاطها مقدمةَ برامج. لكن عندما خاض الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حملته الانتخابية الأولى، قررت أوبرا أن تكسر عادتها للمرة الأولى، فدعمته علناً.
قررت أن تدعم أوباما بعد نحو ثمانية أشهر على انطلاق حملته الانتخابية التي لم تلق زخماً كافياً حتى ذلك الحين. لكنها قدّمت أوباما لهوليوود في سبتمبر (أيلول) 2007 خلال حفل خيري بلغت كلفته ثلاثة ملايين دولار. ثم أمضت نحو أربعة أيام معه في ديسمبر (كانون الأول) من العام ذاته خلال جولته على عدد من الولايات، مناشدة الناخبين على التصويت له، وحشدت جماهيرها وراءه. عن ذلك، كشفت دراسة أجرتها جامعة ماريلاند بعد فوز أوباما في ولايته الأولى عن أن أوبرا وينفري كانت السبب وراء حصوله على نحو مليون صوت من جمهورها.

تكهنات وتأهبات
تدخّل أوبرا المباشر الوحيد في عالم السياسة الأميركية أثبت مدى تأثيرها على الرأي العام. ولذا؛ انطلقت دعوات من الشارع لترشحها منذ خطابها يوم الأحد الماضي، وطرحت تكهنات لـ«سيناريوهات» محتملة وسط تعطش الإعلام للحصول على تصريحات واضحة إزاء فرص انتقال: «ملكة الإعلام» إلى معترك السياسة وسباق الرئاسة.
استطاعت «لوس أنجليس تايمز» أن تحصل على تعليق من ستيدمان غراهام، شريك عمر أوبرا، الذي قال: إنها لم تفكر جدياً بالترشح «لكن إرادة الناس قد تدفعها لذلك». وبدورها، قالت غيل كينغ، وهي صديقة مقربة من أوبرا، لقناة «سي بي إس» إن «الترشح للرئاسة بات يستميل أوبرا، وإنها تدرسه بجدية». أما ليز برودي، التي قادت حملة المرشحة السابقة هيلاري كلينتون في ولاية نيو هامبشير عام 2008، فأعربت عن ثقتها بأن أوبرا ستقوم بدورها السياسي بالطريقة الصحيحة.
في المقابل، عندما سئل الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الثلاثاء الماضي، على هامش جلسة الكونغرس للهجرة، ما إن كان سيستطيع أن يهزم وينفري في حال نافسته على منصب الرئاسة في الانتخابات المقبلة، أجاب بلا تردد «بالطبع، بإمكاني أن أهزم أوبرا»، قبل أن يضيف «لكنني لا أعتقد أنها تنوي خوض السباق الرئاسي».
ولكن فيما يخص صاحبة العلاقة، نفسها، أوبرا فإنها لم تتخذ إلى الآن أي خطوات تشير إلى تحضيراتها لخوض انتخابات 2020. وهذا، مع تغريدة لها في 27 سبتمبر الماضي ربما تكشف نيتها خوض التحدي. فمن حسابها الشخصي غردت الإعلامية اللامعة مقال رأي للكاتب جون بودهوريتز في صحيفة «نيويورك بوست» تحت عنوان «أوبرا: أمل الديمقراطيين في 2020». وكتبت «شكراً لثقتك يا جون». وجاء هذا المقال بعدما أدارت أوبرا وينفري مناظرة للديمقراطيين ضمن برنامج «ستون دقيقة» في سبتمبر. وحسب بودهوريتز «أوبرا وينفري انعكاس (محسّن) لدونالد ترمب. فهي امرأة وهو ذكر. هي عمّة أميركا المعطاءة. وهو الخال المتسرّع. الاثنان ثريان، لكن مالها من تعب جبينها، لذا فهي تمثل الحلم الأميركي». واستطرد الكاتب: «شهر ترمب برنامجه التلفزيوني، وهي استمدت شهرتها من الشاشة أيضاً، إلا أن تجربتها ومسيرتها الإعلامية أنجح بأشواط؛ إذ استطاعت أن تزرع السعادة والإيجابية في قلوب المشاهدين، وقادتهم خلال حلقاتها عبر رحلة بحث عن الذات». واختتم مقاله بالقول: «أخذ ناخبو (ولاية) ميشيغن عشرين دقيقة من برنامج (ستون دقيقة) وهم يتذمرون من الفوارق السياسية التي تؤرقهم، وفي واقعنا المنقسم، استمدت المناظرة قوتها من الشخصية التي أدارتها، وهي أوبرا، القائدة التي يحتاج إليها الديمقراطيون في الانتخابات المقبلة».

رسالة من طفل
أخيراً، كتبت أوبرا وينفري في مستهل أحد فصول كتابها «لم أتوقع أبداً أن أقدم برنامجي على مدار 25 سنة»، قبل أن تقول في ذلك الفصل كيف فكرت في الاعتزال بعد 12 سنة، ثم بعد إقبال الجمهور قررت التمديد مرة واثنتين وثلاث. واختارت أخيراً التوقف عن تقديم برنامجها في عيده العشرين. لكن رسالة وصلتها غيّرت رأيها، بحسب قولها. تلك الرسالة كانت من الطفل ماثيو الذي حل ضيفاً بإحدى حلقات البرنامج.
ماثيو الذي لم يتعدَ الـ12 ربيعاً في حينها كان يعاني من مرض عضال. أعجبت أوبرا بنضجه واتخذته صديقاً بعد الحلقة. وفي يوم من الأيام كتب لها رسالة من المستشفى قال فيها: «سمعت أنك تنوين الاعتزال في عام البرنامج العشرين، لكن نصيحتي أن تمددي خمس سنوات أخرى». وأضاف «الرقم 25 رقم مثالي، هو تربيع مثالي ويرمز لاكتمال شيء ما، ومسيرتك مع هذا البرنامج لم تكتمل بعد». رسالة مؤثرة من طفل مريض بريء كانت كافية لتغيير رأي وينفري، وبالفعل، مدّدت البرنامج حتى سنته الـ25.
وثمة مَن يقول اليوم، إذا كان وقع كلمات بريئة من صديق عزيز على أوبرا بهذا الحجم، قد تكون رغبة الشارع الملحة منذ خطابها يوم الأحد السبب ما يدفعها أخيراً إلى دخول معترك السياسة.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».