رغم الرفض والمماطلة... تركيا تتمسك بحلم «الأوروبي»

لا يزال حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي يراود تركيا رغم مرور أكثر من 50 عاما عليه (أ.ف.ب)
لا يزال حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي يراود تركيا رغم مرور أكثر من 50 عاما عليه (أ.ف.ب)
TT

رغم الرفض والمماطلة... تركيا تتمسك بحلم «الأوروبي»

لا يزال حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي يراود تركيا رغم مرور أكثر من 50 عاما عليه (أ.ف.ب)
لا يزال حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي يراود تركيا رغم مرور أكثر من 50 عاما عليه (أ.ف.ب)

لا يزال حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي يراود تركيا رغم مرور أكثر من 50 عاما عليه، إلا أنها لم تعد تستطيع الصبر على المعوقات التي تحول دون تحقيقها لهذا الحلم.
وقد أشار وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، اليوم (الأربعاء) إلى أن صبر تركيا قد نفد إزاء محاولتها التي أصابها الجمود للانضمام للاتحاد الأوروبي.
ونقلت وكالة «الأناضول» التركية للأنباء عن تشاويش أوغلو القول: «دعونا لا ننتظر 50 عاما أخرى. لم يعد لدينا أي صبر، شعبنا أيضا لم يعد لديه أي صبر».
وشدد الوزير التركي على أن أنقرة تريد الحفاظ على الاحترام المتبادل في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في إطار معايير الاتحاد، وضرورة تنحية الصعوبات جانبا، خصوصاً المتعلقة بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وإجراء تقييم للخطوات الواجب اتخاذها في هذا الإطار.
ويرجع تاريخ مساعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلى عام 1959، وتم توثيق ذلك في اتفاقية أنقرة عام 1963، التي أقرت العضوية التدريجية لتركيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي، وقدمت تركيا طلباً في عام 1987 للانضمام إلى ما كان يسمى الاتحاد الاقتصادي الأوروبي، وقد تم تصنيفها من قبل الاتحاد الأوروبي في 1997 على أنها مؤهلة للانضمام إليه، لكن لم تبدأ المفاوضات حول ذلك فعليا حتى عام 2005.
وتوقفت المفاوضات عام 2016 وسط انتقاد الاتحاد الأوروبي لانتهاكات حقوقية في تركيا وخطاب أنقرة البلاغي الحاد والمثير للجدل الذي استهدف بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مشبها إياها بألمانيا خلال الحقبة النازية.
ومع ذلك، تسعى تركيا مؤخرا إلى إصلاح العلاقات مع الدول الأوروبية.
وقال تشاويش أوغلو اليوم إن نظيرته النمساوية كارين كنايسل مدعوة لزيارة أنقرة في 25 يناير (كانون الثاني) الجاري، وفقا للأناضول.
يأتي ذلك بعد زيارة تشاويش أوغلو لنظيره الألماني زيغمار غابريل يوم السبت الماضي.
وبالإضافة إلى اتهام الاتحاد الأوروبي لتركيا بممارسة انتهاكات حقوقية في السنوات الأخيرة وإعرابه الدائم عن قلقه إزاء «تدهور سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرية الإعلام ومكافحة الفساد» بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في عام 2016، فهناك الكثير من المعوقات الأخرى التي تحول دون تحقيق الحلم التركي، بعضها ديموغرافي، حيث إن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي يجعلها ثاني أكبر عضو في الاتحاد من حيث عدد السكان بعد ألمانيا، وهذا التعداد يعطي لتركيا عددا أكبر من الممثلين داخل الأوروبي ويجعلها من الأعضاء الفاعلين فيه، ويعتقد البعض أن هذا يثير مخاوف سياسية كثيرة لدى دول الاتحاد.
أما من الناحية الاقتصادية، فيتوقع البعض أن انضمام تركيا للاتحاد سوف يدفع بعدد كبير من المهاجرين الأتراك إلى بعض دول الاتحاد مثل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وغيرها، للبحث عن فرص عمل في هذه الدول. ونظراً لأن العمالة التركية تعتبر من العمالة الرخيصة فسوف يساعد هذا على تدني الأجور في هذه الدول وزيادة معدلات البطالة. هذا بالإضافة إلى توقع انتشار السلع التركية الرخيصة في دول الاتحاد مما سوف يؤثر على الصناعة المحلية في هذه الدول.
وترفض معظم الدول الأوروبية كفرنسا وألمانيا انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، إلى جانب اليونان بسبب الخلاف التاريخي بين الدولتين وسيطرة تركيا على قبرص عام 1974 والنزاع على جزر إيجة، وعدم اعتراف تركيا بالمجازر التي قامت بها بحق الشعب الأرمني خلال الحرب العالمية الأولى.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».