بلوغ الفتيات المبكر... والاكتئاب

تغيرات جسدية ونفسية قد تقود إلى العزلة والسلوك الانطوائي

TT

بلوغ الفتيات المبكر... والاكتئاب

تعتبر مرحلة البلوغ (puberty) من أهم المراحل الفارقة في عمر الإنسان، وتحدث فيها تغيرات كبيرة، سواء على المستوى العضوي أو النفسي؛ حيث يلعب البلوغ الدور الأكبر في تغير السلوك والمظهر والعواطف، ويكون مؤشراً لبداية مرحلة جديدة من عمر الإنسان، وهي فترة المراهقة.

ارتباك نفسي

وبطبيعة الحال، فإن الفتيات على وجه الخصوص يكون لهن النصيب الأكبر في الارتباك النفسي المصاحب للبلوغ، نظراً لبداية حدوث الدورة الشهرية، وكذلك لأن التغيرات في المظهر تكون أكثر وضوحاً في الأنثى عنها في الذكر. وكلما حدث البلوغ في سن مبكرة كلما كان وقع هذه التغيرات النفسية أكبر على الطفلة وأشد وطأة.
وأشارت أحدث دراسة تناولت الأثر النفسي على الفتيات اللاتي يحدث لهن البلوغ في فترة مبكرة عن قريناتهن، والتي نشرت أخيراً في مجلة طب الأطفال (journal Pediatrics) في بداية شهر يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، إلى أن هؤلاء الفتيات أكثر عرضة للاكتئاب والعزلة والسلوك الانطوائي.
وعلى الرغم من أن هناك كثيراً من الدراسات التي رصدت ارتباط بداية الدورة الشهرية في عمر مبكر بالاضطرابات النفسية المصاحبة لحدوثها؛ فإن معظم هذه الدراسات لم تذكر السبب في حدوث تلك الاضطرابات المصاحبة، مثل القلق والتوتر والحدة في التعامل، وتغيرات في طبيعة تناول الطعام، سواء بالإحجام عن تناوله، أو الإقبال عليه بشراهة، وتراجع الأداء الدراسي؛ بل وحتى الإقدام على تعاطي الأدوية المخدرة أو تجربة التدخين.
وأوضح الباحثون أن التغيرات الجسدية بالضرورة تغير من طبيعة الحياة الاجتماعية للمراهقة التي لم تعد طفلة. وكل هذه الضغوط تسبب اضطرابات نفسية خاصة للفتيات اللاتي يختبرن بداية الدورة قبل عمر العاشرة. والحقيقة أنه بجانب التغيرات الجسدية والنفسية، هناك بالفعل تغيرات عضوية في المخ والقدرات الإدراكية، وهذه التغيرات على الرغم من فائدتها في استيعاب كثير من الأمور المتعلقة بالانتقال من الطفولة إلى النضج، فإن حدوثها بشكل مبكر يمثل عبئاً نفسياً إضافياً.
وفى الدراسة الحالية، قام الباحثون بتتبع البيانات الخاصة بـ8000 امرأة من الدراسة الطولية التي قام بها المعهد الوطني لصحة البالغين بالولايات المتحدة الأميركية (National Longitudinal Study of Adolescent Health) لمدة 14 سنة. كما تمت ملاحظة السلوكيات الضارة بالمجتمع والمشكلات النفسية التي تعرض لها هؤلاء النساء، مثل تعاطي المخدرات والسرقة وخرق القانون.

أعراض الاكتئاب

وتبين أن النساء اللاتي تعرضن لحدوث الدورة الشهرية في وقت مبكر عن قريناتهن، كن الفئة الأكبر في ارتكاب الأعمال غير القانونية والعدوانية. كما عانى كثير منهن من أعراض الاكتئاب، وذلك في متوسط فئة عمرية في أواخر العشرينات من العمر. وكانت هذه الأعراض من الحدة كما كانت في فترة مراهقتهن.
وأوضح الباحثون أن هذه النتائج تشير إلى أن تأثير البلوغ المبكر ربما يتعدى فترة المراهقة، ويستمر في البلوغ، نظراً لأن حدوث الدورة الشهرية في وقت مبكر يجعل المراهقة تنخرط في حياة البالغين من دون أن تكون مؤهلة نفسياً لذلك؛ فضلاً عن التغيرات الهرمونية التي من شأنها أن تغير المزاج سلباً أو إيجاباً، وهو الأمر الذي يؤثر على السيدات، سواء المراهقات أو من في مقتبل الشباب أو البلوغ، ويوضح المعاناة النفسية المصاحبة للدورة، فيما يسمى توتر ما قبل الدورة (premenstrual tension). وهذه الأعراض في حالة حدوثها في عمر مبكرة، فإن احتمالية زيادة معدلات الاكتئاب تكون كبيرة. ومن المعروف أن الأشخاص الذين يتعرضون للاكتئاب لأي سبب وفي أي فترة من العمر، حتى ولو كانت مرة واحدة، تزيد فرص إصابتهم لاحقاً بالاكتئاب.
وأضاف الباحثون أن حدوث الاكتئاب في عمر مبكر يصاحبه دائماً زيادة في الأعراض، وكذلك حدتها، فضلاً عن إمكانية تكراره عدة مرات لاحقاً. وأشاروا إلى أن فترة المراهقة تعتبر هي الفترة الأساسية فيما يمكن تسميته البنية التعليمية للأفراد، حيث تعتبر المعيار الذي يتحدد بناء عليه المستوى الدراسي للطالب لاحقاً. ونظراً لأن التغير الهرموني يحدث من دون وعي مسبق من الفتاة، يحدث التأثير النفسي السلبي الذي بدوره يؤثر على التحصيل الدراسي، ويمكن أن يؤدي إلى الإخفاق في التعليم، مما يزيد من الضغوط النفسية على المراهقة.
وأشارت الدراسة إلى أن النضج الجسدي المبكر يجعل الفتاة مختلفة في المظهر عن قريناتها، وبالتالي يحدث خلل في العلاقات الاجتماعية للمراهقة، وتتأثر صداقتها سلباً، وهو الأمر الذي يؤدي أيضاً إلى زيادة الضغوط النفسية عليها؛ خاصة أن عمر البلوغ أصبح في تناقص واضح في فترة الـ50 عاماً الأخيرة، حتى أن حدوث الدورة للمرة الأولى في الإناث ما دون العاشرة أصبح أمراً مألوفاً. ولذلك نصحت الدراسة بضرورة ملاحظة الآباء لأي تغيرات نفسية تطرأ على الفتيات تكون مصاحبة لظهور الدورة، لتجنب حدوث الاكتئاب.
وأكدت الدراسة أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات لمعرفة الأسباب الحقيقية الكاملة لارتباط الاكتئاب بحدوث الدورة؛ خاصة أن الدراسة الحالية اعتمدت فقط على المعلومات التي تم جمعها من الفتيات. كما يمكن أن تكون هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في السلوك الانطوائي؛ مثل الخلفية الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك العرق، فضلاً عن وجود خلل في الخلايا العصبية من عدمه. كما أن الإدراك المعرفي يختلف من فتاة إلى أخرى، حسب المعلومات المتاحة لها من خلال المجتمعات المختلفة، بمعنى أن الدول التي تختلف عن الولايات المتحدة يمكن أن تكون الأمور فيها أقل أو أكثر حدة، تبعاً لطبيعة تلك المجتمعات.

* استشاري طب الأطفال



دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)
بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)
TT

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)
بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)

أفادت دراسة علمية حديثة بأن تناول المأكولات الغنية بالألياف يزيد من حماية الجسم من العدوى.

ويوجد في أمعاء الإنسان عدد من الميكروبات يفوق عدد النجوم في مجرة ​​درب التبانة. وهذه الميكروبات ضرورية لصحة الإنسان، ولكن العلماء ما زالوا يحاولون تحديد ما تفعله بالضبط وكيف تساعدنا.

في دراسة جديدة نُشرت في مجلة «ناتشر ميكروبيولوجي»، اكتشف علماء كيف يمكن لبعض بكتيريا الأمعاء أن تحمينا من البكتيريا الضارة، وتشمل هذه البكتيريا أنواعاً مثل إيكولاي. وهي غير ضارة عادةً بكميات صغيرة ولكنها يمكن أن تسبب التهابات ومشكلات صحية أخرى إذا نمت كثيراً، وفق موقع «ساينس ألرت». ووجد باحثون أن بيئة أمعائنا - التي تشكلها أشياء مثل النظام الغذائي - تلعب دوراً كبيراً في إبقاء البكتيريا الضارة المحتملة تحت السيطرة.

للوصول إلى هذا الاستنتاج، قام علماء بتحليل أكثر من 12000 عينة براز من أشخاص في 45 دولة. باستخدام تقنيات تسلسل الحمض النووي، وتمكن العلماء من تحديد وقياس الميكروبات المكتشفة في كل عينة. ووجدوا أن تركيبة ميكروبيوم الأمعاء كانت مختلفة بشكل أساسي عن غير المصابين بها.

من خلال تحليل هذه الميكروبات وجيناتها، تمكنا من التنبؤ بدقة (نحو 80 في المائة من الوقت) بما إذا كان شخص ما مصاباً ببكتيريا في أمعائه. وقد ظهر للعلماء أن أنواع البكتيريا في أمعائنا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما إذا كانت الأنواع الضارة قادرة على السيطرة على أمعائنا.

وبالبحث بشكل أعمق، اكتشف العلماء مجموعتين من البكتيريا: تلك التي ازدهرت جنباً إلى جنب مع البكتيريا المعوية (ما يسمى «المستعمرات المشتركة») وتلك التي نادراً ما توجد معاً («المستبعدات المشتركة»).

وقد برز نوع واحد من البكتيريا التي تستبعد البكتيريا المعوية، باعتبارها مهمة بشكل خاص، وتسمي Faecalibacterium. وهي تنتج مواد كيميائية تسمى الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة عن طريق تكسير مجموعة متنوعة من الألياف في نظامنا الغذائي. وهذا بدوره يمكن أن يمنع البكتيريا الضارة من النمو.

كان وجود هذه الأحماض الدهنية إحدى أقوى الإشارات التي لاحظناها بين البكتيريا المستبعدة والمستعمرة. كما تم ربطها سابقاً بمجموعة واسعة من الفوائد الصحية، مثل تقليل الالتهاب وتحسين وظيفة الأمعاء.

كان هذا مفاجئاً بشكل خاص حيث زعمت دراسات سابقة أجريت على الفئران أن البكتيريا التي تأكل نفس أنواع الأطعمة والمغذيات ستواجه صعوبة في العيش معاً في الأمعاء.

وهذا يشير مرة أخرى إلى حقيقة مفادها بأن الظروف البيئية للأمعاء (المغذيات، درجة الحموضة، مستوى الأكسجين) هي العوامل الرئيسة التي تحدد ما إذا كان الشخص سوف يصاب ببكتيريا ضارة في أمعائه أم لا.

أكثر فاعلية من البروبيوتيك. قد تؤدي تلك النتائج إلى طرق جديدة للوقاية من وعلاج الالتهابات دون استخدام المضادات الحيوية. على سبيل المثال، بدلاً من قتل البكتيريا الضارة بشكل مباشر (والتي يمكن أن تضر أيضاً بالبكتيريا الجيدة)، يمكننا تعزيز البكتيريا المستبعدة أو إنشاء أنظمة غذائية تدعم نموها.

قد تكون هذه الاستراتيجية أكثر فاعلية من تناول البروبيوتيك بشكل مباشر، حيث ثبت سابقاً أن البكتيريا الجديدة المضافة إلى القناة المعوية لا تعيش إلا لفترة محدودة في الأمعاء. يمكننا أيضاً استهداف مسارات محددة تستخدمها البكتيريا الضارة للبقاء على قيد الحياة، مما يجعلها أقل تهديداً.

ورغم أن تلك الدراسة تقدم رؤى جديدة ومهمة، فإنه لا يزال هناك الكثير للتيقن منه، فالعديد من المناطق، بما في ذلك أجزاء من أميركا الجنوبية وأفريقيا، لا تحظى بالقدر الكافي من التمثيل في دراسات الميكروبيوم. وهذا يحد من فهمنا لكيفية اختلاف بكتيريا الأمعاء بين مختلف السكان.